شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2013-04-09 |
عينطورة لم تنسَ زمن اجتثاث «الخوارج» |
قبل 37 عاماً، ارتكب حزب الكتائب اللبنانية واحدة من أبشع مجازر الحرب الأهلية اللبنانية بحقّ عددٍ من القوميين في بلدة عينطورة في المتن الشمالي. لم تتوقّف عينطورة يوماً عن إحياء ذكرى المجزرة، وآخرها يوم الأحد الماضي انقضت سنوات الحرب اللبنانية ببطء. مسح اتفاق الطائف وشعارات الدولة الجديدة تفاصيل كثيرة موجعة في تاريخٍ طويل من النزاع. لم يعتذر أحد عمّا اقترفت يداه، لم يراجع سياسيو الحرب مسيراتهم المليئة بدماء الأبرياء، ومن تأمل تاريخه لم يجرؤ على الاعتذار الجدي. مات الضحايا، طمس القاتل خطاياه، والذاكرة لم تمت بعد. تسير سعاد فارس الحاج بصمت في عينطورة (المتن الشمالي). على عنق السبعينية يتدلّى صليبٌ ذهبي ومعه مجسّم صغير ليسوع المسيح مصلوباً على خشبة من ذهب. تنقل الثكلى قدميها برتابة على الطريق الواصل بين حارة «بيت عازار» ومدافن شهداء مجزرة عينطورة. هناك قرب الجبل، يتمدّد سامي ولدها في «قبرٍ من نور». لم تتعب سعاد يوماً من زيارة ابنها، الطالب الثانوي الذي صفّاه مقاتلو الكتائب اللبنانية مع 22 غيره من القوميين. تكرّر سعاد رحلتها من الحاضر إلى الذاكرة مع كثيرين من الأهالي والقوميين في طقس سنوي منذ أكثر من 30 عاماً، على درب أقربائهم الذين سقطوا في 26 و28 آذار 1976، فوق مذبح الحرب الأهلية اللبنانية. أوّل من أمس، أحيا الحزب السوري القومي الاجتماعي وأهالي بلدة عينطورة ذكرى المجزرة. «خيّي شبل المحامي، صفّوه هونيك، وجّو على الحيط وقوّصوه»، يدلّ الدكتور جوزف عازار بيده اليسرى على منزلٍ قريب من باحة كنيسة السيدة. يسمّر جوزف عينيه الزرقاوين ثوانٍ عليك، ثمّ يعيد «ما كان عامل شي، قتلو لأنو قومي». روايات الضحايا يحفظها جوزف واحدة واحدة. لا همّ إن نسي هو، فالمحيطون به يردّدونها على عجل: «نبيل ابن عمّي قتلو هونيك تحت هيدي الجوزة، شفتها؟ نبيل كان عمرو 15، كان طفل يا حرام». قُتل عطا الله عازار أيضاً وأخوه طوني الجندي في الجيش اللبناني، ومن سوء حظّ رفيقه الجندي أيضاً جورج مينا من بلدة كفرزبد الذي كان برفقتهما عن طريق الصدفة، قتلوه هو الآخر. الصغير والكبير يُخبّر قصّة يوسف فارس الحاج، «كانوا يخافوا منّو ليوسف، قوّصو بإجريه أول شي، بعدين بالسكاكين». روايةٌ أخرى على لسان الياس عازار الملقّب بـ«علي الدّب»: «ولاد عمّي هون قتلوهن، بدار بيتنا تحت». «خبّرن عن للّو جاندارك» يقول الشاب لجوزف باندفاع، «للّو كان رسّام ونحّات بس ما مات رخيص». للّو جاندارك، أو إيلي، لم يقبل الموت بسكون. انتزع إيلي من جنب أحد الكتائبيين قنبلةً يدويّة، ثم فجرّها بنفسه وبقاتليه. أكبر الضحايا هو نسيب عازار، مسؤول القوميين في عينطورة في ذلك الوقت. كان الكهل حكيماً ومقداماً وشخصيّة «اعتبارية» في المتن بحسب جوزف، لكونه كان من أوائل المغتربين في أفريقيا. قبل المجزرة بفترة قصيرة، دخل المتنَ الشمالي «جيشُ الخطيب»، وهو أحد انشقاقات الجيش اللبناني الموالية للثورة الفلسطينية، في مقابل «جيش بركات» الموالي لـ«الجبهة اللبنانية». الرواية هنا تقول إن جيش الخطيب بدأ بالتعدّي على الأهالي وسرقة بيوتهم، خصوصاً الكتائبيين منهم. فما كان من نسيب عازار إلّا أن أمر القوميين برسم زوابع على بيوت الكتائبيين حتى يُبعد عنها جيش الخطيب. وبالصدفة، اكتشف الجيش الخديعة، فعمد إلى تفتيش بيوت القوميين ومنهم نسيب، وصادر ما يملكون من سلاح «لأننا حمينا الكتائبيين، صرنا خونة». قبل المجرزة بيوم، انسحب جيش الخطيب من عينطورة إلى جبل صنين بعد معلومات وردت إليه عن هجومٍ ستنفّذه الجبهة اللبنانية على المتن الشمالي عبر تلال صنين. استغلّ الكتائبيون الموقف، فشرعوا باعتقال القوميين بغية تصفيتهم. لا أحد يقنع أهالي الضحايا بأن أمر التصفية لم يأت من الرئيس أمين الجميّل شخصياً، الذي كان رئيس إقليم المتن الكتائبي في ذلك الوقت، والمسؤول في المكتب السياسي ابن البلدة فارس الحاج. يروي الأهالي قصّة اجتماعٍ عُقد في أنطلياس، وقرّر الكتائبيون فيه تنفيذ المجرزة «لتطهير عينطورة منّا، نحن الأغلبية، بعد أن كانوا تدرّبوا في المسيقة ــ البرج (في خراج البلدة)». يستمع طوني بعقليني من بعيد إلى ما يقوله أبناء بلدته. يقول أحدهم: «سآل طوني، ماتوا كل قرايبو كمان، بأول مجزرة». لم تكن عينطورة مجزرة واحدة. هي ثلاث؛ الأولى قُتلت فيها أسرة طوني بعقليني: «لوريس بعقليني إمّي، الياس بعقليني بيّي، كان يشتغل نقل خارجي، مخايل عازار صهري، نخلة عازار جدّي، وستّي كمان قتلوها، وإختي وخيّي انصابو وما ماتوا». الثانية، وهي الأكبر قتل الكتائبيون فيها 17 ضحيّة. أما المقتَلة الثالثة، فوقعت بعد شهور، إذ استطاع الكتائبيون اعتقال زاهية الحاج وابنتها آمال في أنطلياس. فرّت زاهية وابنتها في الليل من البلدة بعيد المجزرة، ثمّ انتهى الأمر بهما جثّتين محروقتين في حرج سيّدة المغارة في عوكر. بعد قدّاس عن راحة نفس الضحايا في كنيسة السيدة أول من أمس، ينتقل الجمع الذي تجاوز ألف شخص من أهالي عينطورة والقرى المجاورة إلى المدافن، حيث وضع القوميون نصباً تذكاريّاً لشهدائهم. يسير قوميون بلباسهم العسكري الزيتي في المقدّمة، حاملين رايات حزبهم وجبهة المقاومة الوطنيّة اللبنانية. يفصل رجال الزيتي عن الجمع أكاليل من الورد على شكل زوبعة حمراء، ولوحةٌ تحمل صور الشهداء وعبارة «على الدم يمتدّ ليل الطغاة». يمسك الشاب ميشال فارس عازار إكليل الزوبعة بيساره، يعاونه كهلٌ صلبٌ لفّ عنقه بكوفيّة بيضاء وسوداء. جدّ ميشال، ميشال عازار قتل في المجزرة أيضاً، «جدّي كان فلّاح معتّر، بس كان قومي». في طقسٍ حزين قرب القبور، يرفع القوميون أيمانهم تحيةً صامتة للشهداء. لا تحتمل ناهدة عازار الصمت. تدبّ الدموع على خدّيها. لم تنس هي الأخرى ابن أخيها الصغير، نبيل عازار، «بقي مدفوناً خمس سنين، تحت الشباك بالجنينة». تلبس ناهدة الأسود بعد ثلاثة عقودٍ من رحيل الصغير، كأنه رحل اليوم. في قاعة كنيسة مار نهرا، التقى المجتمعون أخيراً. قرأ ميشال عازار كلمة قوميي عينطورة: «نحن ننظّم الذكرى كي نحرص على أن يعرف الجميع أن ما حصل مجزرة، وأن النسيان أمرٌ مستحيلٌ، ونحن اليوم في أمس الحاجة إلى التأهب الكامل والاستعداد، نتيجة الأوضاع الراهنة في المنطقة، وقوميو عينطورة والتيار المتعاطف معهم ليسوا بمنأى عن الخطر». وأشار ممثّل التيار الوطني الحر إلى أن «تحالف القومي والتيار ليس صدفة، بل هو تشابك أيدي من يريدون فعلاً حمل قضية العلمانية على أكتافهم». كذلك أكد مندوب القومي المركزي كمال نادر أن «القومي مكوّن أساسي في لبنان»، وحيّا «مواقف البطريرك وسعيه لحفظ مصير المسيحيين في الشرق من مخاطر التكفير والموجة الوهابية الخطيرة». العودة في ذاكرة الحرب الأهلية بالنسبة إلى اللبنانيين هي نكء للجراح، واستعادةٌ لشريطٍ من المآسي والآلام، لم يصدّق اللبنانيون أنه رحل، حتى عاد أقسى وأبشع في الحرب الأهلية السورية. أمّا سعاد وناهدة ومثيلاتهما، فلم يغادرن يوماً حتى يعدن. لم تكن مجزرة عينطورة لتقع إلّا في زمن طغيان الطوائف. موارنة ذبحوا موارنة خارجين من عباءة الطائفة. اليوم زمن آخر لطغيان طوائف، وزمن اجتثاث «خوارج» آخرين. -------------------------------------------------------------------------------- احتفال للقومي في جرد عاليه نظّم الحزب السوري القومي الاجتماعي قبل أسبوع احتفالاً في الذكرى السنوية الـ28 لاستشهاد وجدي الصايغ، أول استشهادي قدّمه القومي ضدّ جيش الاحتلال الاسرائيلي. في قاعة مسمّاة باسم الصايغ في بلدة شارون في جرد عاليه، ألقى نائب رئيس القومي توفيق مهنا كلمة أكّد فيها «أننا في الحزب من منطلق قومي واستراتيجي، ومن رؤية واضحة لأولويات الصراع، نقف مع سوريا، مع الرئيس بشار الأسد، ننصره في مواجهة جبهة النصرة التكفيرية، ونذود عن الشعب السوري ضدّ هذه الهجمة الاستعمارية المتجدّدة بكل جوارحنا». وأكّد مهنّا في الاحتفال الذي حضره حشدٌ من رجال الدين الدروز يتقدمهم شيخ عقل الطائفة ناصر الدين الغريب وممثلون عن حزب الله والحزب الديموقراطي اللبناني والحزب التقدمي الاشتراكي أن «أزمة لبنان، أزمة نظام لا حكومات، ونحن لا نرى حلاً ينقذ لبنان إلا قيام الدولة المدنية التي يستند قانون الانتخاب فيها إلى اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة، على أساس النظام النسبي».
|
جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه |