شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2007-10-20
 

محمد علي والمؤامرة على مصر

محمد خليفة

كانت مصر منذ الفتح العربي الإسلامي لها عام 20 للهجرة، إيوان العروبة والإسلام، وخلال الحملات الصليبية على الشرق العربي في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين، كانت مصر بؤرة المقاومة للغزاة الصليبيين الذين أدركوا أنهم لن يهنأ لهم المقام في بلاد الشام ما لم يسيطروا على مصر، ولكنهم لم يفلحوا رغم محاولتهم المريرة للوصول إلى هذا الهدف، وبعد إنكفاء الصليبيين وعودتهم إلى أوروبا ظلت مصر حاضرة في ذكرياتهم الأليمة وظلوا مصممين جيلاً بعد جيل على الانتقام منها. ومع ولادة النهضة في أوروبا في القرن السادس عشر، ظهرت دول أوروبية حديثة أهمها بريطانيا وفرنسا اللتان راحتا منذ القرن الثامن عشر تحاولان السيطرة على مصر التي كانت ضمن ولايات الدولة العثمانية، وفي عام 1775 عقدت شركة الهند الشرقية البريطانية معاهدة مع والي مصر المملوكي محمد أبو الذهب لفتح ميناء السويس أمام السفن والتجارة البريطانية ومنح امتيازات للتجار الانجليز المقيمين في مصر أو المارين منها، وتأمين حمايتهم وحماية ممتلكاتهم، وعندما سمعت فرنسا بهذه المعاهدة سارعت هي الأخرى إلى عقد معاهدة مماثلة مع أمراء المماليك في مصر عام 1792، لكن بريطانيا نجحت في إقناع المماليك بإلغاء معاهدتهم مع فرنسا لكي تنفرد هي في السيطرة على مصر، فغضبت فرنسا من المماليك وأرسلت حملة عسكرية لاحتلال مصر بقيادة القائد الشهير نابليون بونابرت عام 1798، ونجحت هذه الحملة في احتلال مصر، لكن الجيش الفرنسي لم يستطع الاستمرار فيها بسبب محاصرة الأسطول البريطاني للشواطئ المصرية مما أدى إلى قطع المؤن عنه، فاضطر هذا الجيش إلى العودة إلى بلاده عام 1801 دون أن يحقق أهدافه في السيطرة على مصر، وكانت الدولة العثمانية قد أرسلت حملة عسكرية لمحاربة الفرنسيين في مصر وكانت فيها فرقة قدمت من منطقة البلقان تدعى /الفرقة الألبانية/ وكان في هذه الفقرة شاب مقدوني مسلم يدعى محمد علي، وكان هذا الشاب قوياً ونشيطاً واستطاع بمهارته الفائقة أن يكسب ود الشعب المصري الذي اختاره ولياً على مصر عام 1804، وقد وافق السلطان العثماني عام 1805 على تعيينه، وتمكن محمد علي من تثبيت حكمه بعد أن قضى على خصومه المماليك، ومن ثم سعى إلى بناء نهضة حديثة في مصر على الطراز الأوروبي، فنظم الإدارة، واهتم بالتعليم اهتماماً كبيراً ففتح المدارس والمعاهد الاقتصادية وأرسل البعثات العلمية إلى فرنسا، واهتم بالصناعة وأنشأ مصانع حديثة ولا سيما لإنتاج الأسلحة والذخائر، وأسس جيشاً حديثاً واستخدم لتدريبه بعض الضباط الفرنسيين، وأسس مدارس حربية كما أنشأ أسطولاً حديثاً وأقام دوراً لصناعة السفن ومدراس بحرية، وبلغ الأوج في بناء قوته العسكرية براً وبحراً، وفي عام 1811 كلَّفه السلطان العثماني لضرب السعوديين الوهابيين الذين كانوا قد أنشأوا دولة في جزيرة العرب واستقلوا عن الدولة العثمانية، فأرسل محمد علي ابنه طوسن، ومن ثم أرسل ابنه إبراهيم الذي نجح في القضاء على الدولة السعودية الأولى واستولى على معظم مناطق الجزيرة العربية عام 1818. وبعد هذا النصر قويت ثقة محمد علي بنفسه فتطلع إلى بناء دولة عربية كبيرة فسيطر على السودان عام1823، ومن ثم أرسل ابنه إبراهيم إلى بلاد الشام ففتحها عام 1831، وأصبح في يد محمد علي بالإضافة إلى مصر كل من الجزيرة العربية والسودان وبلاد الشام، وبات قوة كبرى في الشرق، وقد تخوفت بريطانيا وفرنسا من هذه القوة ووجدتا فيها تهديداً لأحلامهما في السيطرة على الشرق، ولذلك اتفقتا مع الدولة العثمانية على محمد علي، وبدأت هذه الدول الثلاث بالتحضير لمحاربته، وفي عام 1840 تم توجيه إنذار له للانسحاب من سوريا، وأنزلت بريطانيا جيوشها على الساحل السوري، فشعر محمد علي بحراجة موقفه وأدرك أنه إذا لم يخضع لشروط هذه الدول فإن الحرب واقعة عليه لا محالة، عند ذلك أمر ابنه إبراهيم بالانسحاب من سوريا ومن الجزيرة العربية أيضاً، وفي عام 1841 انعقد مؤتمر في لندن حضرته هذه الدول الثلاث وبموجبه تم إعطاء محمد علي حكم مصر وراثياً لأكبر أفراد أسرته، لكن هذا المؤتمر حرم مصر من الاستقلال حيث أعادها كولاية إلى الدولة العثمانية، وتم تحجيم الجيش المصري والقوة المصرية وفي مقابل انهيار مشروع محمد علي لبناء دولة عربية قوية، ازداد النفوذ البريطاني – الفرنسي في بلاد الشام ومصر وسواحل الجزيرة العربية، إلى أن وقعت مصر تحت الاحتلال البريطاني عام 1882، وتم تقسيم بلاد الشام بين بريطانيا وفرنسا وفق معاهدة سايكس بيكو عام 1915، وتقاسمت هاتان الدولتان السيطرة على ما بقي من العالم العربي أيضاً، ولو نجح محمد علي لكان الحاضر العربي غير ذلك تماماً، لكن لا حول ولا قوة إلا بالله.




 

جميع الحقوق محفوظة © 2025 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه