شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 1937-12-23
 

وأخيراً...

أنطون سعادة

المعاهدتان الشامية واللبنانية في خطر.

هذا ما تردده كل شفة ولسان في طول سورية وعرضها، وهذا ما توقعناه، منذ رأينا القائمين على ادارات الحكم يتجهون انجاهاً خاطئاً لا بد أن يؤدي إلى هذه النتائج المؤسفة، التي يتذرع بها الرجعيون في باريس لرفض المعاهدتين، واسعي لحمل الحكومة الفرنسية على رفضها.

والظاهر الآن، أن المعارضين للمعاهدتين خصوصاً المعاهدة اللبنانية، كادوا يتوفقون في مسعاهم. فقد جاءت أنباء باريس تقول بأن المعاهدتين قد أجل على طرحهما على المجلس النيابي في دورته الحالية، الى زمن لا يعلم إلا الله مداه.

لم يتحرك لهذه الأنباء، غير الشاميين. أما اللبنانيون، فقد استقبلوها ببرودة عجيبة. وقد أسرع رئيس وزراء الحكومة الشامية إلى باريس، وقامت الأندية السياسية في الشام تلغط وتتحدث بالأمر، فتثور حيناً وتنتقم حيناً آخر. أما في لبنان فلم يكن لهذه الأنباء صدى ما، كأن الأمر لا يعنيه، أو كأن المعاهدة لا تمت اليه بصلة.

هنا تحتاج الظاهرتان إلى أسباب.

فمعاهدة دمشق هي معاهدة مقرونة بجهاد سياسي مضني، ومعبرة عن "نجاح" فيعمل الكتلة السياسي. وقد قلنا مرة أن في فشل المعاهدة فشل لنفوذ "الكتلة" في دمشق. ولهذه الأسباب بات من البديهي أن يهتم رجال الحكم الكتلويون للخطر المحدق بالمعاهدة ويبعثوا معالي جميل مردم بك إلى باريس للتوسط لدى المراجع الفرنسية العليا لاقرار المعاهدة مهما كلف الأمر، وذلك تجنباً للفشل.

أما في لبنان، فالمعاهدة جاءت نتيجة للمعاهدة الشامية، فهي منحة. والمفروض في المنحة، أن تكون على إرادة المانح. ثم ماذا يهم رجال السياسة والحكم في لبنان إذا ابرمت المعاهدة ام لم تبرم؟ فالوضعية سوف لا تتغير، ونوع الحكم في لبنان سيظل هو اياه، ما دامت الفكرة الطائفية الاتكالية هي التي توحي على رجال الساسة اتجاههم السياسي في هذا البلد.

هذه هي الأسباب التي تجعل الفرق في الاهتمام بالمعاهدة بين الشام ولبنان، هناك مصير مستقبل رجال جاهدوا حتى وصلوا هذه النتجة، وهنا لا أثر لمثل ذلك مطلقاً.

الحقيقة، أن المعاهدتين هما في مصلحة فرنسا أكثر مما هما في مصلحة الشام ولبنان وما هذا التمنع من فبل الحكومة الفرنسية سوى مناورات تفصد منها تقوية أهمية هاتين المعاهدتين، ودعم نفوذ الكتلة الوطنية في دمشق، لكي يقال انه لولا وجود مصلحة كبرى لسورية في هذه المعاهدة، لما كان هناك تمنه وتهديد بالرفض من قبل الحكومة في فرنسا.

ومهما يكن من الأمر، فقد كان من الواجب القومي، على رجال الحكم الوطني بدمشق أن يظهروا بشدة وكرامة في مسألة المعاهدة أكثر مما أظهروا ويظهرون. وقديماً قيل: الاستقلال يؤخذ ولا يعطى.

على أن المبرر الوحيد في استقتال الكتلويين في سبيل المعاهدة هو كما قلنا خوف الفشل وبالتالي الرغبة في الاحتفاظ بالكراسي ..


جريدة النهضة – العدد 44 في 23 ديسمبر 1937.



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه