إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

القدر الاستراتيجي بيننا وبينهم.. حذار

حسن شقير - البناء

نسخة للطباعة 2013-08-06

إقرأ ايضاً


تنطلق في هذه الأيام في مراكز البحوث والدراسات الصهيونية نقاشات ودراسات معمّقة حول الجيش الصهيوني وتركيبته المستقبلية في ظلّ التطوّرات المتسارعة الحاصلة في المجال الحيوي الجغرافي لهذا الكيان وتدور هذه النقاشات ضمن ما يسمونه «استراتيجية بناء القوة وتقدير الواقع». فمن داعٍ من بين هؤلاء إلى ضرورة تصغير حجم الجيش ليتناسب مع طبيعة التهديدات الآنية واللاحقة المحدقة بالكيان.. إلى متحفظٍ من بينهم إلى وجوب المحافظة وحتى زيادة الكتلة البشرية لديه.. لأنّ الواقع المحيط متحرّك وليس ثابتاً.. فبناء القوة المتجدّدة قد يتطلب الكثير الكثير من الوقت والجهد والمال بينما الواقع قد يتحرّك بأسرع مما يتصوّره البعض.

لن نقارب تلك التقاشات الصهيونية من الزاوية التي ينطلق منها أصحابها إلاّ أننا نحاول من خلال ذلك أن نتلمّس طبيعة الاستراتيجيات التي يُفترض أن تنطلق في واقعنا خصوصاً أنّ الراصد للذات الاستراتيجية الصهيونية ومنذ عقود خلت يجدها تعيش الحيرة والتيه بحثاً عن ضالّة هذا الكيان الأمن المفقود والمنشود أولاً وأخيراً.

هذا الإضطراب الإستراتيجي الصهيوني يدفعنا إلى طرح تساؤلين اثنين:

1 ـ هل هناك علاقة بين التبدل الاستراتيجي في الكيان الصهيوني وطبيعة الواقع المحيط به؟

2 ـ هل صناعة الاستراتيجية وشكلها في الجغرافيا المحيطة بالكيان هي اختيار لأهلها؟ أم هو خيارٌ لا بدّ منه؟

استراتيجية حائرة

إنّ نظرة سريعة إلى التيه الاستراتيجي الصهيوني منذ ما يقارب السبعين عاماً تُظهر أنّ هذه الاستراتيجية تحوّلت قسراً من الهالكة والهادمة والمهلكة إلى ما بات يُعرف اليوم بالانطوائية. وذلك واضح في السياق التاريخي لحروب الكيان منذ عام 1948 وإلى عام 2006 على الساحة اللبنانية وإلى عام 2009 على الساحة الفلسطينية الغزّية .

بعد عام 2006 اللبناني وعام 2009 الفلسطيني ـ الغزاوي وبغضّ النظر عن عدوان 2012 في «عملية عمود السحاب» فرض الواقع المحيط بالكيان نقلة نوعية في الفكر الاستراتيجي حيث ظهرت مصطلحات «الانطوائية» و»إسرائيل تحت الحصار» و»الحرب الاستنزافية الصبورة المديدة السنين».. حيث أخذت مراكز الدراسات تُنظّر في كلّ ذلك.. ليظهر بعد ذلك مصطلح «العمل في السوح الخلفية».. وقد تمظهر ذلك جلياً بعيد هزيمة 2006 في حرب لبنان الثانية.. ففي عام 2007 كتب داني بركوفيتش ـ مركز دراسات الأمن القومي ـ كتاباً أسماه «هل يمكن قطع رؤوس الهيدرا؟ معركة إضعاف حزب الله» فصّل فيه أنّ العمل العسكري لم يعد مجدياً للتعامل مع المقاومة في لبنان مقترحاً استراتيجيات ثلاثاً لإضعافها تمهيداً للقضاء عليها وهي:

-استراتيجيات إضعاف قوة العقيدة.

-استراتيجيات إضعاف قوة التجذر الشعبي.

-استراتيجيات فك الروابط الإقليمية.

لقد ترافقت تلك الاسترتيجية في السوح الخلفية مع «استراتيجية خفية مُفبرِكة» وذلك بناء لتوصية صادرة عن «مركز دراسات الأمن القومي» بعد عام 2006 حول وضع الاستخبارات الصهيونية والذي حمل عنوان: «الاستخبارات الإسرائيلية إلى أين؟ تحليل توجهات وتوصيات» حيث رأى معدو هذا التقرير «أنّ التهديدات والمخاطر تحتم على الأجهزة الاستخبارية القيام بمهام عدة من أبرزها «توفير معلومات تدين الأعداء أمام المتجمع الدولي..» وفي جانب الحرب النفسية يؤكد التقرير «أنّ لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية دوراً هاماً في الحرب على الوعي إذ بمقدورها توفير معلومات لها تأثير على الرأي العام..»

هذه الاستراتيجية الصهيونية الخلفية والخفية والتي تتحرّك من خلالها السياسة الصهيونية اليوم هي بالتأكيد وراء ما أصدره الاتحاد الأوروبي من قرار يضع ما أسموه الجناح العسكري لحزب الله على لائحتهم للإرهاب وما سبق ذلك عند الدول الخليجية وما يُعمل له اليوم في القارة الأفريقية.. وفبركة ما حدث مؤخراً في آبوجا حول الزعم بوجود أسلحة لدى أشخاص قيل إنهم مرتبطون بالمقاومة ولديهم مخطط لاغتيال السفير السعودي نيجيريا!

في إكمال محاولة الإجابة عن هذا التساؤل نخلص إلى أنّ الحلقة التي تدور فيها الاستراتيجية الصهيونية اليوم وبُعيْد ما اعتقدوه أنّ خطر الجيوش التقليدية الممانعة تحديداً قد ضُرب وأنّ العمل اليوم يجب أن ينصبّ على القوى الرديفة لهذه الجيوش المقاومة بكل أشكالها ومحاولة نزع الشرعية عنها وإلحاقها زوراً ببؤر الإرهاب المفترض القضاء عليه دولياً بفعل قرارات أميركية وغربية وعربية بتماهٍ جلّي مع مكونات محلية رسمية وغير رسمية على المستويات كافة!

ماذا يريد الصهاينة من وراء كلّ هذا التيه الاستراتيجي؟ إنهم يريدون تحقيق «الهدف الصهيوني الأسمى والأول من بين أولئك الخمس من الغايات والأهداف الكبرى لدولة اسرائيل في القرن الحادي والعشرين» والتي وضعها معهد «فان لير» الصهيوني في عام 1988 والذي عنون بـ»الهدف القومي الأعلى لإسرائيل لإقامة إسرائيل الكبرى ذات الهوية اليهودية النقية كقوة إقليمية عظمى مهيمنة في منطقة الشرق الأوسط».

خيارٌ أم اختيار؟

من حيث انتهينا في الغاية الصهيونية ننطلق في تحليلنا للتساؤل الثاني حيث مثّل البعد الجغرافي المحيط بالكيان وأهمية الاستيلاء على القسم الأكبر منه عاملاً حيوياً له.. والذي أُدرج ـ كما ذكرنا ـ في المرتبة الأولى لقائمة الأهداف والغايات القومية الصهيونية وحيث أنه ورد في تلك الغاية أيضاً «التحكم في المنطقة سياسياً واقتصادياً وثقافياً مع الاعتماد على الذات عسكرياً واقتصادياً».

انطلاقاً من الواقع العربي المتشظّي اليوم اندفع الصهاينة نحو المفاوضات مع السلطة الفلسطينية في رام الله معتقدين أنّ الظروف اليوم تمثل فرصة ذهبية قد لا تتكرّر لهم في سبيل تحقيق غايتهم تلك.. ولكن وبغضّ النظر عن موقفنا الرافض لكلّ ذاك المسار التفاوضي وعدم جدواه مطلقاً نعتقد أنه لا ضَيْر أن نضع أمام القارئ العربي المستهدف في وعيه وفقاً لتلك التوصية الاستخبارية الصهيونية مجموعةً من المقارنات المهمة:

فلسطينياً:

في الضفة الغربية: احتلال صهيوني شبه كامل للجغرافيا بوجود ما يُسمّى بقوات السلطة الوطنية.

وفي قطاع غزة: تحرير شبه كامل للأرض بوجود قوى المقاومة.

أردنياً:

اتفاقية سلام بين الأردن والكيان مع استئجار هذا الأخير للأراضي «المحرّرة» وفقاً لهذه الاتفاقية لمدة 25 سنة تتجدّد تلقائياً ناهيك عن القيود الأخرى وبوجود الجيش الأردني فقط.

مصرياً:

اتفاقية سلام بين مصر والكيان مع إعادة للجغرافيا المصرية المحتلة ولكن بشروط مذلة تُفقد منطق السيادة الحقيقي عليها وبوجود الجيش المصري فقط.

سورياً:

احتلال وضمّ لهضبة الجولان بوجود الجيش السوري فقط أيضاً.

لبنانياً:

تحرير شبه تام لكامل الجغرافيا اللبنانية وبدون قيود أو شروط مسبقة وبوجود الجيش والمقاومة معاً.

يتضح من خلال تلك المقارنات أنّ الواقع الاستراتيجي المحيط بالكيان قد فرض ـ وبدون الاتفاق عليه بين مكوّنات بعض دوله على الكيان الصهيوني اختلافاً قسرياً في طريقة تفكير استراتيجيّيه في السعي لتحقيق حلمهم الجغرافي في احتلال الأرض ونهب الثروات ففي البلدان التي قدّست السيادة وجعلتها جامدة وأيضاً في تلك الدول التي لم تخلق الظروف فيها مقاومة بجانب السيادة نراها جميعها دفعت وما زالت تدفع أثماناً باهظة في انتقاص سيادتها بحجة الحفاظ على مبدأ السيادة! أما في تلك الجغرافيات التي فرض الواقع عليها «انتقاصاً لمبدأ السيادة» فنراها تحمي سيادتها وبشكل شبه مطلق! إنها لمفارقة حقاً.

يتضح من كلّ ذلك أنّ منطق السيادة في هذه البقعة من العالم وفي ظلّ استمرار وجود الكيان الصهيوني فيها لا بدّ أن يتطوّر إلى منطق المزاوجة بينه وبين المقاومة وهذا ليس اختياراً نختاره إنه خيارٌ لا بدّ منه بغية الحفاظ على منطوق السيادة.

إنه القدر الاستراتيجي بيننا وبينهم أيها اللبنانيون أيها العرب فحذارِ حذارِ..


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024