شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2013-12-07
 

المدن السوريّة المفجوعة بوحيدها

الياس عشّي - البناء

هل خطر ببال أحد أن يسأل:

لمَ تتّشح بعض المدن بالسواد وتَشرق بالدمع حتّى تغَصّ؟

ولمَ وقف بعض الشعراء على أطلالها المحترقة كما ابن الرومي في رثائه البصرة والبحتري في مناجاته المدائن وحافظ ابراهيم في بكائه مسّينا التي ابتلعها البحر؟

لم يراودني السؤال إلى أن سمعت بكاء دمشق وعويل حلب ونحيب معلولا والمعرّة والرقّة والحسكة وحمص ودير الزور ويبرود والنبك وصدد وغيرها وغيرها من المدن السوريّة المفجوعة برائحة الموت.

عندما تبكي مدينةٌ شهيداً من شهدائها فإنّما تبكي وحيداً من أبنائها فقدته لتوّها كلّ شهيد هو وحيدها بل هو فجيعتها ولا يعوّض أبداً.

المدينة المفجوعة بوحيدها أشبهُ ما تكون بأمّ إيطاليّة فقدت وحيدها وكانت في حالة يرثى لها من اليأس فزارها أحد الرهبان وحاول أن يعزيَّها قائلاً: إنّ الله طلب من ابراهيم أن يذبح بيده ابنه ويقدّمه ضحيّة له فلم يتردّد الأب في تلبية طلب الخالق. فأجابت الأمّ الثكلى وقد سحق الألم قلبها: هذا صحيح يا أبتِ بالنسبة إلى إبراهيم ولكنّ الله لم يكن ليطلب هذه التضحية من أمّ.

وقدرُ المدينة كلّ مدينة أنّها أمّ وأنّها مشغولة قطبةً قطبةً بعرق عمّالها وحبر أدبائها ومفكّريها ونغمات شعرائها وأقلام صغارها الملوّنة وذاكرة مؤرّخيها وصلوات المؤمنين من أبنائها وزنود الذين حموا أسوارها.

هؤلاء هم المدينة وكلّ واحد من هؤلاء عاشت المدينة طفولتهم ورعت نموّهم وواكبت إبداعاتهم وحمتهم برموش العين. أليس هذا ما تقوم به الأم تجاه أبنائها؟

نعم.. وإلّا لما طغت المشاعر الإنسانية الدافئة على ما يسمّى برثاء المدن ولما كان الوعدُ لأجيال لم تولد بعد بأنّ وراء هذا الركام الأسود حقولاً من الياسمين وشقائق النعمان وبأنّ المدينة أمّ تبكي إلّا أنّها « تموت ولا ترضع بثديها».

صحيح أنّ مدننا مفجوعة ولكنّ الصحيح أيضاً أنّها لم تُصبْ باليأس ولم تروّعها مهرجانات القتل والنطع والشيّ بل هي تتغرغر صباحَ مساءَ بما قاله غاندي:

«ليس ثمّة أمّةٌ استطاعت أن تنهض من غير أن تطهّرها نار العذاب . إنّ طريق الاستقلال يجب أن تغسله الدماء».

وتحفظ على ظهر قلبها ما قاله المتنبّي:

فما ينفعُ الأسْدَ الحياءُ من الطوى

ولا تُتّقى حتّى تكونَ ضواريا



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه