إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

خطاب أول آذار 1938 الجزء الثامن

أنطون سعادة

نسخة للطباعة 1938-03-01

إقرأ ايضاً


بعد نحو سنة ونصف من كل عمل بطيء خفي لم يزد فيها عددنا على ثلاثين عضواً ازداد تنبه الأعضاء وابتدأوا يصيرون قوة فاعلة لها ثقة بنفسها وإيمان بقضيتها فاتسعت دائرة الأعمال الإذاعية والدعوة إلى اعتناق المبادئ الجديدة والدخول في الحزب، وكانت الدعوة إفرادية سرية. فازداد الإقبال وأخذت المعنويات تشتد والأمل يقوى. وفي بضعة أشهر بلغ عددنا ألف عضو. وكانت سنة 1933 سنة إقبال واسع النطاق. وكنت في سنة 1934 قد وضعت مواد التشريع الأساسي وأوجدت بعض المؤسسات فنشأت الفروع وتعين عدد من المسؤولين لممارسة الصلاحيات الإدارية في المركز و الفروع وأخذ الحزب السوري القومي يتجه من حالته السرية الأولى نحو صفته الصحيحة وهي أن يكون حركة شعبية واسعة النطاق وثورة اجتماعية – اقتصادية – سياسية.

بين أوساط سنة 1935 وأواخرها نما الحزب نمواً كبيراً واتسع نطاقه ولم يعد في الإمكان إخفاء هذه الحركة الفكرية الاجتماعية السياسية العظيمة. فأخذ أمر الحزب يظهر شيئاً فشيئاً وصار بعض الناس يتهامسون في البيوت والأوساط العائلية عن هذه الظاهرة الجديدة. ولكن الشعور بوجود الحزب السوري القومي واتصال هذا الشعور بدوائر الاستخبارات والأمن العام لم يكونا كافيين لجلاء حقيقة هذا الحزب وطبيعته ومبلغ قوته فكان لابد من اكتشاف خائن لأن رجال الحزب المركزيين كانوا كلهم مخلصين ومنزهين وكانوا قد أصبحوا ثابتين في مراكزهم. وتمكنت هذه الدوائر من اكتشاف أكثر من خائن ومأجور واحد ولكن واحداً منهم فقط تمكن من انتهاز فرصة تشعب أعمال الحزب والوصول إلى معلومات وثيقة عن أماكن أوراق الحزب وأسماء جميع العاملين المركزيين فأعطى هذه المعلومات إلى دائرة الأمن العام، التي أتخذت تدابيرها في الحال وكان أمر القبض علينا في السادس عشر من تشرين الثاني سنة 1935.

كان هذا الاعتقال أول تجربة تتعرض لها قوة المبادئ والمناقب والأخلاق. وقد وقع معاوني أعضاء مجلس العمد وبعض الموظفين المساعدين في حيص بيص. وكانوا في حيرة من أمرهم حينما مررت بهم نحو الساعة الثانية بعد الظهر إلى الغرفة المجاورة لغرفتهم في دائرة الأمن العام وواحد منهم تنكر لي وتظاهر بأنه لا يعرفني. الا أن رئيس مجلس العمد نعمة ثابت اقترب مني وهز يدي هزة معنوية وقال "لا بأس". والشيء الوحيد الذي تمكنت من أن أقوله لهم في مروري هو أني قد اعترفت بوجود الحزب السوري القومي وأنه يجب على كل واحد أن يعترف بالوظيفة والمسؤولية اللتين يحملهما ويترك الباقي من الأمر لي أنا.

من هذه النقطة ابتدأت الثورة الروحية العملية على الخوف والوجل والتهرب، على صفات الخنوع والذل، "إني أسست حزباً قومياً في السر لا لكي يبقى في السر، بل ليظهر للملأ معلناً تجدد أمة كان العالم يظنها ميتة" هذه هي العبارة، التي أجبت بها على سؤال قاضي التحقيق الأجنبي عن السبب في كون الحزب سرياً.

أتظنون أن هذه العبارة هي التي كان يتوقعها الناس، ألم يقل الكثيرون في نفوسهم "سوف نرى كيف يتنصل سعاده من تبعة الأمر الذي يقوم به؟".

الحقيقة أن الحزب السوري القومي هو أول حزب تجرأ على التأسس في سورية بعد إلغاء الأحزاب وإعلان قوانين قمع الجرائم المخيفة، وكنت أشعر أن الكثير من الذين دخلوا الحزب كانوا يظنون التستر والخفية أقوى قوة في الحزب ويتخوفون كثيراً من انكشاف أمر الحزب وظهور أسمائهم حتى أن مجلس العمد الأول بحث في إحدى جلساته ضرورة كتمان اسم الزعيم والعمد فلما رفضت أن يكتم اسمي والعمل بسياسة الكتمان والإبهام رأى أعضاء المجلس أن يوافقوني على أن سياسة الجلاء والصراحة هي الأوفق، وكم من الذين جاؤوا يراجعونني في أمر إتلاف بطاقات العضوية المثبتة مسؤوليات الأعضاء فرفضت الإصغاء لصوت الخوف والوجل وأجبت الذين كانوا يطلبون إتلاف التذاكر والاستغناء عنها "إننا حين ندخل الحزب السوري القومي ندخل في حياة جديدة لا نريد أن نتخلى عنها" والذين كانوا يقولون "لا حاجة لهذه البطاقات، لأن الإيمان في القلب، والأصل الباطن وكلمة الرجل تكفي لتقييده" أجبتهم "أن الظاهر يجب أن يدل على الباطن والذي يتقيد بكلمته لا يرفض أن تكون هذه الكلمة خطية وحاملة توقيعه"، إني أبغضت السياسة في القومية وكرهت الاحتيال للتهرب من المسؤولية بشرف ولكني لم أحتقر الذين خاطبوني، لأني كنت أعرف نفسية البيئة قبل النهضة، بل صبرت وحدثتهم بما يشجعهم ويقوي معنوياتهم.

....

يتبع




 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024