شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 1937-11-02
 

على غرار الحزب السوري القومي

أنطون سعادة

إنّ من ابرز الصفات التي امتاز بها ابناء هذا الوطن، حتى أصبحت من مميزاتهم الخاصة، صفة المحاكاة والتقليد. وهذه الصفة هي اهم عامل في الميعان القومي الذي يتحلى به "كبارنا" ووجوهنا في لبنان والشام وفلسطين.

تفشت المحاكاة في شعبنا تفشياً قضى على كل شيء أصلي حتى حلت المظاهر محل الجوهر وقامت الحركات والاشارات المقتبسة مقام الأخلاق والمثل العليا. التمدن بعينه لا يعني انا سوى بعض المظاهر وليس له أقل أثر في أعماق حياتنا النفسية والاجتماعية.

نرى بعض الأمم الحية تشكل كيانها السياسي على أسلوب ديمقراطي معين فنحذو حذوها، لا لأننا نفهم ما نعمل، بل لأن أمة حية غريبة فعلت ذلك. تنشأ فرنسة مثلاً أحزاب معينة ذات نهج واضح نقتبس هذا النهج، لا لأننا ندرك الغرض منه، بل لأن الفرنسيين يسيرون عليه. وحجتنا في الجدل لتأييد أي نظرية هي "هكذا يفعل الغير" أو "لم نرى مثل هذا النهج عند هذه الأمة أو تلك الأمة"، كأننا لسنا أهلاً لأن يكون لنا رأي خاص وفكر مستقل في شؤوننا واتجاهاتنا.

وقد اعتاد الشعب هذه المحاكاة وهذا الميعان، حتى فقد كل ثقة بنفسه، وفقد كل فكر مستقل وكل حرية في التصرف. وهذا هو السبب في قبول الناس الأكاذيب التي ولدها المغرضون ليطعنوا بها الحزب السوري القومي. فقبلت كرامتهم القومية هذه التهمة الباطلة قبولها الشيء العادي المؤيد بالعرف. ولم يجدوا في الأمر ما يستدعي أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث فيه ودرس أسسه التي نشأ عليها والعوامل القومية التي استمد منها حيويته نظامه. فما كان أنطون سعاده إلا مقلداً من مقلدينا شاء أن يقلد موسوليني أو هتلر ويظهر بمظهرهما، ولم نكلف أنفسنا مشقة درس المؤسسات التي أنشأها هذا الرجل وصنفها، والشرائع التي شرعها للمنظمة القومية الكبرى المعروفة باسم الحزب السوري القومي والمبادىء الأساسية، والإصلاحية التي أسس هذا الحزب عليها، وكلها أصيلة مستمدة من حاجة الأمة ومصلحتها.

ليس الحزب السوري القومي، لكثير من الذين يجهلون كيفية نشأة الحزب وماضي الرجل الذي أنشأه، سوى زي جديد من أزياء المحاكاة؛ فلا العقيدة التي ولدها ولا المبادىء التي وضعها ولا الفضائل التي غرسها في النفوس لها قيمة تذكر. كل القيمة هي في الشكل، في الزي.

ولما كان الحزب السوري القومي زياً من الأزياء، في اعتيادنا المحاكاة وفقد ثقتنا بأنفسنا وبمواهب أمتنا، فلماذا لا تصير كل فئة من فئات الشعب، مهما كانت أهدافها ومبادئها، ومهما كانت أغراضها والمنافع الصادرة عنها، كالحزب السوري القومي في مظهره وزيه؟

لا شيء يمنع من ذلك. فما كاد الحزب السوري القومي يظهر للعيان، حتى سارعت "الكتلة الوطنية" في الشام إلى تأليف ما عرف بـ "القمصان الحديدية" على مثال اللباس الرصاصي الذي قرره الحزب السوري القومي وأعلنه زعيم الحزب في خطاب رسمي في أول يونيو/حزيران سنة 1935، وبادرت "عصبة العمل القومي" إلى وضع مبادىء تتقيد بها على غرار مبادىء الحزب السوري القومي. ونشأ في لبنان حزب "الوحدة اللبنانية" على طراز الحزب السوري القومي وتشكلت "الكتائب اللبنانية" على هذا النحو. وجميع هذه الأحزاب استعارت لغة الحزب السوري القومي وتعابيره القومية والسياسية وبذلتها بلا حساب. وصرت ترى هذه الأسماء "مكتب الإذاعة والنشر" زلجنة الإذاعة ولجنة الشؤون الداخلية وما شاكل، وحتى الآن لما تشكل هذه الأحزاب مكاتب سياسية على مثال "المكتب السياسي" في الحزب السوري القومي.

وآخر ما بلغنا من محاكاة الحزب السوري القومي أنّ الدكتور شهبندر، والعهدة على الراوي، أرسل كتاباً إلى أحد أنصاره في دمشق يوعز إليه المباشرة بتأليف حزب على "غرار الحزب السوري القومي"، وأنّ الجبهة المعارضة للحكومة في لبنان أخذت تمهد لتشكيل نفسها بشكل حزب شبيه بشكل الحزب السوري القومي.

المحاكاة والتقليد والابتذال في كل شيء، هذه تكون مرضاً واحداً مزمناً يفتك في قوانا الحيوية ويقتل مزايانا الأصلية.

إنّ الحزب السوري القومي الذي ولد أعظم نهضة قومية صحيحة في الشرق الأدنى، ليس حركة محاكاة وتقليد، بل هو منظمة إنتاج قومي أصلي، ومحاكاة هذا الحزب لا تعطي سوى النتيجة عينها لكل أنواع المحاكاة وهي صرف النظر عن الأساس إلى الشكل، وعن الجوهر إلى العرض.

إنّ الأمة في حاجة لأن تميز بين ما هو أصلي فيها وما هو تقليد وبين الأشكال القائمة على أساس المبادىء القومية الصحيحة والأشكال التي تستر أغراضاً خاصة.

النهضة، بيروت، العدد 17، 2/11/1937



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه