شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 1924-10-10
 

الفاتح العربي الجديد جزء 1

أنطون سعادة

منذ حادثة تلك الليلة الليلاء التي جرت سنة 1902 حين دخل رياض عاصمة نجد تسعة فرسان تتقد أعينهم اتقاداً مخيفاً وتدل هيئتهم العبوسية على أهمية الأمر الذي أقدموا عليه وذهبوا تواً إلى قصر الحاكم المولى من قبل آل الرشيد وقتل رئيسهم الشاب الحاكم بطعنة خنجر نجلاء وتكفل الباقون بأهل القصر - منذ حادثة تلك الليلة التاريخية الشهيرة في بلاد العرب التي انتهت بنجاح مهمة أولئك الفرسان التسعة ووقوف واحد منهم على سطح القصر الذي استولوا عليه صائحاً بأعلى صوته (الملك لله ولإبن السعود!) ابتدأ تاريخ فاتح عربي جديد له هيبة أمراء العرب المشهورين وصولة الغزاة الفاتحين، تجول في مخيلته خواطر تفوق في غرابتها خواطر ألف ليلة وليلة وتجيش في صدره مطامح هي أبعد كثيراً من الاستيلاء على رياض أو نجد بكاملها.

ان تاريخ عبد العزيز آل سعود الفاتح العربي الجديد الذي حمل إلينا البرق خبر غارته واستيلائه على مكة المكرمة قلب الإسلام هو من التواريخ الجامعة بين غرابة الحقيقة ودهشة الواقع وروعة الخيال ولذة الرواية بل هو رواية حقيقية مدهشة بطلها يلعب الآن على مسرح البلاد العربية ورمالها المحرقة دوراً رائعاً يخلب الألباب ويذهل العقول.

البطل

عبد العزيز آل سعود موصوف بالحزم والشجاعة وقوة الإرادة والورع لا يضطرب لقيادة الحملات وشن الغارات ولا يعرف في أعماله خوفاً ولا رهبة وهو كريم الأخلاق يرفق بأعدائه الساقطين، يقدم هو على الأمر الخطير بعد اعمال الروية والتدقيق ويعرف كيف يغنم الفرص متى سنحت وهو طويل القامة يزيد طوله على ستة أقدام إنكليزية، متناسق التركيب، قوي البنية، شديد الأسر، قضى أيامه الماضية على ظهور الخيل حتى أصبح فارساً مراً ومثالاً للقوة الطبيعية.

لا يتجاوز عبد العزيز السابعة والأربعين وهو كريم المحتد عريق في الشرف، كان آباؤه وأجداده أعظم أمراء العرب من قبله وأعرضهم جاهاً وأبعدهم صيتاً وأرهبهم جانباً وكانت لهم مع الدولة العثمانية وقائع مشهورة كانوا هم الفائزين فيها إلى أن حاربهم محمد علي باشا بعد أن استنجد به السلطان محمود خان الثاني وظلت حروب محمد علي باشا وابنه إبراهيم باشا معهم من سنة 1811 إلى سنة 1919 وانتهت تلك الحروب بأن الجيش المصري قهرهم وحصرهم في نجد.

صولة آل سعود

ابتدأت صولة آل سعود في أوائل القرن الثامن عشر أي منذ اليوم الذي أجار فيه الأمير محمد آل سعود في الدرعية محمد عبد الوهاب الذي تنسب الوهابية إليه من شيخ (العينية) مسقط رأسه الذي أراد قتله أو نفيه بناء على الأمر الصادر إليه من أمير "الحساء" وقد ساعد الأمير محمد آل سعود الشيخ محمد عبد الوهاب على نشر تعاليمه التي نلخصها في ما يأتي:

أداء الصلاة خمس مرات في اليوم وصوم رمضان والامتناع عن المسكرات ومنع البغاء والميسر والسحر والربا والتدخين وتفريق جزء من مائة من الأموال الزكاة على الفقراء والتشديد في عقاب شهادة الزور والحج مرة على الأقل في العمر ومنع الرجال من لبس الحرير وهدم المزارات وقبور الأولياء وقتل المشركين.

وكان أول من تصدى لمقاومة الأمير محمد والمذهب الوهابي بالقوة هو ديهم بن دواس الذي كان آنئذ حاكم رياض فحاربه ابن السعود وقهره فكان النصر مشدداً لعزيمة الأمير محمد وفاتحة عهد صولة آل سعود.

أخذ أشياع المذهب الوهابي يتكاثرون بعد ذلك واشتدت أواصر القربى بين آل سعود ومحمد عبد الوهاب بأن الأمير محمداً المذكور اقترن بابنة الشيخ محمد عبد الوهاب التي ولدت له ابنه عبد العزيز السعودي الأول فقام عبد العزيز هذا بعد موت والده بأعمال عظيمة وفتوحات كثيرة ومات قتيلاً سنة 1802 إذ غدر به رجل فارسي فخلفه ابنه سعود الذي نسج على منوال أبيه وهدد الدولة العثمانية في سوريا والعراق وتوجه إلى الحجاز وفتح مكة في 27 ابريل سنة 1803 وبعث على أثر ذلك بكتاب إلى السلطان سليم الثالث ينبئه بأنه استولى على البيت الحرام وهدم أشباه الوثنية وأبطل ما كان على غير حق من الضرائب وما إلى ذلك واستأنف بعد ذلك فتوحاته في الحجاز واستولى على المدينة المنورة وبلغت حدود سلطنته سنة 1809 صحراء سوريا من الشمال وبحر العرب من الجنوب وخليج العجم من الشرق والبحر الأحمر من الغرب.

أخيراً جاءت الحرب التي أقامها على الوهابيين محمد علي باشا وأبنه إبراهيم باشا وقد ذكرنا كيف انتهت الحرب في ما تقدم ولكن تلك الحرب لم تقضِ على صولة آل سعود بالمرة فبقي هؤلاء أسياد نجد بلا منازع إلى أن أثارت عليهم الدولة التركية آل الرشيد خصوصاً سنة 1892 فشتتوا آل سعود واستولوا على عاصمتهم رياض وكان أمير آل سعود حينئذ عبد العزيز الحالي وله من العمر 15 سنة فأخذ هذا من بقي له من المخلصين وسار هائماً بهم في البراري والقفار إلى أن استقر أخيراً في الكويت عند أميرها مبارك الصباح الذي اتفق مع أمير المحمرة خزعل خان على معاضدته.




.... للبحث صلة،



"المجلة" السنة العاشرة، اكتوبر 1924



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه