شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2008-06-01 |
الأزمة اللبنانية واتفاق الدوحة |
خرج حوار الدوحة بين الموالاة والمعارضة في لبنان ببيان ختامي تلاه رئيس وزراء دولة قطر ووزير خارجيتها الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني . وأعلن فيه توصّل الفريقين اللبنانيين إلى اتفاق لحلّ الأزمة من خلال انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية ، وتشكيل حكومة وحدة وطنية يكون للموالاة فيها ستة عشر وزيراً وللمعارضة أحد عشر وزيراً ، والباقي لرئيس الجمهورية ، مع الاتفاق على قانون انتخابي جديد . ولا شك أن هذه النهاية أسعدت كل المخلصين في لبنان والعالم العربي والذين يريدون أن يروا لبنان وطناً مستقراً ومزدهراً وقوياً . ولكن يبقى السؤال هو ، كيف سيتم تطبيق هذا الاتفاق ، إذ لا يكفي أن يتفق المتصارعون في بلد ما على صيغة للعيش المشترك ، بل لا بدّ من إيجاد الآليات التي تكفل تطبيق واستمرار هذه الصيغة . وقد سبق لفتح وحماس أن وقّعتا في مكة وبإشراف العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز على اتفاق لرأب الصدع وتحصين الجبهة الداخلية الفلسطينية ، ولكن هذا الاتفاق لم يطبّق وأعقبه سيطرة حماس على قطاع غزة وانقسام الصفّ الفلسطيني إلى قسمين . وقطعاً أن مشكلة لبنان أعقد وأخطر من المشكلة القائمة في الأراضي الفلسطينية ، فهذه المشكلة الأخيرة حديثة ، كما أنها بين فريقين ينتميان في غالبهم إلى مذهب واحد ، ولكن فرّقتهم السياسة والنظرة إلى الصراع مع إسرائيل . أما لبنان ، فإن المشكلة فيه قديمة ، فهو بلد مركّب على أساس التوازنات الطائفية التي تفترض وجود طرف خارجي يتكفّل بإدارة الصراع بين الطوائف بما يحقق الانسجام ومنع وقوع الفتنة والاقتتال . وقد كانت فرنسا في عهد الانتداب "Mandate" هي التي تتولى هذا الأمر، وما إن استقلّ لبنان حتى عاد الخلاف والصراع بين طوائفه والذي بلغ أوجه في الحرب الأهلية التي حدثت عام 1975 ، ومن ثم أصبحت سوريا خلال وجودها في لبنان هي التي تتولى تحقيق التوازنات بين الطوائف . وما أن خرجت سوريا عام 2005 ، حتى عاد الخلاف والشقاق بين فريقين الأول منهما يسمي نفسه "موالاة" والفريق الآخر يسمي نفسه "معارضة" ، وكلا الفريقين ينظر إلى الآخر على أنه مرتبط بمشروع خارجي . فالموالاة تقول عن المعارضة ، بأنها تنفّذ أجندة إيرانية وسورية وتسعى إلى إعادة الوجود السوري إلى لبنان . أما المعارضة فإنها تقول ، إن الموالاة أداة لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير الأمريكي في لبنان . وبالتالي ، فإن هذين الفريقين اللذين وعلى امتداد نحو ثلاث سنوات ، قد شتما بعضهما البعض، لا يمكنهما أن ينسيا آلام الماضي ويلتقيا لمجرد الالتقاء . فالمسألة هنا ليست علاقات شخصية ، بل هي مسألة وطن ومسألة صراع مرتبط بالصراع الدائر في المنطقة العربية بين الحلف الأمريكي ـ الإسرائيلي من جهة ، وبين قوى المقاومة والممانعة التي لها وجود كبير في لبنان من جهة أخرى . وهذا الصراع لن يُحسم بالحلول السياسية والتسويات ، بل بالقتال مهما طال الزمن . وسواء قَبِل اللبنانيون أم لم يقبلوا فهم جزء أساسي من هذا الصراع ، ومشاكلهم لن تنتهي إلاّ بالحلّ الشامل الذي لم ينضج بعد . واتفاق الدوحة سيجد ، عن قريب ، عقبات كبيرة أمام تطبيقه وقد يُحال إلى التقاعد باكراً بسبب غياب الطرف الخارجي الموازن بين الطوائف ، فلا الموالاة تقبل بسوريا أو إيران ليلعبا هذا الدور ، ولا المعارضة تقبل بالولايات المتحدة لتقوم بهذا الدور أيضاً ، ولا الجامعة العربية التي رعت هذا الاتفاق في الدوحة ، قادرة على فرضه بالقوة على اللبنانيين إذا لزم الأمر . وهكذا ، فإن لبنان سيبقى مفتوحاً على الصراع إلى أجل غير مسمى . |
جميع الحقوق محفوظة © 2025 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه |