إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

كيف لهذا أن يصبح رئيسا..؟

د. وسام جواد

نسخة للطباعة 2010-11-19

إقرأ ايضاً


عاتبتُ ذات مرة,أحد الصحفيين الروس وبشدة,أثناء الإنتخابات الروسية,التي تلت إنهيار الاتحاد السوفييتي ووقت احتدام التنافس بين سكرتير الحزب الشيوعي غينادي زوغانوف والخائن المرتد بوريس يلتسن, لكونه قرر التصويت لصالح الأخير,على الرغم من ثقافتة العالية ومعارفه الواسعة كصحفي محترف منذ منتصف ستينيات القرن الماضي. وكان في العتاب ما يبرره لإستنادي على معطيات أكدت وجود مؤامرة صهيو-إمبريالية, لإسقاط النظام السوفييتي بمساعدة شخصيات ضعيفة وهزيلة كبوريس يلتسن, وافتعال أزمات سياسية, كالتي حصلت بين كرباتشوف ويلتسن, واقتصادية كتلك التي أوهنت النظام في سنواته الأخيرة وأثقلت كاهله بالديون. ولم يمر الكثير من الوقت حتى تبين ارتباط يلتسن بعملاء الحركة الصهيونية والدول التي خططت منذ أمد بعيد للإطاحة بالنظام السوفييتي من الداخل لإستحالة فعل ذلك من الخارج.

لولا الدعم المادي والمعنوي لزمرة يلتسن من قبل الأطراف الخارجية, ولولا إنخداع ووقوع العديد في نفس خطأ الصحفي المار ذكره آنفا, لما تمكن يلتسن من النجاح في الإنتخابات الثانية, ولما تمكن المرتدون من الوصول الى أهدافهم المتمثلة في السيطرة شبه التامة على البنوك والمصانع ووسائل الإعلام بعد إنهيار الاتحاد السوفييتي, لا سيما وأنهم يشكلون أقلية لا تتجاوز 2% من مجموع سكان روسيا.

في عراق ما بعد الاحتلال, لا مجال لغير أغبياء السياسة أن يصدقوا بأن الانتخابات أوصلت جلال الطالباني الى رئاسة بلدية المنطقة الجرباء,التي تقل مساحتها عن مساحة دولة الفاتيكان. فمذ ان نصّب جلال في مجلس الصُم والبُكم ( الحُكُم, كما أسموه ) المُؤسّس من قبل بريمر, لم يتوانى الطالباني عن اختلاق مبررات بقاء قوات الاحتلال لأطول فترة ممكنة. وقد دفعته انتهازيته المزمنة وتلونه وفق مصالحه الذاتية والمافيوية الى اعلان فرحته وسروره بقدوم البرابرة " لتحرير " العراق " لقد أتى أصدقاؤنا ألأمريكيون ليحرروا بلدنا.." فيا لعار السقوط السياسي ويا لخزي الإنحدار الأخلاقي في أعين مئات الألوف من الثكالى والأرامل والأيتام, الذين فجعوا بفقد أحبتهم برصاص أصدقاء جلال الطالباني ونازيي العصر بلا منازع .


وفي مقابلة مع إذاعة صوت أمريكا تحدث الطالباني عن "الشرف العظيم" بعد لقائه بولي نعمته بوش, وتبيّن ان الطالباني لا يفكر بالنهوض بعد سقوطه المُذل, بل راح يغوص أعمق في مستنقع التبعية لمجرمي الحرب: " اشكركم على هذا اللقاء خصوصا وانها اذاعة أمريكية. أمريكا صديقة الشعوب,تشرفت بلقاء الرئيس بوش ولقائي بسيادته شرف عظيم .أمريكا تشرفنا ونحن الكورد مستعدون لرد الجميل ".

لا شك ان تصريحات كهذه, تكشف عن دونية صاحبها,التي ساعدته على إعادة تنصيبه للمرة الثانية في وقت يعيش فيه العراقيون أحلك ظروفهم السياسية والاقتصادية,التي خلقها لهم الإحتلال واستغلها أعوانه لتمرير مخططات سبق وان جرب نجاعتها في سيناريو إعادة إنتخاب يلتسن, الذي لا يتطلب أكثر من الدعم المادي ووجود الخونة والمرتدين والانتهازيين للعب أدوارهم في مسرحية إسمها "الإنتخابات".

هنالك أمثلة على وقوف بعض الرؤساء الوطنيين في العالم الى جانب شعوبهم عند حدوث الكوارث الطبيعية والحالات الطارئة كتلك,التي شاهدنا تفاصيل أحدها أثناء عملية انقاذ عمال المناجم في شيلي . واذا اثارت العملية إعجاب مئات الملايين,الذين تابعوها فإن الإعجاب بوقفة الرئيس الشيلي وضيفة البوليفي لم يكن بأقل. ولو عدنا الى الوراء وبحثنا عن الطالباني طوال فترة تنصيبه الإولى لما وجدنا له أثرا في الفلوجة البطلة ولا في النجف الأشرف( كمثال وليس حصرا), ولا حتى في كاظمية أو أعظمية بغداد, رغم كل ما لحق بهذه المدن والمناطق من دمار, وما نال أهلها من حيف لا ينفيه الا السفلة. فأين كان هذا الطالباني عن مأساة شعبنا.. ؟ لعل هذه الصور تجيب على هذا السؤال.

نعم, إنه مع القتلة والمجرمين, يصافح أصدقائه الأمريكيين, ويقبل الصهاينة العنصريين, ولم نجده مع الفقراء والمساكين, ولا بين الجرحى والمصابين, ولا في خيام المهجرين. ولا عجب, فماضيه الأسود في قتل أبناء جلدته, وجريمة قتل الشيوعيين في بشت آشان هو الشرف الذميم, واسلوب الذليل في رد الجميل.

من باريس, وبعد إعادة تنصيبة صرح الطالباني بما يلي :

"إن عملية التحرير بدأت بعد عام 2003 لاقتلاع جذور الإرهاب من العراق وعهد صدام الدكتاتوري, وأن العراق وصل بعد العام 2003 إلى مرحلة الديمقراطية الصحيحة."

لم أجد ردا على هذا التحريف والتخريف والتزييف, أنسب من رد الشاعر إبراهيم الخال :

صَهْ يا رقيع فمَن شفيعُك في غدِ, فلقد خسئتَ وبانَ مَعدُنك الرديّ.

إن إعتبار الإحتلال "تحريرا" هو تحريف دنيئ لا يقوله إلا الرديئ, وان مجرد التفكير بوصول العراق مرحلة الديمقراطية الصحيحة,عيب وفضيحة, وأكاذيب صريحة, وأساليب قبيحة, وتخريف في خريف جلال الطالباني. أما جذور الإرهاب فهي عميقة في تربة السياسة الأمريكية, والفضل يعود لعملائها, بغرسها في أوطانهم باسم الديمقراطية,التي لم تكن سوى الدم قراطية.

" إن تأخر تشكيل الحكومة 8 اشهر جاء نتيجة تركيبة المجتمع العراقي المعقدة المتمثلة بتعدد القوميات والطوائف والأحزاب".

إن سذاجة التفسير, وسياسة التبرير, وضعف التفكير, إسلوب من باع الضمير, وقبل بالعمى وهو بصير, فالجميع يعلم بأن الولايات الصهيونية المتحدة لن تترك العراق دون ضمان إعتمادها على زمر الخيانة والعمالة, لتأمين مصالحها, وان أمد التدخل في شؤونه الداخلية سيتوقف على وعي العراقيين وقوة اتحادهم, التي ستخلق المحال, بعقول وسواعد رجال, لا يبيعون الوطن بمال, ولا يرضون ببقاء احتلال, ولا يتلونون كما يتلون جلال .

الخلاصة:

هنالك قادة,تفتخر وتعتز بهم شعوب الدنيا, لأنهم يحملون جينات القيادة, ومواهبهم مغروسة فيهم منذ الولادة, وحبهم لولا الله لوصل العبادة, لأنهم يريدون الخير للشعب والسعادة, ويذودون عن حقوقه دون هوادة, لا كمن تأصلت فيهم جينات البلادة, أو كالذي حكم بالنار والحديد بلاده, واطلق على أبناء شعبه أنذل أوغاده, وعرض الألوف لنيل الحتوف والإبادة.

إن عراقنا بلا رئيس ولا حكومة شرعية منذ الاحتلال, وعلى جلال الطالباني ومن تعاون مع الغزاة أن يعوا حقيقة ان الظروف,التي خدمتهم ليست أبدية, وان التغيير قادم لا محال .


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024