شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 1948-08-01
 

محاضرة الزعيم في مؤتمر المدرسين "توجيه المدرسين"

أنطون سعادة

أيها الرفقاء المدرسون،

إنها المرة الأولى التي نجتمع فيها في هذا المؤتمر، تضمنا زوبعة الحرية والواجب والنظام والقوة، لنتبصر في المهمة الخطيرة الموضوعة في عنق المعلم القومي الاجتماعي، في الأهداف التي نرمي إليها والغايات التي نتوخى تحقيقها بواسطة التدريس والتعليم.

تعلمون أن النهضة السورية القومية الاجتماعية تعني تغيير اتجاه الأمة السورية من فوضى الانحطاط إلى نظام النهوض. من مصير الاضمحلال إلى مصير الوجود الحي، العامل، بوعي كامل، لأغراض الحياة الجيدة ومقاصد النفس القومية الكبرى. وتعلمون أنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي يحمل رسالة القومية الصحيحة إلى الأمة السورية ورسالة الحياة القومية الاجتماعية وفلسفتها المدرسية إلى الأمة السورية وإلى الأمم جميعاً. فالنهضة السورية القومية الاجتماعية، إذن، هي حدث تاريخي خطير، هي أعظم الأحداث التاريخية التي مرت بهذه الأمة شأناً، بلا استثناء. وإذا نظرنا في مهمة الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي يحمل رسالة النهضة السورية القومية الاجتماعية، وجدنا أنها أشق مهمة ظهرت في تاريخ أية أمة من الأمم، فليس، ولم يك قط، للفوضى التي تتخبط فيها الأمة السورية مثيل، ولم يبلع الفساد في أمة من الأمم، في أي وقت من الأوقات، مبلغه في أمتنا إلى هذا الوقت.

بهذه المناسبة، أريد أن أبرز نقطة يجب أن تصير واضحة في تفكير المفكرين السوريين القوميين الاجتماعيين، لأنها سبب من أهم أسباب التخبط النفسي والعملي، ألا وهي: خلو مجتمعنا القومي، مدة أجيال وقرون طويلة، من مؤسسات قومية بالمعنى الصحيح ومن تقاليد قومية عامة يصح الاستناد إليها. فالتقاليد القومية الجيدة، القديمة، كانت مبعثرة ومنسية، والمؤسسات، التي لم يكن غيرها قبل نشوء المنظمة القومية الاجتماعية ومؤسساتها، هي مؤسسات لا تصلح بالمرة ولا يصح اعتماد أية مؤسسة منها نقطة ارتكاز، أو انطلاق، في عمل البناء القومي الاجتماعي. فلا الكنيسة او الجامع او الخلوة (باعتبارها مؤسسة الرابطة الدينية)، ولا العشيرة ولا الطائفة ولا الاقطاع ولا شيء من هذه المؤسسات الأولية يصلح لشيء من مبادىء الحياة الجديدة – الحياة القومية الاجتماعية. ولست أستثني من هذه المؤسسات مؤسسة العائلة – البيت – فالعائلة عندنا هي مؤسسة دينية، طائقية لا مؤسسة قومية عامة. فالزواج والإرث وقضاياهما الحقوقية تصير على قاعدة الطائقة أولاً وعلى قاعدة الجذع الديني ثانياً ولا تصير على قاعدة الأمة مطلقاً. الشرع ديني او طائفي وليس قومياً عاماً. وفي هذه الحالة لا يجد عضو الدولة ( Citizen, Citoyen) حقاً عاماً يستند إليه ويساوي بينه وبين جميع مواطنيه. وفيها يكمن سرّ من أعظم أسرار القضايا أو المشاكل النفسية – الاجتماعية – الحقوقية.

ليست مشكلة المؤسسات، على فداحة أضرارها وعظم ما تسببه من صعوبات لعمل النهوض والبناء القوميين الاجتماعيين، المشكلة الوحيدة التي كانت على النهضة السورية القومية الاجتماعية أن تجابهها وتعالجها وتتغلب عليها. ولكنها كانت ولا تزال المشكلة الأولى العنيدة المعقدة التي رأت الحركة السورية القومية الاجتماعية أنها تصد أولى خطواتها وتعرقل بادىء أعمالها.

إنّ جميع النهضات والحركات الكبيرة التي رأيناها تحقق نجاحاً سريعاً نسبياً، ويبلغ بعضها حد الروعة المدهشة كالحركة الألمانية التي سمّيت، غلطاً الحركة الاشتراكية القومية الألمانية وكانت يجب أن تسمّى الحركة السلالية الجرمانية الآرية الاختصاصية، لم تصل إلى ما وصلت إليه إلا بما سهلت لها بلوغه المؤسسات التي كانت موجودة وكان لها تقاليد فاعلة صالحة للأعمال الإنشائية العظيمة. فقد كان للألمان قوميتهم، التي هي عن أساس عظيم، ومنظمة الدولة الألمانية المركزية الموحدة، وإن لم تشتمل بادىء بدء على دولة النمسة، وكانت بهم مؤسسة الجيش العظيمة ذات التقاليد الحربية العالية وكانت لهم مؤسسات العلم والتوجيه الفكري والروحي وكانت لهم فلسفاتهم القومية والسياسية. وبالاختصار كانت لهم جميع قواعد النهوض والبناء، بل كان لهم بناء مؤثل موثق استطاعوا أن يعطوه شكلاً جديداً وقوة جديدة وأن يضيفوا إليهاً هيكلاً بنائياً جديداً.

وكذلك النهضة الإيطالية المدعوة الفاشستية، التي تقدمت النهضة الألمانية وأعطتها الكثير من الأمثلة والنظرات، قامت على وحدة إيطالية قومية وعلى نظرة ماتزيني القومية الروحية وعلى مؤسسة الجيش الايطالي ومؤسسات الثقافة وقواعد أخرى.

ولم تخلُ نهضة من نهضات أمم متأخرة جداً عن مستوى الثقافة الألمانية وقواعد بنائها من مؤسسات صالحة للاستمرار المجدي ولحمل دفقة حياة جديدة فالفوليين (البولونيين) الذين قادهم فلسودسكي إلى الحرية والاستقلال والقوة وكانت لهم قوميتهم واعتزازهم ومؤسساتهم الاجتماعية والروحية والحربية. وإذا كانوا قد خسروا معظم ما حصّلوه بقيادة فلسودسكي، فلأنهم لم يتمكنوا من تطوير مؤسسات تقليدية قديمة غير صالحة للحياة الجديدة كالاقطاع وغيره، والأتراك لم يستطع مصطفى كمال إحداث نهضتهم الجديدة التي يتوسعون فيها على حساب أمتنا وقوميتنا، إلا بالاعتماد على أهم مؤسسة تركية تمكنت من الاحتفاظ بنظامها وتقاليدها الصالحة للبقاء، ألا وهي مؤسسة الجيش التركي، وعلى ما خلفته جمعية "تركية الفتاة" من تفكير وخطط.

إذا حسبنا ما كان لنا نحن من قواعد للنهوض والبناء بالنسبة لما كان عند غيرنا وجدنا أننا ابتدأنا من درجة الصفر. فقوميتنا كانت مجهولة لنا وأصولها تفككت وتبعثرت من قرون بعيدة ولم أجد، يوم ابتدأت تخطيطي البنائي، مؤسسة واحدة في أمتنا صالحة الارتكاز في عمل النهوض والبناء القوميين الاجتماعيين. كان عليَّ أن أضع القواعد الاجتماعية التي أعلنتها سنة 1935 دولة الشعب السوري الاجتماعية المستقلة الحقوق والواجبات العامة. وأن أؤسس المؤسسات الجديدة الصالحة للحياة الجديدة التي نريدها ولمثلها العليا. إلى مثل هذا العمل لم تحتج نهضة واحدة من النهضات المعاصرة في أية أمة من الأمم. فإذا قلنا إن عملنا الإنشائي العظيم يفوق في خطورته وروعته عمل أية نهضة أخرى في التاريخ لم يكن قولنا إلا إعلان الحقيقة السلمنة والواقع الصحيح اللذين يملآن صدورنا اعتزازاً وافتخاراً.

....

يتبع

النظام الجديد، المجلد 1، العدد 5، يوليو/تموز – أغسطس/آب 1948



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه