شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 1970-01-01
 

فلسطين الماضي ونظرة إلى المستقبل

محمد خليفة

لا ريب أن قواعد عريضة من أبناء الأمة العربية يشعرون بأن الأيام والفرص قد ولت ، وأنهم يعيشون العجز بسبب الأزمات التي عانوها بأوضح صورها ، وأن هذه الأمة لم تتعامل في الماضي بعقلانية وبضمير حتى ضاعت الفرص نتيجة عدم قبولها بالأمر الواقع ، بسبب الفراغ الإيديولوجي والعسكري والتعامل مع الزمان ، الأمر الذي جعل هذه الأمة تفقد مصالحها السياسية . ويعدون الأزمة الناشئة في فلسطين ، ومن ثم بين العالم الغربي وبين العرب ، أوضح دليل على ضياع أرض فلسطين ، لأن هذه الأمة لم تستطع تفكيك البُنى التصادمية ونزع الصبغة الذاتية عن الأمور ، ولم تقفز أو تسترسل في التعامل مع المتغيرات داخل إطار النظام العالمي آنذاك . ومن المحزن أن أحد الكتّاب انتقد في كتاباته اليومية العرب لرفضهم قرار مجلس الأمن رقم 181 الصادر عام 1947 والقاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين : واحدة لليهود ، وأخرى للعرب . ويقول الكاتب ، إن العرب أدركوا خطأ رفضهم ذاك متأخرين ، وقمة المهزلة اليوم ـ كما يقول ـ كانت بإعلان حماس تحرير قطاع غزة التي لا تزيد مساحتها عن 350 كيلومتراً مربعاً تمهيداً لإعلان دولة "حماسستان" أو "غزستان" ، وتنشطر آخر بقعة للوجود الفلسطيني بيد أبناء الشعب الفلسطيني أنفسهم . وبداية نقول ، إن العرب حسناً فعلوا عندما رفضوا قرار تقسيم فلسطين ، إذ أنهم لو قبلوا به لكان ذلك حجة عليهم، لأن القبول بالتقسيم يعني أن العرب يسلّمون بوجود يهود في أرض فلسطين منذ آلاف السنين ، وأن هذا الوجود اليهودي لم ينقطع ، وأن قرار التقسيم ليس منشئاً لحق يهودي في فلسطين ، بل هو كاشف لهذا الحق، وهذا الأمر رفضه العرب برفضهم قرار التقسيم غير العادل الذي يفضح تآمر الغرب على العالم العربي والإسلامي . وعلى الرغم من أن الرفض العربي لهذا القرار لم يحل دون تنفيذه وقيام دولة إسرائيل عام 1948 ، وما تبع ذلك من تهجير جماعي للشعب الفلسطيني من مدنه وقراه في فلسطين . إلاّ أن هذا الرفض كان هو الأساس لولادة المقاومة العربية التي تزعمتها مصر في الخمسينات والستينات من القرن الماضي . ومن ثم ولدت منظمة التحرير الفلسطينية من رحم هذه المقاومة العربية . واستطاعت منظمة التحرير من خلال الدعم العربي والإسلامي لها ودعم دول عدم الانحياز ، أن تثبت وجودها كصاحبة حق وقضية في فلسطين . لكن منظمة التحرير تعرّضت للاختراق من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل مما أدى إلى ولادة اتفاق أوسلو المشؤوم عام 1993 ، الذي كان بداية المحنة الحقيقية للشعب الفلسطيني ، لأن منظمة التحرير ، بهذه الخطوة ، رفعت الغطاء العربي والإسلامي عنها ، ودخلت في اتفاق مباشر مع إسرائيل ، بدعوى أنها تعرف مصالح الشعب الفلسطيني أكثر من العرب . وهكذا انحسر الدعم العربي عن القضية الفلسطينية ، وتفرّقت المواقف العربية تجاه السلطة الفلسطينية التي ألغت دور منظمة التحرير . ورغم الغرور الذي انتاب بعض أعضاء هذه السلطة ، إلاّ أن آمالهم ما لبثت أن تبخّرت بعد أن نكثت إسرائيل بوعودها التي قطعتها للسلطة ، إذ لم تعطها شروى نقير من تلك الوعود التي تمثلت بقيام دولة فلسطينية في الضفة وغزة تعيش في أمن وسلام إلى جانب إسرائيل. وعندما رأى الشعب الفلسطيني أخطاء قيادته ، صوّت لحركة حماس في الانتخابات التشريعية التي جرت مطلع عام 2006 . وما إن شكّلت حماس حكومة فلسطينية ، حتى أعلنت الولايات المتحدة والغرب وبعض الدول العربية مقاطعتها لهذه الحكومة ، وتم فرض حصار اقتصادي على الشعب الفلسطيني المحاصر أصلاً ، فانفجر الموقف عسكرياً وانتهى الصراع بين قوات السلطة وبين حماس في غزة إلى سيطرة حماس على القطاع . وبهذه السيطرة يكون الشعب الفلسطيني قد حقق أول نجاح له في صراعه الطويل مع الكيان الصهيوني . ويجب ألاّ يُستهان بهذا النصر ، فمهما قيل إن قطاع غزة صغير ، إلاّ أنه يبقى جزءاً من فلسطين التاريخية ، وهو الآن أصبح بالكامل تحت سيطرة المقاومة ، وهذا شيء يبشر بالخير . ولنعد إلى الوراء ، فالعرب المسلمون عندما فتحوا إسبانيا عام 91 للهجرة ، سيطروا على معظم أرجائها ما عدا الركن الشمالي الغربي ، وهو الإقليم المسمى "أشتوريش" في منطقة جليقية أوغاليسيا ، الذي لم يفرض المسلمون سلطانهم لوعورة مسالكه وبرودة مناخه ، وأهملوا جانبه زهداً فيه واستهانة بشأنه . ولهذا استطاعت بعض فلول الجيش الإسباني المنهزم بزعامة قائد منهم يدعى بلاي أن تعتصم بالجبال الشمالية في هذه المنطقة ، وهي التي يسميها الأسبان بقمم أوروبا ، وهي عبارة عن ثلاثة جبال شامخة ، القمة الغربية منها تسمى أونجا وبها مغارة تُعرف بكهف أونجا أو "كوفادونجا" ويسميها العرب صخرة بلاي ، لأنه اختبأ فيها هو وأصحابه حينما حاصرهم المسلمون ، وعاشوا على عسل النحل الذي وجدوه في خروق الصخر . ولما أعيى المسلمون أمرهم ، تركوهم وانصرفوا عنهم استخفافاً بشأنهم ، وقالوا : ثلاثون علجاً ما عسى أن يجيء منهم؟. لكن من هذه البؤرة الصغيرة كوفادونجا ، نبتت نواة دولة إسبانيا النصرانية ، ونبتت معها حركة المقاومة الإسبانية التي أخذت تنمو وتتسع حتى تمكنت من القضاء على الوجود العربي الإسلامي في إسبانيا بعد سقوط غرناطة عام 1492 . وهكذا ، فإن قطاع غزة مهما كان صغيراً ، فإنه سيكون البؤرة التي سيحرر منها الفلسطيون كامل فلسطين .



 

جميع الحقوق محفوظة © 2025 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه