شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2013-01-11
 

محمد عبد الله سبيتي

الأمين لبيب ناصيف

كنت عرفته لماماً في فترة اغترابه في ليبيريا، ثم عرفته اكثر بعد عودته، فأكثر بعد ان توطدت علاقتي الحزبية بابنه الرفيق عزام، وتعرّفت أكثر على ابنه الرفيق عبدالله، على ابنته المواطنة هالة، المؤمنة بالعقيدة، فعلى عقيلته المرأة الفاضلة التي صمدت كل سنوات صراعه مع المرض، وكانت الى جانبه مدى ساعات الليل والنهار، وعلى صهره الرفيق المتفاني احمد بشير. هو الرفيق محمد عبدالله سبيتي.

كنت اتفقده في مستشفى الجامعة الاميركية كلما اضطره الداء لان يتردد إليه للمعالجة. ما كنت ارى مريضاً، انما طبيباً يشرح لي بكثير من الدقة وضع مرضه، وتطوره، وصيدلياً يورد اسماء الادوية الكثيرة التي يتناولها.

ولا مرة شاهدته في غير بشاشته واشراقته وصلابة نفسيته وايمانه وثقته انه سيخرج معافى، ويعود الى بلدته كفرا، والى عائلته وآله واقربائه ورفقائه.

إلا انه رحل. بكته كفرا وسارت وراء نعشه، وعنه تحدث كثيرون، ويستحق ان يحكى عنه اكثر.

لعل ما قاله الامين مصطفى الشيخ علي في كتابه " في مواكب النسور" يعبر عما كان عليه الرفيق محمد عبدالله سبيتي طيلة حياته.. كلامه هو كلامنا، وكلام كل من عرفه وتعاطى معه وأحبه وفرح به مواطناً اصيلاً وقومياً اجتماعياً من النخبة ايماناً ووفاءً ومناقب.

من الكتاب:

بين المهدِ واللحد رحلة من العمر يحدها الزمان والمكان.

بعضنا يأتي ويمضي، كأنه لم يأتِ ولم يمضِ. وبعضنا يترك بصمات واضحة على مدى سنوات عمره ويملأ كل الامكنة التي يحل بها.

منذ بضعة أيام، غيّب الموت رفيقاً، كان صديقاً وأخاً وأباً. تعرفت إليه في العام 1977 وكلانا كان مغترباً في ليبيريا. حينها كنت أعاني أزمة معقدّة كادت تسحقني. فوقف الى جانبي، يشد من أزري ويشحذ عزيمتي ويرفع معنوياتي.

دون اي كلل او ملل، بقي قرابة السنة يعالجني لأعالج مشكلتي.

وقبل ان اشكره على مؤازرتي، بعد ان خرجت متعافياً من محنتي، بادر الى تهنئتي على حسن إدارتي وتصرفي ومقدرتي. فجعل مني بطلاً. لأنه تعود صناعة الابطال، شأن من يعمل في حياته لقضية تساوي وجوده.

هذا هو الرفيق محمد سبيتي (ابو عبدالله) . كانت حياته مليئة بوقفات العزّ، يمنح الثقة ويرفع المعنويات ببديهية عزّ نظيرها.

كان حالة أخلاقية، كان حالة وجدانية، كان حالة إنسانية. كان حالة قومية اجتماعية بامتياز.

في إيمانه عمق من الصعب إدراكه، وإن ادركناه فمن الصعب استكناه خفاياه، أما دوافعه وأهدافه فكانت واضحة كعين الشمس. هذا الايمان منسوج في خلايا جسمه ومجبول بأعماق أعماق روحه. في كلامه وحكاياته انسياب رقراق كانسياب النهر بين جنبات الوادي.

امتلك حساً قومياً اجتماعياً فطرياً. تستفزه القضايا الكبرى، كقضية أمته، ويستفزه الاستبداد، فلا ينتظر طويلاً لينتفض، فكرامة الوطن والامة ومصيرهما فوق كل اعتبار .

عرفته عن كثب، لاني في العديد من المرات، حيث كان يتعاطى مع كل ما يعنيه من امور، او يعني ايّاً ممن كان حوله، سواء كان رفيقاً أم نسيباً أم مواطناً، تعاطى بذات الحميمية والحيوية والبديهية، دون أن يثنيه شيء، وهو الذي تعرّض في حياته الى أكثر من ازمة، او حادث، بعضها كاد يودي بحياته. لكنها لم تحوّله من رجل قوي الى رجل ضعيف، بل زادته قوة وصبراً ومناعة.

من ميزاته الكثيرة، أنه كان يسخر من الأزمات، بل يحتقرها، لانه ما ترك أمراً يستقوي عليه، فالمبادرة كانت دائماً له. لانه ابن الحاضر أي ابن اللحظة فأية لحظة تصبح جزءاً من الماضي، هكذا ملأ زمانه وعاشه لحظة بلحظة.

كان يخاف أمراً واحداً، قاله لي يوم زار أخي في ما كان يسمى بالمنطقة الشرقية، وذلك عام 1980 وكانت البلاد منقسمة، الى شرقية وغربية. فكان خوفه الوحيد هو ان يُقتل على الهوية.

لم يكن هذا شعوره ابداً يوم كان يتنقل بين مواقع القتال الوطنية، والمقاومة للعدو، تحت القصف والرصاص، يأخذ خبزاً لهذا الموقع، ويسلق بطاطا بتنكة على قارعة الطريق ليأخذها لموقع آخر، فهذه كلها كانت مواقعه، فلا بأس ان استشهد فيها او بينها فهو في راحة من ضميره، أما ان يقتل على الهوية فهذا هدر لدماء نزفت في غير موقعها.

ميزة اخرى، أود ان أروي حادثة حولها لأنهي كلامي الذي لا ينتهي ابداً عن الرفيق ابي عبدالله سردتها لي أمرأة، حصلت الحادثة معها. كان لهذه المرأة ولد قد نجح في امتحانات البريفيه، وفي نشوة نجاحه هذه طلب الى والدته ان تسمح له بقيادة السيارة الى الدكان، فوافقت شرط ان تكون الى جانبه، وهكذا كان.

وفي طريقهما ارتطما بسيارة الرفيق ابي عبدالله، فنزلت المرأة وهي تندب حظها في حالة من الهلع. فتناول قنينة ماء بارد من الدكان وأعطاها للمرأة حتى تشرب وتهدىء من روعها. فشرحت له ان ابنها لا يملك رخصة قيادة، وبناءً عليه لن تدفع شركة التأمين.

فسألها ابو عبدالله إن كانت هي تملك رخصة قيادة.

فأجابت: نعم

فقال لها: من ذا الذي قال ان ابنك كان يقود السيارة، انا شخصياً رأيتك انتِ تقودينها.

فلم تصدق أذنيها وكاد يغمى عليها من شدة التأثر والفرح

ثم ختمت قصتها بالقول: أيعقل هذا، أما زال في الدنيا أشخاص مثله، فالدنيا فعلاً ما زالت في خير.

*

نعـم يا حضرة الامين مصطفى، ما دام في حزبنا، من هم على شاكلة الرفيق محمد عبدالله سبيتي، فهو دائماً بخير.



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه