إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

إجتثاث العمائم..

د. وسام جواد

نسخة للطباعة 2009-04-02

إقرأ ايضاً


كان الأجدر بمن وقعوا على قانون اجتثاث البعث ان يحددوا من هم الذين يتوجب اجتثاثهم من البعثيين, ومن هي الجهة المخولة قانونيا بعد سقوط النظام باجتثاث المعنيين,لا ان يترك الأمر دون رقابة صارمة تمنع حدوث تجاوزات مرفوضة, بحق الذين لم يرتكبوا سوى"ذنب" الانتماء الى حزب البعث, الذي خلفت قيادته الكثير من الأخطاء في الداخل, ووسعت حدود مساحة العداء لها في الخارج, بسبب غلاضة التعامل مع مختلف شرائح المجتمع العراقي غير البعثية, وسياسة التعامل الفوقي مع بعض دول الجوار, والدخول معها في حروب مكلفة بشريا وماديا, انتهت فصولها الدرامية باسقاط النظام واحتلال العراق .

لن تمحو الأيام ما سجلته ذاكرة الطفولة من مشاهد مروعة أثناء انقلاب 8 شباط 1963, وتظل تذكر في نفس الوقت, بالدور القذر,الذي لعبه بعض أصحاب العمائم في تبرير جريمة اجتثاث الشيوعية آنذاك, وتقديم الدعم لمرتكبيها من خلال اصدار فتاوى, حرضت على قتل الشيوعيين, وأدت الى تنفيذ أحكام الاعدام بحق نخب شيوعية وطنية, ضمت خيرة أبناء الشعب العراقي .

لم ينتبه بعض قادة حزب البعث بعد وصولهم الى السلطة في 17 توز 1968 الى انهم كانوا في الواقع وسيلة لتنفيذ مؤامرة خططت لها وكالات الاستخبارات البريطانية والأمريكية والموساد,إستهدفت إضعاف الجبهة الداخلية, باثارة وتأجيج الخلافات بين القوى الوطنية العراقية. وعلى الرغم من اقتناع البعض الآخر في قيادة حزب البعث بهذه الحقيقة ومناشدتهم لقيام جبهة وطنية حقيقية,الا أن الخط العام كان متجها وللأسف الشديد, نحو الاستفراد التدريجي بالقوى الوطنية ومن ثم تصفيتها. وقد شهدت الفترة ما بين 1968- 2003 على فشل مطلق لقيادة حزب البعث في التقارب الستراتيجي من القوى الوطنية,الذي كان من الممكن في حال تحقيقه, منع حدوث العدوان الآثم على العراق من قبل الامبريالية الأمريكية وأعوانها.

شارك في جريمة اجتثاث الحزب الشيوعي العراقي بعد انقلاب 8 شباط 1963 عدد معروف من المعممين المجرمين, المتسترين بالدين. وساهم بعد مرور أربعين عاما 1963- 2003 في جريمة اجتثاث البعث أبناء ذلك الجيل من المعممين, تساندهم بعض القوى,التي دفعتها رغبة الانتقام الى ارتكاب ما يدينه العقل ويرفضه المنطق, ذلك لأن الادانة الطبيعية والحتمية لما ارتكبتة بعض أجهزة النظام البعثي من جرائم, لا تجيز اللجوء الى نفس الأساليب الوحشية بحق الأبرياء والا, فما الفرق بين ما يسميه البعض بفاشية ودموية البعث وبين الأساليب غير الانسانية,المتبعة في تصفيتهم عشوائيا ؟ .

لا يعترض أحد على محاسبة الجناة, بصرف النظر عن مواقعهم وانتماءاتهم السياسية والدينية, على ان لا يتعدى ذلك حدودهم الى الفوضى والعقاب الجماعي بأي حال من الأحوال . وكما جوبهت جرائم اجتثات الحزب الشيوعي وانصاره بالرفض والأستنكار, فإن تكرار المشهد مع حزب البعث يظل بنفس القدر, أمرا مرفوضا ومستهجنا,لا يقره حتى الذين أصابهم الحيف ولحق بهم الاذى, إذ لا يجوز معالجة الخطأ بالخطأ .

إن على القوى الوطنية العراقية, وبعد مرور ما يقرب من نصف قرن من التنافس والخلافات العقيمة أن تتنبه للدور الاجرامي,الذي لعبه بعض أصحاب العمائم السوداء والخضراء والبيضاء,الذين خالفوا تعاليم الأرض والسماء بصبهم لزيت الحقد على نيران الفتن السياسية والاجتماعية والدينية بين أبناء الشعب الواحد, مخالفين بافعالهم الدنيئة قول الله تعالى : وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ.

ان المطالبة بالاجتثاث يجب الا تعمم على البعثيين, ولا بد من ان يقتصر على محاسبة مرتكبي الجرائم دون غيرهم, وهذا يعني بالضرورة اجتثاث بعض المجرمين من رجال الدين,الذين أستغلوا ويستغلون ضعف الوعي الديني لدى شريحة واسعة من مجتمعنا لتمرير مخططات,استهدفت بالأمس الحزب الشيوعي العراقي وتستهدف اليوم حزب البعث ( ولا ندري من هو المستهدف غدا..) وهي تسعى بشكل محموم الى تعميق الخلافات بين الاحزاب والقوى السياسية, خدمة لمصالح قوى خارجية لا تريد الخير لعراقنا وشعبة .

لقد كان التنافس الحزبي ضيقا والتناحر مكلفا,دفعت فواتيره دماء أبناء الشعب الواحد. فهل سنستمر في هذا الجري الساذج وفي دفع أثمان خلافاتنا الباهضة لصالح الامبريالية الأمريكية والصهيونية, أم أن الوقت قد حان لأن تقوم كافة القوى الوطنية بمهامها التاريخية باعادة النظر في أساليب التعامل بينها على أسس حضارية وسليمة, يقوم عليها بناء, لا يمنع اختلاف التصميم والمحتويات لطوابقه من وقوفه شامخا, لكونه جامعا واحدا لها ؟.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024