إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

أسباب وعوامل فوز خارطة الطريق الأميركية في الانتخابات اللبنانية

معن حمية - البناء

نسخة للطباعة 2009-06-11

إقرأ ايضاً


صحيح أن نتائج الإقتراع قد رسمت لوحة مشهدية لتوّزع المقاعد النيابية بين الفرقاء اللبنانيين، لكن هذه اللوحة لا يمكن أن ترسم مشهداً مكتملاً للقادم من الاستحقاقات، ولا تستطيع أن ترسم حدوداً تقيِّد حركة قوى المقاومة والتغيير في سعيها للوصول إلى تحقيق أهدافها، بجعل لبنان بلداً قوياً بمقاومته ووحدة أبنائه، والإنتقال به من دولة الطوائف والمذاهب إلى دولة المواطنية الديمقراطية العادلة والقوية. وبهذا المعنى فإن معركة المعارضة الوطنية في لبنان، هي معركة خيارات لبنان الوطنية وهويته العربية ودوره في معادلة المنطقة وموقعه في الصراع، وبالتالي فإن بضعة مقاعد نيابية زائدة لهذا الفريق أو ذاك لن تؤثر على إتجاه المعركة التي تخاض في هذا الإتجاه.

بطبيعة الحال، لن تغيِّر نتائج الانتخابات في واقع الأمور المصيرية شيئاً، فلو كانت "الأكثرية" النيابية وحدها قادرة على حسم الأمور، لكان فريق 14 شباط حقق من خلال "اكثريته" النيابية التي حصل عليها في العام 2005 مبتغاه، ونجح في نقل لبنان من ضفة المقاومة والعروبة إلى ضفة الحياد الذي ينادي به، وهي ضفة تتاخم "حبياً" الضفة "الإسرائيليـة". فالقضايا المصيرية المتصلة بخيارات لبنان وعلاقاته العربية وموقعه في الصراع، لا تقررها، لا أكثرية نيابية ولا سلطة سياسية حتى ولو إشترك فيها الجميع، بمعنى أن القضايا المصيرية منصوص عنها في الميثاق الوطني، والفريق الذي يعتقد بأنه قادر على الإطاحة بهذا الميثاق، ـ حتى ولو حظى بكل هذا الدعم والتأييد الخارجيين ـ، يضع نفسه في مواجهة غير متكافئة مع إرادة لبنانية مجربة بعدم تهاونها مع كل ما يمس خيارات لبنان ومقاومته وثوابته الوطنية والقومية.

على خلفية هذا الثابت في المعادلة الداخلية اللبنانية، رفضت المعارضة الوطنية أن تسبغ على الانتخابات النيابية صفة المصيرية، في حين شدد قسم كبير من فريق 14 شباط، وفي طليعته رئيس تيار المستقبل سعد الحريري على أنها انتخابات مصيرية.. ما رسم علامات استفهام كثيرة حول الغاية من وراء التشديد على مصيرية الانتخابات، وما تنطوي عليه!.

ماذا تعني مصيرية الانتخابات بالنسبة لفريق 14 شباط؟

باختصار، ليس لدى فريق 14 شباط مشروع محدد أو توجه واضح للإصلاح الداخلي. بالأحرى، هذا الفريق لا يستهدف إصلاحاً داخلياً، بدليل أنه وخلال إستئثاره بالسلطة على مدار السنوات الماضية، فاقم ازمات البلد على كل المستويات، وانبرى إلى ممارسة الشحن والتحريض الطائفي والمذهبي ووضع مصير لبنان على شفير الهاوية.

كما أن هذا الفريق، لم يستفد من أكثريته النيابية ومن اسئثاره بالسلطة، لتقديم نفسه كفريق داخلي له "أجندته" الداخلية للإصلاح ولانقاذ لبنان من الطائفية والمذهبية والمديونية والفساد. فلو كان لديه هذا التوجه لأستطاع ان يحقق أهدافاً داخلية عديدة لمصلحته من دون أية عقبات.

علة فريق 14 شباط، أنه أراد من الأكثرية النيابية ومن الإستئثار بالسلطة، تنفيذ "اجندة" خارجية تستهدف إحداث تغيير جذري ومصيري يطال وجه لبنان ووجهته. وهذا ليس إكتشافاً جديداً بل حقيقة أفصح عنها فريق 14 شباط في كل مواقفه المعلنة منذ العام 2005 وحتى تاريخه.

بعد انتخابات 2005، استخدم هذا الفريق أكثريته للهجوم على خيارات لبنان، معلناً خصومة مبطنة حيناً ومكشوفة أحياناً مع قوى المقاومة، ومجاهراً بخصومته التي بلغت حد إعلان العداء لسوريا، وبهذه العناوين تقاطع إلى حد التماهي مع ضغوط دولية، وخاصة أميركية ـ "إسرائيلية" هدفها كسر شوكة المقاومة في لبنان وتغيير النظام في سوريا.

في انتخابات 2009، لم تتغير شعارات فريق 14 شباط، فقد خاض الانتخابات على اساس "الأجندة" ذاتها. فهذا الفريق لم يتحدث في حملته وشعاراته عن رؤيته للإصلاح ومكافحة الفساد ولم يقدم ملاحظاته على بنية النظام وتركبيته، ما خلا عبارة شعاراتية يتيمة "العبور إلى الدولة"، لكنه في المقابل، استنفر كل طاقاته للتصويب على سوريا حيناً، وللهجوم في أحيان كثيرة على ايران، وهذا الهجوم جاء متقاطعاً مع حملة ضغوط "إسرائيلية" ـ أميركية على ايران على خلفية طموحاتها النووية.

في هذا الاتجاه يمكن فهم طبيعة الوظيفة التي تؤديها قوى 14 شباط، خصوصاً بعد سقوط الورقة الداخلية التي كانت تتسلح بها هذه القوى، وهي ورقة "الحقيقة" بشأن اغتيال الرئيس رفيق الحريري والتي احترقت بشكل كلي مع إطلاق الضباط الأربعة. ومع احتراق هذه الورقة، تكشفت حقيقة أن فريق 14 شباط، ما هو إلا أداة لمشروع أميركي ـ "إسرائيلي" يستهدف المنطقة، وقد تجلت هذه الحقيقة، بأن تصدر فريق 14 شباط موقع الصدارة في الهجوم على ايران ومناهضة ولاية الفقيه، وحيّد "إسرائيل" عن المواجهة، على خلفية أن الخطر الذي يتهدد لبنان، ليس خطراً "إسرائيلياً" بل خطر ايراني!؟...

وفي هذا الاتجاه ايضاً يمكن فهم مغزى التدخل الخارجي في الانتخابات اللبنانية، لا سيما التدخل الأميركي و"الإسرائيلي". فمجيء نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن إلى لبنان وإجتماعه بأقطاب 14 شباط كان يجب أن يُقرأ من قبل المعارضة الوطنية اللبنانية بعمق. فهذه الزيارة هي التي وضعت خارطة طريق مكنت قوى 14 شباط من الفوز في الانتخابات. ومن أبرز عناوين خارطة الطريق هذه، كانت مقالة "دير شبيغل" والتحذيرات الدولية من خطر الانهيار الاقتصادي وقطع المساعدات الدولية في حال فازت المعارضة، كما وضعت آلية لتحضير البيئة الإغترابية لسياحة انتخابية مبرمجة وممولة إلى لبنان، قلبت النتائج والمعادلات. وتوجت عناوين خارطة الطريق الأميركية للانتخابات النيابية اللبنانية بظهور السفير الأميركي الأسبق في لبنان جيفري فيلتمان قبل يوم واحد من الانتخابات معلناً حقيقة الموقف الأميركي السلبي حيال لبنان في حال فازت المعارضة.

وبموازاة التدخل الأميركي المباشر في العملية الانتخابية وتوفير كل امكانيات الفوز لفريق 14 شباط، برز العامل "الإسرائيلي" بقوة، عبر ممارسة ضغوط تهويلية وترهيبية غير مسبوقة على لبنان. فقد أعطت "إسرائيل" إشارات جادة تشي بامكانية القيام بعمل أمني كبير في لبنان، وقد برز هذا الاتجاه بتحريك عملائها داخل الساحة اللبنانية دفعة واحدة، ما اسقط عدداً كبيراً منهم في قبضة السلطات الأمنية اللبنانية، واعلنت عن أكبر مناورة عسكرية في تاريخها تزامناً مع استحقاق الانتخابات النيابية الأمنية، الأمر الذي أثّر سلباً على استعدادات المعارضة الوطنية للاستحقاق الانتخابي. وهذا الدخول "الإسرائيلي" على خط الانتخابات اللبنانية، كان عنواناً أساسياً من عناوين خارطة الطريق التي وضع نائب الرئيس الأميركي أقطاب 14 شباط في تفاصيلها، وقد كشفت "إسرائيل" عن هذا الجانب بدعوتها فريق الأكثرية النيابية إلى نزع فوري لسلاح المقاومة.

وإذا كانت الصورة تؤكد بأن الانتخابات اللبنانية خيضت من خلف البحار، وتحديداً من مركز القرار الأميركي، فمن المؤكد أن هناك أدواراً انيطت ببعض دول الإعتدال العربي، إذ ليس مصادفة أن يحدد الرئيس الأميركي باراك أوباما زيارته للسعودية وخطابه في مصر، قبل ايام قليلة من الانتخابات اللبنانية، وهو خطاب حمل في متنه، مشروعاً جديداً لـ "شرق أوسط جديد" دعاً فيه صراحة لقبول "إسرائيل" في نسيج المنطقة على قاعدة أن الدين لا يلغي وجود دولة لليهود في فلسطين، ضارباً عرض الحائط بالعروبة التي تشكل المعنى السياسي والمبدأ الحقوقي الذي ترتكز عليه معادلة الصراع من أجل فلسطين. وبهذا الخطاب قدم أوباما دعماً مباشراً ليس في شأن تشديده على قيام دولة يهودية وحسب، بل بتكريس محور "الإعتدال العربي" الذي أوكلت اليه مهمة إختطاف الإسلام من العروبة، لتبقى فلسطين بلا عون ولا معين. ومن هذا المنطلق يمكن فهم تأثيرات الأدوار العربية في الانتخابات اللبنانية على قاعدة اختطاف فئة لبنانية من عروبتها ومقاومتهــا.

كل هذه الأمور، كان يجب أن تقرأها المعارضة الوطنية بعناية فائقة، وخطأ المعارضة أنها لم تتنبه لخطورة العناوين الخارجية برغم تحذيراتها من هذه العناوين. فقد ركزت المعارضة حملتها الانتخابية وفق اجندة داخلية بحتة، وآثرت التزام العناوين الإصلاحية سعياً وراء مصلحة لبنان واللبنانيين، كما ساهمت بتوفير مناخ إيجابي وبيئة نظيفة لإمرار الاستحقاق الانتخابي، ونجاح العملية الديمقراطية وانقذت الاستحقاق الانتخابي من أي محاولة للتعطيل، لأنه لو حصل أي تعطيل للعملية الانتخابية لكان لبنان دخل مرحلة جديدة من التوترات السياسية التي تعرضه للخطر.

لكن السؤال هو، هل أن تصرف المعارضة سيجنب لبنان الهزات الإرتدادية لتداعيات انتصار خارطة الطريق الأميركية في الانتخابات اللبنانية؟

بصورة تبسيطية يمكن وصف الانتخابات اللبنانية بأنها انجاز ديمقراطي يصب في مصلحة لبنان، ويمكن القول أيضاً بأن التأسيس على هذا الإنجاز يجب أن يتجه نحو تحصين الوحدة الداخلية والسير في مشروع الدولة، وفق خيارات لبنان الوطنية والقومية والعربية وعلى قاعدة تثبيت دعائم سلمه الأهلي. لكن هذا التبسيط يلزمه اعتراف فريق 14 شباط صراحة بأن ربحه لمقاعد نيابية ـ كان يشغلها ـ بواسطة الرشوة والشحن الطائفي والتحريض المذهبي، لا يعني انه حسم المعركة لصالحه وأصبح بمقدوره التقرير في الأمور المصيرية. فهل يعترف فريق 14 شباط بهذه الحقيقة!؟

كل المؤشرات تدل على أن لبنان سيكون امام جملة استحقاقات كبيرة، ليس على خلفية شكل الحكومة الجديدة بل على خلفية عناوين أخرى، وليس مستبعداً أن تشهر الرؤوس الحامية في فريق 14 شباط، سلاح أكثريتها في وجه الشراكة الوطنية، وتتموضع خلف المطالبة بامتلاك "قرار السلم والحرب" وجعل لبنان محايداً في الصراع، مع ما يترتب عن هذا الحياد من قبول بمخطط التوطين، وتحويل لبنان إلى خاصرة رخوة في العمق العربي.

في المقابل، فإن معركة المعارضة لم تنته مع اعلان النتائج النهائية ولا حتى بعد تثبيت هذه النتائج بعد نفاذ مهلة تقديم الطعون، بل أنها معركة دائمة ولها عدة أوجه، الوجه الأول هو حماية خيارات لبنان وثوابته وانتمائه، والوجه الثاني، إنقاذ لبنان من ازماته، وتخليصه من نظامه الطائفي الذي هو رحم الأزمات والأخطار والمعبر الوحيد الذي يستدعي التدخلات الخارجية.

باختصار، لقد توضحت الصورة كاملة. فلأسباب ودواع مرتبطة بـ "اجندة" خارجية أراد فريق 14 شباط للانتخابات اللبنانية أن تكون مصيرية. ولضرورات داخلية أبرزها تحصين الوحدة الداخلية، أرادتها المعارضة انتخابات عادية. وبين المصيرية التي استخدمت فيها اسلحة الشحن والتحريض والمال، وبين العادية المطمئنة، جاءت النتائج لمصلحة الأجندة الخارجية. فهل ستأخذ عناوين هذه الأجندة طريقها نحو التنفيذ؟ قطعاً لا.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024