إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

دلالات القرار 2042 .. ومأزق المعتدين على سوريا ؟

العميد د. أمين محمد حطيط - البناء

نسخة للطباعة 2012-04-18

إقرأ ايضاً


منذ اللحظة الاولى التي اعتممد فيها انان مبعوثاً دوليا الى سوريا كان مؤكد ان العدوان الغربي – الاعرابي على سوريا فشل في تحقيق اهدافه ، فجاء تعيين انان لالتقاط الانفاس و منع تفاقم الخسائر في ما يؤمن حفظ ماء الوجه او على الاقل هدنة تمكن الخاسرين من المراجعة .

و لم تكن سوريا و فريقها الاقليمي و الدولي بعيدة عن فهم هذا الامر و لكنها وجدت ان لها مصلحة اكيدة في تلقف مهمة انان المرتكزة ظاهرا على فكرة "حل سلمي" للازمة لا يتخطى الدولة السورية و سيادتها. لحل الذي تريده سوريا و تحرص عليه و لاعتبارات استراتيجية الجبهة الدولية المحتضنة لها ، لذلك سعى الجميع هنا لانجاح مهمة انان في الصيغة التي وضعت فيها مع الحذر و التحسب للحؤول دون اي انحراف عنها.

اما على المقلب الاخر فقد كانت الجبهة المعتدية ترفض في العمق للحل السلمي للازمة ( لانه سيحرمها من الوصول الى السلطة كما تشتهي ) لكنها اضطرت للسير بمهمة انان لاسباب موضوعية و ذاتية اقلها عجزها عن تغيير سياسي او عسكري ميداني ، خاصة بعد ان انهارت عصابتها المسلحة و عجزت عن عزل النظام و لم تستطع اقامة السلطة البديلة رغم انها اعترفت بما يسمى "المجلس الوطني السوري " و جاء اعترافها فارغا من اي تأثير سياسي وفقا لقواعد القانون الدولي العام (اعترف به ممثل للشعب و هذا امر لا قيمة له قانونيا و لا يمكنه من التكلم باسم الدولة السورية المعترف بها في اقليميها المحدد و سلطتها وسيادتها على هذا الاقليم ) .

أ‌. و في النتيجة فقد نظر المحوران المتقابلان الى مهمة انان كل من خلفية خاصة به وطلبا لاهداف يتوخاها ، حيث نرى ان سوريا و معها كل من ايران و الصين و روسيا و جدت في مهمة انان معبرا سلمياً للخروج من الازمة و تكريس النجاح في مواجهة المؤامرة بتثبيت سوريا في موقعها و المحافظة على شعبها في امنه و سيادته ، و بالمقابل وجدت اميركا و من معها من غرب و ترك و اعراب ان المهمة ستكون فرصة لاستيعاب الفشل ، و تمكينها من الانقضاض مجددا عبر استراتيجية تعتمد الخديعة و التهويل و كسب الوقت ،و تنفذ كما يلي :

1) تسيير المظاهرات الشعبية المليونية و الاستفادة من البند الرابع من خطة انان الذي ينص على حرية التظااهر ، وقد اوهم المخادعون انفسهم بان ملايين الشعب السوري ستستجيب لنداءاتهم ، و الا فانهم بما يملكون من مال و سلاح و قوة اعلامية ، يستطيعون اخراج الناس من بيوتها و تضخيم المشاهد و تصوير الحبة قبة كما اعتادوا منذ بدء الازمة .

2) ترهيب سوريا بالتهويل العسكري بالناتو و راس حربته التركية . و هنا نتوقف مليا عند تلويح حكومة اردغان بالطلب الى الناتو عملا بالمادة الخامسة من ميثاق الحلف القيام بمسؤولياته للدفاع عن تركيا في وجه سوريا .و رغم انه طلب يثير السخرية ظاهرا فان خلفيته و جوهره اخفى خبثاً تركيا غربيا و تلويحاً لسوريا بان حدودها ليست مع تركيا المكبلة الايدي باكثر من قيد يمنعها من التدخل العسكري المباشرفحسب ، بل ان هذه الحدود ستكون مع الحلف الاطلسي بدوله ال 27 و على سوريا ان تتحسب لهذا الامر .

3) فتح باب مجلس الامن عبر قرار ظاهره تحصين مهمة انان و يعتمد ايفاد مراقبين دوليين الى سوريا . و جوهره وضع سوريا بندا دائما على جدول اعمال المجلس و اقامة ناظر له كما هو الحال في لبنان مع القرارات 425 و 1701 ، و يمكن من العودة الى سياسة التهديد بتشديد الاجراءات و العقوبات ، و تحديد المهل متخطيا السيادة السورية عبر جعل المراقبين بمثابة منظومة تحكم و رقابة مرتبطة بمجلس الامن الذي يتحول الى هيئة وصاية ، و يكون في ذلك التفاف على الفيتو الروسي الصيني .

ب‌. لكن هذه المؤامرة اصطدمت في التنفيذ بعقبات تكاد تجهضها في اركانها الثلاثة حيث نجد :

1) في التظاهر : صدم المتآمرون بان الشعب السوري يزداد تجذرا في وعيه و كشفه للمؤامرة و هو لن ينقاد الى غوغائهم و كما خذلهم خلال ال 14 شهرا الماضية خذلهم و سيخذلهم في الايام التي تلت وقف العمليات العسكرية و ما بعدها ، ثم جاءت قرارات الدولة و مواقفها الهادفة الى حماية الشعب من التضليل و الترهيب عبر ابقاء القوى المسلحة على اهبة الاستعداد للتدخل لحماية المواطنين و عبر فرض الترخيص المسبق للتظاهر السلمي ، عوامل كافية لاجهاض الخطة في هذا العنوان .

2) في التهديد : ان التلويح بورقة الاطلسي سقط قبل ان يجف حبره و جاء فارغاً لم يأبه له احد ، لاكثر من السبب خاصة و ان المعنيين بالشأن كما خصومهم يعلمون عجز الاطلسي اليوم عن الدخول في مواجهة عسكرية في سوريا، لان هذا الحلف و بعد ان اثخن بالاخفاقات اعتمد مفهوما استراتيجيا اسقط فيه اللجوء الى القوة الصلبة و الحروب حاضراً ، و فضلا عن ذلك فان سوريا ليست وحيدة في مواجهة اي عدوان عليها ، ثم ان النفاق التركي بادعاء الاعتداء السوري امر مفضوح لان الكل يعلم ان المعتدي هو تركيا التي ارتكبت بحق سوريا الكثير من الجرائم وفقا لقواعد القانون الدولي بدءاً بتدخلها في الشان السوري الى ايوائها الارهابيين و قيادتهم و تحريضها الدائم و العمل على الاخلال بالامن و الاستقرار في سوريا ، و ان تذرع تركيا بعدة رشقات نارية اطلقتها قوات حفظ النظام السوري لدى ملاحقاتها لمجموعات ارهابية تسلت عبر الحدود مع تركيا، هو عذر واه ارتد على اصحابه .

3) و نصل الى الاهم في المناورة - الخديعة : العودة الى مجلس الامن ، و هنا لابد لنا من ان نسجل مع صدور القرار 2042 ما يلي :

أ‌) صدور القرار تحت الفصل السادس و ليس تحت الفصل السابع كما كان طلب من يسمى " الامين العام لجامعة الاعراب " (و طبعا هو و الامانة القومية عدوان ) و صدر خالي من اي عبارة يستفاد منها تهديد او تلويح بعقوبة و اكثر من عبارات الدعوة و التمني على الحكومة السورية بتسهيل المهمة . ثم كان اقرار دولي و بما لايحتمل اللبس والابهام بالسيادة السورية التي تمارسها هذه الحكومة ، و التي لها وحدها الحق بالتفاوض مع الخارج باسم سوريا وان احدا لا يستطيع تخطي هذه السيادة بما في ذلك المراقبين انقسهم الذين لن يدخلوا الا بموافقة الدولة و عزلاً من اي سلاح .

ب‌)اجبر الفريق المعتدي على سوريا و الذي قام في الاشهر الماضية باتخاذ مواقف من قبيل عدم اعترافه بشرعية الحكم و الاصرار على القول بالثورة السلمية ، اجبر على التراجع عن مواقففه و اقر بشكل واضح و عبر قرار صدر باجماع اعضاء مجلس الامن ، بان في سوريا نظام و دولة ، تواجه عنفا و اعمالا قتالية من عناصر خارجة عنها و ليس فيها ثورة سلمية كما كانو يدعون ، و هنا تأتي اهمية تكرار عبارات "الجماعات المسلحة" ، و "انتهاكات هذه الجماعات لحقوق الانسان " ، و دعوتها الى "وقف العنف المسلح " و اننا نرى في هذه العبارات جب ( نفي و الغاء ) لكل ما قيل فبلها من ادعاءات الفريق المعتدي على سوريا بتلظه بعبارة " النظام الذي يقتل شعبه " .

ت‌)اسقاط المفعول الوحيد لمؤتمر "اعداء سوريا في استنبول " الذي اعتبر " مجلس غليون الاستنبولي " الممثل للشعب السوري ، حيث نص القرار على اطياف المعارضة ، و على الدولة السورية ، و لم يبق للمجلس الموهوم من موقع في الخريطة تلك اكثر من حيز جزئي ضمن المعارضة التي لا تشكل الا اقلية في سوريا .

4) و مع هذا فاننا لا ننكر ان مجرد صدور القرار شكل ثغرة في الجدار المسدود امام الغرب في مجلس الامن بعد الفيتو الروسي – الصيني المزدوج و المتكرر لمرتين ، ، لكننا نرى ان في القرار مصلحة لسوريا لانه يساعد على انجاز الحل السلمي و هنا يكمن المكسب الاستراتيجي الكبير وتاكيد انتصار سوريا على المؤامرة . و هنا نلفت الى الحرص الروسي على القوة العسكرية لسوريا و الذي ترافق مع صدور القرار2042 فكان القرار الروسي بتزويد سوريا بالسلاح و تعزيز منظومتها الصاروخية و و ارسال السفن الحربية مقابل الساحل السوري و هي قرارات لها اكثر من دلالة و رسالة في هذا الظرف .

ج‌. و لان الامر كذلك و لان القرار كرس ننتائج جولة اساسية خطرة من العدوان على سوريا انتهت باصحابها الى خسارة ميدانية عسكرية في الداخل ، و خسارة سياسية تمثلت بعجز المعتدين عن تحقيق اهداف العدوان بالوسائل السلمية الخادعة ، لان الامر كذلك فاننا نلحظ اضطرابهم و محاولتهم افشال مهمة انان ونعيها و الاستفادة منها لكسب الوقت فقط ، كما راى حاكم قطر بان حظها من النجاح هو 3% - نسبة تثير السخرية طبعا و تفضح امنية صاحبها الذي اصبح لديه ميزان ذهب للنسب المئوية - ، لهذا يرتقب لجؤ الفريق المعتدي الى:

أ‌. تصعيد اعمال العنف و الارهاب في الداخل السوري ، و ارتكاب الجرائم و الاغتيالات لاستنزاف الدولة و اشغالها ثم استدراج قوى الامن السوري للرد حتى تتهم بانها خرقت وقف النار و تحمل المسؤولية و يكون في ذلك مبرر للعودة الى مجلس الامن "لاتخاذ خطوات اخرى اذا اقتضت الضرورة " (نص القرار )

ب‌. حشد الطاقات العسكرية عبر تهريب السلاح و الذخيرة الى الداخل السوري .

ت‌. محاولة العودة الى الشارع و الضغط لاخراج تظاهرات تصطدم بقوى الامن لتحميلها مسؤولية خرق خطة انان .

و بالمحصلة نقول ان المشهد السوري بعد قرار مجلس الامن 2042 كرس المعادلة الدولية الجديدة باقامة التوازن الدولي ، و اكد قوة سوريا و حلفائها على مواجهة العدوان و كرس انتصارهما في الجولة كلها ، و فتج الطريق امام مرحلة جديدة .


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024