إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

هل حان وقت إنصاف البعث ؟

د. وسام جواد

نسخة للطباعة 2008-04-19

إقرأ ايضاً


حين يصل الحال بالبعض الى حد الترحم على نظام, يصر الكثيرون ممن إكتوى بناره على تسميته بـ " الدكتاتوري والفاشي والدموي والقمعي..الخ " فان ثمة ما يدعو الى التأمل, والتفكير في تقييم المرحلة السابقة بتجرد وموضوعية, خصوصا وأن عددا ملحوظا من المثقفين والسياسيين وحتى المتضررين من النظام قد انضموا الى المترحمين عليه بعد خمسة أعوام من القتل والتدمير على أيدي حثالات البشر و رعاة البقر .

ولا شك في أن النظام السابق كان شديدا وعنيفا وبعيدا عن فهم ضرورة ملاقاة ومَد يَد التعاون الى القوى والشخصيات الوطنية المستقلة, ذات التاريخ النضالي والمواقف المعروفة. إلا أنه أبقاها مغلولة لمجرد الشك والشعور بعدم الثقة, بسبب أنشطة مارستها قوى سياسية ودينية, عرف عن إرتباطاتها المشبوهة بقوى خارجية, مما جَعِل هذا الشك وانعدام الثقة, قاعدة تسري على بقية القوى الوطنية.

لقد عمل النظام على تضييق أنشطة القوى السياسية الوطنية وتعامل معها بقسوة, فحرم نشاطها في الجيش والشرطة ومنعها في معظم مجلات العمل النقابي والطلابي, معتبرا حزب البعث العربي الاشتراكي البديل الوحيد عنها.. وقد أدى ذلك الى عرقلة المسيرة الوطنية المشتركة وعزل النظام ضمن دائرة,أخذ يضيق محيطها تدريجيا ,لا سيما بعد حرب الخليج والحصارالغاشم لتنتهي بكارثة إحتلال العراق .

ان ما كتبه الأستاذ معن بشور في مقال (أما حان الوقت لإنصاف البعث؟ ) فيه ما يستدعي الرد :

" سألني صديق، استمع اليّ وانا اتحدث في الذكرى الخامسة للحرب على العراق: ما بالك تنصب نفسك مدافعاً عن البعث وقد خرجت من تنظيماته قبل ثلث قرن ونيف، وحُرِمْتَ من "خيرات" سلطته في بغداد فيما كان كثيرون، من اقصى اليسار الى اقصى اليمين، ومن المحيط الى الخليج يتنعمون بها."

إن مثل هذا الطرح يدفع الى التساؤل عن "الخيرات" وحول ما إذا كان الصديق يعبرعن تصوره الشخصي أم انه كان يذكر حقائق, لا يمكن أن تصب في صالح الحزب والنظام, لأن الانتماء الحزبي إذا قام على أساس المصالح الشخصية, فانه يلحق الضرر بقضية النضال والإيمان بتحقيق الأهداف ,التي يتبناها الحزب ..

وبعد سرد لمناقب حزب البعث التي يعتبرها الأستاذ معن بشور "شهادة" على عراقته وعلى عمق تجذّره في الارض العربية يذكر: " وهي شهادة لا تخفي ابداً حجم الاخطاء والخطايا، وبعضها كان قاسياً ودامياً، التي وقع فيها البعث او أستدرج اليها، منذ ان تماهت تجربته مع السلطة، وتاهت في خباياها وزواياها، فطغت احياناً اعتبارات الاحتفاظ بالحكم على ضرورات الحفاظ على المبادئ والاساليب السليمة."

الفرق كبير بين الأخطاء والخطايا يا أستاذ مُعن بشور. وليس من السهل أن تمر دون أن يحاسب مرتكبيها ( وهذه ضرورة تاريخية وأخلاقية..), خاصة إذا كان بعضها "قاسيا ودمويا".. والمثل يقول: إللي ينضرب بالعِصي مو مِثل اللي يعِدها..

لقد تركتم حزب البعث منذ ثلث قرن ونيف كما ذكرتم, وتركت أنا الحزب الشيوعي منذ نفس الفترة. واذا افترضنا بأن تجاربنا السياسية ومستوياتنا الثقافية تمكننا من تجاوز الخلافات نظرا للظروف الصعبة,التي يمر بها العراق,فهل مَن يضمن قبول شرائح المجتمع المتضررة والمتفاوتة في درجات الوعي السياسي والثقافي بانصاف البعث قبل انصافه لها ؟

" لكن إنصاف البعث اليوم، بكل مدارسه وتياراته وتنظيماته، بات واجباً عربياً عاماً ينبغي ان يضطلع باعبائه كل احرار الامة، الى اي حزب انتموا، والى اي عقيدة اعتنقوا، لأن حجم التحامل على البعث بلغ حدّ شن حملة عالمية عسكرية ضخمة، وبتسهيل عربي (مع الاسف).."

إذا كان الموضوع يتعلق بانصاف البعث, فما المقصود بمدارسه وتياراته وتنظيماته ؟ وهل يحتم الواجب العربي على المنتمين لباقي الاحزاب وعلى أصحاب العقيدة إنصافها جميعا لمجرد أن التحامل على البعث بلغ أشده..؟ إنكم تقرأون حتما لشيوعيين وأصدقاء مخلصين للحزب الشيوعي وهم يوجهون النقد الصريح لمواقف القيادة الحالية المتخاذلة مع الاحتلال وأعوانه, لكننا وللأسف الشديد, لم نلق مثل هذه المواقف الشجاعة من قبل المنتمين "للمدارس والكليات والتيارات والتنظيمات" البعثية,التي يجدر بأساتذتها المخلصين تعميم درس النقد الذاتي, بعد كل الذي حصل بسبب السلوكيات الهوجاء والمرفوضة لبعض تلاميذها وطلابها. ولاشك في أن ما ذكرتم :

" لكن الابرز في هذه المؤشرات جميعاً هو ان الخطاب البعثي الجديد بدأ ينطوي على قدر جدي من المراجعة، التي بدونها لا مستقبل للحركات والاحزاب العريقة.." يشكل خطوة إيجابية , تتطلع إليها الجماهير, و تنتظرها باقي القوى السياسية والأحزاب الوطنية في الإتجاه الصحيح ..

" ان مراجعة البعث لنفسه ومراجعة الاخرين لمواقفهم منه، مدعوتان للانطلاق من فكرة بسيطة ان احداً لا يستطيع الغاء احد في واقعنا الراهن، وكما عجز البعث وهو في ذروة السلطة ان يلغي احزاباً وقوى ورموزاً عارضته، فان احداً لا يستطيع الغاء البعث لاسيّما حين يكون مقاوماً في بغداد وممانعاً في دمشق، وقومياً عربياً وحدوياً في كل اقطار الامة ".

لقد حَملتُ ذكريات الطفولة الأليمة,حين كنت أقوم بزيارات لأقرب الناس إلي في سجون جريمة إجتثاث الشيوعية الدامية في العراق بعد انقلاب 1963 ولكني رفضت حمل الحقد معي, وبقيت أسكن طوال أعوام الغربة في نفسي ألم الخلافات بين أبناء شعبنا الواحد وعدم إستيعابهم لحجم المؤامرة, التي أظهرت أحد أبعادها في جريمة إجتثات البعث هذه المرة بعد الإحتلال في 2003 على يد الذين استدرجوا البعث سابقا لتصفية الشيوعيين, يحذوني الأمل في أن يكون هذا الدرس القاسي سببا في إنتفاضة الفكر السليم ودافعا لوحدة وطنية حقيقة راسخة,غير مرحلية, ترص بنيانها كل القوى والاحزاب الوطنية من أجل عراق حر ومستقبل سعيد للأجيال القادمة.

إن مراجعة البعث لنفسه ضرورية, ويجب أن تكون جريئة وواضحة, وعلى مدى جديتها وصحة إستنتاجاتها ستتوقف مراجعة الآخرين منه. وقد حان وقت هذه المراجعات والمطالعات الجادة للجميع من أجل النجاح في إمتحان القوى الوطنية,التي وضعها الاحتلال وتعقيدات الظروف غير الطبيعية على المحك. فالشعب العراقي بأمس الحاجة لأن يكون النجاح حليفا لكل القوى الوطنية المخلصة, لتتمكن من الدخول الى مرحلة التنافس الحضاري الخلاق في البناء والتقدم,لا أن تراوح في مستوى هابط من التنافس الحزبي الضيق والمقيت.




 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024