شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2014-07-09
 

المعادلة الخفية: باكستان ــ القاعدة، تركيا ــ داعش!!

أحمد أصفهاني

أثارت سيطرة "داعش" وتمددها الخاطف والسريع في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية بين العراق والشام تساؤلات حائرة في أوساط الغالبية العظمى من المهتمين بأوضاع المنطقة. كما أطلقت العنان لتحليلات وتفسيرات وتبريرات تجاوزت في بعض الأحيان حد المعقول، وكادت أن تدخل نطاق اللامعقول! ودارت في أذهان الناس تساؤلات قلقة: كيف؟ ولماذا؟ وماذا بعد؟ وما العمل؟

هذه المقالة لا تدعي الإجابة على أي من الأسئلة المطروحة، ولا تزعم أنها تمتلك اللمسة السحرية لبعث الطمأنينة في نفوس مُستفزة ومتوترة على امتداد الوطن. كل ما في الأمر أنها دعوة للتروي، وإمعان النظر في الصورة الإقليمية والدولية الأشمل، واسترجاع دروس التاريخ القريب حتى نتمكن من تلمس رأس الخيط، ومن ثم نبدأ في تفكيك العقد الغامضة واحدة بعد أخرى.

نضع أمامنا، أولاً، المسلمات الواقعية. لا تختلف "داعش" في شئ عن "القاعدة" لا في منطلقاتها الفكرية ولا في غاياتها النهائية ولا في ممارساتها الدموية. وهما تتمتعان ببيئة حاضنة (ولو جزئية) وبدعم خارجي منظم. إن "تباين" وجهات النظر بين التنظيمين الإرهابيين لا يعني التناقض في المنهج بل في التكتيكات المحلية في هذه المنطقة أو تلك.

ما كانت "القاعدة" لتقوى وتنتشر وتترسخ في ثمانينيات القرن الماضي لولا أنها حظيت بميزتين حيويتين: الأولى، قاعدة خلفية تشكل لها العمق الإستراتيجي الضامن هي باكستان. والثانية، دعم مالي وتسليحي وأمني واسع النطاق شاركت فيه الولايات المتحدة والدول الغربية ومعظم الدول الخليجية. صحيح أن مقاتلي "القاعدة" جاءوا من جنسيات مختلفة، لكن الساحة الباكستانية والدعم الغربي ــ الخليجي هما اللذان ساعداها في أن تتحول إلى قوة مؤثرة على المستوى الإقليمي.

ولا تختلف "داعش" كثيراً عن شقيقتها "القاعدة" في تحولها من تنظيم إرهابي على غرار عشرات التنظيمات المشابهة إلى "دولة إسلامية" مسيطرة على مناطق شاسعة بين العراق والشام. فقد سبق لتحالف "القاعدة" و"طالبان" أن أقام "دولة إسلامية" في أفغانستان، كانت أكثر تواضعاً عندما أعلنت نفسها "إمارة" وليس "خلافة"!!

الإنتقال من طور التنظيم إلى طور "الدولة" تطلب ثلاث مسائل مهمة: أولاً، بيئة محلية حاضنة تمثلت في بقايا النظام البعثي السابق وبعض العشائر الناقمة على الحكومة المركزية في بغداد لأسباب مذهبية أو سياسية. ثانياً، قاعدة خلفية في تركيا تشكل العمق الإستراتيجي الضامن. وثالثاً، دعم مالي وتسليحي وأمني تؤمنه قوى عالمية وإقليمية لغايات ومصالح حيوية في المنطقة.

إن سيطرة "داعش" السريعة والخاطفة على مناطق شمال العراق كانت، في قسم أساسي منها، أشبه ما تكون بعملية "إنقلاب عسكري" ساهمت فيها قوى متعددة محلية وخارجية. لكن قيام "الدولة الإسلامية" أمر مختلف تماماً، إذ أنها تحتاج إلى الميزتين اللتين أشرنا إليهما أعلاه، وهما: القاعدة الخلفية التي بات من حكم المؤكد أن تركيا ستتولاها. ثم الدعم المالي والتسليحي والأمني والإعلامي الذي يبدو أنه سيأتي من حلفاء "القاعدة" السابقين الذين عادوا مرة أخرى إلى الرهان على حصان تكفيري متطرف هو "داعش" في هذه المرحلة.

دعونا الآن نمسك رأس الخيط كي نبدأ بتفكيك العقد، واحدة بعد أخرى. "داعش" ليست ظاهرة جديدة إلا بالإسم. إنها و"الدولة الإسلامية" و"النصرة" و"جيش المجاهدين" وغيرها من التنظيمات المتطرفة تناسلت من رحم الإسلام السياسي التكفيري الذي تمظهر في ثمانينيات القرن الماضي بجماعات "المجاهدين" الذين وظفهم الغرب الأميركي والأوروبي في حربه مع الاتحاد السوفياتي إنطلاقاً من الأراضي الباكستانية. ولذلك كان لحكومة إسلام آباد الكلمة الفصل في حسم صراعات "المجاهدين" بعد الانتصار في أفغانستان، فأيدت حركة "طالبان" ودعمتها في إقامة "الإمارة الإسلامية" في كابول.

إذا وضعنا نصب أعيننا مسار أحداث تلك السنوات العاصفة في أفغانستان بعد رحيل القوات السوفياتية، لأدركنا على الفور التشابه المثير بين الدور التركي الراهن في العراق والشام والدور الباكستاني في أفغانستان. فكما شكلت باكستان القاعدة الخلفية لجماعات الإسلام السياسي التكفيرية، كانت تركيا ــ وما تزال ــ القاعدة الخلفية الحاضنة للجماعات المقاتلة ضد العراق والشام. وكما تحركت إسلام آباد بكل قواها للقضاء على صراعات "المجاهدين" من خلال إقامة "الإمارة"، كان على أنقره أن تعالج فشل الجماعات السورية المعارضة من خلال دعم قيام "الخلافة". إذ من المستحيل تصور نشوء مثل هذه الحالة الجديدة والخطيرة من دون وجود حدود مفتوحة تتيح لـ "داعش" وغيرها الحصول على العناصر البشرية والتمويل والتسليح والتدريب، وفي المقابل تهريب النفط العراقي والشامي وبيعه في السوق العالمية عبر "وسطاء رسميين"!!

وإذا واصلنا تتبع عِقد الخيط بهدوء، لوجدنا أن الدعم المالي والسياسي والأمني والإعلامي والإيديولوجي لـ "دولة الخلافة" يأتي من بعض الدول الخليجية على المستويين الحكومي والشعبي، تماماً على غرار ما حدث في الحالة الأفغانية. والشئ الوحيد الذي تغيّر، ربما، هو خلق عدو مذهبي يتمثل في إيران وحلفائها بعد أن كان عدواً إيديولوجياً في زمن الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والإشتراكي.

قلنا في بداية هذه المقالة إننا لا نملك أجوبة ناجزة عن كثير من الأسئلة المطروحة الآن. لكن سؤالاً مهماً يتطلب منا محاولة الرد: ما مصلحة تركيا في كل هذا السيناريو؟ مرة أخرى نعود إلى التاريخ القريب: إن ورثة العثمانيين، من مصطفى كمال أتاتورك إلى رجب طيب أردوغان، لم يتخلوا أبداً عن أطماعهم المعلنة في الموصل وحلب!!



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه