إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

بعد هزيمة اوباما ..سوريا تصيغ التاريخ من جديد

د. عدنان بكرية

نسخة للطباعة 2013-09-01

إقرأ ايضاً


تراجع اوباما عن تهديداته بضرب سوريا بعد ان وصلت الى ذروتها في الساعات والأيام الأخيرة لهو مؤشر واضح على فشل وهزيمة السياسة الأمريكية في العالم ومقدمة لهزائم أخرى ستأتي لاحقا .

المشهد الذي يبدو امامنا هو مشهد لم نره منذ عشرات السنين وسيطرة امريكا على القرارات والسياسة الدولية بعد أفول نجم المنظومة الاشتراكية التي وقفت ندا للغطرسة الامريكية وسيطرتها .. لم نتوقع لحظة إن يتراجع الرئيس الامريكي عن قراره بالحرب ويتلطى خلف الكونغرس الامريكي لينزله من أعالي الشجرة التي صعد اليها لكن يبدو بأنا دخلنا مرحلة جديدة من مراحل الهزيمة السياسية الامريكية بعد هزيمتها في افغانستان والعراق وبعد فشل سياستها الدولية فشلا ذريعا .

امريكا تقف اليوم أمام مرحلة صعبة وحساسة في تايخها المعاصر فهي باتت عاجزة مشوهة المعالم بسبب غطرستها واعتداءاتها وتدخلها في الشؤون الدولية وتسخير قدراتها العسكرية لخدمة مصالحها ومصالح حلفائها وبالتحديد اسرائيل الأمر الذي فاجأ هؤلاء الحلفاء والذين ما زالوا يؤمنون بأن الغطرسة الامريكية قادرة على حمايتهم وحماية مصالحهم الاستراتيجية ..الامر الذي سيفتح صفحة جديدة في تاريخ العلاقات والتحالفات وافول رأس النظام العالمي احادي القطب .

التراجع الامريكي بشأن العدوان على سوريا اعطى رسالة واضحة للعالم وللذين يراهنون على الغطرسة والقوة والاستفراد بأن زمن الاحتلالات والضرب والاعتداء ولى الى غير رجعة وبأن العالم والشعوب قادرة على لجم الوحش الامريكي ومهما تمادى فتبقى ارادة الشعوب هي الأقوى والمقررة في صيرورة الأحداث ..ولا ابالغ اذا قلت بأن "الزمن الامريكي" قد ديس تحت اقدام الشعوب وبالتحديد الشعب السوري والذي بفضله قد ننتقل الى حقبة جديدة ومعالم جديدة ومرحلة تغيب فيها الغطرسة والاستفراد والعدوان والتحكم بمصائر الشعوب .

امريكا أرادت من وراء عدوانها على سوريا خلق واقع عسكري ميداني جديد يمكن الارهابيين والمسلحين من الإمساك بزمام المبادرة وبالتالي قلب النظام و السيطرة على الحكم ..وهذا يتأتى من خلال ضرب وتدميرالبنى العسكرية للجيش السوري كالطيران والصواريخ ومصانع الاسلحة ..

وارادت ايضا خلق واقع استراتيجي من خلال تفكيك حلف المقاومة المتمثل بسوريا وايران وحزب الله وتراجعها يعني هزيمتها السياسية امام هذا الحلف فهي غيرت الواقع باتجاه معاكس ..باتجاه قوى المقاومة والممانعة والتي كانت ستخوض حربا بلا هوادة ضد العدوان الامريكي .

محور المقاومة يعيش اليوم شعور النشوة والانتصار فهو هزم امريكا نتيجة تخوفها وتراجعها وهذه ستكون مقدمة لهزيمتها وهزيمة سياستها في المنطقة والعالم ..ومن حقه ان يعيش هذه النشوة فهو وضع حدا للتغول الامريكي الاسرائيلي واجبره على التراجع حتى لو كان هذا التراجع مؤقت .

لو كان لدى اوباما الثقة بكسب المعركة لما تردد لحظة بعدوانه دون العودة الى الكونغرس فالدستور الامريكي يعطيه الصلاحية الا انه يريد ان يلقي بالمسؤولية عن تراجعه وهزيمته على الكونغرس ..هو يريد ان يزيح المسؤولية عن كاهله في حال اقدم على العدوان وهزم وفي حال تراجع عن العدوان .

اوباما اصبح مهزوما مشوها بنظر العديد وبنظر الشعوب وحتى الانظمة الحليفة له وهو لا يريد ان يزيد من بشاعة صورته فراح يتلطى خلف الكونغرس لانقاذه من الورطة التي وضع نفسه فيها

في هذا السياق لا بد لنا من التوقف عند العوامل التي اجبرت الرئيس الامريكي على تأجيل خياره العسكري

فالمعارضة الدولية لخطوته واتخاذ البرلمان البريطاني اكبر حليفة لامريكا قرارا بعد المشاركة شكل صفعة بوجهه جعلته يتريث واجراء حسابات دقيقة ..والمعارضة الشعبية الامريكية ووقوف ستون بالمائة من الشعب الامريكي ضد العدوان كان لها الاثر البالغ في قراره زيادة على ادراكه بأن هذه الحرب لن تكن محسومة لصالحة في ظل الاصطفافات الدولية التي حصلت في الايام الاخيرة

حلف المقاومة ممثلا بايران وحزب الله وسوريا هدد بضرب المصالح الامريكية وتوسيع رقعة الحرب الامر الذي يعني ضرب اسرائيل في العمق .. وهذا هو بيت القصيد ..فلولا الامن الاسرائيلي لكانت امريكا قد تدخلت عسكريا ومنذ زمن بالشأن السوري ..

اوباما ظن ان اية ضربة محدودة ستبتلعها سوريا ولن ترد لكنه ايقن في الساعات الاخيرة بأن حلف المقاومة لن يقف مكتوف الايدي امام العدوان على سوريا وبأن رقعة الحرب ستتسع وتطول العديد من البلدان مثل تركيا ودول الخليج واسرائيل ففضل التراجع بخسائر سياسية ودبلوماسية اقل من الخسائر التي ستلحق به وبحلفائة في حال اقدم على العدوان .

الموقف الروسي الذكي والبارع شكل ضربة للعنجهية الامريكية ..فروسيا وفي بداية الازمة الحالية قالت بأنها لن تدخل الحرب.. رغم تواجدها لوجستيا في سوريا ..فهي ارادت ان تمنح اوباما فرصة التراجع بكرامة دون ان تحمل نفسها وزر أي صدامات دولية قد تحصل .. وعندما اشتدت التهديدات الامريكية قالت روسيا انها ستدافع عن الامن القومي الروسي الامر الذي يعطي رسالة واضحة عن امكانية تدخلها في الحرب ..هذه الدبلوماسية البارعة والذكية ساهمت في خفض سقف الغطرسة الامريكية .

كل هذه العوامل مجتمعة وضعت الرئيس الامريكي في حال لا يحسد عليه وجعلته مهزوزا مهزوما لا يعرف كيف ينزل عن الشجرة التي اعتلاها بدون حساب ومسؤولية ولم يكن امامه خيار الا التلطي في اروقة الكونغرس لالقاء المسؤولية عن كاهلى وربما لانزاله عن الشجرة التي صعدها ...الايام القادمة ستكشف العديد من المفارقات ومهما يكن الا اننا نستطيع ان نسجل بأننا بتنا على اعتاب مرحلة تاريخية جديدة عنوانها بداية افول الغطرسة والعنجهية الامريكية ..فهل سيصنع التاريخ من جديد على اعتاب دمشق


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024