شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2011-12-15
 

الذكرى الثالثة لرحيل الرفيقة الشاعرة حنينه ضاهر

الذكرى الثالثة لرحيل الرفيقة الشاعرة حنينه ضاهر (1)



وفاءً لذكراها، قومية اجتماعية مناضلة وشاعرة مميّزة، نورد الكلمة القيمة التي اوردتها السيدة الاديبة راغدة جابر، تحية وفاء لصديقتها الشاعرة الراحلة حنينه ضاهر، وقد جاءت في الصفحات الاولى من ديوان الشاعرة. كان للسيدة جابر القسط الوافر، مع اوفياء آخرين، في العمل الجاد على جمع قصائد الشاعرة حنينه ضاهر، واصدارها في ديوان، انما لم يصدر، مع الاسف، الا بعد رحيلها، ليبقى، بكل ما تضمنه من مقدمة وكلمات وقصائد، ذكرى خالدة لشاعرة مميزة.


" اجمل ما يختبره الانسان في حياته، هو الشعور بالتكامل مع ما يؤمن به، في عمل يؤدّيه فيشعر بنشوة الانجاز، او في واجب يقوم به فيشعر بمتعة الوجود الحقيقي، او في عطاء بغير حدود الى مدى غير منظور، يدنيه من الخالق العظيم. هذا الشعور بالتكامل هو الشرط لتحقيق المثل العليا، لحياة كريمة مشرّفة، وهو الهدف الاسمى، لاجله تذلّل الصعاب، وتصغر عظائم الامور.

قد نعجز أحياناً عن تفسير هذا الشعور، لكننا نجد في المقابل من ينوب عنا في تجسيده والمجاهرة به. فذروة التفاعل الفكري في الحالة المجتمعية الراقية هي وجود المبدع، الذي يَصهر شعور الجماعة، وتوقهم الى الحق، والخير، والجمال، فيمسي لسان حالهم، محاكياً اعماق كل واحد منهم، سواء أكان عالماً ام اديباً، رساماً ام نحاتاً، فيلسوفاً ام شاعراً...

من هنا، لا بد لنا من وقفة تأمل وتمتمة صلاة لروح شاعرتنا الكبيرة حنينه ضاهر، مع تحية شكر لها على هذا الارث الشعري، المعجون بالصدق، والاخلاق، والقيم، والمبادئ التي تربيت عليها، ونهلت من ينبوعها. فمع كلّ قصيدة، تهتزّ في احاسيس عز، لو قدّر لها النطق، لصرخت: "ها انا ذا !".

فشكراً للقدر الذي جمعني بحنينه ضاهر وجعلني، بشعور البنوَّة، اهتمّ بها، وأنشغلُ بانتاجها خوفاً عليه من الضياع.

وشكراً لكل المخلصين الذين ساهموا في تحقيق هذا العمل.

شكراً لهم جميعاً لمنحي الشعور مجدداً بسعادة الوفاء وفرح العطاء اللذين حُرمتُ منهما تجاه والدي (رامز حسن جابر)، الذي ما زال يسكنني بروحه الطيبة الطاهرة... فالحرب البشعة سرقته منا جسداً ونصوصاً، ونيرانها القذرة التهمت كل شيء حتى آخر ورقة من اوراقه المدوّنة... لكنه ترك لنا في الذاكرة احاسيس واسماء، ما كنت ادرك كُنْه تعلقه بها، الا بعد ان قرأت شعر حنينه ضاهر بعمق، واذ بقصائدها تغمرني بدفء وحنين، وتعيدني الى زمن الطفولة البريئة الحالمة، وصداها يردّد صدى فكر والدي وايمانه وشعره، وهو يلقي ابياته الجميلة في هدأة تموزية، على شرفة دارتنا الحلوة (في مطيّر عبيه- البنّيه). ما اروع تلك الذكريات، وما اسعد تلك الايام، استعيدها اليوم بشغف مع شعر حنينه ضاهر ونثرها... فتعود رحلة عمري بأدق تفاصيلها، لاصبح مدينة لها بالكثير...

من هنا كان لا بدّ لي من توجيه التحية:

وفاءً لوالدي ولما تربّيت عليه، ولما آمنت به حنينه ضاهر من فكر قومي اجتماعي، خطّه فتى آذار درباً لنهضة الوطن والامة، فكرّست له ذاتها، بموهبة فذّة، وعطاء لا محدود، وشاعرية مميّزة...

وفاء لما نذرت له حياتها من اجل رفع مستوى الشعر الشعبي، الى مراتب تليق به في مصاف الادب الرفيع. فإذا بنتاجها الشعري تعبير صادق عن النظرة الجديدة الى الفن والادب والشعر.

وفاء لشاعرية صافية تميّزت بالذكاء، وبالقدرة على الارتجال واجتذاب الناس ونيل اعجابهم، بوقفتها المنبرية الاخاذة، النابعة من العقيدة التي ملأت وجدانها حتى اللحظة الاخيرة... وهذا ما بدا من خلال علاقاتها الاجتماعية التي تميّزت بالعطاء، والمحبة، والوعي، والادراك، والنبل، والصدق، والتعفّف، والكِبَر. ويطالعك في صدر بيتها هذان المأثوران:

ربِّ، لا تحينـي الـى زمـنٍ

أكـون فيـه عبئاً على احـدِ

خـذ بيدي، قبل ان اقول لمن

أراه، عند القيام: " خذ بيدي "...

حنينه ضاهر بَنَتْ عمرها على كِبَر، فكانت بحقٍ كبيرةً! لم تسأل احداً، ولم تطلب من احد...

لذا وجدتني امام هذه الشخصية المميزة، احسّ بالمسؤولية والامانة وانا اقف امام ارثها الكبير، وبمبادرة شخصية مني وممن ساهم معي في تنفيذها، اردناها تحية وفاء ومحبة لـ "حنينه ضاهر"، رغبة منا في ان يبقى حياً ما رضيت عنه مما توافر لدينا من نتاجها النثري والشعري... مع العلم اننا لم نتناول مراسلاتها ومساجلاتها الشعرية مع كبار الشعراء، لانه يلزمها مجلد خاص.

فشكراً لشاعرتنا التي موّنتنا بتخضرمها، بين زمن الاصالة وزمن التحديات الثقافية، بزاد نحن بحاجة اليه في رحلتنا الى غدٍ مشرق بالامل.

شكراً لـ "حنينه" على هذا العطاء الذي فيه من ماضينا دفئه، ومن حاضرنا ارتباطه الوثيق بالاصالة والابداع، ومن مستقبلنا تألقه بايماننا المطلق بالمبادئ والقيم.

واخيراً، اجدد شكري وتقديري ومحبتي لكل من ساهم واهتم وساعد، لكي يرى هذا النتاج النور، مع تحية خاصة للشاعرين الصديقين: الدكتور جورج زكي الحاج، والمربي الاستاذ انيس ابو رافع، اللذين اشرفا معي على اعمال التنقيح والاخراج. كما احيي الشاعر الصديق جوزيف ابي ضاهر على وفائه (لحنينه) ولاهتمامه بنتاجها وتشجيعي على اصداره في كتاب واحد، كما كنت ارغب. وهنا أشكر ايضاً الصديق الاستاذ نسيب عون لمدّه يد العون في تدقيق هذا الديوان بصيغته النهائية.

واني اذ آسف اشد الاسف، مع طلب السماح والاعتذار من روح شاعرتنا الكبيرة حنينه ضاهر للتأخّر القسري في اصدار هذا الاثر الادبي، الذي كان يجب اصداره خلال حياتها... ولكن ها نحن قد وفينا بالالتزام. وهذا بعض نتاجها يرى النور، ليذكّرنا بأنها لا تزال موجودة بطيفها وروحها وشعرها وابداعها، تخيّم علينا كسنديانة من سندياناتنا العتيقة الشامخة.

(1) رحلت الرفيقة حنينه ضاهر بتاريخ 7 كانون الاول 2008.

**

حـنـيـنـه ضـاهـر فـي سـطـور

1918 ولادة حنينه ضاهر في قرية "زحلتي" – قضاء جزين. الوالد: الشاعر نعمة اللـه ضاهر. الوالدة: علما فارس. كانت حنينه الثالثة بين اربع بنات وصبي واحد، هو الشاعر بديع ضاهر (الخوري ابراهيم ضاهر). تتلمذت على نفسها قراءة وكتابة.

1950 بداية نشر منظوماتها الشعرية في مجلة "الادب الشعبي"، ثم في مجلة "الشحرور" وبعدها في "صوت الجبل".

1952 اصدار مجموعتها الاولى "كوخ وقلم".

1954 تعرّفها بأمير الزجل اللبناني يومذاك الشاعر وليم صعب، الذي طلب منها التعاون في تحرير مجلته "البيدر"، واستمرّ هذا التعاون مثمراً حتى بداية الحرب في لبنان وتوقّف المجلة عن الصدور في العام 1975. وهذه المرحلة تعتبر ذهبية في حياة حنينه ضاهر الشعرية.

1955 انتسابها الى الحزب السوري القومي الاجتماعي حيث اقسمت اليمين في مكاتب مجلة "البيدر".

1956 اصدار مجموعتها الشعرية الثانية "ايمان"، التي على اثرها نالت شهادة في الادب العربي الشعبي من كلية اللغة العربية في "كراتشي" في العام 1971.

1966 سفرها الى البرازيل والارجنتين ممثلة مجلة "البيدر"، فأحيت امسيات شعرية وشاركت في ندوات واحتفالات.

1972 تحضير ديوان "زورق بلا شراع" الذي التهمته نيران الحرب اللبنانية في العام 1975.

1976 بداية نشر مقالاتها عن الزجل اللبناني في الصفحة الثقافية في جريدة "الانوار" اللبنانية، واستمرت حتى عام 1995. كما تعاملت مع اذاعة "صوت لبنان" في الثمانينات، من خلال برنامجين قدّمتهما وهما: "موعد مع الامس" و"الخوابي العتيقة". كما نشرت في بداية الثمانينات مقالات عدة عن الزجل اللبناني واعلامه في مجلة "الفصول اللبنانية."

1995 توقّفها عن اي نشاط ثقافي لتبدأ مرحلة جديدة عنوانها "العزلة".

ايار 1997 كرّمتها مجلة "صوت الشاعر" و"جمعية شبيبة عين عنوب الخيرية" في حفل شعبي وثقافي كبير، منحت بعده درع شرف تذكارية.

1998 اصيبت بنوبة قلبية ادخلتها المستشفى، وبدأت صحتها بالتدهور.

تموز 1999 نيلها درع "حلقة الحوار الثقافي" في المؤتمر الثاني للثقافة الشعبية اللبنانية – العربية، الذي اقيم في مناسبة بيروت عاصمة ثقافية للعالم العربي.

آب 1999 نيلها درع "مواسم كيفون" في مناسبة احياء ذكرى الشاعر الكبير علي الحاج القماطي.

**

مـن قـصـائـدهـا:

يـا رفـيـقـتـي

من غفوة اليقظة على جفون الامـل من ثورة المظـلوم في ثقـل القيـود

مع نهضة الحق المن الدنيا انهمـل فقنا ولنا رسالـه عظيمـه للوجـود

يا اختي اذا وعيك استيقظ واكتمـل هبي معي، وعيفي التراخي والجمـود

تا نعوّد زنود المحاسـن عالعمـل مـش للاساور بس خلقانـه الزنـود

يا رفيقتي، طلي عليـي، واسكبـي من خمر افكارك على شعري شعـاع

مش حق منك هيـك عني تختبـي امشي معـي بقـوة ارادة واندفـاع

تا نحط عا عين الدخيـل الاجنبـي عن وطنـا كيـف بيـكـون الدفـاع

ما بتوصـل الامه لاعلى مـرتبـه الا اذا لبـواتـهـا كـانـت سبـاع

يا اخت روحي، من على شفاف الورق بشوفك قريبه قد ما شخصـك بعيـد

وبتخايلك بـين المـواكـب والفـرق تقودي جيوش العز للنصـر الاكـيد

وكلما الغفـا مشـوار بعيـوني مـرق بقشعك يقظه علـى حلمـي السعيـد

خيات نحـنا، وكل نقطـة بتنـهـرق مـن دمنا عا درب اسعـاد الـبـلاد

بتخلـق بطـل جبـار للجيـل الجديـد

***

الـى الامـيـنـة الاولـى

مهمـا ظلام الجـهـل يبعدنـا نحنـا، علـى مطلـب تواعـدنـا

انتِ ونحن والنصر عا ميعـاد واصبح قريب، كتـيـر مـوعدنـا

انتِ ونحن والنصر عا ميعـاد واصبح قريب، ونحن عا استعـداد

ولو نحن ردنا عن طريقو نحيد عـن دربنا، ولا قيد شعـره حـاد

بيسيـر معنـا مثلمـا منريـد ومنقشـعـو بيظـل بالمـرصـاد

لو كان شخصك صار عنا بعيد افكـارنـا ولا يـوم كانـوا بعـاد

بيناتـنـا انـتِ، ومـا بيزيـد بـصفوفنا بعـدك سوى استعقـاد

بيناتنا بصفـوف جيـل جديـد للنصر ماشـي، وما بيلوي عـناد

بيناتنـا بالصـبـر عالتشـديد وصفح المحبة الماحيـه الاحـقـاد

بينـاتـنا بالهـزء بالتهـديـد وسبـاقـنـا طلاب اسـتشـهـاد

بيناتنـا فـي موقـف التمجيـد حول الضريـح الضـم فادي بـلاد

بيناتنـا بكـرا بفـجـر العيـد والنصـر إلنـا، وعمرنـا اعيـاد

وبيناتنـا في كل رفعـة ايـد وفي كلّ بسمـة "شـكـر" للجـلاد

لا نوح عنا، ولا بكا، ولا حداد وقفـة بطـولـة وابتسامـة عزّ

للشـمـس تتشامخ سواعدنـا!

بيناتنـا، يا رفيقة الـفادي روحك ونبرة صوتك الهـادي

بتهز فينا قلـوب جـوّاده للتضحيـة، وعالبذل معتـاده

ومـش ممكـن نغيّـر عوايدنـا!



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024جميع المقالات التي تنشر لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع