شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2015-12-21 |
من تاريخ حزبنا |
يزخر كتاب الأمين ابراهيم زين " قطاف من حقول العمر" بالكثير من المعلومات الشائقة عن تاريخنا. منها اخترنا هذه الباقة. * احتفال الأول من آذار عام 1956 كان الاحتفال بالأول من آذار عام 1956 مميزاً، وذا نكهة خاصة، لا تُنسى!.. أقيم الاحتفال في منزل الأمين الجزيل الاحترام عبدالله قبرصي، في الساعة الثامنة والنصف من ليلة الأول من آذار. قبيل بدء الاحتفال، توزعت مديريات منفذيتي الطلبة، وبيروت الى زمر صغيرة، على معظم أحياء بيروت، وفي تمام الساعة الثامنة، كانت الأسهم النارية المنطلقة من على أسطح البنايات المحددة لنا سلفاً، تحوّل سماء العاصمة الى خيوط من أنوار ملوّنة، مُحدثةً دويّاً كأنه قصف المدافع، فيما كانت كل زمرة، بعد اطلاقها الأسهم المعطاة لها، تنسحب بكل هدوء، قاصدة منزل الأمين قبرصي للمشاركة بعيد مولد سعاده، مؤكدة للجميع أن الحزب السوري القومي الاجتماعي، هو حركة أصيلة معبّرة عن وجدان شعبناالعظيم، الذي يرفض القبر مكانا له تحت الشمس. كان منزل الأمين قبرصي، على اتساعه، غاصا بالمدعوين، وكان الحاضرون يملؤون صالونه الواسع وغرفه ودرج البنايه والمحيط، فيما كانت مكبرات الصوت تنقل وقائع ذاك الاحتفال الرائع التنظيم، والكلمات العقائدية المعبرة، الى مسافات بعيدة. تكلم معرّفا بالمناسبة الرفيق المحامي نديم حاطوم(1) الذي اعتبر مولد سعاده بداية طريق النور والحياة الجديدة للأمة السورية وعالمها العربي، تلاه الأمين انعام رعد، الذي ألقى كلمة عقائدية - سياسية قوطعت مراراً بالتصفيق والهتاف، بعده، ألقى الرفيق الشاعر أدونيس (علي أحمد سعيد) مقاطع من قصيدته "قالت الارض"، ثم تكلم الرفيق الأديب سعيد تقي الدين فألقى كلمة مرتجلة، سخر فيها بأسلوبه النقدي اللاذع من العمل السياسي العربي الذي يدعو لفظيا الى التضامن بين العرب، فيما يمارس مسؤولو الأنظمة سياسة التنافر بين الكيانات السياسية، في طول البلاد العربية وعرضها، بعده ألقى الشاعر الأمين محمد يوسف حمود قصيدته الرائعة" سوريانا" ، التي انتزعت التصفيق والهتاف بحياة سورية وسعاده، وقد استعيدت بعض مقاطعها أكثر من مرة، وفي الختام ألقى الأمين عبدالله قبرصي خطاباً نارياً أدان فيه حملة قمع الحزب في الشام، فيما الحزب بريء من جريمة اغتيال المالكي، وفي الختام سمع الجميع تسجيلاً لفقرة من خطاب الزعيم يوم عودته من مغتربه القسري في 2 آذار 1947، وقد ورد فيها قوله: " لقد أنقذتم شرف الأمة وحيدين، يوم كانت ترتفع أصوات من الشعب، تدعو الشعب الى احناء هامه أمام مدافع الأجنبي وطياراته ودباباته، فكان موقفكم هو هو، موقف الأمة عينه، لا غيره..."، فور سماعي صوت الزعيم المسجل لأول مرة، أحسست بقشعريرة لذيذة سرت في دمي، ثم حملتني الى عالم مليء بالبطولة والشجاعة والتحدي، وبقيم الحياة الهازئة بالموت، والايمان العظيم الذي يدوس كل الأهوال والمصاعب، لأن حياة أمته الغالية صارت له، عشقه الوحيد الدائم، وأن سعاده بفكره التقدمي وقدوته ونظام حزبه الدقيق، هو الذي سيحقق للشعب حياة سعيدة راقية تليق بمكانة أمتنا وتراثها الثقافي – السياسي القومي العظيم. * حشد عام على ضريح الزعيم " ليلة الثامن من تمّوز عام 1957 ، أقيم احتفال في منفذية الطلبة حضره حشد من الرفقاء مع بعض المواطنين الأصدقاء. بعد انتهاء الاحتفال الخطابي، أمضينا الليل ساهرين مع المعلم في ساعاته الأخيرة(2)، نسترجع سيرته البطولية الفذّة التي توّج بها حياته بوقفة عزّ تاريخية صباح الثامن من تموّز عام 1949، هزّت وجدان كل الأحرار في أمتنا وعالمها العربي، مسقطة عار التضليل الذي مارسته الأنظمة العميلة، المرتبطة بارادات الدول الاستعمارية المتآمرة على شعبنا. " لقد عشنا تلك الليلة، بكل تفاصيلها التآمرية البشعة على الحزب والزعيم، منذ اعتداء الكتائب على الرفقاء في مطبعة فضول في الجميزة، حتى اعلان الثورة القومية الأولى، وصولاً الى تنفيذ حكم الاعدام بالمعلم رمياً بالرصاص، بعد محاكمة صورية مستعجلة لم تدم أكثر من عدة ساعات، حيث تمّ اغتيال سعاده وستة من الرفقاء اختيروا على أساس طائفي باسم "القانون"، فكنا نحس برهبة تلك الساعات بكل مرارتها وقساوتها وثقل وطأتها على نفوسنا التي تكنّ كل احترام وتقدير لسعاده الثائر الشهيد ورفقائه الأبطال، الذين واجهوا الموت بشجاعة الثوار الصادقين. " بعد منتصف الليل، طُلب منّا ركوب السيارات، والتوجه الى منطقة مار الياس، حيث ضريح الزعيم، للأحتفال الصباحي المركزي، بذكرى يوم الفداء. " دخلنا الى مدافن واسعة مسوّرة، متخذين مواقعنا في الجهة الجنوبية الغربية منها، حيث وجدنا المكان غاصاً بالرفقاء الذين توافدوا من معظم منفذيات لبنان، للمشاركة بهذه المناسبة الجليلة. " بعد وصولنا الى قرب ضريح الزعيم، حضر المسؤولون المركزيون وعلى ضوء مصابيح الكاز (لوكس) التي كانت تنير سماء المدافن مبدّدة بعضاً من ظلام ذاك الليل الطويل. " في تمام الساعة الثالثة من ذاك الفجر، أعطي الايعاز بالتهيوء واداء التحية للزعيم، فارتفعت الأيدي غابات من الزوايا القائمة قرابة الدقيقة، سادها الصمت والتأمل والرهبة، وتقديس شهادة سعاده الذي أكد للعالم بأن الزعيم هو القائد العظيم الذي يهب أمته دمه، بكل اطمئنان، وليس ذاك المتربع على أكتاف الناس، مستغلاً جهودهم، لاستعبادهم والمتاجرة بأحلامهم، من أجل تأمين مصالحه الخاصة، ولو على حساب مصلحة الأمة. " أعطي الايعاز للجميع بالراحة، ثم ألقى الأمين اميل رعد(3) كلمة صباحية شرحت فصول المؤامرة، وعندما وصل الى ساعة تنفيذ حكم الاعدام بسعاده، أعطي الايعاز مجددا بالتحية للزعيم، ثم دوى الهتاف الحزبي المعروف: يا أبناء الحياة، لمن الحياة ؟!. فراح الصدى يتردد في سماء بيروت بالحياة لسوريا وسعاده، ثلاث مرات. بعدها راحت صفوف الرفقاء تخلي المكان بكل هدوء ونظام، وبعد أقل من ساعة، كانت تلك المنطقة قد خلت تماما من المحتشدين، فيما تباشير الصباح أخذت ترسم أولى خيوط الضوء في الأفق، فتضفي على الطبيعة مهابة وسحراً، وما هي الا دقائق حتى بدأت حركة الناس الذاهبين الى أعمالهم تدب في الشوارع والساحات، معلنةً بدء الحركة والنشاط في المدينة التي أخذت تستيقظ من سبات ليلها الطويل". * مناظرة عقائدية " كانت حلقات نقاشنا الطويلة مع زملائنا الطلبة، خبزنا اليومي، وحين شعرت إدارة الكلية العاملية بهذا النشاط الجامح، أخذت توجه بعض الاساتذة للتبشير "بالقومية العربية" وتسفيه جميع النظريات الاخرى، مع اتهام لأصحابها، "بمعاداة" العرب و"التآمر" على "قوميتهم" الواحدة، مع الغرب الاستعماري!.. " في احد ايام الدراسة، كان المرحوم الاستاذ محمد علي مكي، الذي كان استاذ مادة التاريخ والجغرافيا للصفوف الثانوية، يشرح لنا درساً عن جغرافية البلاد العربية. اثناء الشرح، تعمّد الطعن بنظرية الحزب الجغرافية، مركّزاً على ان الكويت تتصل حياتياً بالسعودية، عن طريق وادٍ خصب يدعى "ذي الرّمة" مسفّهاً نظرية ارتباط الكويت ببيئة الهلال السوري الخصيب، زاعماً بأن القول بسورية الكويت، له علاقة باكتشاف ثروتها النفطية. اصطدمنا بشرح الاستاذ مكي، لكننا صمتنا مكرهين، بسبب سلطانه التربوي علينا !.. " تداولتُ بهذا الامر مع بعض الرفقاء في الصف، وتمّ الاتفاق على ان نتحداه في الدرس القادم، امام التلامذة، بدعوته الى مناظرة علمية، خارج المدرسة، مع احد مسؤولي الحزب، من ذوي الاختصاص بهذا الامر، على ان يحضر المناظرة جميع الطلبة الثانويين في "الكلية العاملية"، بعد الدوام الرسمي. هكذا علق الاستاذ مكي بالفخ، وكانت النتيجة لغير صالح طروحاته الجغرافية السابقة التي كان يبشرنا بها، تنفيذاً لتعليمات الادارة المتعاطفة مع طروحات منظري "القومية العربية"، من المحيط الى الخليج !.. " كان رفيقنا الدكتور سعيد شهاب الدين(4) يحمل شهادة دكتوراه بالجغرافيا من احدى جامعات فرنسا، وهو الذي رسم خريطة سوريا الطبيعية المثبتة على الغلاف الداخلي لكراس مبادئ الحزب، كما كان أستاذاً لأستاذنا محمد علي مكي، " في الحديث مع الأستاذ مكي، قبيل المناظره، ومع طلاب الصف، أكدنا لهم أننا مستعدون لترك الحزب السوري القومي الاجتماعي اذا تبين لنا خطأ نظرة الحزب الجغرافية، لأننا نرفض أن نكون متفرجين على أوضاع بلادنا السيئة، وسنكون مستعدين للانضمام الى "الأحزاب العروبية" للعمل معاً، لأن الأخطار المصيرية تهدد وجودنا في الصميم، أما اذا كانت نظرية الحزب علمية وصحيحة، فعلى الأستاذ مكي والطلاب ترك تلك الأحزاب التي تبشّر رومانسياً بالوحدة العربية، ولا تعمل شيئاً من أجل تحقيق تقارب عملي بين كيانين متجاورين، لإزالة السلبيات، والفروقات الاجتماعية بينهما. " لم يكن معروفاً منا ومن زملائنا الطلبة، من سيمثّل الحزب القومي الاجتماعي في تلك المناظرة العلمية. " في الموعد المتفق عليه لللقاء، اختارت المنفذية بيت الرفيق مصطفى طوسون(5) القريب من "الكلية العاملية" ، وبعد انتهاء الدروس، دعونا الطلاب الى المنزل المذكور لحضور المناظرة، التي انتظرها الطلاب على أحرّ من الجمر. " كان صالون منزل الرفيق طوسون كبيراً جداً، يتسع لأكثر من خمسين شخصاً، وحين دخلنا المنزل، وجدنا رفيقنا سعيد شهاب الدين يتصدر القاعة، وحوله بعض الرفقاء من الطلبة الجامعيين . " طرح الموضوع للنقاش، تناول الحديث الدكتور سعيد شهاب الدين، شارحاً بشكل علمي دقيق، جغرافية امارة الكويت، وكيف أن تربتها تشكلت من غرين ملتقى نهري دجلة والفرات، في شط العرب، وانها حياتياً واقتصادياً تتفاعل مع العراق التي هي جزء من كيانه، فصلها الانكليز عنه، امعاناً في التجزئة السياسية لبلادنا، من أجل شرذمتها وزرع السرطان الصهيوني في أحشائها الضعيفة، وهي تنفصل عمرانياً وحياتياً عن بيئة شبه الجزيرة العربية، لأن صحراء النفود الكبرى شكلت حاجزاً طبيعياً بينهما، والرمال في أرضها مجرد قشرة سطحية . " سلّم الأستاذ مكي بالطروحات العلمية للدكتور شهاب الدين، لا سيما شرحه بأن بريطانيا هي التي فصلت الكويت عن العراق، لأهداف استعمارية، أما اكتشاف النفط في أرضها، فقد تمّ في العام 1934. والكويت، من الناحية الاستراتيجية، هي بوابة سوريا الطبيعية من جهة الشرق، كما أن شعبها يؤمن حاجته من المياه من نهريّ دجلة والفرات، فكيف يكون تفاعلها الحياتي مع بيئة شبه الجزيرة العربية !؟. " في ختام المناظرة ، وافق الأستاذ مكي على كل الشروحات العلمية للدكتور شهاب الدين، وعندها دبّت الخلافات بين عناصر "حزب البعث" والقوميين العرب، فانصرف بعضهم مهزوماً بمنطق العلم والجغرافيا، فيما بقى معظم طلبة "الكلية العاملية" يستمعون الى درس اذاعي – ثقافي علمي عن الحركة القومية الاجتماعية، التي جاءت تعاليمها تعبيراً عن حقيقة أمتنا، ومصالحها العليا في الحياة. * هوامش (1) نديم حاطوم: محام معروف من بلدة كفرنبرخ، تولى مسؤوليات محلية مركزية، منها عميد القضاء. (2) كنت مشاركاً في الاحتفال المذكور، ثم متوجهاً مع الرفقاء الى ضريح الزعيم. (3) اميل رعد: للأطلاع على النبذة المعممة عنه، الدخول الى أرشيف تاريخ الحزب على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info . (4) تولى الرفيق سعيد شهاب الدين مسؤولية منفذ عام بيروت، وعميد للاقتصاد. للأطلاع على النبذة المعممة عنه الدخول الى الموقع المشار اليه آنفا. (5) مصطفى طوسون: من الرفقاء المناضلين في بيروت، كان له حضوره الحزبي الناشط في منطقة المزرعة. |
جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه |