شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2015-05-10 |
" أمثولة " تأسيس الحزب القومي : انبعـاث أمّـة من " قبر التاريخ " |
حلقة أولى : -1- مقدمة. -2- بدايات العمل الوطني. -3- بناء الذات. -4- الدوافع لتأسيس أحزاب في المهجر وانتسابه للحركة الماسونية. -5- سرية الأحزاب. -6- الاطلاع على دساتير وأنظمة الحكومات في الدول الكبرى. -7- انتقاء الأعضاء الاُوَل. -1- مقدمة : " كنت حدثاً عندما نشبت الحرب الكبرى سنة 1914، ولكني كنت قد بدأت أشعر وأدرك. وكان أول ما تبادر إلى ذهني، وقد شاهدت ما شاهدت وشعرت بما شعرت وذقت ما ذقت مما مُنِيَ به شعبي، هذا السؤال: ما الذي جلب على شعبي هذا الويل؟" هذا الكلام "إنشاء قومي" لحدثٍ تألم من واقع شعبه. رافقه هذا الألم منذ سفره إلى المهجر عام 1920" وقد بُعثت الأحقاد المذهبية من مراقِدها" ولم تكن – كما يقول – الحال في المهجر أحسن إلاّ قليلاً". الكلام الأخير، كان فاتحة رسالة الزعيم إلى محاميه حميد فرنجية في 10 ديسمبر 1935 بعد انكشاف أمر الحزب السوري القومي، الذي أسّسه بعده تيقنه من فساد طبقة السياسيين في بلادنا، وعدم لفت النظر إلى الخطة اليهودية واستهدافاتها في سورية. غادر الفتى أنطون سعاده ابن السادسة عشرة الوطن محتضناً أخوته العام 1920. وكان قد شاهد ما شاهد وشعر وأدرك أي مصابٍ أليم ألمَّ ببلاده بموجب اتفاقية سايكس – بيكو السيئة الذكر وسائر الاتفاقيات التي ارتكزت عليها لاحقاً... هناك في المغترب البرازيلي العام 1921، لاحظ سعاده جملة ملاحظات هامة، منها تجمع حفنة من اليهود ذات يوم، مطالبين بالعودة إلى "أرض الميعاد"، في حين أن المغتربين السوريين لم يرف لهم جفن؟ لهذا الأمر الخطير! أثار هذا المشهد اشمئزازه، لأن هؤلاء المغتربين – وكان عددهم كبيراً – لم يدركوا خطر هذه الحركة على كيان وطنهم. فدعا في مقالته "الصهيونية وامتدادها" (المجلة 1/2/1925) إلى وضع "خطة نظامية أخرى معاكسة" للخطة النظامية الدقيقة للحركة الصهيونية. ويتابع قائلاً: "حتى الآن لم تقم حركة سورية منظمة تنظر في شؤون سورية الوطنية ومصير الأمة السورية... فنحن أمام الطامعين والمعتدين في موقف تترتب عليها إحدى نتيجتين أساسيتين هما الحياة والموت، وأية نتيجة حصلت كنا نحن المسؤولين عن تبعتها". ويتابع أنه "رغماً من الاحتلالين الفرنسي – الإنكليزي ووجوب اتحادنا على التخلص من قيودهما، لم يبلغ آذاننا خبر قيام حركة اتحادية كبرى تقوم بالدفاع عن حقوقنا في وطننا الذي يُلقي عليه الغرباء قرعة بينهم". ويشدد على مسؤولية كل سوري وضرورة عمله "لإنقاذ الوطن من الذل والعبودية" طالباً منه "الانخراط في الأحزاب والجمعيات الوطنية". في الحقيقة، إن اجتماع اليهود لم يكن دافعه لهذا القول، فهو قد سبق وقال في مقالته "السوريون والاستقلال" (الجريدة 1/10/1924) وكان عمره آنذاك 17 عاماً: " فللصهيونيين جمعيات وفروع في جميع أقطار المسكونة تعمل يداً واحدة لغاية واحدة وهي الاستيلاء على فلسطين وطرد سكانها السوريين منها...". وفي مقالة سابقة "آمال الوطن" (الجريدة 4/6/1921) يُجري قلمه في " حالة الخمول المستولية على الشعب..." مما يحول دون نشوء "نهضة حقيقية ". -2 -بدايات العمل الوطني : في الحقيقة لقد طرح سعاده على نفسه منذ نشأته وهو يافع أسئلة قومية كبرى. وقد أجاب عليها بعمل عزَّ مثيله بالنسبة لواقع بلادنا – بالأمس واليوم – وتاريخه خير شاهد! لكن تسارع أعمال الحركة الصهيونية في العالم، وخطتها المنظمة أدى بسعاده للإسراع هو الآخر بالاستفادة من الوقت لإنجاز عظيم يفوق الحركة الصهيونية تنظيماً وعملاً. كان هدفه الأسمى نهضة بلاده التي من ضمن أعمالها مواجهة الحركة السرطانية الخبيثة ومنعها من تحقيق أهدافها. لذلك، نراه يتنكب بجدارة مهمة إنشائية عزَّ نظيرها في سورية. وهو لهذه الناحية يواكب أعمال كبار السوريين في التاريخ: من مفكرين ومجاهدين ومناضلين وأبطال، الذين استغرق ملياً في أعمالهم عبر مطالعاته لمجلدات المؤرخين والجغرافيين والعلماء والأدباء العالميين، كذلك طالع دساتير كل الدول الحديثة. فكان يبني نفسه ويؤهلها للقيام بالأعمال الكبرى. أثر والده: ما من شك في أن لوالده فضلاً كبيراً عليه في هذا المجال، فقد أنار له طريق المعرفة وفتح أمامه مجال التواصل مع المفكرين والمجاهدين. وفي مجلة والده كتب أولى مقالاته في الوطنية والسياسات الدولية. فهو استفاد من المحيط الثقافي والسياسي الجديد الذي كان يقوم به والده، لاسيما لجهة تأسيسه الحزب السوري الوطني، وإقامته مؤتمرات سورية عدَّة في المهاجر لتوحيد القوى، ومطالبة الاحتلالين الفرنسي والإنكليزي باحترام إرادة الشعب السوري وحقه بالحرية والاستقلال اللذين وعداه بهما وأخلفا الوعد معه. كان لوالده إذن شأن كبير على مجرى حياته السياسية. غير أنه تفرَّد عنه بأمور عديدة، أهمها التحديد العلمي للأمة ووضعه العقيدة القومية الاجتماعية، وصياغته أول دستور لسورية يعبِّر عن شخصيتها القومية الحقوقية. اليقظة القومية تنكب سعاده منذ يقظته الفكرية مسؤولية حماية حقوق بلاده، فعمل دون كلل أو ملل ولم يأبه للصعوبات التي صادفته، فقد تخطاها ببناء ذاته من كل النواحي لاسيما العلمية والثقافية و... فكان قدوةً في كل أمر. وضع نُصب عينيه عمله الإنشائي العظيم ببناء حزب جديد لبنةً لبنة. قساوة المواجهات والتحديات لم تثنه عن عزيمته واستمراره بخطى واثقة وراسخة في مهمة تغيير مجرى التاريخ وبعث أمته من " قبر التاريخ "... لذلك كان لا بد له من وضع أسس تقدم ورقي حياة الإنسان الجديد. لقد تيقن سعاده أولاً في المغترب ضرورة تأسيس عمل مركزي للأمة في كيان وطنه السوري. وهو بعد عودته إلى الوطن عام 1930 وتجواله في أنحائه لمدة سنتين تيقن من عدم وجود مؤسسات اجتماعية وسياسية وثقافية تسهِّل وتُسهم في عملية النهوض. لقد واجهته صعوبات شتى، منها ما واجهه المعلم بطرس البستاني الذي قام بعد فتنة 1860 في جبل لبنان بتأسيس المدرسة الوطنية (1864) وقال – حينذاك – على شكلها يجب بناء الوطن. ولم تثمر مساعي البستاني الوطنية. كما لم تثمر مساعي رجالات الثقافة الإصلاحية الآخرين قبيل انبثاق فجر النهضة القومية الاجتماعية. كان سعاده قد حاول في المغترب محاولات عديدة لجمع المهاجرين السوريين في عمل وطني. لذلك تواصل هناك مع أبناء الجالية السورية معتبراً "أن محاربة الحركة الصهيونية لا يجب أن تقتصر على فلسطين التي هي جزء من سورية، بل يجب أن تتناول سورية كلها التي يجب أن لا يحول تضامنها الفعلي لحفظ كيانها ونيل استقلالها التام التقسيم السياسي الذي وضعه سياسيو أوروبة وفقاً لأغراض ومقاصد...". (سورية اتجاه بلفور – المجلة 1/5/1925) حب الوطن ليعود ويعلن بعد تأسيسه الحزب السوري القومي في محاضرته في الحفلة الافتتاحية للنادي الفلسطيني في بيروت أوائل عام 1933: "... إنه يمكننا في خلال خمس سنين إيقاف القضية الصهيونية عند حد تأخذ بعدها في التراجع عنه، وفي مدة عشر سنوات يمكننا إيقاف تقدم غيرنا على حسابنا وحساب وطننا عند حد لا يتعدونه يمتد على طول خط حدودنا القومية". مما يؤكد على أن النهضة التي أنشأها تتخطى أن تكون مجرد خطة معاكسة للخطة اليهودية، فغايته بعث أمة من الموت، وبالتالي وضع خطة لإعادة دورها الريادي في العالم. وهذا ما يؤكده في مقالته: رسالة البابا الأخيرة (4/9/1944) في الزوبعة: إن الحركة السورية القومية الاجتماعية هي لجميع السوريين، ونظامها أفضل من كل ما تمكن اليهود، حتى الآن، من إنشائه". وهو يعلن بوضوح في حديثه لجريدة "الأيام" (دمشق 20/5/1936): "... أما نوع المشاكل فليس من الصعب معالجته في نهضة حيَّة كالنهضة التي نقوم بها، لأن في الأمة السورية مكامن خفية لقوات عظيمة جداً، هي الآن تخرج من مكامنها على طرق وأساليب تكفل لها تحقيق فاعليتها القوية. إن المشاكل السورية... قد أصبح حلَّها بواسطة النهضة السورية التي يقوم بها الحزب السوري القومي، مسألة وقت فقط". ونراه يعود للحديث عن "أهم المشاكل الخطرة الجديدة" التي ستواجهها الأمة السورية بعد الحرب العالمية الثانية، وهي المشكلة اليهودية، ويرى أن "الخطر اليهودي يستفحل" بعد الحرب العالمية الثانية وأنه لا إنقاذ لبلادنا إلاّ بنهضتها القومية. ويؤكد في مقالته "حالتنا الداخلية تجاه بعض قضايانا الخارجية" (12/8/1944) على قدرتنا على مواجهة الخطة اليهودية و"أنه لا يزال في إمكاننا أن نُعدِّل مجرى الأمور لمصلحة أمتنا وحياتها ومستقبلها، والخطة لذلك مرسومة، ولكن ينقصنا شيء جوهري هو: أن نلبي الواجب دائماً ونخضع للنظام دائماً، هو أن نسحق محبة ذواتنا ونُحّيي محبة جنسنا ووطننا". -3- بناء الذات : في سياق تكوين ذاته علمياً وثقافياً اطلع سعاده في المغترب على شتى الآثار العلمية والفنية، فارتاد لهذا السبيل المكتبات العامة والخاصة، وأجرى عدة لقاءات مع أدباء وشعراء وكُتَّاب وبحاثة. كان يقضي الليل والنهار بين الكتب. وقد زار ذات مرة أحد الأشخاص واستغرق في قراءة كتاب دون الانتباه للفترة الطويلة التي أمضاها، فنبهه إلى ذلك صاحب البيت. كتب في مجلة والده أولاً، ثم تسلم تحريرها. وكانت أُولى كتاباته عن الدول الكبرى وحروبها، تعبيراً عن شديد اهتمامه بدرس النزاعات الدولية التي تحتدم بسبب الأطماع في موارد الأمم، ومنها أمتنا. ونلمح في كتاباته الغزيرة في بداية حياته الصحافية خلال عشرينيات القرن الماضي، إلمامه بأوضاع الدول الصناعية وإمكاناتها الاقتصادية والسياسية، إضافة إلى دراسة الأوضاع الاجتماعية – السياسية لبعض الدول: بولونية، يوغوسلافية، رومانية وألمانيا وتوزع الجماعات الأثنية للأخيرة. وكذلك مطالعته كتب الفلاسفة وعلماء الاجتماع في أوروبة والعالم (كتابه نشوء الأمم: دليل على ذلك، لاسيما موضوع الأمة) وموافقته بعض الآراء ونقده لبعضها الآخر في أبحاثه كما في مقالاته الصحافية. كانت دراسته لظاهرة قيام "الحركة الصهيونية" الملمح الأساس في متابعته الدقيقة لنشوئها وأسباب انتصاراتها السريعة في المهاجر العالمية. وفي هذا المجال، أسف شديد الأسف لامتداد هذه الحركة في ظل عدم قيام حركة سورية مواجهة منظمة مضادة (مقالته العام 1925). وعدم وجود سوري واحد يُقدم على قتل بلفور عام 1917 بعد وعده المشؤوم لتغيير مسار القضية السورية. لذلك، اندفع في كتاباته لشرح المسألة السورية، واهتم بتأسيس أحزاب في المغترب، إضافة إلى انخراطه في الماسونية لإنقاذ بلاده من الأفخاخ المنصوبة لها. كما لم يقع في المغترب على رجال سوريين يهتمون بإنقاذ الوطن، وكذا الأمر لدى عودته إليه العام 1930، حيث وجد أكثر الساسة يشتغلون لمصالحهم الفئوية تحت إشراف الأجنبي، كانوا يشتغلون بالسياسة لأجل السياسة لا السياسة لأجل المجتمع السوري ومصالحه الحيوية. باكراً انخرط سعاده في العمل السياسي، متأثراً بالأجواء الوطنية لوالده الذي كان يحيل إليه رسائل بعض المجاهدين الوطنيين في المغترب، ومثالنا على ذلك رسالته إلى سليمان يوسف عزام (6/1/1927). هذا إضافة إلى ما كان يختزنه سعاده في عقله النيّر وقلبه النابض بحياة سورية وعزتها. -4- الدوافع لتأسيس أحزاب في المهجر وانتسابه للحركة الماسونية : باكورة عمله الحزبي في المغترب، كانت بداية العام 1925، في "جمعية الشبيبة الفدائية السورية". حيث أقدم على اختيار ستة أشخاص. وتولاهم بالإرشاد والتوجيه والبناء النفسي الراسخ بصبر ومثابرة، فكان يلتقي بهم فرداً فرداً إلى أن أيقن من ثقته بهم، ثم جمعهم في لقاء خاص وأخبرهم عن عزمه على تأسيس جمعية سرية وطنية فدائية (البداية كانت تنظيماً عسكرياً). وعهد إلى كل منهم بمهمة تهيئة خمسة أعضاء، بهدف بناء "حركة سورية منظمة تنظر في شؤون سورية الوطنية..". (مقالته في مجلة المجلة – شباط 1925 – الصهيونية وامتدادها) على أن يتصف الشخص بالحس الوطني والسلوك الراقي، ولا يتجاوز سن الثلاثين، لأن الأعمال الكبرى لا يقوم بها سوى الشباب المتألق بوجدانه الوطني. في الموعد المحدد كان الحضور 27 شخصاً، وبعد حوار رصين وهادف طلبوا منه وضع المبادئ والنظام، وأعلن سعاده في هذا الاجتماع وضع حجر الأساس لإنشاء جمعية سرية. بعد فترة، طالب الأعضاء المنضوون في الجمعية، الإعلان عنها بسبب حب الظهور الذي برز لدى بعضهم. فانسحب منها سعاده، كما انسحب عدد من الأعضاء، ليعود لاحقاً إلى رئاسة "حزب الرابطة الوطنية السورية" العام 1926، التي سرعان ما عاد وانسحب منها للأسباب نفسها الآنفة الذكر في الجمعية السابقة. بعدها، عاد سعاده للاتصال بالأعضاء الستة الأوائل وتابع معهم العمل السياسي. فأسس "حزب الأحرار السوريين". ووضع له المبادئ والنظام أيضاً. وقام هذا الحزب بعمل جليل خلال اندلاع الحرب السورية الكبرى (1925). وتكشف وثيقة سرية خطها سفير فرنسة في البرازيل إلى وزير خارجيته أنه تلقى رسالة تحمل تواقيع مئات عدة من السوريين (برقية احتجاج) كما تلقى بعض العاملين في السفارة تهديداً بالقتل. قام سعاده عام 1927 بتنظيف الحزب من أصحاب الأنانيات الفاسدين ومن المخربين المفسدين، تركيزاً منه على البناء الحزبي السليم للقيام بعمل كبير. وفي العام 1928، طلب سعاده تجميد العمل في المهجر لحين إنشاء حزب في الوطن بعد اختباراته المُحبطة للآمال. انتسابه وخروجه من الماسونية وخلال فترة عمله الحزبي في أحزاب المهجر، انتسب إلى محفل ماسوني عندما بلغ عمره 21 عاماً (آذار 1925) وهي السن المطلوبة لدخول الحركة الماسونية التي تنص مبادئها على حرية الشعوب ومكافحة الظلم والطغيان... آملاً توحيد المحافل السورية في العالم لإنشاء قوة كبيرة من أجل الدفاع عن وطنه. أدى سعاده القسم في "محفل نجمة سورية". وسرعان ما بلغ مسؤوليات عالية فيه نظراً لتفوقه، فانتخب سكرتيراً في هيئة الإدارة الجديدة. مما أكسبه خبرة جديدة في شبابه. ثم سعى ووالده لعقد مؤتمر للماسون في البرازيل (أيار 1926) وقد قوبل هذا المسعى من قبل الأعضاء برفض التدخل في الشؤون السياسية التي كانت موضوع نشاط سعاده. ولما رفضت الحركة الماسونية التدخل في الشأن السياسي لخدمة الهدف الوطني، عزف عن الارتباط بهذه الحركة فانسحب منها في 24 أيار 1926 (وكان والده قد سبقه إلى الانسحاب في 10 أيار 1926) وهذا ما يؤكده في رسالة الاستقالة بقوله: "إن الاشتغال في القضية الوطنية هو ما عجَّل في انضمامي إلى الماسونية". لذلك، يطلب سعاده – بعد تأسيسه الحزب السوري القومي الاجتماعي – من الأعضاء عدم الدخول في هذه الحركة لأنها تتناقض مع غاية الحزب. ولأنها حركة تعمل للتزاحم على المال والجاه ولا همَّ وطنياً لديها. إضافة إلى أهدافها المستترة والغامضة. (من بلاغ الزعيم بشأن الحركة الماسونية 10 أيار 1949) بعد كل هذه التجارب، قرر سعاده، أن البناء الحزبي الأساسي يجب أن يكون على أرض الوطن، وأن السوريين في المغترب عنصر مساعد، فعزم على العودة، وباشر في أيار 1930 في داع رفقائه في المغترب بعد تجاربه الحزبية الثلاث السابقة والحركة الماسونية التي تلتها. -5- سرية الأحزاب : ما الدواعي والأسباب التي حدت بسعاده لتأسيس أحزاب سرية؟ في الحقيقة، إن الأحداث في طفولته وشبابه بقيت محفورة في ذهنه: وضع البلاد المزري على كل الصعد، وحب الظهور لدى الخاصة من الناس، والمفاسد الاجتماعية والسياسية لدى العامة، والإقطاع الزراعي والديني، وكل أنواع الفساد المستشري في النفوس، والغياب التام للمؤسسات الراعية لأحوال المجتمع، والتخلف الاقتصادي والنفسي والتربوي، وآثار الانقسامات الاجتماعية التي افتعلتها السياسة العثمانية، فالأوروبية لا سيما تحت غطاء الإرساليات و... وبالنظر لإيمانه أن النبتة الصالحة بحاجة أول الأمر لعناية واهتمام لتمد جذورها في الأرض ويشتد عودها فتصلب وتقوى... ومن ثم تزهر ويفوح عطرها، أو تعطي أثماراً ناضجة تؤمّن الخير والكفاف للناس. هذه الأمور مجتمعة، حدت بسعاده في البداية، منذ يقظته على الشأن السياسي في بلاده، في ظل أوضاعها وظروفها المؤلمة، أن يتجه لإنشاء حزب سري بانتظار اكتمال عناصر القوة فيه، ليعود ويبرز بشكل قادر على إجراء التغيير في أوضاع مجتمعه، الذي تفتك فيه الآفات الاجتماعية والسياسية. كان سعاده قد شاهد وقرأ ودرس أنواع الحركات الناشئة في مختلف أرجاء المعمورة، إضافة إلى متابعاته لأنشطة الحركة الصهيونية وأعمالها في بعض الدول العالمية المؤثرة في السياسات الدولية، واستهدافاتها التي تعمل لها جهاراً وسراً. كذلك الحركة الماسونية التي سبق أن انتسب إليها بعدما كان قد اطلع على أعمالها ومساعيها وأهدافها المستترة... كل ذلك أكسب سعاده معرفة وخبرة في عملية التأسيس لحركة ثورية تغييرية في وطنه السوري. لذلك، أصرَّ منذ مباشرته أول أعماله الحزبية، على السرية التامة للأعمال، ليكتمل النمو ويشتد العضد وتقوى بعدد المؤمنين بأهدافها، لأن المهمة صعبة ومعقدة، ولا يقدر على حملها إلاّ أصحاب العزم والبأس، والصبر على المكاره. جمعية سريّة فهو يكتب في مقالته "سورية تجاه بلفور" (1/5/1925) بعد تناوله الحركة الصهيونية وضرورة عدم اقتصار محاربتها على أهل فلسطين: "إننا قبل كل شيء من الذين يعتقدون بتأثير الجمعيات السياسية السرية. فلما جمعتنا الظروف ببعض الأصدقاء، لم نتمالك من إبداء رأينا بترجيح القيام بحركة فعلية لا تكون أقل من ثورة تديرها جمعية أو جمعيات تعمل في الخفاء لإنقاذ الوطن من الطامعين فيه المعتدين على حقوقه الاجتماعية والطبيعية". لذلك كانت الأحزاب التي أنشأها في المغترب البرازيلي سرية، كما انتسب للحركة الماسونية السرية أيضاً. واستمر إيمانه بفائدة العمل السري بعد عودته إلى الوطن وتأسيسه الحزب السوري القومي. وهذا ما يوضحه في رسالته إلى محاميه حميد فرنجية (عام 1935) بقوله: "... وجدت أن لا بد لي من إيجاد وسائل تؤمِّن حماية النهضة القومية الاجتماعية الجديدة في سيرها. من هنا نشأت فيَّ فكرة إنشاء حزب سري... واتخذت الصفة السرية للحزب صيانة له من هجمات الفئات التي تخشى نشوءه ونموه ومن السلطات التي قد لا ترغب في وجوده...". حركة الشعب وفي شرحه لمضمون هذه الرسالة في محاضرته في الندوة الثقافية في 25/1/1948، يذكر سعاده أن الأمة في ذلك الحين كانت واقفة بين الموت والحياة وأن مصيرها متعلق بالخطة التي نرسمها والخطة هي القيام بنهضة عزّ نظيرها في الشرق الأدنى. فكان التأسيس للحزب السري أولاً، ومن ثم الإعلان عنه بعدما يتكون جسماً قوياً. وهذا ما يعلنه على الملأ في المحكمة الفرنسية في 23/1/1936 بعد انكشاف أمر الحزب "ومع إني أسست الحزب سراً، واتخذت جميع التدابير والاحتياطات لإبقائه سرياً ما أمكن، فصفته السرية كانت مؤقتة كما تنص على ذلك إحدى مواد دستوره... إن الصفة السرية للحزب هي وقتية فقط، إلى أن يقصد الحزب أن يعلن نفسه في الوقت المناسب لأن غايته الأولية هي أن يكون حركة الشعب السوري العامة". وهنا بالإمكان طرح السؤال التالي: هل كان سعاده ينوي الاستمرار بالعملية السرية، أم أن الانتداب هو الذي سرَّع وكشف سر الحزب؟ أم أنه كان لدى سعاده النية للكشف عن الحزب بعد خطابه المنهاجي (1935) بعدما وجد أن الحزب قد أضحى قوة لا يستهان بها وأن عملية التأسيس قد اكتملت؟ هذا ما يوضحه سعاده في المحكمة بقوله من "أن تأسيس الحزب السوري القومي قد تمَّ في ظروف خاصة أوجبت الأسلوب والصيغة اللذين اتصف بهما، والحالة التي أوجبت نشوء الحزب على هذه الكيفية هي ظروف البلاد الحالية (الانتداب) التي تضع مانعاً غير حقوقي يحول دون ممارسة أبناء البلاد حقوقهم السياسية..." ويختم مرافعته بالقول: "ولم يكن القصد أن يكون حزباً سرياً مطلقاً. فهو ليس جمعية إرهابية ولا هو مجموعة أفراد عقائدهم تتعلق بهم وتحدد بهم فقط..". واضح مما سبق أن سعاده كان قد وضع في دستور 1934 مادة تتعلق بسرية الحزب، وعند تصنيفه للدستور العام 1937، ألغى هذه المادة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن سعاده في خطابه المنهاجي (حزيران 1935) – قبيل انكشاف أمر الحزب – في أول اجتماع عام للمسؤولين الإداريين في الحزب، وبعدما أيقن أن الحزب قد أصبح نواة صلبة، وقوة قادرة على التصدي والمواجهة، أعلن في هذا الخطاب أن الحزب هو "دولة الأمة السورية مصغرة"، والدولة، في مطلق الأحوال لا تكون سرية بل علنية. كما عاد وأعلن جهاراً في خطابه في أول مارس 1938 واصفاً حالة الحزب خلال فترة العمل السري: "وأخذ الحزب السوري القومي يتجه من حالته السرية الأولى نحو صفته الصحيحة، وهي أن يكون حركة شعبية واسعة النطاق وثورة اجتماعية – اقتصادية – سياسية". -6- الاطلاع على دساتير وأنظمة الحكم في الدول الكبرى : والحقيقة أن سعاده، كان قد اضطلع من جملة مطالعاته وقراءاته على دساتير الأمم المتمدنة، فدرس أنظمة الحكم في الدول العظمى، يتضح ذلك من خلال مراجعة مقالاته في الجزء الأول من "الأعمال الكاملة"، هادفاً من وراء ذلك درس عملية النهوض بالدولة السورية في بداية ولادتها. وقد شرح مضمون هذه الدساتير، وانتقد بعضها، وأشار إلى الثغرات التي وجدها فيها، مما يؤكد سعة إطلاعه على أحوال هذه الدول وأنظمتها و... فقد درس أنظمة أميركانية، بريطانية، يوغوسلافية، ألمانية وإسبانية. كما درس الأحوال الاجتماعية والسياسية لبعض الدول مثل: بولونية ويوغوسلافية ورومانية، إضافة إلى توزع الجماعات الأثنية في ألمانية. كما كتب عن الوحدة الألمانية. وفي هذا دليل واضح على سعة ثقافته ومعرفته الدستورية والقانونية. لذلك ما احتاج سعاده – على الإطلاق – لمساعدة من أحد عندما وضع صيغة دستوره عام 1934 الذي عاد وصنَّفه العام 1937. وكذا الأمر بالنسبة للأحزاب التي سبق له تأسيسها في المغترب. -7- انتقاء الأعضاء الأُول : بُعَيد عودته إلى الوطن (حزيران 1930)، جال سعاده في أجواء دمشق الثقافية، وكتب في كبرى صحافتها. وحاضر في أكبر منتدياتها. ولما لم يجد مؤهلات لدى من التقى بهم في المؤسسات الإعلامية والتربوية على الصعيد الثقافي والسياسي، عاد والتفت إلى بيروت. استهدف الكلية السورية الإنجيلية (الجامعة الأميركية اليوم)، وكان الطلبة محط أحلامه، وبريق الأمل الذي لاح له في عتمة وضع الأمة. وكان لمطعم حداد مقابل الجامعة دوراً بارزاً لأنه كان ملتقى الأساتذة والطلبة. وكان سعاده يرتاده للطعام وللقاء الرفقاء الأُوَّل وبعضهم من الطلبة. أهلية الطلبة خطّط سعاده لإنشاء حزب "يجمع عنصر الشباب النزيه البعيد عن مفاسد السياسة المنحطة..." مراهناً على النفوس الناضجة الشابة التي لم تعمل فيها السياسات الفاسدة. وهذا ما يشير إليه في خطابه إلى الطلبة القوميين في الجامعة الأميركانية (16/5/1949) "أن الطلاب كانوا النقطة الارتكازية الأساسية لنشوء الحركة القومية الاجتماعية. إن الحركة نشأت في أوساط الطلاب وحملها في بادئ الأمر الطلاب، وسار بها الطلاب إلى أن أصبحت اليوم هذه الحركة الشعبية العامة الواسعة التي تصهر في بوتقتها مختلف النفسيات، مكونة منها نفسية واحدة قومية اجتماعية، لها قصد واحد، ولها إرادة واحدة تفعل في جموعها كلها، تسيِّرها صفوفاً مترابطة قد قررت أن يكون مصيرها واحداً، مهما كان، نهوضاً أو سقوطاً، وفي هذا القرار، أن تكون واحدة موحدة في كل الحالات. في هذا القرار يكمن سر الانتصارات التي حققتها الحركة حتى اليوم وسر الانتصار الذي تسير إليه الحركة القومية الاجتماعية. فالطلاب كانوا ولا يزالون عاملاً أساسياً في الحركة القومية الاجتماعية، إنهم النفوس الجديدة التي لم تكن قد تمكنت منها الثقافات المتحجرة للعقل المعطلة للإرادة الحرة في الإنسان المسيَّرة للفئات والجماعات بعوامل الاستمرار في الماضي وفي اتجاه الماضي... الطلاب هم هذا العنصر الأساسي لأنه عنصر التحرر من قيود قضايا الماضي. إنه عنصر مؤهل لحل قضايا جديدة لنفوس جديدة. ولذلك تظل الحركة القومية الاجتماعية تشعر أن الطلاب يكونون دائماً نقطة انطلاق وارتكاز في العمل القومي الاجتماعي. إن عدداً كبيراً من العاملين في الحركة القومية الاجتماعية كانوا طلاباً ونشأوا نشأتهم وهم طلاب فنضجت أفكارهم ومواهبهم في القضية القومية الاجتماعية منزهة عن الاختلاطات بقضايا الرجعة. صنع الطلاب في الحركة القومية الاجتماعية هو توليد قوة فاعلة حرة، قوة واحدة بعقلها الحر المنظم وإرادتها الحرة التي تريد الحياة الجديدة من غير أن تعطل إرادتها قيود قضايا الحياة التي ماتت". واضح، أن سعاده قد باشر عمله القومي الإنشائي الكبير بالطلبة لأنهم الفئة المؤهلة بعلومها وثقافتها ومعارفها للحقائق العلمية وقدرتها على الاستيعاب والفهم لقضية كبرى بحجم القضية التي أرسى قواعدها سعاده. فهذه الفئة هي القادرة على نقل الوعي والمعرفة وتعميمها على بقية فئات الشعب التي لم تنل حظ التعلم والدخول إلى المدارس أو الجامعات. إنهم أسس وأعمدة البناء الثقافي الاجتماعي الوطني، وبالتالي الحزبي العام، بوعيهم تتبدل حياة الأمة، وبهم يتألق مستقبلها الواعد وهنا نذكّر بالعمل الثقافي والعلمي اللذين تابعهما الطالب فخري المعلوف العام 1938 بعد مغادرة سعاده الوطن وشرحه لمدة عام ونصف العام كتاب "نشوء الأمم". ومتابعته الدؤوبة لنشر فكر سعاده بعد سفره إلى المغترب الأميركاني أوائل عام 1940 وإنشائه هناك ندوات ثقافية، إضافة إلى كتاباته في عدد من الصحف عن الفلسفة الجديدة والديمقراطية الجديدة وعمله لنيل رخصة للحزب للعمل في أميركانية و... زيارة المدارس إذن بواسطة الطلبة، انتشر الفكر القومي، فانتظم في صفوف الحزب أصحاب الحرف والمهن و... فهم من ساهم في العمل التأسيسي ليضحى الحزب "حركة الشعب العامة". وتأكيداً على أهمية دور الطلبة في حياة الحزب لإكسابه القوة والمنعة اللازمتين لمواجهة كل الأخطار والعمل على نشر الوعي ليبقى الحزب متماسكاً خلال الأزمات، كان سعاده يتحين الفرص ليلتقي الطلبة، ويزور المدارس. فهو قد زار خلال فترة العمل السري في الثلاثينات مدرسة الجامعة الوطنية في عاليه. وبعيد عودته عام 1947، زار في 25/1/1948 مدرسة الناشئة الوطنية التي كان على رأس إدارتها الرفيق جورج مصروعة وألقى كلمة في الطلبة يومذاك. كما كان قد زار مدرسة في الشوير قبل ذلك. وزار في 16/6/1948 بيت الأطفال للمقاصد الخيرية الإسلامية، حيث سجَّل كلمة في سجل الزائرين بعد جولةٍ فيها. نورد ذلك لنضع الصورة الحقيقية للزعامة القومية منذ بداية عمله التأسيسي. بدأ سعاده بث الدعوة عام 1932 "عبر البحث عن العناصر الجديدة السليمة وتعليمها المبادئ الجديدة وإفهامها قضية الأمة، وتكوين حزب منها ينشأ بمعزل عن الاختلاطات المذكورة آنفاً، نشأة صحيحة قوية بمعنوياتها، حميدة بمناقبها، سليمة بروحيتها صالحة لحمل أعباء القضية ". (خطابه في أول مارس 1938) الاختيار الصائب جمع سعاده بعد اتصالات عدة خمسة أشخاص. ولما وجد أن إثنين منهما لديهما أغراضاً خاصة بعيدة عن العمل القومي الاجتماعي. ولما لم يكن قد وضع دستوراً، وجد أن من الأفضل حلّ الحزب. فالعناصر الفاسدة تُفسد عملية التأسيس وبالتالي فهي تُفسد الحزب كله لاحقاً. لذلك كانت تنقيه الحزب منذ البداية هي الأساس الواجب اعتماده للحفاظ على الجسم سليماً ومعافى ليتمكن من النمو في بيئة سليمة ومن العمل المنتج لاحقاً في الاتجاه الصحيح... بث الزعيم في نفوس الأعضاء الأول " روحاً جديدة " للتغلب على كل مفاسد المجتمع، ولنقل العضو من حالة إلى حالة أفضل يتعزز فيها وجدانه بالعصبية القومية الاجتماعية. كان سعاده قد درس وضع شعبه، بعدما تبدى له تفسخه الروحي والاجتماعي، فرسا تفكيره على توضيح فكرة الأمة، وهي الحجر الأساس للانتماء القومي. وكان كتابه "نشوء الأمم" الذي صدر عام 1938، وفيه شرح علمي وافٍ لمعنى الأمة والقومية والوطن والدولة... ويعتبر هذا الكتاب الأساس العلمي للعقيدة السورية القومية الاجتماعية، التي كان سبق أن وضع مبادئها الأساسية الثمانية. كما وضع المبادئ الإصلاحية الخمسة لإصلاح حال الأمة وترقية حياتها ورفع مستواها الاقتصادي والاجتماعي وحماية الوطن من كل أعدائه. وهكذا شهد العام 1934 تأسيس أول مديرية للطلبة في الجامعة الأميركانية، وكان مديرها الرفيق رفيق الحلبي (بشامون) الذي أصبح فيما بعد من أصدقاء الزعيم. كما تأسس فرع حزبي للطلبة في معهد البطريركية في بيروت... هذا يعني أن سعاده قد صوَّب نظره نحو الطلبة أولاً بعدما وجد خلو مجتمعه السوري من المؤسسات القادرة على إعادة النهوض به، ولكثرة العيوب والمفاسد الاجتماعية والسياسية السائدة في أذهان الشعب السوري. تعليم العقيدة وفي هذا المعنى يقول أثناء دفاعه في المحكمة عام 1936: "إن البواعث الإيجابية التي دفعتني إلى إنشاء الحزب،... هي وضع حدَّ لفوضى العقائد القومية في المجتمع، وتوحيده في عقيدة كيانه ومصلحته، وصرفه عن التخيلات العقيمة إلى التفكير العملي والعمل، وتعويد النشء خصوصاً ممارسة الحقوق القومية والفضائل التي توحِّد المجتمع وترقِّيه في نظرياته وأنظمته، وقيادة النشء إلى النظام والتمرن على استخدام مواهبهم في سبيل ترقية أمتهم وفي سبيل معرفة الواجبات العامة". ويتابع سعاده نفس المنحى في خطابه للمدرسين (النظام الجديد – تموز – آب 1948): "إن أول خطوة كان يجب على الحركة السورية القومية الاجتماعية القيام بها لتتقدم، هي تعليم العقيدة السورية القومية الاجتماعية والغاية الرامية إليها. لأنها هي الحقيقة الأساسية التي بها نُوجد شعباً وأمة ولها نعمل". ويتابع قوله كيف أنه رغم الصعوبات التي واجهها في تعليم عدد من الأشخاص، وهكذا كلما زاد العدد كانت الصعوبات تتضاعف ليخلص إلى نتيجة مؤداها أن "قضية التربية والتثقيف" هي الأساس لدك معاقل العقليات الفاسدة والمؤسسات التربوية الدينية ذات الأغراض السياسية المرتهنة للأجنبي. ويشرح في مقالته "إقتتالنا على السماء أفقدنا الأرض" (22/4/1949) إحدى الصعوبات التي واجهته وهي "اللغة، أي المفاهيم. فقد كانت لغة النهضة القومية الاجتماعية لغة غريبة غير مفهومة عند الناس، وكان يجب تعليم هذه اللغة لكل فرد يريد الاقتراب من قضايا هذه النهضة. وكان تعليم المتوسطي الأعمار والمتقدمين في السن من الصعوبة بمكان، فكان من الطبيعي أن تتجه الحركة القومية الاجتماعية إلى الأحداث والشبان لأنهم أقرب إلى قبول التعليم الجديد، وتعلُّم اللغة الجديدة، لغة المناقب القومية الاجتماعية وقضايا الاجتماع النفسية والاقتصادية والسياسية". وصعوبة أخرى يشير إليها الزعيم في الكلمة التي افتتح بها مؤتمر المدرسين، وأثناء الاجتماعات الأولى وما كان يعاني خلالها في بداية العمل التأسيسي. فقد تغيب بعض الرفقاء الأساتذة عن المؤتمر: "وكانت اجتماعاتنا الأولى تصاب بهذا المرض من التلكوء والفتور، من الخمول الذي لا يزال يغط فيه عدد غير قليل من الذين بعد دخولهم الحزب القومي الاجتماعي أصبحوا يقولون في ضمائرهم: "قد أصبحنا بحمد الله من المؤمنين ولعنة الله على الكافرين". وكفى!" وحول الصعوبات الأخرى وحالات الإرهاق والتعب التي كان يعاني منها سعاده في عمله "ونوع حياته والمجهود العظيم الذي يبذله منفرداً... ولذلك فالمطلوب منه لا يقتصر على التفكير في مجموع العمل واتجاهه الأساسي وخطوطه الكبرى، بل يتناول أيضاً الاهتمام بالمسائل الفرعية والجزئيات، حتى الدقيقة جداً أو التافهة منها". (من رسالته إلى إدويك جريديني 6/1/1938) وحول هذا الأمر يكتب فخري معلوف في سورية الجديدة (عدد 17 – 14/7/1943)، أنه في صيف عام 1943 وكان آنئذ غير منتمٍ للحزب، كان يلتقي بالزعيم فيقول: (كنت) "أشاهد على وجهه إمارات التعب الشديد الناتج عن صعوبة العمل التأسيسي الذي كان يقوم به في ذلك الوقت والذي كان يكلفه من المشقات والعناء ما لا يعلم غير الله مقداره". يتبــع |
جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه |