شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2012-05-28
 

قالــــوا في الرفيق المناضل محمد علي شمّاع (*)

طيباً كان محمد علي الشمّاع

طيباً كان محمد علي الشمّاع... طيباً، صفة قد تجدها في كثير من الرجال أيام الرخاء، لكن قلما تجدها في الرجال أيام الأزمات... سبع وثمانون عاماً، قضى جُلُّها الحاج محمد علي الشمّاع حاملاً هموم القومية، ملتزماً مبادئَها الصافية التي لم تنلها الشوائب، ولم تزحزحه عن طيبته الحروب المتوالية، بل كان رجل الهمم ورجل الخير في كل المواسم، عَمِلَ دون توقف على بناء الإنسان وخدمة المجتمع، وكان رحمه اللـه يقول: " الإنسان للمجتمع، وكل من يخدم المجتمع يساهم في إصلاحه، اما الأنانية فنحن ضدّها، لأنه لا قيمة للفرد إن لم يكن لديه تلاحم مع المجتمع ".

طيّباً كان، لأنك قد تلتقيه في أي مكان، من ردهات القصور الى زواريب صيدا القديمة...

طيّباً كان، لأنك قد تلتقيه مع أيّ كان، من جلسات الزعماء الى قوى العامة...

طيّباً كان، لأنه حمل الفكر القومي الكبير الذي امتد على مستوى العالم العربي، ومع ذلك بقيت صيدا الصغيرة جغرافياً على خريطة القومية، كبيرة في قلب رجل كبير أبى إلا أن يترك بصماته في مدينته هنا وهناك، في المساكن الشعبية، والمدينة الصناعية، وفي المساجد، وأماكن أخرى كثيرة، نعلم منها ما نعلم، وما هو للـه لا يعلمه إلا اللـه. وكان يعبّر عن عمل الخير للـه ويقول: " أعتبر نفسي شيخاً من دون لفة، وراهباً من دون ثوب، وموظف من دون راتب، فما يهمني هو خدمة الإنسانية المعذّبة، وهي خدمة لوجه اللـه ".

كثيرون عرفوا محمد علي الشمّاع، وعرفوه بألقاب كثيرة... الرفيق، المعلم، الفاضل، الحاج، لكنه عندما رحل، رحلَ بهدوء، تاركاً للناس أن يتعاملوا مع الرحيل بما يناسب عطاءاته وتقديماته وتعاليمه وتضحياته، بلا ألقاب ولا صفات إلا ما ينبع من القلب ويعود اليه.

رحمك اللـه يا حاج محمد علي.

المهندس محمد السعودي رئيس بلدية صيدا

***

قيمة الإنسان ومكانته ورفعته بقلبه وعمله لا بشكله ومظهره، قال صلى اللـه عليه وسلّم: " إن اللـه لا ينظر الى صوركم ولا الى اموالكم ولكن ينظر الى قلوبكم وأعمالكم ".

فإذا استقام القلب على المحبة والخشية استقامت الأعمال واستقام السلوك.

والحاج محمد علي الشمّاع رحمه اللـه كان من أساطير العمل الخيري والإجتماعي. كان دائم الحركة في خدمة مجتمعه يتلمس حوائج الناس ويقدم العون في الخفاء بعيداً عن الرياء لا يرد يد سائل ولا يتأخر عن قضاء حاجة إنسان.

ساهم في كثير من الجمعيات الأهلية والهيئات الإسلامية، وكان يُشرف على مستشفى للأمراض العصبية (الفنار) يجمع لهم التبرعات العينية ويحملها في سيارته لأنه يعتبر نفسه خادماً للإنسانية المعذّبة، شارك مع اخوته في بناء مسجد علي بن أبي طالب (المدينة الصناعية): " من بنى للـه مسجداً بنى اللـه له بيتاً في الجنة "، وبنى معهم في اوائل الستينات المدينة الصناعية وأول مشروع لبناء مساكن شعبية في منطقة القياعة، وكان ذلك إبان الثورات العربية فسُميت الأبنية بإسم الثورات والقادة الفاتحين (بناية الجزائر، بناية بور سعيد، بناية خالد بن الوليد...) وهذا يدل على حسّه القومي والوطني.

كان رحمه اللـه تعالى طلِق الوجه يستقبلك بابتسامة عريضة، وكان آية في سلامة الذوق والطبع يحاول دائماً إحياء أحاسيس البهجة في النفوس ويربط أواصر المودة والمحبة بين الناس ما استطاع الى ذلك سبيلاً، لا يُفرّق بين ملّة وملّة، ولا بين مذهب وآخر فالخلق كلهم عيال اللـه وأحبهم الى اللـه أنفعهم لعياله.

وكأن شعاره الذي لقي اللـه تعالى عليه: " (وقُل اعملوا فسيرى اللـه عملكم...).

نسأل اللـه تعالى ان يتقبّل الحاج محمد علي الشمّاع وإخوانه في عباده الصالحين وأن يغفر لنا ولهم إنه سميعٌ مجيب.

والحمد للـه رب العالمين.

مفتي صيدا وأقضيتها

الشيخ سليم سوسان

***

محمد علي الشمّاع: مؤسسة في رجل

لطالما عُرِفت صيدا بحب أبنائها للخير والرغبة في مساعدة من يعيشون تحت وطأة الضائقة المالية، او من يعانون من المشكلات الاجتماعية والصحية. ليس من المستغرب اذاً ان تتمايز المدينة بنشاطها الأهلي – المدني، والذي عبًّرَتْ عنه من خلال العدد الوافر والنوعي من المؤسسات الأهلية التي شكّلت حاضنة اجتماعية أخلاقية لدعم من يحتاج للمساعدة والإرشاد.

الا أن العمل التعاضدي التطوعي لم يكن يوماً في صيدا حصراً على الجمعيات، بل عززته طاقات فردية تمثلت ببعض الروّاد من المحسنين والمبادرين الذين كرّسوا أنفسهم وحياتهم للخدمة العامة. فتضافرت الجهود لرفع الضيم والغبن عن الكثيرين ممن ضاقت بهم سبل الحياة فأضحى العطاء أجزى والحصيلة أكبر من الإمكانات والتوقعات.

كان محمد علي الشمّاع رائداً من رواد الخير والمبادرة الاجتماعية فاختصر في مسيرته الطويلة تاريخاً من العمل الاجتماعي – الخيري. كان أفضل من عبَّرَ عن ضمير المدينة، وأصدق مرآة عكست الطاقة الكامنة للخير لدى أبنائها بعيداً عن حسابات الأخذ والعطاء أو المكافآت المادية والمعنوية. عيبه الوحيد رغم كونه أباً حنوناً وزوجاً مخلصاً تجلّى في تفضيل عائلته الكبيرة أي أبناء مدينته ومحيطه على عائلته الصغيرة المكونة من زوجته وبناته وأحفاده.

كرَّسَ حياته لخدمة الناس ومتابعة قضاياهم وتلبية احتياجاتهم. كان صاحب رؤية مستقبلية في تقدير المتطلبات فكان أول المبادرين للعمل على ايجاد مقبرة جديدة مُقَدِراً محدودية سعة المقبرة القديمة وضيق مساحتها. كما ساعد الكثيرين في تحصيل علومهم وإكمال شهاداتهم العليا معتبراً أن للعلم حيّزاً هاماً في تطوير المجتمعات، ومكافحة الحاجة المرتبطة بالجهل والأميّة. كان نهماً في سعيه لعمل الخير وتمادى فيه ولم يشبع منه ولم يكلّ او يملّ معتبراً أن أجره عند اللـه سبحانه وتعالى وأن جزاءه الوحيد هو في إسعاد الآخرين. كان مثالاً للسهل الممتنع فتحلى بالبساطة والطيبة والصراحة منجزاً الكثير من الأعمال التي عجز العديدون عنها فأضحى مؤسسة متمثلة في رجل.

العم محمد افتقدناك بابتسامتك السمحاء، وأدبك الفائق الرقة، وحسك المرهف، وذوقك في مخاطبة الآخرين، وحلاوة لسانك، وعذوبة منطقك، وحسن تعاملك، وطيبة قلبك، ورحابة صدرك، وكرم نفسك، ودعائك الدائم للجميع بالخير. الكثير من الناس يمضون دون أثرٍ يُذكر إلا أن العم محمداً مضى تاركاً ارثاً صالحاً وسمعة طيبة، وذرية تدعو له، وصدقة حسنات أعماله.

فمن لا يشكر الناس لا يشكر اللـه، ومن واجب صيدا وشيم أهلها أن تشكر محمد علي الشمّاع وتقدر وتجل أعماله وخدماته، فصدقاته التي قدمها باليد اليمنى لم تعلم بها اليد اليسرى، كان محسناً صامتاً عمل بعيداً عن الأضواء، ولم يسعَ للشهرة والمجد فحقه علينا أن نكرّم ذكراه.

الدكتور عبد الرحمن البزري

رئيس بلدية صيدا السابق

***

محمد علي الشمّاع: علامة مضيئة في عمل الخير

على الطريق المؤدية الى خدمة الإنسان الآخر، يتسلل أحياناً، من غير موعد،شعاعٌ لامع، أو وميض شعاع يقود خطاك الى ما انت راغب في انجازه من عمل الخير، وزرع بذور الفرح في حياة أصحاب الحاجات. ما اختبرناه في دار العناية منذ مطلع السبعينات، حين كانت هذه المؤسسة تنطلق في مسيرة العمل الاجتماعي وورشة التعليم المهني، ضمن منطقة، كانت تعاني الكثير من النقص في مجالات الرعاية والتنمية.

وفي لحظة، كان يشرق علينا من خلال العتمة ظلُّ ابتسامة، او بعض من دفق حنان، تجاه أولاد الرب الذين قست عليهم ظروف الحياة في بعديها الانساني والاجتماعي. من هذه الوجوه الأليفة والمحببة انطبعت في ذاكرة أهل دار العناية، وجه الصديق الودود، المرحوم محمد علي الشمّاع الذي حضر مرّة الدار، عشيّة أحد أيام عيد الأضحى المبارك في أواسط سبعينيات القرن الماضي، ليقدم للأب جورج كويتر مدير الدار آنذاك، مقابل ثمن بدلة جديدة، لم يرغب بشرائها واقتنائها قط، ولكنه فضّل ان يقدم ثمنها عيدية لأطفال الدار، وهو يقول: " كيف ألبس الجديد والناس على الطرقات يموتون؟ خير لي أن البس المسح في أيام صارت شمسها ظلمة وغدا عيدها غصّة ".

بعد هذه المناسبة الجميلة، تكررت المناسبات، وصار المرحوم محمد علي الشمّاع من أفراد عائلة دار العناية ولم يعد يأتي عيد أو مناسبة الا ويحضر الى المؤسسة، مع زوجته الفاضلة لمشاركة الأطفال في وجبة طعام او جلسة أنس، وصار من الصعب ان يغيب طيفه من القلب، وبالأخص عندما كان يأسرك بدفء حديثه وصدق شعوره الإنساني.

لقد بقي المرحوم محمد علي الشماع صديقاً للصغار والكبار في دار العناية حتى الرمق الأخير من حياته لم تنقطع العلاقة معه حتى في أحلك ظروف الحرب، ولطالما كان صديقه، المثلث الرحمة، المطران سليم غزال يضع أسمه في نهاية اللائحة، عندما كان ينوي زيارة فعاليّات مدينة صيدا، بمناسبة الأعياد، لكي تتسنّى فرصة الجلوس معه مطوّلاً، لتبادل أطراف الحديث، من الباب العائليّ، أو من زاوية التحوّلات التي ألمّت بالوطن، بعد أن عصفت به سمومُ الطائفية، وهذا كان أبغض شيء على قلبه، لأنه لم يعرف يوماً التفرقة بين الناس على اساس الدين والمذهب.

رحم اللـه محمد علي الشمّاع، الرجل الوفيّ الودود، صاحب القلب المُحب، واليد السمحاء، وهو سوف يبقى علامة مضيئة في سجل دار العناية وأصدقائها المخلصين.

الأب نقولا الصغبيني

مدير دار العناية

***

الأستاذ محمد علي الشمّاع

منارة من منارات العمل الأنساني في صيدا لن تنطفئ أبداً

لم يكن الأستاذ محمد علي الشمّاع رجلاً عادياً من رجالات مدينة صيدا، فهو عَلَم من أعلامها طواه القدر، تاركاً وراءه إرثاً من القيم الإنسانية النبيلة ورصيداً من المحبة والأحترام في نفوس كل من عرفه وعايشه وعاصره.

كان الأستاذ محمد علي الشماع رحمه الله، نموذج الإنسان الوطني المثقف، المنحاز إلى قضايا وطنه وأمته، المتجاوز بفكره المنفتح المستنير حدود الطائفية والإنتماءات الجهوية الضيقة، والمنطق نحو آفاق بعيدة ومدايات إنسانية رحبة خارج مألوف الأفكار التي إستوطنت عقول كثيرة من أهل السياسة والثقافة والفكر في هذا الوطن.

ولعل مايميز فرادته، هو في كونه آمن بالعمل الإنساني والإجتماعي وانخرط فيه حتى إنطفاء الرمق الأخير، لقد عرفناه في المركز الوطني للعيون كواحد من رعيل المؤسسين الأوائل، ودائماً ما كنا نؤوب إليه كلما إستغلقت أبواب الحلول للمشكلات الجمة التي كنا نواجهها في عملنا اليومي، وكنا نأنس إلى رأيه النير الحكيم الذي يبتدع الحل المطلوب لأي مسألة مهما كانت شائكة.

بعد أن اشتدت عليه وطأة السنين، ظل الأستاذ محمد علي الشماع مصرّاً على متابعة أعمال المركز الوطني للعيون بالقدر الذي تسمح به الظروف، كان يسير متثاقلاً بخطىّ وئيدة من منزله القريب، يجتاز الشارع ويدلف إلينا والبسمة لاتفارق محياه، يلقي علينا بالتحية ويجلس على كرسيه، يحدثنا يسألنا عن كل جديد ويشحذ فينا الهمم لمتابعة العمل باندفاع وحماس.

إننا إذ نفتقد الأستاذ محمد علي الشماع، فإننا نفتقد فيه قيم الكرامة والمرؤة والإقدام وسعة الثقافة والمعرفة التي ميَّزت شخصيته، والتي ترجمها في نزوعه نحو العمل العام وتوقه للعمل الإنساني والإجتماعي الذي مارسه بشغف طوال حياته الزاخرة بالعطاء.

وأن تطلق مدينة صيدا على أحد شوارعها إسم المرحوم الأستاذ محمد علي الشماع فهذا بعض من وفاء لركن من أركانها ولرجل نذر حياته في سبيل رفعتها ومنعتها ونمائها وتقدمها، فألف تحية إلى روحه الطاهرة وسيبقى مقيما في ذاكرتنا ووجداننا كأنموذج للعطاء الأنساني النبيل.

رئيسة المركز الوطني للعيون

نجلاء مصطفى سعد

***

بسم الله الرحمن الرحيم

تقول اللآية الكريمة:

"هُوآلَّذِى يُنَزِّلُ عَلَى عَبدِهِ ءَايَت بَيَّنَتٍ لّيُخرِجَكُم مّن آلظُّلُمَتِ إِلَى آلنُّور"

..وبالنور الإلهي نهتدي، فتهدأ قلوبنا وقد شاء العلي القدير أن يستجيب المرحوم الأستاذ محمد علي الشماع إلى نداء الخالق بعد رحلة زاخرة بالعطاءات وغنية بالشواهد الناطقة بأصالة المحتد ونقاء المعدن.

وفي الزمن الذي تشح فيه الخصال نلجأ إلى ذاكرتنا ننهل منها ما لمسناه وعشناه مع الأستاذ محمد علي، والذي رأى في نهج الأمام المغيب السيد موسى الصدر خلاصاً للمحرومين وسبيلاً لإرساء أسس المجتمع العادل. ومضى إلى اللحظات الأخيرة يترجم أقواله وقناعاته إلى أفعال: خيراّ يزرعه هنا، وعطاءً يهبه هناك.

حيث كل الأماكن تنضح بمآثره والأفعال، فجمع إلى أصالة المنشأ وسيرة النجاح وكرم العطاء، جمع إليهم جدارة الاختبار المطمئن أمام ربّ العالمين، راضياً مرضياً غلى جواره مستسلماً لمشيئته وعفوه.

هنيئاً لك ذاك الثبات وهذا الرصيد من المحبة والقربى إلى المعطي المحب الوهاب القادر. وطاب الثرى الذي يضمك، إليه حملت، وفي وجدان كلًّ منا تركت شيئاً مما أتيت. فاضت روحك إلى السماء ، وأرخت على الأبناء والأحباب والمعارف سحابة حزن معين دموع. فقلوب الجميع تجهش بالفقدان وتخفق بالدعاء.

وغذا كان رحيل الحاج لايعوض، فهو معين الطمأنينة والحكمة والمشورة، وهو رمز العطاء والتضحية والتسامح، فإن لنا فيمن أنجبه القدوة والمثال ، لنا فيهم خير السلوى وقد غمر الله قلوبهم بالإيمان وأنعم عليهم برجاحة العقل وسداد البصيرة وسعة القلب.

ذاكرتنا زاخرة بكل ما كان يفيض عن المرحوم، من روح الإندفاع نحو الخير والعطاء، ونحو السهر على الوطن وصيانة مقوماته وقيمه، والذين عرفوا الأستاذ محمد علي عرفوه إنساناً محباً لوطنه ملتزماً بقضاياه ومستعداً للذود عنه بما وسعه من سبل. وإن لتلك المحبة ترجمته العملية الملموسة في سلوكه وحديثه. إنما الأهم هو ذاك المنهج الحكيم والإيجابي الذي اختاره لتقوية نسيج الوطن، والذي تمثل في مسعاه نحو الآخر المختلف عقيدة أو فكرة، والحرص على نسيج وشائج المحبة والوصال مع الجميع.

لقد حبنا الله بثلة من الأصدقاء الواثقين والقادرين، والمرحوم الأستاذ محمد علي الشماع كان في مقدمهم في ألتزامه بقضايا الإنسان والمجتمع والوطن، مع هؤلاء، نحن أشدّ عزماً في رحلة الترقي نحو الأفضل، وإلى نثر شتول الأمل والإرادة رغم كل الصعوبات والتحديات.

السيدة رباب الصدر

***

المرحوم محمد علي الشماع

قلائل هم الذين، إذا طلب إليك أن تكتب تكتب فيهم كلمة رثاء، لانشعر بنوع من الحرج وهو أن تغدق عليهم الكثير من الصفات الحميدة، وهم ربما لا يستحقونها أو لا يستحقون إلا بعضها.

أما فقيدنا الغالي فالحرج هو عدم ألمامي بكل فضائله لا تمكن من إيفائه حقه.

هو الطيب الصديق لأني لم أجد أفضل من هاتين الكلمتين لاختصار سيرته ومساره.

سوف لا أتكلم عنه كمؤمن أشاد مراكز عبادة، أو كمحسن ساعد المحتاجين، أو كإنساني تعهد مستشفى الفنار للتخفيف من معاناة من خانتهم صحتهم العصبي أو العقلية.

سأتكلم عنه كمؤمن بقضية شعبه وبلاده. لقد أمن أن لا كرامة لمواطن إلا في وطن حر مستقل، وأن منعة لوطن إلا في ظل نهضة تحارب التخلف وتقضي على شرور المجتمع من طائفية وإقطاعية وما إليهما جاهداً من أجل نصرة مبادئ النهضة التي آمن بها فاسدي العاملين في سبيلها وكان تجسيداً لفضيلة ((حفظ الأخوان)) كما تنادي بها عقيدة إحدى الطوائف الدينية.

فكانت دارته ملتقى الأصدقاء ومحط رحال أهل الفكر و القلم العاملين على نشر التوعية والنور.

أسعدني الحظ أن عرفته ونشأت بيننا صداقة متينة خلال إقامتي في مدينة صيدا مدة عشرين عاماً ومن ذكرياتي في هذا المجال تمثيلي للرئيس الشهيد رفيق الحريري في حفل دعت أليه جمعيات الخدمة الإجتماعية تكريماً للفقيد وإلقائي كلمة التكريم.

ولكن أين تكريم الكلمات، في حياة المكرم أو مماته، من تكريم الأفعال، لقد كرمتك أفعالك وما الكلام إلا لزوم ما لا يلزم، رحمات الله عليك فقد عزّ نظيرك، وعزاؤنا أنك غادرت هذه الدنيا الفانية وأنت مرتاح الضمير لقيامك بالواجب على كل صعيد.

الرفيق حليم فياض

محافظ صيدا والجنوب السابق

***

كلمة في الراحل محمد علي الشماع


إن الروحية الراقية، التي تجمعنا منذ هاتيك الأيام، على مقاعد الدراسة، وتجذرت على دروب النهضة، هي هي العصية على تقلبات الأيام، لأن رابطة الصراع والنضال والألم، لأمنع وأصلب من أن تحولها الأزمنة، من عظمة الإيمان، إلى درك الشك والريبة.

لقد أضأت يا رفيق محمد، شموعاً عديدة، أنارت ظلام نفوس، ودلّتها على طريق الفعل الخالق وسبيل الإبداع.


رئيس الحزب السوري القومي الأجتماعي – سابقاً

رئيس الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم

الأمين مسعد حجل

***

محمد علي الشمّاع

صلبٌ كجذع سنديانة عتيقة، قويٌ كأسدٍ في عرينه، شفافٌ كنقطةِ ماءٍ نقية، حنونٌ كأم مرضعة، شامخٌ كجبل عالٍ، متواضع كبنفسجةٍ، خجولٌ، معطاءٌ كشجرةٍ مثمرة، كريمٌ كنبع متفجر من صخّر.

تعود بسط الكفِّ حتى لو أنّه ثناها لتبقى لم تُطعهُ أنامله

تراهُ إذا ما جئتهُ متهللاً كأنِّك تعطيه الذي أنتَ سائله

لا ينتظرك لتسئله، يحس حاجتك قبل أن تطلبها،ويعطيك قبل أن تطلب.

لا يعطي من ماله، يعطي من روحه، لذلك، بقدر ما رخصت الدنيا في عينيه كبر في عين الدنيا. يعطي مما معه ويعطي وليس معه.

رأيته وسمعته يطلب إلى مدير أحد البنوك، وحسابه مكشوف كشفاً كبيراً أن يعرف شيئاً كبيراً لأحد المحتاجين ... ولا يرد المدير له طلباً لأنه محمد علي الشماع، لا أي شخص آخر.

ورأيته، نعم رأيته يرفض استرجاع مبلغ أعطاه لأحد المحتاجين لأنه أدرك أن هذا المحتاج مازال بحاجةٍ إلى مساعدة...

وسمعته يسأل عن أحد معارفه ليعرف وضعه، وإذ عرف أنه محتاج ويأنف أن يطلب، ذهب إليه وأجبره على قبول مساعدته..

عرفته عن قرب، منذ أكثر من خمسين سنة، لم أسمعه يوماً يستغيب أحداً أو ينتقد أحداً أو حاقداً على أحد أو يفصح عن سرٍ لأحد.

مجموعة الفضائل تجسّدت في محمد علي الشماع، الفضيلة لا تتجزأ، وكل أجزائها تمثلت في شخصه فكان تجسيداً للفضيلة بكل أجزائها وعناصرها وقيمها.

إنه عطاءٌ مطلق.

من هذا العطاء، عائلة مثالية تمثلت في سيدة فاضلة سبقته، وتنتظره هناك، وخمس فتيات، هنّ خمس سيدات من عيون المجتع ورجالهن من أفاضل الناس. السيدات الخمس كان لهنّّ الأب والأخ والصديق وكنّ له الوفاء والإيثار والمحبة والرعاية، عاملنه في شيخوخته كأنه ابنهن لا أبوهنّ،؟ بالحنان والعاطفة والرعاية، هي ما يستحقه محمد علي الشماع من بناته البارات ومن عائلته كلها بناتاً وأصهاراً وأحفاداً...

عائلة في لوحة نادرة من التكاتف والتسابق غلى التعاطف والمحبة والرعاية.

في كل هذه الكلمة، لم أقل كان محمد علي الشماع، فهو ليس من الماضي إنه هنا وهناك وهنالك، في كل قلب وفي كل عقل وفي كل ضمير، يحيا بيننا نُبلاً وعطاءً وفكراً وعقيدة، يعلِّمنا كل يوم في مدرسته، مدرسة المحبة والعطاء وإنكار الذات.روحٌ ساميةٌ ترفرف حولنا ليل نهار، تدعونا لمعرفة الأنسان وتدعونا إلى الأقتداء به، إنساناً أقرب ما يكون إلى الكمال.

محمد علي الشماع يصح فيك قول الشاعر:

هو البحرُ أي النواحيى تيته فلجّته المعروف والجود وساحلُه

ولو لم يكن في كفِّهِ غير روحهِ لجادَ بها فلييَّقِ الله سَائِلُه

الرفيق أنيس أبو رافع

***

ما أحب التحدث عن عطاءاته...

هل يسمح لنا الآن أن نتحدث عنه بعد رحيله... ولا أقول غيابه... لأن أمثال هذا الإنسان المختلطة طينته بطينة القديسين، هيهات أن يغيب عن ضمير أبناء مجتمعه بعد أن ترك في كل زاوية من زواياه مآثر تبقى حديث الناس ومرويات عطاءاته.

محمد علي الشماع... أيقونة قداسة رسمها الإلتزام بمبادئ وعقيدة وقيم فجّرت في نفسه ينبوع عطاء لم يتوقف عن ضخ معانيه طوال أيام حياته. فكان في مختلف مواقعه مسؤولاً إدارياً في حزبه، ومسؤولاً مميزاً في كثير من نوادي ومنتديات العمل الخيري والرعائي في مدينته، خير مثال للإنسان الملتزم، والحركة لاتهدأ ولاتستكين إلا وقد أكملت واجبها على أفضل وجه، يلتزم قسمه في محيط بيته... وكم كانت تُسكره تلك الوقفة النظامية لأحفاده وهم يرفعون يمينهم زاوية قائمة...

لم يكتف بما ألزمه به قسمه بتقديم المساعدة للمحتاجين من الرفقاء بل يتجاوزه ويقدِّم المعونة والمساعدة لجميع من قصده من المحتاجين.

اذكر أولى أيام معرفتي به حين كنا على مقاعد الدراسة في صيدا.

كيف جمع رفاق صفه في حفل تكريمي لزميل لنا حصل على علامات مميزة في إمتحانات نهاية السنة الدراسية، مع أنه لم يكن من رفقائه القومين وقدم له في نهاية الإحتفال مغلفاً يحتوي على مئة ليرة كانت تكفي في ذلك الحين لينتقل ذلك الطالب الفلسطيني أو الجنوبي كما يسمونه في حزبه إلى إحدى دول الخليج. ليلتقي به بعد أعوام، وقد أمسى مديراً في أحدى الشركات الكبرى هناك، حينما كان مع مجموعة من الناشطين في إحدى المؤسسات الخيرية يجمعون التبرعات لإنشاء دار للأيتام، كم كانت مفاجأتهم عظيمة حين فتحوا المغلف الذي قدمه لهم ذلك المدير بعد أن عانقه بحرارة زميله القديم محمد علي الشماع وتذكر ذلك المغلف الذي أوصله إلى مركزه هذا، إذ كان يحوي على شيك بمبلغ يتجاوز قيمة جميع ما كانو قد جمعوه.

ماذا تراني أذكر من مآثر الرفيق محمد علي؟

طوال رفقتي له كانت عطاءاته ترافقه في جميع حركاته وسكناته.

أذكر مرة ونحن نعبر أحد شوارع مدينة صور كيف إستوقفني فجأة ليقترب من كهل كان منحنياً على مستوعب نفايات يبحث عن شيء فيه ينتفع منه فيدسّ في جيبه ورقة نقدية قائلاً له: (( لا تواخذني ياعم فقد وقعت منك هذه الورقة وأنت تنحني )).

واستعجلني للإبتعاد قبل أن يصحو الرجل من المفاجأة.

هذه بعض ملامح من حياة هذا الإنسان الذي لا تجد على جدران منزله أي أثر لتلك الشهادات والتنويهات والميداليات التي أغدقت عليه في مسيرته النضالية والإجتماعية.

الرفيق محمد علي كان طوال حياته هاوي عطاءات يعطي من سأله ومن لم يسأله.

كانت الحياة عنده وقفة عز فقط، فلم يحنِ هامته يوماً حتى في الأيام العصيبة ولم يتراجع عن موقعه في الحزب في أشد الساعات حرجاً وخطراً.

فبقيت الحرية والواجب والنظام والقوة شعاراً له وإيماناً، والتصدي لقوى الطائفية والإقتطاعية موقفاً لا يحيد عنه، والإيمان العميق بأننا سنبقى الأمل والرجاء للعبور بأمتنا من جميع هذه المنزلقات الخطرة التي تواجهها إلى الغد الأفضل وإلى فجرٍ لا غسق بعده.

بتاريخ 15 شباط 2011

الرفيق حسن مرتضى

(*) مراجعة ما أوردنا عنه في نشرتي 09/05/2012 و 11/05/2012



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024جميع المقالات التي تنشر لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع