إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

حقوق الأمة بين الكتلة الوطنية والأجانب (3)

أنطون سعادة

نسخة للطباعة 1938-05-10

إقرأ ايضاً


حقوق الأمة بين الكتلة الوطنية والأجانب - 3

مناورات صبيانية

∗بين سنة 1930 وسنة 1931 جرت حوادث سياسية هامة في الشام، هي حوادث محاولة الوصول إلى اتفاق لتحويل الانتداب إلى معاهدة ودعوة أعضاء الدولة إلى انتخاب مجلس نيابي يمثل إرادتهم وتأليف حكومة تتولى القيام بالمفاوضات في هذا الصدد.

في ذلك الوقت وضعت أمام "الكتلة الوطنية" قضية امتحان لفهمها الأسس الحقوقية والقومية ولمقدرتها السياسية. فكثرت اجتماعات الكتلويين وكثر صدور البلاغات المصطنعة عن "المناقشات الخطيرة" التي دارت في هذه الاجتماعات وكثر ما نشرته الصحف عن "القرارات" التي اتخذتها الكتلة الوطنية وتضخم في نظر الرأي العام هذان التعبيران: "السياسة السلبية والسياسة الإيجابية" فكان القارئ يظن أن "القرارات" هي قرارات هيئة منظمة لها سلطة في التشريع والتنفيذ. وكان هذا الستار من الدعاوة البراقة يلقي على "الكتلة الوطنية" وشاحاً من الخطورة.

وشتان ما بين هذه المظاهر الجوفاء والحقيقة الهزيلة السقيمة "فمناقشات" الكتلويين لم تكن شيئاً يصح تمييزه عن الأحاديث العادية في أي مقهى من مقاهي المدينة أو في أي منزل من منازل العائلات. وكانت الاجتماعات تنفضّ بعد أن يقول أحدهم قولاً وجيهاً أو يبدي ثورة عاطفية تهز الحاضرين وتدفعهم في حركة اعتباطية لا دراسة فيها ولا تخطيط. وبديهي أن التكلم على التخطيط في فئة كالكتلة وعمل كأعمال الكتلة هو شيء كالتكلم عن الفلسفة والفلك والاقتصاديات بين قبائل زمبازن ومكلاكا ونيام- نيام.

ولم يكن الأمر يطول على "المقررات الخطيرة" التي كان يتخذها الكتلويون حتى نرى التصريحات الغريبة، المتناقضة أحياناً، المليئة بالكلمات الفضفاضة الجوفاء، كتصريحات بعض الكتلويين القائلة: "لا دخول في الانتخابات إلا بعد الوقوف على أسس المعاهدة"!

لو فتشت أيها القارئ العزيز، جميع التواريخ السياسية في العالم وبحثت فيها عن جميع التصريحات السياسية، الصبيانية منها وغير الصبيانية، لما وجدت جهلاً للحقوق القومية والتمثيل الشعب يضارع جهل أصحاب هذه التصريحات الصبيانية.

في مثل التصريح المشار إليه آنفاً الكتلويين يعترفون علناً وصراحة أن الكلمة الفصل في شؤون الأمة السورية عائدة إلى الأجانب وإن الانتخابات النيابية ليست سوى تشبيه وهمي يقصد منه غش الشعب والتمويه عليه بأنه ينتخب نواباً سيكون لهم كلمة فاصلة في تقرير موقفها وإن شأنهم في القضية ليس سوى شأن المساوم المساهم في أمر ليس له فيه شراكة أصلية.

تكفي هذه الصورة وحدها لإظهار الفهم التام الناقص الذي يقف عنده الكتلويون في قضية الأمة وحقوقها وللبهارة السياسية البهلوانية التي يتحلون بها.

هكذا قرروا السياسة السلبية التي سقط فيها ضحايا عديدون في حمص وغيرها، هكذا قرروا "السياسة السلبية" التي سقط ضحاياها في دمشق.

بمثل هذه "القرارات" العائلية الاجتماعية أعلنوا إضراب دمشق الأخير وبمثل هذه "القرارات" السخيفة عينها دعوا الشعب إلى العدول عن الإضراب بعد نزول الخسائر الفادحة به وسقوط عدد من القتلى لم يكن هنالك مبرر لسقوطهم لو كان مضطلعاً بالأمور غير هؤلاء الكتلويون الحسني العبادة! ولولا قرارات لجان الطلبة التي جمع الكلمة عليها خطباء من الحزب السوري القومي لذهبت الدماء الزكية هدراً.

لم تكن "السياسة السلبية" لرجال الكتلة تنظيماً قوياً لمقاومة الاستعباد واستنزاف الأمة بل حركات هوجاء، اعتباطية يدفع الشعب إليها جماعة لا فرق بين عقليتهم وعقلية الغوغاء، إلا بشيء واحد وهو أن عقلية الغوغاء عقلية اندفاع عملي وعقلية زعماء الغوغاء عقلية كلام اعتباطي.

ثم لما جاءت "السياسة الإيجابية" ماذا رأينا؟

إنّا شاهدنا ونشاهد "السياسة الإيجابية" الكتلوية سياسة تسليم على طول الخط وسياسة تساهل في حقوق الأمة في وطنها فذهب لواء الاسكندرون حالما قبل المجلس الشامي نص المعاهدة، بينما السياسيون الكتلويون حائرون يبحثون عن مخرج كلامي يتمكنون به من إلقاء ستار على غباوتهم السياسية الفاضحة.

وقد وجدوا المخرج الكلامي في تقليل أهمية لواء الاسكندرون حتى لا يشعر الشعب بالخسارة العظيمة التي لحقته وبالأخطار العظيمة التي تهدد من هذه الناحية التي هي مفتاح البلاد السورية كلها.

وبينما الأتراك يعملون على التهام هذا اللواء السوري الغني الحصين يرسل الكتلويون معتمديهم للاتفاق مع الأتراك على كيفية قبول الأمر الواقع وإنشاء علاقات ودية على أساسه!

هكذا السلب وهكذا الإيجاب لهؤلاء السياسيين الذين لم يعرف العالم صبياناً في السياسة أشقى منهم وأتعس!

النهضة، بيروت العدد 153 4/5/138 – والعدد 158 1، 10/5/



 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024