إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

فتّش عن القُصير.. الرسالة وصلت

حسن شقير - البناء

نسخة للطباعة 2013-09-04

إقرأ ايضاً


كأن الضمير الأميركي ومعه بعض الغربي ومجمل العربي قد استفاق من سباته الطويل موعزاً ومحرِّكاً لآلة الحرب الغربية بمدمّراتها الاستعراضية إلى المياه الدافئة قبالة السواحل السورية مهدّداً ومتوعّداً الدولة السورية ونظامها «المجرم» لاستخدامه السلاح الكيماوي ضدّ شعبه كما يزعمون.

إذن مدمّراتٌ غواصاتٌ وصواريخٌ عابرة للقارات والقدرات مزوّدةٌ بكلّ ما تشتهي أنفس السوء قد أحاطت ورابطت على السواحل السورية.. الحرب ـ الضربة ستقع خلال ساعاتٍ خلال يومين خلال أيامٍ أو حتى أسابيع.. أو لربما لن تقع أبداً.

مع انطلاق الحشد حطّ فيلتمان الأميركي ذو الوجه الأممي في إيران مُغرِياً مهدّداً متوعّداً مستفسِراً وحتى مستنتجاً.. ليعود منها لاحقاً ـ بحسب ما ذكرته التصريحات الإيرانية خائراً حائراً وحتى مُحذَّراً..

رويداً رويداً هدأت إلى حدّ ما قرقعة السلاح سارعت البحرية الروسية بفرقاطتها إلى جوار نظيراتها الأميركية الكلُّ تأهّب النظام أعدَّ الخطط لامتصاص الضربات الأولى واستيعابها ضمن سياسته المعهودة في الانحناء أمام العواصف المعارضة أعدّت العدة لـ»النصر المبين» على نظامٍ ستتخلخل أركانه ويسقط من شاهق كما وعد رئيس ما يُسمّى بالائتلاف السوري المعارض أحمد الجربا..

تساءل الكثيرون عن سرّ تلك الاندفاعة الأميركية نحو الحرب على سورية ؟ هل فعلاً صحا ضمير العمّ سام بفعل استنشاقه الكيماوي ـ النظامي المزعوم عابراً للقارات داخلاً مهجع أوباماً في بيته الأسود؟ أم أنّ للقصة حكايةٌ أخرى؟

ما إنْ انبلج ذاك الصباح على وقع تواتر الأحداث حول الهجوم المفاجئ للجيش السوري على الغوطتين الشرقية والغربية لدمشق حتى كان الكيماوي ينبلج معه أيضاً وفي اليوم نفسه! انتصف النهار في ذاك اليوم الريفي لدمشق لتتناقل وكالات الأنباء عن بدء الجيش السوري تحقيق إنجازات على الأرض بمشاركة القوى المساندة في تلك المنطقة.. ما إنْ حدث كلُّ ذلك حتى تعالت الصرخات من داخل الغوطتين «إنها القصير.. أنقذونا.. لقد خسرنا سابقاً وخسرتم معنا موقعاً استراتيجياً عسكرياً وسياسياً وحتى اقتصادياً في قلب حمص.. واليوم سنخسر وتخسرون قلب سورية بأكملها.. ومن يسيطر على القلب يسهل عليه لاحقاً السيطرة على الأطراف». باختصار هذا كان لسان المعارضة المسلّحة في ذلك اليوم.

لم يرُق للمفاوض الأميركي الجالس بين الفينة والأخرى مع نظيره الروسي هذه المشهدية الجديدة فهو بالكاد يحاول لغاية اليوم ابتلاع الفصل الأول في القصير فهذا المفاوض الأول وجد نفسه بين ليلة وضحاها ومعه كل تحالف العدوان على سورية يلهث مسرعاً بمدمّراته وصواريخه مؤمّلاً بذلك لمنع كسر التوازن بعد أن كان وكانوا حتى الأمس القريب يبحثون عن إعادة التوازن هناك..! فمن هنا ومن هنا فقط تبدأ الحكاية ومن هنا أيضاً ترتسم معها النهاية.. فكيف ولماذا ذلك؟

ـ أولاً: أميركا الطامحة للحدّ من خسائرها الاستراتيجية في المنطقة رأت في كسب النظام للمعركة في الغوطتين ليس إنجازاً داخلياً جغرافياً محدوداً قياساً مع الجغرافيا السورية وليس فقط تأميناً للعاصمة في عملية «درع العاصمة».. إنما رأته ـ أي ذاك الإنجاز المتوقع ـ بعينها الاستراتيجية المصلحية المحضة فذلك كما تعتقد أنه إنجازٌ يجعل زمام المبادرة تماماً مع الروس في لعبة التفاوض على الموقع الاستراتيجي لأميركا في النظام العالمي المقبل فيجعل من هؤلاء ـ أي الروس ـ أشدُّ مراساً وأكثرُ تصلباً في هذا الشدّ التفاوضي المخضّب بالدماء.

ـ ثانياً: أوروبا وجدت نفسها في تداعيات تلك المعركة واقعة لا محالةً بين فكّي الدبّ الروسي ـ الاقتصادي فتتضاءل معها آمال القارة ـ الكهل في الحدّ من الاستتباع للغاز الروسي بحيث انّ هذا الأخير سيُضاف إليه بعد جلاء المعركة الغاز الشرق ـ أوسطي ذي الرائحة الروسية بدلاً من الرائحة الصهيونية ـ العربية والتركية أيضاً.

ـ ثالثاً: تركيا سيستيقظ أردوغانها ومعه حركة الإخوان المسلمين برمّتها ليجدوا أنفسهم بُعيْد معركة الغوطتين أنّ الحرب التحريرية السورية قد أضحت عند حدودهم وبالتالي ستجد نفسها ـ أي تركيا ـ كمن يجهد مدافعاً عن نفسه في عقر داره أو حتى ضمن مجاله الحيوي.. بعد أن كان بالإمس القريب قد نصّب والياً على هذا المجال إيذاناً بالسلطنة العثمانية المتجدّدة على الأرض السورية!

ـ رابعاً: السعودية حاملة لواء العدوان الفاشلة في حمص ـ الخالدية المتقهقرة في ريف اللاذقية والمطرودة ـ أو كادت ـ من الغوطتين الشرقية والغربية.. تيقّنت أنّ ذلك ـ إنْ حصل ـ سيستتبع بلا شك أن تُعلِّق لها أميركا مشنقتها السياسية تماماً كما فُعِل بقطر ـ الحمَديّة!

إنطلاقاً من كلّ ذلك يُعتقد أنّ أمريكا المُرابطة على الحدود البحرية السورية ومن خلال كلّ تلك البروباغندا الإعلامية حول الضربة أو حتى الحرب على سورية لم تكن تريدُ حرباً ولا من يحزنون إنما تريد أن توصل إلى روسيا والصين وإيران ومعهم سورية وحزب الله رسالةً قصيرةً في مضمونها «لن نسمح لكم بقصير جديدة.. قبل أن نتفق معكم على معالم النظام العالمي الجديد.. فنحن ما زلنا هنا».

لكن الردّ أتى من روسيا برسالةٍ بحرية مماثلة ومن إيران وحزب الله برسالة جغرافيةٍ على الأرض السورية «القصيرُ من ورائكم .. والهزيمةُ من أمامكم.. ولن نرضى أبداً بابتزازكم واستنزافكم.. ولا حتى بجزركم»

فتّش عن القصير ـ الجديدة التي شكلت وستشكل بلا شك مفصلاً تاريخياً لتسويةٍ تاريخية بشروط تاريخية.. وهي مستبعدة حتى الآن أو أنها ستكون مقدمةً لحربٍ ضروس.. يبدو أنّ قرارها قد اتخذ فلقد وصلت الرسالة.. وعلى الأرجح لن يُؤخذ بها.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024