شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2012-04-10
 

تقديم الدكتور وجيه فانوس لكتاب الامين شفيق سنان "عصارات عمر" (*)

الالتزام هو اول ما اعرفه في الاستاذ والمربي والاديب والسياسي شفيق سنان، بل اني لا اكاد افكر في الالتزام، الا وتشرق صورة شفيق قبالتي زاهية ناصعة رائعة. وقد يسأل، من يسأل، عن هذا الالتزام، ما نوعه وما توجهه وما غايته ؟ وصاحب السوأل محق، والجواب، عندي، ان شفيقاً هو الالتزام بحد ذاته !

صحيح ان شفيق سنان ملتزم بفكر سياسي معين، لكن الاصح، من وجهة نظري وبناء على خبرتي في التعامل مع شفيق، ان هذا الانسان ملتزم بالالتزام، ان جاز مثل هذا التعبير، وسره ان التزامه المبدئي هذا، هو ما يلزمه بكل الامور الاخرى، فكرية كانت ام سياسية ام اجتماعية ام ادبية ام تربوية ام عائلية او سوى ذلك. فشفيق سنان ملتزم بكل ما يقتنع به، وهو لا يقتنع الا عن وضوح رؤية وسلامة منطق، ولذا فانه في التزامه لا يكون الا صادقاً ومتفانياً وقوياً وغير قابل لأي مساومة، وان كان شفيق، من جهة اخرى، يستسيغ الحوار، ويستعذب النقاش ولا يمل من الدفاع عما يلتزم به من امور. واكثر من هذا، واشد عظمة وروعة وانسانية، انّ التزام شفيق يعترف بوجود حي للاخر، وهذا الاعتراف يقود شفيق سنان، وباستمرار، الى احترام من يخالفه الرأي، والاعتراف بحق هذا المخالِف في ايضاح ما يراه من امره، بل والدفاع عنه.

لعل مفتاح الدخول الاساس الى عالم شفيق سنان، يكمن في انّ هذا الانسان التزم بفكر ارسى منهجه ووضع مداميكه وشيد اركانه سيد للاول من اذار، هو انطون سعادة. فمع الفكر القومي الاجتماعي لسعادة، ومنه، وبه، بدأ تعامل شفيق سنان مع امور عيش الحياة ووعي مراميها والسعي في مناكبها.

اَمن شفيق سنان، وما برح يؤمن، ان الحياة "عقيدة وجهاد "، ومارس مقولة " ان الحياة وقفة عز " بأروع ما في معطياتها ونتائجها وما هو بين المعطيات والنتائج، حتى اقصى ما في الممارسة الواعية من روعة الالتزام وصفاء الرؤية وصدق النية واخلاص القول والعمل. ومن هنا فإن شفيقاً ينطلق في جوهر عيشه، المتعدد الوجوه والمناحي والاهتمامات، من بذرة تكوين واحدة، يجسّمها الصدق المتوّج برؤية تتوحّد ضمنها قمم الاهداف وتتلاقى عند صفائها تنوعات مراحل العيش واهتماماته.

شفيق سنان من الجنوب في ارض الوطن في لبنان، لكنّ الوطن بكل أمدائه هو فضاء التعملق الانساني لشفيق. وشفيق سنان من التربية مؤتمن على التعليم وشؤونه وما في كل هذا من اهوال المعاناة، بيد أن أمانة الوظيفة الادارية لم تتمكن من سجن شفيق وراء قضبان بيروقراطيتها المرهقة لحيوية الفعل التربوي المنطلق مع شجو حياة الحرية وحقيقة البناء الحي لمؤسسة المدرسة بكل ما فيها. وشفيق سنان هو الابن والأب والجد لأسرة استطاع شفيق ان يخرج بها من ربقة العائلية الضيقة، حيث الذاتية والمصلحة العليا للمجموع. وشفيق سنان هو الباحث الاكاديمي الذي لم يتورع، ذات يوم، ولو لبرهة من وقت، عن تقديم حماسه السياسي قرباناً على مذبح الاكاديميا الحرة بحثاً عن حقيقة المعرفة وتلألوء شعشعانيّاتها المقدسة.

ان في هذا العيش الواعي للالتزام اثره الاكبر في تكوين شفيق سنان، ومجاله ألارحب في نجاحه الفكري والثقافي والاجتماعي، ناهيك بنجاحاته الاخرى في حقول التربية والتعليم والبحث الاكاديمي. لقد ظل شفيق، في كل ما عاشه وقام به من اعمال وطمح اليه من رؤى ابناً لاسرته، وواحداً من اهل قريته، ومناضلاً في ارجاء وطنه، وبانياً لمداميك عز تفخر بها عقيدته وتفرح بها دولته. وشفيق سنان وفي كل هذا، اديب ينثر درر، ما مكنته منه قريحته واجتهاده، على مجالس ناسه ورواد نوادي عطاءاته. ولم يكن، ولا يجب، لدرر شفيق هذه، والحال كذلك، ان تذروها رياح الزمن فوق غابات النسيان، اذ ها هي الدرر، بالتزام صاحبها الحي بالكلمة وبحق كلماته هذه في الحياة، تجتمع فخورة في سفر أُعد لها، وهو سفر جمع فيه شفيق عصارات العمر يصبّها، في كؤوس حبّ مترعة بالالتزام الواعي والجميل، لعاشقي الحياة وقادري الكلمة والعاملين في سبيل وطن يحفظ ارض ابنائه ويقدّس وجودهم الحر ويعمل ابداً على رفعتهم وعزتهم. انه الوطن الذي هو حياة العقيدة والجهاد، وهو، كذلك، الحياة التي لا يمكن للاحرار الا ان يعيشوها وقفة عز، اخيراً وليس آخراً، حياة من مثل حياة شفيق سنان.


(*) أُقيم حفل توقيع لكتاب الامين شفيق سنان في مركز كامل يوسف جابر في النبطية،

مراجعة ملحق " نشاطات " بتاريخ 27/3/2012.



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024جميع المقالات التي تنشر لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع