شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2008-12-22
 

ماذا بقي من الطائف ؟!

معن حمية - البناء صباح الخير

الأحداث التي عصفت بلبنان منذ تأسيسه أظهرت هشاشة هذا الكيان صغيراً كان أم كبيراً، فالتسوية الطائفية التي اعتمدت كصيغة ميثاقية في العام 1943 لم تبعد عن لبنان الحروب والصراعات الداخلية، بل كانت صيغة مؤسسة لنظام حكم طائفي يقوم على المداهنة والمحاصصة، وكلما تراءى لأي طائفة الحصول على امتيازات اضافية، كانت تهتز الصيغة وتنشأ الأزمات الطائفية. وبعد أن تفعل هذه الأزمات فعلها في تمزيق الوحدة الاجتماعية لمصلحة تعزيز الطائفية والمذهبية، كان يتم التفتيش عن مخارج لتسوية جديدة بهدف اعادة إحياء الصيغة نفسها بأشكال ومسميات مختلفة.

النظام اللبناني القائم على أساس الصيغة الطائفية، شكّل ولاّدة حروب وصراعات داخلية، لم تجد حلولاً جذرية لها، بل عولجت بمسكنات ظرفية عبر اعادة انتاج التسوية ذاتها. وهذا سبب من الأسباب التي عززت الطائفية، بحيث باتت بعض القوى الطائفية لا تجد حرجاً في طرح المشاريع التقسيمية، والتسبب بأزمات وحروب طبقاً للمصالح الخارجية.

في العام 1975 إنفجرت الصيغة اللبنانية، فأنتجت حرباً أهلية كانت نتائجها كارثية، وكادت تلك الحرب تكرّس أحدى نتيجتين، إما غلبة فريق على آخر، أو تقسيم لبنان كحل وحيد، ولولا دخول سوريا بجيشها إلى لبنان لكان تحقق أحد الأمرين، وكان لبنان اليوم إما مقسماً إلى كانتونات طائفية، أو تحت سلطة فئة من اللبنانيين دون الأخرى.

نجحت الشام في إنقاذ لبنان من تقسيم محتم، وكان اتفاق الطائف 1989، بمثابة التأسيس لمرحلة جديدة في تاريخ لبنان الحديث، إن لجهة ما تضمنه من بنود إصلاحية تنفتح على قيام الدولة المدنية، أم لجهة تثبيت المقاومة في لب الصيغة اللبنانية الميثاقية الجديدة، إضافة إلى تأكيد هوية لبنان وانتمائه العربيين وعلاقاته المميزة مع الشام. وقد شكل هذا الإتفاق معبراً ضرورياً لوقف النزف اللبناني، فوضعت الحرب الأهلية أوزارها بعد 14 عاماً من اندلاعها، واستعاد لبنان سلمه الأهلي وبدأ ببناء مؤسساته، متجاوزاً العثرات التي كانت تحصل بسبب تأثيرات النفوذ الاجنبي على بعض القوى اللبنانية الطائفية.

لكن الطائف، لم يكن ليشكل انقاذا للبنان من الحرب الأهلية لولا الرعاية العربية وتحديداً الرعاية السورية. وعلّة الطائف، بالرغم من مرتكزاته وبنوده الإصلاحية الحداثوية، أنه تماهى مع صيغة 1943، لا بل شكل جدار أمان لها عبر تكريس المحاصصة الطائفية، فبقي النظام طائفياً، وبقي الوضع برمته طائفياً، وهذا الأمر مكّن أهل النظام من عرقلة تنفيذ الإصلاحات التي نصّ عليها الطائف، ما افرغ هذا الإتفاق من مضمونه الحقيقي وجعله نسخة أسوأ من صيغة الـ 1943، وهذا ما أعاد لبنان إلى دائرة الخطر، ومجدداً أمام امتحان استقراره وسلمه الأهلي، حيث شهدنا في الآونة الأخيرة عودة منطق الإنعزال وفلسفة "قوة الضعف والحياد".

إن المسؤول الأول والأخير عن عدم تطبيق الاصلاحات التي نصّ عليها إتفاق الطائف، هم اهل النظام الطائفي أنفسهم. أما الادارة السورية للشأن اللبناني فكانت تحرص على اشراك الجميع في تسيير ادارات الدولة في لبنان، ومساعدة اللبنانيين لتحصين سلمهم الأهلي ومساعدتهم على مقاومة الاحتلال، وهو الأمر الذي قامت بعكسه أميركا والقوى الدولية التي حرضت اللبنانيين بعضهم على بعض من أجل اشعال لبنان بالحروب وإدخاله عنوة في مربع مشروع الشرق الأوسط الجديد، ليصبح في الحضن "الإسرائيلي".

السؤال الآن، هل الطائف ما زال هو الصيغة المثلى لصيانة السلم الأهلى وبناء المؤسسات واستمرار مشروع الدولة بعدما تم افراغه من كل محتوى إصلاحي؟

نحن، لا يضيرنا أن الطائف نص على جعل لبنان وطناً نهائياً لكل أبنائه، أو بالأحرى هذا النص لا يتعارض، لا مع ثقافتنا ولا مع منهاجنا السياسي، فمؤسس حزبنا يعتبر أن استقلال لبنان رهن بارادة أبنائه. أما أن يصبح اتفاق الطائف تكريساً لصيغة طائفية اعتقدنا أنه سيتجاوزها بتنفيذ كامل الإصلاحات المنصوص عليها، فنحن أول الداعين لاعادة النظر بهذا الاتفاق، وليس في هذا انقلاب على موقفنا السياسي، لأننا في الأساس ارتضينا الطائف معبراً للخروج من دوامة الحرب إلى رحاب السلم الأهلي، وكنا نأمل أن تشكل بنوده الإصلاحية خطوات تأسيسية نحو بناء الدولة المدنية الديمقراطية..

أما وأن الجانب الإصلاحي في اتفاق الطائف قد جرى تعطيله وتغييبه، فلا نرى مبرراً لاستمرار اعتماده كصيغة يحتكم إليها اللبنانيون. ولا نرى حكمة في أن يدافع البعض عن هذا الإتفاق وكأنه نصّ أبديّ سرمديّ، لأن هؤلاء المسحورين بالطائف ويقيمون الدنيا ولا يقعدونها ضد كل من يتفوه بكلمة حول تعديل الطائف، قد أخذوا من الطائف ما يناسبهم من امتيازات، وهم أنفسهم يتنكرون لكل البنود الاصلاحية وتلك التي تؤكد حق لبنان في المقاومة وعروبة لبنان وعلاقاته المميزة مع الشام..

وللتذكير فقط، فقد أكد الطائف أن المقاومة هي حق لبناني مشروع في مقاومة الاحتلال، في حين أن "الغيورين" على الطائف ينكلون بالمقاومة بمناسبة أو من دون مناسبة، ويصفون سلاحها بسلاح الغدر ورجالاتها بالمغامرين، ويريدون انهاْءها، أي انهاء قوة لبنان للعودة إلى "الضعف"؟!

والطائف أيضاً، أكد رفض توطين الفلسطينيين وتأييد حقهم بالعودة إلى أرضهم وديارهم، في حين أن "المدافعين" عن الطائف منغمسون في مشروع توطين الفلسطينيين وفي الغاء كل مظاهر النزوح الفلسطيني بكل الوسائل والأساليب؟!

الطائف نصّ على علاقات مميزة مع الشام، بينما الذين يدعون الحرص عليه، يناصبون سوريا العداء ويقذفونها بكل أشكال الحقد والكراهية، لا بل يذهبون إلى التآمر عليها والإستنجاد بجيوش الغرب لاحتلال عاصمتها وإلحاقها ببغداد؟!

الطائف تحدث عن هيئة وطنية لإلغاء الطائفية، بينما المدافعون عنه اليوم، استخدموا الطائفية والمذهبية سلاحاً فتاكاً لشرذمة اللبنانيين وتهديد الوحدة الروحية والاجتماعية؟!

الطائف نصّ على توسيع الدوائر الانتخابية لضمان الانصهار الوطني، في حين أن المتمترسين خلف الدفاع عن الطائف قرروا العودة إلى قانون الستين الانتخابي الذي يعزز الطائفية والمذهبية والقبلية والمناطقية؟!. وهم يرفضون فعلياً أي قانون انتخابي يقوم على قاعدتي النسبية والدائرة الكبرى (محافظة او لبنان كله دائرة واحدة).

الطائف أقرّ الإنماء المتوازن، في حين أن الإنماء اقتصر على العاصمة حيث تقع "سوليدير" فصرفت المليارات ووقعت الدولة تحت دين ما يفوق الــ 40 ملياراً من الدولارات الأميركية وبقيت الأطراف والأرياف من دون انماء ولا هم يحزنون؟!

لذا، نسأل، ماذا بقي من الطائف؟ غير تسميته التي تدل على "المنشأ".. فإذا كان الدفاع عن الطائف بنظر البعض، دفاعاً عن المنشأ، فبئس الطائف، وويح المنشأ.

إفتتاحية "البناء ـ صباح الخير" العدد 1109 تاريخ 15/12/2008



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه