إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

من يساعد " السوريين الافغان "؟

د. عصام نعمان - البناء

نسخة للطباعة 2011-06-13

إقرأ ايضاً


دخلت الاضطرابات الأمنية في سورية الاسبوع الماضي منعطفاً خطيراً. فقد تمكّنت مجموعات منظمة جيدة التسليح من السيطرة على بلدة "جسر الشغور" في محافظة ادلب بعد ان قتلت، بحسب بيان الحكومة السورية، اكثر من 120 شرطياً.

بصرف النظر عن ملابسات الحدث، فقد ثبت ان مفارز الشرطة المحلية القليلة العدد واجهت مجموعات مسلحة وفيرة، يمكن اطلاق تسمية "السوريين الافغان" عليها. ذلك ان ظروف نشأة هؤلاء تشبه بشكلٍ لافت نشأة "العرب الأفغان" الذين كانوا في الاصل مقاتلين من جنسيات عربية شتى دربتهم وكالة المخابرات المركزية الاميركية CIA ونقلتهم الى افغانستان المسلمة لتخليصها من "دنس" القوات السوفياتية "الملحدة". وبعد اندحار القوات السوفياتية وخروجها من افغانستان، سرّحتهم الولايات المتحدة واعادتهم الى بلادهم حيث انقلبوا عليها وقاموا بمحاربتها في كل قطر وجدوا لها فيه قاعدة عسكرية لكونها، في نظرهم، دولة ملحدة أيضاً ومعادية للإسلام.

" السوريون الافغان" هم مجاميع من الاصوليين العرب، معظمهم من سورية، كانوا حاربوا جيوش اميركا بعد احتلالها العراق ثم عادوا الى سورية بعد انحسار عمليات المقاومة العراقية نتيجةَ انسحاب القوات الاميركية الى قواعد في الصحراء بعيداً من المدن.

قيل ان الحكومة السورية التي كانت سهّلت تجميعهم وتدريبهم ثم نقلهم الى العراق لمحاربة قوات الإحتلال، قد سهّلت ايضاً امر عودتهم الى أمكنة انطلاقهم في محافظة ادلب حيث مكثوا فيها محتفظين بأسلحتهم. وبعد اندلاع الإضطرابات في سورية، هبّوا الى مقاتلة قوات النظام بدعوى انه علماني وبالتالي ملحد وضد الإسلام !

هل ثمة جهة خارجية تساعد "السوريين الافغان"؟

الحكومة السورية لم تتهم، بصورة رسمية، أية جهة بمساعدة هؤلاء الاصوليين وإن كانت وسائل اعلامها تؤكد دائماً على تورّط قوى خارجية في الاضطرابات مذّ اندلعت في درعا ووصلت الى "جسر الشغور". الى ذلك، سرّبت مصادر اعلامية قريبة من الحكومة معلومات بأن "الاخوان المسلمين" الذين منحتهم تركيا مقراً في اسطنبول يساعدون " السوريين الافغان " عبر الحدود المشتركة بين البلدين. غير أن الحكومة التركية لم تؤكد ولم تنفِ هذه التسريبات.

اللافت، بحسب المصادر الاعلامية عينها، ان دمشق كانت تتوقع اضطرابات أوسع مدى في محافظة دير الزور الواقعة في شرق البلاد، وفي محافظة الحسكة المجاورة في الشمال الشرقي. المحافظة الاولى تقع على الحدود السورية – العراقية والثانية على الحدود السورية - التركية ويكثر فيها الاكراد.

ظاهراً، لا تدعم انقره "السوريين الافغان". بالعكس، يتضح من تصريحات وزير خارجيتها احمد داود اوغلو ان حكومة بلاده "تنظر الى الحكومة السورية على انها نظيرتها الشرعية، لذا فإن انقرة لا تسعى الى الشروع في اي اتصال مع جماعات المعارضة السورية". غير ان إقرار انقرة بشرعية الحكومة السورية لم يمنع رئيس حكومتها رجب طيب اردوغان من التنديد بـِ "فظائع" قال إن قوى الامن السورية ارتكبتها بحق المتظاهرين، وان ذلك يجعل من الصعب على تركيا الدفاع عن سورية في المحافل الدولية.

قد يكون اردوغان ادلى بتصريحه النافر لضرورات انتخابية. فالاسلاميون الاتراك يشكّلون قوة سياسية وازنة يحتاجها حزب العدالة والتنمية في معركته الحاسمة ضد خصومه. غير ان اردوغان لم يذهب بعيداً في هذا المجال لأن ثمة مليون مواطن تركياً من العرب العلويين في منطقة الاسكندرون يناصرون سورية وسياسة رئيسها.

المعنيون بمراقبة المشهد السوري تستوقفهم ثلاثة تطورات: الاول، توجّه أفواج من الجيش السوري الى محافظة ادلب لمواجهة مجموعات المسلحين الاصوليين وإخراج بلدة جسر الشغور من قبضتهم، وما يمكن ان ينجم عن هذه العملية من ضحايا ونزوح بشريين. الثاني، صدور موقف عن مصر يدعو الى المحافظة على استقرار سورية لما لذلك من تأثير على الامن القومي المصري والامن القومي العربي. الثالث، تصعيد فرنسا، بالإشتراك مع بريطانيا والولايات المتحدة، موقفها الداعي الى إدانة سورية "بسبب قمعها للمحتجين والمتظاهرين"، وما يمكن ان ينتهي اليه موقف روسيا (وبالتالي الصين) من مشروع القرار الفرنسي المزمع تقديمه الى مجلس الامن.

صحيح ان دمشق تتابع من خلال الهيئة الوطنية للحوار خطواتها الإصلاحية الموعودة، لكن اهتمامها الاكبر ما زال يتركز على مسألة إنهاء الاضطرابات الأمنية وتوطيد الإستقرار كشرط اساس للتوسع في العملية الإصلاحية. وقد ساعدها السخط الواسع الناجم عن سقوط "جسر الشغور" في قبضة المسلحين الاصوليين على تعبئة الرأي العام ضد العابثين بالاستقرار. غير ان استمرار التظاهرات في بعض المحافظات، وبطء عملية الحوار الوطني، مع تعاظم حملة دول الغرب الاطلسي على النظام يشير الى ان سورية ستبقى لمدة غير وجيزة مسرحاً لتطورات سياسية وأمنية مقلقة، وان محنتها لن تنتهي قبل انسحاب القوات الاميركية من العراق اواخرَ العام الحالي.

هل اميركا في وارد الانسحاب؟

تبدو واشنطن راغبة في تمديد وجودها العسكري في بلاد الرافدين، تحدوها الى ذلك جملة أسباب. اولها، خشيتها من سقوط حكومة نوري المالكي الضعيفة تحت وطأة ضغوط القوى الوطنية المعادية لاميركا من جهة والقوى السياسية المتحالفة مع ايران من جهة اخرى. ثانيها، خشيتها من قيام محور طهران –دمشق بملء "الفراغ" الناجم عن انسحابها من العراق على نحوٍ يعزز قوى الممانعة والمقاومة في المنطقة. ثالثها، حرصها على استغلال الاضطرابات الامنية في سورية من اجل مضاعفة الضغط عليها بغية فك تحالفها مع ايران وقوى المقاومة في لبنان وفلسطين.

هكذا تعاني سورية، في غمرة اضطربات امنية وصراعات اقليمية وحملات دولية، ازمة تجاذب حادة بين نظام قوي واعد بإصلاحات مستحقة الاداء شريطة توطيد الامن والاستقرار، ومعارضة تجاوزت مطالبها الاصلاحية المحقة لتطرح شعار اسقاط النظام من دون ان تتوافر لها القيادة والفعالية السياسية والميدانية اللازمة لتحقيق مآربها.

كيف الخروج من المأزق؟

يقول اعلاميون مقربون من القيادة السياسية إنها في صدد اعلان مبادرة متكاملة من شقين. الاول، يتضمن مجموعة من التدابير ابرزها إلغاء القانون 49 للعام 1980 القاضي بإعدام كل من ينتسب الى جماعة الاخوان المسلمين، والبحث في تعليق المادة 8 من الدستور التي كرّست البعث "الحزب القائد في الدولة والمجتمع"، واستكمال الافراج عن معتقلي الرأي سنداً لمرسوم العفو العام، بالاضافة الى اعلان نتائج التحقيق في حوادث القتل التي رافقت موجة التظاهرات والإحتجاجات، واعلان يوم حداد وطني على جميع الضحايا الذين سقطوا فيها. الثاني، عقد لقاء تشاوري موسّع تمهيداً للمؤتمر الوطني العام، تشارك فيه شخصيات معارضة، تقليدية وشبابية، من معارضي الداخل والخارج. واذ تنقسم قيادات الاخوان المسلمين بين مؤيد للمشاركة ورافض لها، تميل معارضة الخارج من الحقوقيين المستقلين الى المقاطعة.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024