شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2014-11-08
 

في شهر التأسيس... عودة إلى الماضي الجميل 2

الياس عشّي - البناء

قرأت :

«يحكى أنّه كان يوجد ملك أعرجُ، ويرى بعين واحدة. وفي أحد الأيام دعا هـذا الملك فنّانين ليرسموا له صورة شخصيّة، بشرط أن لا تظهر عيوبه في هـذه الصورة! رفض كلّ الفنّانين رسم هـذه الصورة، إذ كيف سيرسمون الملك بعينين وهو لا يملك سوى عين واحدة؟ وكيف يصوّرونه بقدمين سليمتين وهو أعرج؟

ولكن وسط هذا الرفض الجماعي، قبل أحد الفنانين رسم الصورة وبالفعل رسم صورة جميلة وفي غاية الروعة.

كيف؟

تصوّرَ الملكَ واقفاً وممسكاً ببندقية صيد موجّهة إلى هدف ما، مغمضاً إحدى عينيه، وحانياً قدمه العرجاء.

وهكذا رسم صورة الملك بلا عيوب وغاية في البساطة».

بغضّ النظر عن مصدر هـذه الحادثة، وعن أهميتها على الصعيد الفردي، فإنّ خطرها قد يصبح كارثيّاً إذا كان الهدف الرئيس منها هو أن نتجاوز العيوب والأخطاء في مؤسّسة ما، أو في متّحد ما، أو في مجتمع بكامله، وأن نكون شهود زور حتّى ونحن نبتلع تاريخ أمتنا المكتوب بحبر الآخرين، أو ونحن نراقب البؤس والجهل والخيانة وقد صارت علامة فارقة في المجتمع الذي ننتمي إليه، ونعيش به.

وفي ذكرى تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي نعود إلى سعاده الذي رفض أن يكون رسّاماً مخادعاً، فكان سؤاله الأوّل:

«ما الذي جلب هذا الويل إلى أمتي؟»

وكان سؤاله الثاني:

«من نحن؟»

وكان في استطاعة سعاده أن يختبئ وراء الأجوبة التي اكتشفها، وأن يرسم لوحة لأمّته لا عورة فيها ولا عيب، فيعيش بسلام مثلما عاش الكثير من الفلاسفة والمفكرين والمصلحين الاجتماعيين.

سعاده مع سقراط وابن المقفّع والحلّاج ولائحة لا تنتهي من شهداء المعرفة، رسموا خريطة طريق للإجابات الصحيحة، لكنها خريطة مليئة بالألغام، ولم يكن في استطاعة أحد تجاوزها بسلام. فسعاده، منذ اللحظة الأولى لتأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي أحسّ بضرورة أن يرسم اللوحة كما هي، فلجأ إلى سرّية العمل.

وتمضي سنوات ثلاث إلى أن يُكتشفَ أمر الحزب، ورغم السجن والغربة القسرية والمطاردات والإغراءات لم تهن عزيمة سعاده، ولم تتوقف الاحتفالات بذكرى التأسيس مرّة واحدة، ولم يتوقف سعاده عن الكلام لينقل إلى العالم الصورة الحقيقية لأمته بعدما ظنّ الكثيرون أنها ماتت، «فالحقيقة مهما كانت مرّة أحسن وسيلة لسدّ العطش إلى المعرفة» كما يقول أحدهم.

اليوم، نحن السوريين القوميين الاجتماعيين، مطالبون بالعودة إلى الماضي الجميل، إلى المكاشفة بين قوميّ وآخر لهما ذكرى تأسيس واحدة. كفانا مؤتمرات تعقد هنا أو هناك. كفانا اجتماعات في الفنادق المتعدّدة النجوم. لنفتح باب الحوار، ولنرسم الصورة كما هي، وبكلّ تفاصيلها، وجروحها كلّها فالرسّام البارع لا يخفي العيوب، شأنه شأن كلّ فنان يؤمن بضرورة الالتزام، وأنّ الفنّ ليس لأجل الفنّ، بل لأجل أن يخدم قضية الإنسان، وهذا ما نادى به سعاده في حديثه عن الصراع الفكري في الأدب السوري.


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه