شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2008-10-05
 

الكون والإنسان وثورة العلم

محمد خليفة

يمر العالم اليوم بثورة علمية شاملة ، تتمثّل في محاولة فهم العلماء كيف تكون الكون وكيف كان ميلاده . وبعد إطلاق التجربة العلمية لاكتشاف سرّ نشأة الكون ، ارتفع صوت أحد العلماء يدوي عالياً في إشعاع ضوء الفرح ، وفي قدسية عالية لقيمة الوجود الإنساني يردد "يا من بالعلم تؤمنون ، إنها ساعة اكتشاف أسرار فوق كل الأسرار الكونية في أعمق عمائق جوهر العقل ، أيها الإنسان ، إن العالم أمامك اليوم جديد في طبيعة المعرفة البشرية وفي فهم الكون ومعانيه وحضوره اللامتناهي في المتناهي المجرّد عن الزمان ، وما يتحدد بزمان هذا الإنسان الذي يعيش على سطح هذا الكوكب الصغير للغاية ويُبحر في محيط أكوان عظمى ومليارات المجرّات وترليونات من النجوم في كون لا محدود" . وفي يوم الأربعاء 10/9/2008 بدأ العلماء بإطلاق أضخم تجربة علمية عن الكون ، حيث تم إطلاق حزمة من جزيئات الذرة في نفق طوله 27 كيلومتراً ، وعمقه 100 متر تحت الأرض ، وبسرعة تساوي سرعة الضوء البالغة 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة . وسوف يتم إطلاق حزمة أخرى من الجزيئات في الاتجاه المعاكس لتحقيق التصادم بين الحزمتين في محاكاة للانفجار العظيم الذي يعتقد العلماء أنه حدث في البدء وأدّى إلى ظهور هذا الكون . وسوف تستمر التجربة عدّة أشهر أو سنوات ، وبعدها سيتم تحليل النتائج للتأكد ما إذا كانت نظرية الانفجار العظيم صحيحة أم لا . وتقول هذه النظرية ، إنه حدث ، قبل 13 مليار عام ، انفجار عظيم من ما يسميها العلماء "نقطة فريدة شاذة" ونتج عن هذا الانفجار تكوّن سحابة هائلة من الغبار وغاز الهيدروجين . وسرعان ما انقسمت هذه السحابة إلى أقسام كثيرة ، وتكاثفت هذه الأقسام مكوّنة المجرّات والكواكب ، ومنها كوكب الأرض . وأما غاز الهيدروجين فإن معظمه ذهب إلى الشمس وإلى الكواكب والنجوم المضيئة الأخرى ، وأما الباقي منه فقد بدأ رحلة التحوّر والتغيّر حتى أوجد كل العناصر الموجودة والمعروفة .

ومنذ ظهوره بدأ الكون رحلة التوسّع والتمدد وهو سيستمر على هذا الحال إلى أن يصل إلى أقصى حدّ في حجمه بعد (20) مليار سنة ، وعندها سيتوقّف التمدد ، وسيبدأ التقلّص تحت تأثير قوى الجاذبية ، وبذلك تُعاد الدورة ولكن باتجاه معاكس هذه المرة . فبدل الانخفاض المستمر في درجات الحرارة الذي صاحب التمدد ، سيكون في طور التقلّص ارتفاع مستمر في درجة الحرارة وستقترب المجرّات من بعضها إلى أن تتصادم وتنفجر ، ومن ثم يدخل حطام الكون بفعل الجاذبية من جديد في النقطة الشاذة . ويسمّي العلماء الفترة بين ظهور الكـون واختفائه "نبضة" ويقدرون مدة النبضة الواحد بـ (80) مليار سنة ، أي في كل 80 مليار سنة يظهر كون ومن ثم يختفي . وقد يتساءل البعض ، هل من المعقول أن يحدث ذلك للكون ؟ وهنا لا بدّ من القول إن نظرية الانفجار العظيم هي أكثر النظريات قبولاً من قِبل العلماء مع فارق أن بعضهم يرى أن الانفجار حدث بحكمة إلهية ، وبعضهم الآخر يقول ، إنه جرى بحكم قوانين الضغط والجاذبية . فالضغط يولّد الانفجار ، وقوانين الجذب هي التي تتحكم بهذا الكون وهي التي تمنع هروب واندثار المجرّات والكواكب . ومع إيماننا بأن الحكمة الإلهية موجودة في أدق تفاصيل هذا الكون ، لكننا نرى أن البحث العلمي هو الطريق الوحيد الموصل إلى المعرفة الكونية . ولأسف ، فإن أمتنا العربية والإسلامية والتي تحمل أكمل الرسالات ، ما تزال تتوسّل بمفاهيم الغيب وتتنكب عن سبيل العلم وتتواكل ملقية عناء البحث العلمي على غيرها من الأمم وكأنها غير معنية بهذا الأمر . ولا شك أن الله سبحانه وتعالى قد حضّ المسلمين على العلم والتعلمّ . وهناك الكثير من الآيات القرآنية تبيّن فضل العلم وإنه بالعلم وحده يصل الإنسان إلى معرفة خالقه ، ونذكر هنا قوله جلّ من قائل : "يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السنوات والأرض فانفذوا لا تنفذون لاّ بسلطان" . وقد أجمع المفسرون على أن كلمة /سلطان/ تعني العلم لا شيء غيره ، فالله سبحانه يدعو إلى اكتشاف كنه هذا الكون عن طريق العلم والمعرفة . لكن هل نصغي ، نحن العرب والمسلمين ، إلى هذا النداء الإلهي ، فنبادر إلى الأخذ بسبيل العلم ، أم أننا سنبقى على ما نحن عليه من الجهل والتواكل ؟.



 

جميع الحقوق محفوظة © 2025 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه