شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2010-08-18
 

الشاعر رضوان نصار ونسيبه عبد الله

كان الاديب عيسى مخلوف نشر في ملحق النهار في 29/01/1994 دراسة عن الكاتب البرازيلي اللبناني الاصل رضوان نصار ذكر فيها انه استطاع ان يدشن عهداً جديداً من الكتابة البرازيلية، ويفتح الآفاق الواسعة امام الكتاب البرازيليين المعاصرين.

عن دراسة الاديب مخلوف، نشر الاديب الراحل سلام الراسي هذا المقال نعيد نشره، لفائدة الاطلاع، آملين ممن يعرف عن الاديب نصار، من رفقائنا في البرازيل، ان يضيئوا لنا على سيرته، وشاعريته.

بعد كلمات قليلة، يقول الاديب الراسي:

ورضوان نصار هذا هاجر ابواه الى البرازيل سنة 1920 من ابل السقي في جنوب لبنان حيث كانت عائلة نصار من العائلات المعروفة والتي هاجر بعض ابنائها ومات البعض الآخر وانطفأ خبرهم في القرية، لولا طرائف عن رجل اسمه عبد الله نصار، كان شيوخ القرية ما انفكوا يتفكّهون بها حول مواقد الشتاء حتى صارت جزءاً من تراثهم الادبي.

كان عبد الله نصار هذا شاعراً غريب الاطوار، عجيب الافكار، ينظم الاشعار باللهجة المحكية فيضمنها معاني متنافرة متباعدة عن المفاهيم الراهنة، ولذلك اختلفت الآراء حول صحة عقله، وبينما حكم عليه شيوخ القرية بالجنون، كان شبان ذلك الزمان يجدون في اشعاره وازجاله متعة لا غنى عنها في معاناة رتابة الحياة.

وكان اخي الاكبر منح، الذي عايش الرجل في العقدين الاول والثاني من القرن الحالي، يقول ان عبد الله نصار خلق لكي يكون شاعراً، لكنه من سوء حظه سبق عصره، ولو انه عاش في عصر الحداثة، لربما كان من فرسان الشعر الحديث في هذا الزمان. كان يعبر عن رأيه غالباً، بأبيات من العتابا يغنيها على سجيته. لكن مضامين كلماته كانت لا تتوافق مع معانيها ولا ينطبق الوصف فيها على الموصوف، وكان يحرص على اوزانها ولا يتقيد بقوافيها، وكانت اشبه ما تكون بالشعر الحديث في الزمن الحديث، ومن اشهر ابياته التي كان اخي منح يرددها، قوله:


1- عطس ديك البطاطا وشك زعتر

غيمة معصمصة الثعلب عصرها

طاير بالفلا معربط بقشه

وشو جاب العوافي للكنافه

2- عطس ديك البطاطا وزاد همي

سألت الديك عن يوسف وسعدى

قلي الديك يوسف حيط مشوي

وسعدى بير مربوط بقورما

3- قام يغربل البطيخ خالي

بيعرف معلفي قصة حياتي

امي ماتت ونسيان اسمي

وع زنبوط البصل قهقه حصاني

4- نزل دمعي عَ خدي شروش كبّه

على قبور النصارى حيكو البيرق

سبحان من خلق الحرذون يقطر زيت

حبك بقلبي متل لبيط الكدش

*


لما زرت البرازيل سنة 1976، رحت اتقصى اخبار المغتربين من ابناء قريتي ابل السقي، في البرازيل حيث وجدتهم كثيري الاعتزاز بمواطننا الكاتب الذائع الشهرة رضوان نصار، الذي كان كتابه " اثر عتيق " المكتوب باللغة البرازيلية، موجوداً يومئذ بين اياديهم يقرأونه ويحاولون تفسير مغازيه بكثير من الاندهاش. وكان العتاق منهم اذا تحدثوا عن رضوان نصار فطنوا بداهة، الى نسيبه عبد الله نصار، الذي عاش قديماً في قريتنا، فتذكروا وذكروا بعض ازجاله . . وافعاله، ومنها موال يعبّر فيه عن واقع الحال في سنوات الحرب العالمية الاولى، قال:


شفت بمنامي حمار راكب عَ ظهر حمار

وجرار مكسوره، وبنات يبكوا، كبار وزغار

والديك دق الجرس، وباب الكنيسة صار

تابوت ماشي لحالو. قلت: " يا ستّار "

صاروا النَوَر " خوش بوش " مع تنور بيت نصار

والانكليز جرادهم، يا خال، عالبيدر

والخوري الياس، لا قدس ولا صلّى ولا بخّر

وحسني افندي " اشك اوغلي اشكّ " . . " وحمار "

وعبارة " اشك اوغلي اشك " تركية معناها: " حمار ابن حمار " اما من كان حسني افندي ! لعله كان قائمقام مرجعيون في ذلك الزمان.

ويقول احد عتاق المغتربين في مدينة سان باولو ان رجلاً من قريتنا كان في " سوق الخام "، في ذلك الزمان، ومرّ وراء حمار تناوله برفسة اصابت منه مقتلاً، فصادر رجال فريقنا الحمار الجاني وحملوا القتيل على ظهره واتوا به الى بيته. في ذلك الزمان كان رجال فريقنا يندبون على موتانا، فيعطى كل ميت حقه في التكريم عند موته. لكن رجال القرية احجموا عن الندب على الرجل المقتول برفسة حمار لأنه كان " قتيل عار "، وقتيل العار يكون قليل الاعتبار. ولما حمل القوم قتيلهم هذا ليدفنوه، بدون ندب، عاجلهم عبد الله نصار، ومشى امامهم وصاح:

خذوا حمار، وجيبوا حمار

وما حدا يسأل شو صار

ولا حدا بيعزينا

شو هالخملة يا ستار

وحدث يوماً، عرس في القرية، وبينما كان الشبان يهزجون قائلين:

عريسنا بدر الدجى

عروستو شمس السما

قاطعهم عبد الله نصار قائلاً:

الشب الله يسامحو

والبنت الله يرحما

*

وهذا كل ما بقي في ذاكرة قريتنا الشعبية عن شاعرنا العتيق عبد الله نصار، فماذا يقول عيسى مخلوف، الآن، عن اديبنا الجديد رضوان نصار؟ قال انه يكتب عن " الانا " في قلقها ويأسها، في تصدّعها وانهيارها. وهو ينطلق من بعض معطيات الواقع ليذهب ابعد من الواقع . . . اما الهاجس فتدعمه لغة نزقة متوترة مكثفة في تدفقها " . . . " اللغة هنا جريئة تحكي لتصدم. لتقول رفضها السائد. وهي لا تنفك تعلن الرفض والفجور . . هذه اللغة مكتوبة بعصب يبلغ حدود أؤمن بالقيم التي تسحقني . . يتكلم الكاتب عن اهله وكأنه هجين وغريب. اما لغتهم فيسميها اللغة الغريبة ". . .

بمثل هذه العبارات عرض عيسى مخلوف رواية " كأس من الغضب " لرضوان نصار التي يختمها مؤلفها بمشهد ترقص فيه اخته حنّة حافية وتململ جسدها النحيل من اجله، فتتفجر ثورة الاب الذي امسك بمنجل حاد وضرب به الراقصة الشرقية ففاضت دماؤها وسالت بغزارة. وارتفعت اصوات النساء بالصراخ والنحيب. وولولت الام " بلغتها الخاصة " ورتلت مراثيها الالفية التي ما زالت سائدة حتى اليوم على الضفاف الفقيرة للبحر الابيض المتوسط . . "

مسكين عبد الله نصار الشاعر الذي عاش ومات مغموراً في لبنان منذ ثلاثة ارباع القرن، لأنه سبق زمانه والتبست افكاره على مواطنيه فلم يستمرئوا قوافيه واوزانه. وها هو نسيبه رضوان نصار يصبح، الآن في بلاد العالم " رائد الادب البرازيلي، وسبحان الذي يغير ولا يتغير.



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024جميع المقالات التي تنشر لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع