إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

المَنسيّون

د. وسام جواد

نسخة للطباعة 2012-05-22

إقرأ ايضاً


دروبهم وعِرة وخطيرة, وحياتهم صَعبة ومَريرة, مُنذ ان بدأوا المسيرة, وعَبروا دون تأشيرة, حدود الأنظمة الحقيرة, بجموع الرفاق الغفيرة, وأهل النخوة والغيرة, رغم التضحيات الكبيرة, وهول العقبات الكثيرة, وظروف النضال العسيرة.

على كل الجبهاتِ حاربوهم, ومن كل الجهاتِ حاصروهم, وبأشباه الرجال طوقوهم, وبأصفادِ الحقد كبّلوهم, والى الجلادين سلموهم, وبدونية الساديين عذبوهم, وبالموت شنقا وعدوهم, ومن حقوقهم جردوهم, ودون رحمة شردوهم, لا لشيئ, سوى لأنهم مخلصون, بحرية وطنهم يؤمنون, ولسعادة شعبهم يطمحون, وباسم وحدته يهتفون, ولشعارات جبهته يرفعون, رغم كونهم يدركون, بأنهم للأخطار يتعرضون, ولغالي الثمن يدفعون.

أعدادهم تقدر بالملايين, تضم خيرة المفكرين, وطليعة الأدباء والمثقفين, ونخب الشعراء المبدعين, ورجال العلم المُخضرمين, وغيرهم من المَنسيين, ممن هاجروا مضطرين, كي لا يعيشوا مضطهدين, وفي وطنهم مستعبدين, وبأغلال العبودية مقيدين, تارة بسبب الحاكمين, وتجبّر الطغاة الظالمين, وتكبّر البغاة الفاشيين, وتستر الزناة الساقطين,على عُهر المُتسلطين, وتارة بسبب المحتلين, وخونة الوطن المرتدين, وزمر السياسة المتلونين, وحثالة بعض المُعممين, المشوهين لقيم الدين, والمُسيئين للإسلام والمسلمين.

لم يكن فيهم أحد, ينوي البقاء الى الأبد, في هذا أو ذاك البلد, فالحنين يدوي كالرعد, ويعصف بخفاق مَن ابتعد, كلما امتد وطال الأمد. وينتاب من للجهد بذل, وعلق الآمال ورحل, والى هدفه وصل, وعلى الإقامة حصل, ولجواز الغربة حمل, شعور ملؤه الوجل, لا تصِف عُمقه الجُمَل, بعد اكتشاف الخلل, واستحالة اصلاح العطل, بما لا يقبل الجدل. فالسنين تمر على عجل, ومرورها يُقرّب الأجل, والبعض أدركهُ الكلل, والأخر أصابه المَلل, وفقد الرجاء والأمل, بمسيرةٍ لم تكتمل, وراح يتسائل ما العمل..؟, وكأنها إرادة القدر, حين يقترب الخطر, ويُحيط ببني البشر, كما يُحيط البحر, بقاربٍ يغمرهُ المَطر, ويلاطمه الموجُ والصخر, وتلاويه الريحُ بزجَر, فلا يظل لراكبه مَفر,غير مواصلة السفر, إذا ما أمعن النظر, وقدر حجم الضرر, ورفض النزول الى القعر.

وكما للبحر موجات, فإن للدهر نائبات, ملأى بحدة التناقضات, وحبلى بكثرة التقلبات, وغنية بمختلف المفارقات, فلا تنفع معها الخبرات, ولا أدق الحسابات, لتقدير بعض التوقعات, وما تحمله القادمات. أما تلك الراحلات, فلا تُبقي غير الذكريات, وعيونٌ ملؤها العبرات, على ما مر وفات, نعلم بأنه قد مات, ولن ترجعه التنهدات, ولا الشوق الى اللِدات, ولن تعوضه القرارات, الصادرة عن الحكومات, التي شكلتها العصابات, ممن زوروا الشهادات, واحتموا بظهور الآيات, وسود وبيض العمامات, ونهبوا ملايين الدولارات, بدعم من القيادات, الخاضعة لنفوذ الولايات, بينما ظل أصحاب الكفاءات, بعيدا عن أداء المهمات, والقيام بأقدس الواجبات, تجاه وطن الحضارات, في زمن الردة والمؤامرات.

لقد دقوا بيننا الأسفين, ونصبوا لنا أخطر كمين, فوقعنا في شباك الناصبين, منذ أكثر من خمسين, وانقسمنا الى يسار ويمين, وافترقنا في مختلف الميادين, وعمق فرقتنا رجال الدين, منذ انقلاب ثلاثة وستين, حين حللوا دم الشيوعيين, وهللوا لجرائم قتل "الملحدين".

وقد مرت بلغة الأرقام, قرابة عشرة أعوام,على سقوط النظام. وكل ما يشغل الأنام, سؤال يلح على الدوام: متى سيحظى المُبعدون بإهتمام, وينال المنسيون حقهم باحترام ؟, ومتى سَتصدر الأحكام, بفرض عقوبة الإعدام, على اولئك الأقزام, المُحرضين على الصدام, والفتنة في الإسلام, والمُروجين على الدوام, لفتاوى التكفير والإجرام, التي يصدرها اللئام, وخدم سام والحاخام؟, والى متى سيستمر الخصام, وتشمت فينا قوى الظلام, ويضحك علينا أولاد الحرام, ممن نثروا بذور الإنقسام, وزرعوا حقول وحدتنا بالألغام, لنوقف سيرنا الى الأمام, ونتخلف الى يوم القيام ؟.

أسئلة, سترد عليها الأيام, أيها العراقيون الكرام .


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024