إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

انهيار ديمقراطية الطوائف... متى العصيان؟

عصام نعمان - البناء

نسخة للطباعة 2013-06-17

إقرأ ايضاً


فقدت «ديمقراطية» الطوائف في لبنان أبرز مؤسّساتها بـِ«العصيان الذاتي». فقد امتنع ثلاثة من قضاة المجلس الدستوري العشرة عن حضور جلسته المخصصة للنظر في الطعنين المقدّمين من الرئيس ميشال سليمان ومن نواب «كتلة التغيير والإصلاح» النيابية بشأن عدم دستورية قانون تمديد ولاية مجلس النواب. والنتيجة؟ تعطيل النصاب المحدّد قانوناً بحضور ثمانية قضاة على الأقل.

امتناع القضاة الثلاثة عن حضور ثلاث جلسات متتالية للمجلس الدستوري سيؤدي إلى حصول شغور في عضويته ناجم قانوناً عن اعتبار القضاة الثلاثة مستقيلين بسبب تغيّبهم من دون عذر شرعي. ويبدو أن تعيين بدلاء منهم سيكون متعذراً لكون الحكومة مستقيلة وفي حال تصريف الأعمال ومجلس النواب في الأيام الأخيرة من ولايته التي تنتهي في 20 الشهر الجاري.

خسارة البلاد لأبرز مؤسساتها جرى تعويضها جزئياً بكسب كبير هو بروز رئيس المجلس الدستوري الدكتور عصام سليمان كشخصية قيادية قضائية وسياسية مميزة ونادرة. فقد كشف الدكتور سليمان ملابسات تعطيل المجلس الدستوري والتدخلات الداخلية والخارجية التي اكتنفته مؤكداً ذلك بقوله: «لدّي مناعة ولا أخضع لضغوط لا من رئيس الجمهورية ولا من العماد ميشال عون ولا من البطريرك الماروني ولا من البابا ولا من أميركا ولا من فرنسا. وللعلم فأنا لم أطلب من رئيس الجمهورية تعييني عضواً في المجلس الدستوري أو رئيساً له وبالتالي أنا لم أقف على باب أحد ولستُ مديناً بشيء لأيٍّ كان. وعندما كان غيري يقف على باب اللواء غازي كنعان أو أصغر ضابط سوري كنتُ أحترم نفسي وأرفض الانبطاح للوصول الى أي منصب».

ترى ألا يستحق لبنان رجلاً من هذا الطراز ليكون رئيساً للجمهورية في صيف العام المقبل؟

إذ ينهار المجلس الدستوري يسقط معه امتداح اللبنانيين لأنفسهم بأن بلدهم هو أول ديمقراطية في المشرق العربي. ذلك أن اللبنانيين مسؤولون في التحليل الأخير عن تعطيل أهم مؤسّسات الديمقراطية في البلاد ومعها ربما ما تبقّى من مؤسسات.

قد يقول قائل إنه من الظلم تحميل اللبنانيين مسؤولية تعطيل المجلس الدستوري لأنهم ليسوا مسؤولين مباشرةً عن إفقاده نصابه القانوني. لكن أليسوا مسؤولين مداورةً عن ذلك لكون القضاة المتغيّبين تأثروا بضغوط قيل إن رئيسي كتلتين نيابيتين مارسوها عليهم لعدم تمكين المجلس الدستوري من الانعقاد تفادياً لاتخاذه قراراً بقبول الطعن المقدّم وبالتالي إبطال قانون التمديد لمجلس النواب؟

ثم ألم يتأثّر القضاة السبعة الذين حضروا الجلسة بضغوط قيل إن رؤساء أحزاب وكتلٍ نيابية أخرى مارسوها عليهم لضمان إبطال قانون التمديد لمجلس النواب بغية إجراء الانتخابات وفق أحكام «قانون الستين» الساري المفعول؟

رؤساء الكتل النيابية الذين ضغطوا على القضاة لقبول الطعن المقدّم أو ردّه هم نواب يمثلون افتراضياً اللبنانيين الذين انتخبوهم ما يعني أن الناخبين مسؤولون عن انتخاب نوابٍ لا يتورعون عن مخالفة أحكام الدستور والقوانين النافذة بدعوة حماية مصالح البلاد العليا! كما يعني أن الناخبين يقدّمون مصالح «زعماء» طوائفهم على انتظام مؤسّساتهم.

هذا الوضع المؤسف والمؤلم والمزري الذي انتهى إليه النظام السياسي في لبنان إنما يدل على حقيقة ساطعة مفادها أن الديمقراطية هي ثقافة بالدرجة الأولى قبل أن تكون انتخابات دورية ومؤسسات دستورية ثقافة جوهرها قبول الآخر وبالتالي التزام «قواعد اللعبة» في المنافسة الحرة بين اللاعبين الذين ينشدون الوصول الى السلطة.

الى ذلك يُستفاد من تجارب الدول المتقدمة حضارياً أن نجاح الديمقراطية مرهون بتوافر شروط ثلاثة:

أولها حدٍّ معقول من التعليم - وبالتالي من الوعي - يتيح للمواطنين عامةً وللناخبين خاصةً القدرة على المفاضلة بين البرامج السياسية والاجتماعية للمرشحين وعلى تقدير ما هو في صالح البلاد عموماً وصالحهم خصوصاً.

ثانيها حدٍّ معقول من البحبوحة أو على الأقل من المعيشة اللائقة وبالتالي توافر قاعدة عريضة من أفراد الطبقة الوسطى. ذلك أنه من الصعب جداً أن تنجح الديمقراطية في بلد معظم ناخبيه من الأميين والفقراء. هؤلاء يعتبرون السياسة وبالتالي الانتخابات ترفاً إزاء انشغالهم بتوفير قوتهم اليومي وربما اضطرار بعضهم أحياناً الى «بيع» صوته الى من يرغب لسد حاجته الى المال والمأكل والملبس!

ثالثها توافر الحرية والسيادة للبلد المعني بالانتخابات. ذلك ألا سبيل الى ممارسة حق الاختيار والانتخاب على وجه صحيح في بلد محتل أو مسلوب الإرادة السياسية.

من هذه الشروط الثلاثة يتمتع لبنان بمستوى عالٍ نسبياً. فالمتعلمون هم غالبية اللبنانيين الأمر الذي يرفع نسبياً مستوى الوعي في صفوفهم. لكن هذه الميزة تحدّ من فعاليتها حدة العصبيات المذهبية والطائفية. كما يحدّ من فعاليتها أيضاً اتساع قاعدة الفقراء والمحتاجين نتيجةَ الحروب والاضطرابات الأمنية التي عاناها اللبنانيون منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي. كذلك كان لوجود قوى خارجية مسلحة على الأراضي اللبنانية طيلة السنين الأربعين الماضية أثرٌ في تعطيل إرادة اللبنانيين أو في ارتهانها.

كيف السبيل إلى الخروج من المأزق الحالي والأزمة المزمنة؟

لا جدال في ألا دولة في لبنان بل نظام طوائفي مركانتيلي فاسد تحكمه شبكة سياسية مؤلفة من متزعمين في طوائف ورجال أعمال وأموال يستغلون السلطة وقادة متنفذين في الأجهزة الأمنية. هذه الشبكة تعيد إنتاج النظام من خلال قوانين انتخابات موضوعة على قياس مصالح أركانها الذين لا يتوانون عن الاستعانة بقوى خارجية لدعم مصالحهم الذاتية مقابل «خدمات» متبادلة.

لعل السبيل السلمي الأفضل لتغيير النظام الطوائفي الفاسد يكون بتغيير قواعد الانتخاب جذرياً باتجاه اجتراح قانون لها على أساس التمثيل النسبي في دائرة وطنية كبرى هي الجمهورية برمتها. ذلك يضع اللبنانيين جميعاً أمام التحديات والمشاكل نفسها كما أمام الأفراد والقوى التي ترشح نفسها لمواجهتها وتحول دون امكانية استخدام سلاح المال على نطاق واسع لشراء الذمم والأصوات.

لكن هل من سبيل الى اجتراح قانون ديمقراطي للانتخابات بوجود هذه الشبكة السياسية المسيطرة؟

إنه بلا شك أمر صعب. لكن الأمل معقود على ثلاثة احتمالات بازغة:

الأول أن يتردى وضع النظام السياسي فما يعود في مقدور أهله إعادة إنتاجه بواسطة قوانين الانتخابات كما يتضح من مأزقهم الحالي.

الثاني أن تتصدى القوى الوطنية الحية وفي مقدّمها الشباب وقوى المقاومة كما القيادات المستنيرة والملتزمة في الشرائح الاجتماعية المتضررة للنظام وأهله وتتمرّد عليه حتى حدود العصيان المدني.

الثالث أن يعجز أركان الشبكة السياسية الحاكمة عن الاستعانة بقوى خارجية فيضطرون الى التراجع أمام ضغوط القوى الوطنية والاجتماعية الفاعلة ما يتيح فرصةً لابتداع قانون ديمقراطي للانتخابات على أساس التمثيل النسبي والدائرة الوطنية الكبرى ويصار الى إقراره في استفتاء عام.

هل دقت ساعة العصيان على النظام؟

لعل هذا العصيان بدأ بتحركات «ثوار البندورة» المعتصمين امام المجلس الدستوري «لدعمه في مواجهة الضغوط السياسية والطائفية التي تمارس عليه ولرفض التمديد لمجلس النواب». هؤلاء يحضّرون ليوم احتجاجـي شعبـي كبـير في 20 حزيران وهو تاريخ انتهاء ولاية مجلس النواب ليعلنوا: «سنواجه النواب بالبندورة كما أعضاء المجلس الدستوري بالأداة ذاتها في حال لم يفعلوا شيئاً لعدم إقرار التمديد»...

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024