إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

قلنا الكثير وفعلنا القليل..

د. وسام جواد

نسخة للطباعة 2010-10-05

إقرأ ايضاً


لو تيسر تقييم نشاطات الأحزاب والتيارات السياسية والدينية الوطنية والأطراف المستقلة,التي عارضت احتلال العراق منذ البداية, لأمكن القول بأنها لم تحقق ما ناضلت من أجله وسعت لتحقيقه طوال سنوات الاحتلال, وان ما قدمته في سبيل التحرير ودعم المقاومة الوطنية أقل مما توجّب تقديمه, لما عليها من واجبات وما لديها من امكانيات لم تتوفر فرص استغلالها, بسبب تراكم الخلافات وصعوبة مد جسور الثقة وإعادة بناء ما تهدم منها خلال فترة حكم نظام, وضع الشك أساسه, وشيد التفرد أعمدته, وأتم القمع جدرانه, وحاصر الشعب سياجه, فكان يا ما كان..

لم تنقشع سُحب الخلافات بين القوى الوطنية المعارضة للنظام السابق حتى بعد الاحتلال الصهيو– امبريالي. وإذ أمَطرت سماء الفتنة الطائفية والتفرقة العنصرية, تبين ان البعض قد فضل بَلل الجو العليل على الحل البديل,الذي توفره المسيرة المشتركة تحت مظله الوحدة الوطنية,التي يتوجب على الجماهير الوطنية حملها دون السماح للقيادات الدكتاتورية المتغطرسة والإنتهازية الفاشلة ان تمسك بها, كي لا تمرّ أهواء المُتسلطين ولا تنفذ منها زخات مطر المؤامرات على العراق وشعبه.

لقد رُفِضت دعوات, وتَلكأت خطوات, وفشِلت مُحاولات, لتوحيد القوى الوطنية الرافضة للاحتلال, لأسباب كان ومازال في الوقت متسعا لتجاوزها, طالما بقيت قضية التحرير وإعادة البناء, المحور الرئيسي والشاغل الأهم لكل القوى الوطنية. ومن غير المعقول ان يظل البعض واهما في عيشه على "أمجاد" ماض لم يبق منها غير أطلالها المهجورة. ومن غير المقبول ان يستمر البعض على تصلب المواقف, دون أبداء المرونة لتقبل آراء الآخرين .

واذا حالت عوامل عديدة, دون تفاهم البعثيين والشيوعيين وباعدت بينهم عقود الخلافات والتناحر والتنافس, فما الذي يمنع تقارب البعثيين,الذين ادركوا فداحة أخطاء قياداتهم قبل وبعد الاحتلال, مع القوى اليسارية الرافضة للإحتلال والمعارضة لنهج القيادة الحالية للحزب الشيوعي؟. واذا كان الشيوعي وطنيا قبل ان يكون شيوعيا, فلم لا يكون البعثي وطنيا قبل ان يكون بعثيا, ولم لا نضع الإنتماء الوطني قبل الإنتماء الحزبي والطائفي في علاقاتنا كعراقيين حتى لا نظل كالبيادق,التي تحركها أيادي التفرقة وتجعلها تُسقِط بعضها البعض الآخر وفقا لإرادة اللاعبين ؟.

من الصعب تفسير غياب المبادرات المطلوبة لردم الهوة,التي وسعتها الخلافات وعمقتها القيادات الدكتاتورية للأحزاب الوطنية, ومن الأصعب تفسير عدم الاستجابة العملية للدعوات وفشل المحاولات الهادفة الى توحيد القوى اليسارية رغم الجهود المحمودة, التي بذلها ويبذلها المخلصون . وقد كشفت أعوام الإحتلال عن عيوب كثيرة, أغلبها مريرة, وبعضها خطيرة, قد توقف المسيرة ما لم تتخذ الخطوات اللازمة لمعالجة تراجع دور ومكانة القوى اليسارية بين الجماهير.

صحيح ان عقود القمع والإضطهاد قد وجهت ضربات قاسية للقوى الوطنية وتسببت بهجرة أعداد كبيرة من الشيوعيين واليساريين الى الخارج, إلا ان واقع ما بعد سقوط النظام لم يظهر بوادر التقاربٍ بين اولئك الذين ناضلوا من أجل إسقاطه, بل كشف المزيد من التباعد وتعميق الخلافات على أساس ان النظام لم تسقطه القوى الوطنية وإنما سقط بفعل قوات أجنبية غازية, بررت القيادة الحالية للحزب الشيوعي تحالفها معها ومع أعوانها, من دون ان يتردد المرتدون من شيوعيي الاحتلال في إظهار دونيتهم, بتقديم التهنئة والشكر لقادة العدوان والحرب على العراق بحجة تخليصهم من النظام الدكتاتوري, وهو ما استنكره الكثيرون من المناضلين,الذين رفضوا الإحتلال كرفضهم لظلم وجور النظام .

أما بالنسبة لحزب البعث, فمن الواضح ان سنوات الإحتلال لم تكن كافية لتحسين سلوك وعقلية اولئك الذين لا يزالون يكابرون ويتعاملون مع الواقع بغباء لا حدود له, يُثبته ما يصدر عنهم من بيانات لا تقل تفاهة عن منطق أصحابها.

وعلى العكس من هؤلاء, نجد في البعث من لا يتوانى عن إعلان رفضه للممارسات القمعية, وتقديم الاعتذار للشعب العراقي عن ارتكابها, والإعتراف بأخطاء القيادات,التي أدت الى شن حروب ملعونة, لم تُخلف سوى الدمار والخراب والمعاناة والضعف, ألذي سهل شن الحرب على العراق واحتلاله. ولعل ما كتبه في الآونة الأخيرة, عدد من البعثيين الوطنيين حول أهمية المراجعة في صفوف حزب البعث دليل على وجود الرغبة في إعادة تقييم مرحلة ما قبل وبعد الاحتلال, تلبية لحاجة مُلحة, تقتضي التفكير بوحدة المصير, تستحق التقدير, لواقعية وعقلانية طرحها في هذا الظرف الظرف العصيب, ولأهميتها في إسكات أصوات بعض المُهرجين, الذين تعودوا على الكذب والنفاق السياسي والتلفيق.

إن مأساة خمسة عقود من التناحر والصراعات الدموية, كافية لأن يستوعب الجميع ويعي حجم خسائرها البشرية والدمار,الذي لحق بالعراق, وتدعو الى وضع حد للخلافات بأسلوب حضاري بين أبناء شعب,عَرفَ التاريخ والعالم أنهم بُناة الحضارات.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024