إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

طرابلس... وأمن الرغيف

الياس عشّي - البناء

نسخة للطباعة 2014-04-05

إقرأ ايضاً


رأى أحد الملوك الأقدمين في منامه ثلاثة فئران، أحدهما بدين، والثاني هزيل، والثالث أعمى، فاستدعى الملك عرّافة غجريّة بارعة لتفسّر له الحلم. وبعدما أمعنت العرّافة فكرها قالت للملك:

«الفأر السمين، هو رئيس وزرائك.

والفأر الهزيل، هو شعبك.

والفأر الأعمى، هو أنت يا مولاي!»

تُرى ألم يكن في طرابلس غجريّة واحدة تكشف المستور؟

فبين حلم الأمير هذا، وقول السيّد المسيح «كنت جائعاً فأطعمتموني»، وحديث نبويّ شريف «أعطِ العامل أجره قبل أن يجفّ عرقه»، وحكمة الإمام علي «والله لو كان الفقر رجلاً لقتلته»، ينتصب أمامك أمن الرغيف، وتتذكّر بأسىً قصة الملكة ماري أنطوانيت مع الشعب الفرنسي الجائع، وهي تنصحه، يوم لم يكن قادراً على شراء رغيف من الخبز، أن يأكل بسكوتاً ! فما كان من الفرنسيين، وقد أعلنوا ثورتهم، إلاّ أن يقودوا الملك والملكة معاً إلى المقصلة.

إنّ العودة إلى تاريخ الثورات، في الأزمنة والأمكنة كلّها، أمر ضروريّ كي نتعلّم أنّ الأمن الاجتماعي هو نقطة الدائرة للأمان السياسي والأخلاقي والعسكري. ولذلك، منذ أن بدأت حرب «البسوس» بين التبّانة وجبل محسن وأنا أصرخ في عدّة مقالات بأنّ ما يجمع بين هذين الجارين أقوى بكثير ممّا يفرّقهما:

إنّه أمن الرغيف.

وإنّه الإصرار على إقامة مشاريع تنمويّة تضع حدّاً لشراء الناس في الانتخابات حيناً، وللمعارك العبثيّة حيناً آخر، وبأثمان مهينة ومذلّة.

وإنّه الدعوة لإقامة بنىً تحتيّة تشعر الناس في المنطقتين بأنّهم ينتمون إلى القرن الحادي والعشرين. ومن يدخل إلى الزواريب يفهم تماماً أنّ الأسباب التي تدفع الناس إلى حمل السلاح قد تكون أسباباً موجبة. أنا لا أبرّر… أنا أحذّر.

وإنّه الدعوة لرصد موازنة توازي، على الأقلّ، الموازنات التي خصّصت وصرفت للقتل والتدمير، من مصادر متعدّدة، لترميم المدارس وبناء أخرى، وإقامة سلسلة من المدارس المهنية تساعد في امتصاص البطالة وتثقيف العامل.

الآن، بعد أسبوع من تطبيق الخطّة الأمنية في طرابلس، وكي لا نعود إلى ما يشبه «الفيلم الأميركيّ الطويل»، وكي لا نسمح بتسلّل الأفكار الدخيلة والمبتدعة والبعيدة عن شخصية طرابلس الروحيّة المتمثّلة بعلمائها القدامى والمحدثين، على المسؤولين المركزيين والمحلّيين أن يعجّلوا في ردم الهوّة المخيفة بين الأحياء، ومعالجة الأسباب التي أدّت إلى ما أدّت إليه، وإلاّ سيجدون طرابلس، مرّة أخرى، وراء المتاريس، فلا أمن سياسيّاً، ولا عسكريّاً، ولا أخلاقيّاً، قبل أمن الرغيف.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024