|
||||||||||||
|
||||||||||||
إتصل بنا | مختارات صحفية | تقارير | اعرف عدوك | ابحاث ودراسات اصدارات |
كتاب "التنصت على الهاتف في لبنان: أنطون سعادة والحزب السوري القومي الاجتماعي نموذجاً" | |||
| |||
صدر في بيروت أخيراً عن "دار كتب للنشر" كتاب "التنصت على الهاتف في لبنان: أنطون سعادة والحزب السوري القومي الاجتماعي نموذجاً (1947 ـ 1958)" من إعداد وتقديم أحمد أصفهاني. والكتاب سيكون حلقة من سلسلة تعتمد على سجلات التنصت على الهاتف التي نظمتها المديرية العامة للأمن العام اللبناني بين 1946 و1958، وتشكل جزءاً من أرشيف الأمير فريد شهاب المدير العام للأمن العام بين 1948 و1958. وسبق لأصفهاني والسيدة يمنى شهاب عسيلي (إبنة الأمير فريد) أن أصدرا الكتاب الموسوعي "في خدمة الوطن: مختارات من الوثائق الخاصة للأمير فريد شهاب". ثم أصدر أصفهاني منفرداً كتاب "أنطون سعادة والحزب السوري القومي الاجتماعي في أوراق الأمير فريد شهاب" (دار كتب، 2006)، إعتماداً على وثائق لم تشمل سجلات التنصت على الهاتف تجنباً للوقوع في أية مساءلة سياسية أو قانونية. وبعد سنوات على صدور الكتابين، تبين عدم وجود ما يمنع من الكشف عن تلك السجلات، فجاء هذا الكتاب الجديد والفريد من نوعه. التنصت على الهاتف في لبنان إن عمر التنصت على الهاتف هو من عمر استخدام الهاتف في أي مكان من العالم. ومن المؤكد أن سلطات الاحتلال الفرنسي في لبنان والشام استخدمت التنصت كجزء أساسي من المنظومة الأمنية التي أنشأتها بهدف إحكام سيطرتها على البلاد. فمنذ أعلان الجنرال غورو قيام دولة لبنان الكبير في أول أيلول سنة 1920، تتالت القرارات الفرنسية بإنشاء الإدارات الحكومية ومنها بالطبع دوائر البوليس البلدي والبوليس العدلي والأمن العام والاستخبارات وغيرها. وأنشأت سلطات الإنتداب سنة 1939 "طاولة استماع" لمراقبة البرقيات والرسائل والمكالمات الهاتفية. وغداة إعلان استقلال لبنان في 22 تشرين الثاني سنة 1943، أبقت الحكومة الجديدة عارف إبراهيم، التركي الأصل، مديراً لإدارة جمعت الشرطة والأمن العام في مصلحة دُعيت مصلحة الشرطة والأمن. لكن إبراهيم اكتشف أن الأمن العام الفرنسي عندما أخلى مكانه أخفى المحفوظات والتقارير الرسمية ذات الصلة بالدولة اللبنانية. فإذا بمصلحة الشرطة والأمن، ثم في ما بعد الأمن العام، مجردان من الأرشيف والوثائق التي عمل رجال الشرطة عليها حتى ذلك الوقت. لم يكن الأمير فريد شهاب مديراً للأمن العام عندما تم التجديد للرئيس بشارة الخوري في 27 أيار سنة 1948، فهو لم يتسلم منصبه إلا في مطلع شهر آب من تلك السنة. غير أن موقعه في دائرة التحري والشرطة أتاح له الاطلاع على الصراع السياسي الذي رافق التجديد، وأدى لاحقاً إلى "الثورة" التي أجبرت الخوري على الاستقالة في 18 أيلول سنة 1952، وأوصلت شمعون إلى سدة الرئاسة الأولى. كانت العلاقة بين شهاب والخوري عادية، خصوصاً بعد جريمة إعدام أنطون سعادة مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي وزعيمه. ولذلك أصدرت الحكومة اللبنانية سنة 1950 سلسلة مراسيم هدفها تقليص صلاحية المديرية العامة للأمن العام والحط من مكانة "المير". الفترة السياسية الذهبية في المديرية العامة للأمن العام جاءت مع تولي شمعون منصب الرئاسة بين 1952 و1958. ومن الواضح أن الأمير فريد أصبح جزءاً حيوياً من قناعات الرئيس الجديد وخياراته، فقد والاه في سياساته الداخلية والخارجية، ووقف بقوة إلى جانبه في مواجهة "ثورة 1958". لم تكن التقنيات المتوافرة لدى الأمن العام في فتراته المبكرة قادرة على مراقبة كل خطوط الهاتف في كل الأوقات، لذا كان من الطبيعي أن يتركز التنصت على شخصيات معينة في ظروف محددة. وغالباً ما كان ذلك يقوم على اعتبارات سياسية مرتبطة بالموقف الحكومي من القوى والأحزاب الفاعلة على الأرض. وبما أن الأمن العام بين 1952 و1958 كان طرفاً منحازاً لخيارات الرئيس شمعون، فسوف نلاحظ كيف أن التنصت استهدف شخصيات وأحزاباً معارضة بما يضمن للسلطات الحكومية معرفة خفايا ما يتم التخطيط له، وبالتالي وضع الخطط المضادة للمواجهة السياسية في المرحلة الأولى، ثم المواجهة الأمنية عندما اندلعت إضطرابات سنة 1958. سجلات التنصت أول وثيقة تنصت في أرشيف الأمير فريد تعود إلى 24 تموز سنة 1946، والأخيرة إلى 31 آب سنة 1958، وهو تاريخ التغيير الجذري الذي حصل في قيادة الأمن العام بعد وصول فؤاد شهاب إلى سدة الرئاسة. لكن توجد فراغات كبيرة بين هذين التاريخين، بحيث غابت سنوات كاملة تقريباً مثل 1951 و1952 و1953 و1954 و1957. لكن وثائق سنة 1955، وقد وصلت إلينا شبه كاملة، تقدم لنا ما يُظهر أن عملية التنصت باتت منظمة ولها طاقم موظفين متفرغ يتبع تعليمات عليا محددة، ويسجل كل شيء على إضبارات مخصصة لهذه الغاية. وكان المتعارف عليه أن السجلات المكتوبة بخط اليد ترفع إلى الأمير فريد (أو من ينوب عنه) الذي يراجعها ويضع مطالعته عليها (وفي بعض الأحيان يحذف منها مقاطع معينة) قبل أن يُعاد طبعها ورفعها إلى القيادات العليا التي يُعتقد بأنها تشمل رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء ووزارة الداخلية ووزارة الدفاع وبعض الجهات الأمنية الأخرى. الفترة الزمنية التي تغطيها وثائق هذا الكتاب شهدت أحداثاً عاصفة، لا نبالغ إذا قلنا إنها ما زالت تلقي بظلالها الكثيفة على المنطقة برمتها. قرار تقسيم فلسطين سنة 1947 أعقبه وقوع "الحرب الإسرائيلية ـ العربية" سنة 1948، ثم قيام دولة إسرائيل. وجاء أول انقلاب عسكري في العالم العربي على يد حسني الزعيم في الشام "رداً على نكبة فلسطين". وفي هذا السياق المضطرب نضع مؤامرة الحكومة اللبنانية على أنطون سعادة والحزب السوري القومي الاجتماعي، وإعلان الثورة القومية الاجتماعية الأولى على أثر حادثة الجميزة، وخيانة حسني الزعيم للحزب وتسليمه سعادة إلى السلطات اللبنانية، ثم إعدام سعادة بعد محاكمة صورية. وكما كان متوقعاً، انتفض الجيش الشامي على حسني الزعيم في انقلاب عسكري تلته انقلابات متلاحقة. ولا نستطيع فصل هذه الأحداث الإقليمية عن الصراع الدولي الحاد بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي، والذي تمظهر في منافسات الأطراف المحلية. فمن مشروع سوريا الكبرى الأردني ومشروع الهلال الخصيب العراقي إلى العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956 إلى بدء التقارب المصري ـ الشامي. وفي خضم التجاذبات، تقع عملية اغتيال العقيد عدنان المالكي في دمشق، فيُستهدف الحزب السوري القومي الاجتماعي قيادة وقواعد. وتتحول بيروت إلى مركز لنشاطات المعارضة الساعية إلى اسقاط نظام دمشق المدعوم من جمال عبد الناصر الذي وافق على إعلان الوحدة الاندماجية بين مصر والشام تحت اسم الجمهورية العربية المتحدة في أول شباط سنة 1958. وأثارت هذه الخطوة حراكاً إقليمياً مكثفاً شاركت فيه السعودية والعراق وتركيا وإيران. قد لا تكشف سجلات التنصت على الهاتف المنشورة في الكتاب الجديد عن أسرار خطيرة مغايرة لما بتنا نعرفه عن تلك المرحلة. ومع ذلك، فثمة تفاصيل دقيقة تضع النقاط على الحروف، وتقدم للباحثين والمؤرخين القطع المفقودة التي تمكنهم من الرؤية الواضحة للصورة المتكاملة لتلك الحقبة الحرجة من تاريخ المنطقة، وفي الوقت نفسه تعرّي قيادات سياسية اختبأت لسنوات وراء شعارات مضللة دفع الشعب (وما زال يدفع حتى اليوم) أثماناً باهظة لها!! |
|||
جميع الحقوق محفوظة © 2024 |