شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2016-11-23 |
السجن – المدرسة(2) |
بتاريخ 15/7/2013 عممنا نبذة بعنوان "السجن – المدرسة" نقلنا فيها ما كان أورده الأمينان د.منير خوري وابراهيم زين في مؤلفيهما "سفينة حياتي" و"قطاف من حقول العمر" من معلومات عن مرحلة الأسر في "سجن القبة" في طرابلس بالنسبة للرفقاء الذين كانوا شاركوا في الثورة الإنقلابية. في الصفحة الأولى من النبذة المشار اليها أعلاه، قلنا: " اذا كان سجن القبة تحّول الى مدرسة، فسجن القلعة في بيروت الذي انتقل اليه الرفقاء من "القبة" صيف العام 1966 لينضموا الى من كان سبقهم من أمناء ورفقاء، لم يكن أقل منه تجسيداً لفضائل الحياة القومية الاجتماعية. عنه سنحكي لاحقاً ". وها نحن نحكي، نقلاً عن "قطاف من حقول العمر" للأمين الذي عرفته قدوة في الحياة القومية الاجتماعية، ابراهيم زين. * الانتقال الى سجن القلعة في بيروت نجحت مساعي الوسطاء بين الحزب والسلطة اللبنانية، فتّم نقلنا صيف عام 1966 الى سجن القلعة في بيروت، وكان موعد لقائنا برفقائنا الذين فصلتهم السلطة عنا عام 1964، يوم فرح كبير للجميع. لم تمر عدة ايام على وجودنا في هذا السجن الجديد، الذي شغل الطابق الأول منه، في الباحة الخارجية، العسكريون المحكومون بجرائم عادية، فيما شغل القادة السابقون للحزب غرفة في الطابق الأرضي من تلك الباحة، وتوزع باقي الرفقاء على الغرف الموجودة في الباحة الداخلية مع الطابق الأول منه، ثم شكلت هيئة منفذية لإدارته حزبياً على الشكل التالي: الأمبن جبران جريج منفذاً عاماً، رضا خطار(1) ناموس منفذية، حنا قيصر(2) ناظر مالية، ابراهيم الزين ناظر اذاعة، عادل الطبري(3) ناظر تدريب، وبعد تعيين مسؤولين فرعيين للغرف، بدأ تنظيم حياتنا في السجن الجديد، فعيّن الأمين ادمون كنعان(4) مسؤولاً عن تنظيم الانتاج وتصريفه، عاونه الرفيق حنا قيصر في ضبط الحسابات للرفقاء المنتجين. بعدها، نظمنا مطبخاً واحداً للسجن، فكنا نتسلم المواد التموينية دون طهي من الدولة، ثم نشتري ما نحتاجه حسب لائحة الوجبات المقررة يومياً، فيما كان تمويل ما نحتاجه من مواد يتم بواسطة اشتراكات شهرية من الرفقاء، كل رفيق حسب استطاعته، فكان الجميع يتناولون طعاماً صحياً شهياً ونظيفاً، ما عدا المرضى الذين كان يتأمن الطعام لهم بناء لوصفة الطبيب. فيما كانت تفرض ضرائب على تصريف الانتاج بموجب تسعيرة معينة للسلعة، مخفضة للرفقاء، وعادية للآخرين، وكان الرصيد المتجمع شهرياً من هذه الضرائب يؤمن للمحتاجين من الرفقاء المرضى أدويتهم، كما كان يتم شراء بعض الكتب للمطالعة، توضع في مكتبة منفذية السجن، كما كنا نشتري عند الضرورة بعض الحاجات للرفقاء المعوزين. كانت الغرف تُفتح لنا من الساعة السادسة صباحاً وحتى الساعة السادسة مساءً، فكنا نتمتع بحرية الحركة طيلة ساعات النهار. نظمنا صفوفاً لمكافحة الأمية، وصفوفاً لتعلم اللغة الفرنسية وأخرى للإنكليزية والمحاسبة، وقد نال العديد من الرفقاء شهادات من معاهد معترف بها(5)، باختصاص المحاسبة، كما طبقنا في هذا السجن شعار الحزب الاقتصادي القائل "كل مواطن يجب أن يكون منتجاً بطريقة ما". لم نعد نشعر بعدها بوطأة السجن وضغطه النفسي على أعصابنا، بل صار النهار بطوله مع جزء من الليل، مليئاً بالنشاط والانتاج. لقد أخذت حياتنا في تلك الفترة من الأسر، تعرف الاستقرار والعمل المنتج المنظم، كما بدأ الرفقاء يرسلون الى عائلاتهم مردوداً مادياً جيداً من أتعابهم، وفي هذا الصدد يقول الدكتور عبدالله سعادة، في كتابه ("أوراق قومية" ص 191) ما يلي: مع تحسن الوضع الاقتصادي والنفسي بين الرفقاء، عادت وحدة الروح القومية الاجتماعية تلف الجميع، وأعطوا دليلاً على أن القومية الاجتماعية، ليست شأناً سياسياً، وعسكرياً فحسب، بل هي شأن حضاري إنساني في الأساس، وأن شعبنا، هذا الشعب الصبور، الصامد، لا ينقصه إلا طرد تجار الهيكل واللصوص من هيكله، وقيام قيادة ملتزمة به، مسؤولة عنه، في رؤية شاملة للحياة في كل أبعادها المادية والنفسية"!.. كما أن سعادة يؤكد، في كتاب "نشوء الامم" أن حياة الفرد تدور ضمن ثلاثة أضلاع: الزاوية الاجتماعية والزاوية النفسية، والزاوية الاقتصادية، وقد أدرك كل الرفقاء نتيجة هذا التنظيم المستوحى من عقيدتنا، أن انفصالهم عن هذا المتحد ولو بانتهاء عقوبة بعضهم هو انفصال عن حياة راقية جديدة، منتجة، مثقفة، فيرى واحدهم خارجها الغربة والوحدة والضياع، وتعطل إنتاجه الذي يؤمن بواستطه حاجاته وحاجات عائلته الضرورية، للعيش المتواضع المستقر. ولتوضيح هذا الأمر بشكل علمي، أروي هنا هذه الحادثة الغريبة المعبّرة، التي حصلت فعلاً مع أحد الرفقاء: انتهت فترة سجن الرفيق مصطفى يزبك اواخر العام 1967 على ما أذكر، فراح يودع بالنحيب والدموع، ثم اكتشف فجأة أن عليه دفع مبلغ مادي كان معاقباً به، فطلب من مدير السجن إعادته الى المعتقل، حيث نحن. لأنه يريد أن يبقى معنا سجيناً، لسداد تلك الغرامة المادية، مع أن وضعه المادي ليس سيئاً، في حين كانت خطيبته تتحرق شوقاً للقائه، وهي التي بقيت تنتظر خروجه من السجن خمس سنوات بأيامها ولياليها الطويلة المرهقة!.. ونتيجة لتأثير نهج حياتنا القومية في السجن، طلب حراسنا من الدرك في سجن القلعة من مدير السجن النقيب سعيد ابو كروم، أخذ دروس باللغة الإنكليزية مع رفقائنا، فسمح لهم بذلك، وبعد فترة طلبوا منه السماح لهم بلعب الكرة الطائرة مع الرفقاء، فسمح لهم ايضاً، ثم طلبوا منه السماح لهم أن يشتركوا معنا في مطبخ السجن، لأن الطعام من مطاعم المدينة يكلفهم مبالغ طائلة شهرياً، عندها رفض النقيب السماح لهم بذلك، خوفاً من انتمائهم الى الحزب، لأنه عندها سيعرض نفسه للعقوبة، وربما للطرد من سلك الدرك!.. والجدير ذكره هنا، هو أن حراس السجن من الدرك، في حال ارتكب أحد رفقائنا مخالفة او خطأ ما، لم يكونوا يشكونه الى ادارتهم، بل الى هيئة المنفذية، وإذا ما عوقب احد الرفقاء مرة، كان يتوسل لكي تكون العقوبة مخفضة حتى لا يتعطل تصريف إنتاجه، فيتضرر نفسياً ومادياً أيضاً، كما كان الرفقاء يخضعون، بناء على برنامج نظارة التدريب، الى رياضة صباحية، ثم تبدأ بعدها برامج النهار العديدة والمتنوعة. * في عام 1968، نظمنا سلسلة محاضرات كان يلقيها علينا المسؤولون السابقون، كل حسب اختصاصه، فالدكتور عبدالله سعادة أعطانا سلسلة دروس في الصحة العامة وتشريح جسم الإنسان، كما درسنا على يديه، مع نخبة من رفقاء السجن كتاب "نشوء الأمم" للزعيم، ثم قدمنا بعد انتهاء الدروس امتحاناً خطياً عن أهم النظريات التي تضمنها الكتاب العلمي المذكور!.. * هزيمة حزيران والتبرع بالدم على أثر اندلاع الحرب بين الدول العربية و"اسرائيل" في شهر حزيران عام 1967، أرسلت قيادة الحزب في المعتقل برقية الى السلطات اللبنانية تطلب فيها السماح للسجناء القوميين الاجتماعيين بالإشتراك في قتال العدو، مع التعهد بعودة من يبقى حياً بعد انتهاء القتال الى السجن، لإكمال حكمه. لم تستجب الحكومة لهذا الطلب، لأنها اعتبرته نوعاً من الدعاية الإعلامية للحزب. وبعد مرور عدة ايام على الهزيمة المروّعة، طلبنا من إدارة السجن السماح لنا بالتبرع بالدم لجرحى المعارك مع العدو بواسطة الصليب الأحمر اللبناني، وبالفعل، حضرت عناصر من جمعية الصليب الأحمر، فتسابق الرفقاء للتبرع بكمية من دمهم، علها تسهم بشفاء بعض جرحى تلك الحرب – الفاجعة. ثم تكررت هذه المسألة بعد شهر من حملة التبرع الأولى، وكان هذا جلّ ما استطاع الرفقاء تقديمه، الأمر الذي لفت إدارة السجن الى فرادة روح العطاء التي يتحلى بها القوميون الاجتماعيون، حتى وهم في غياهب الأسر والسجون. تابعنا بعد ذلك حياتنا في السجن كالعادة، حيث قررنا إقامة مباراة بين الرفقاء في لعبة "الكرة الطائرة" و"الشطرنج" و"طاولة الزهر"، وحين فاز الرفيق الضابط علي الحاج حسن ببطولة "طاولة الزهر" لعبة "المحبوسة" ، قررنا إقامة حفلة تكريمية له في الباحة الداخلية لسجن القلعة، نظراً لوضعه الصحي الدقيق. وقد تقرر أن يلقي رئيس المجلس الأعلى، الأمين محمد البعلبكي، كلمة للمناسبة، كما نظمتُ قصيدة ألقيتها في تلك الحفلة، لاقت استحسان جميع الرفقاء، كان عنوانها "فرحة الحظ" لأن لعبة "طاولة الزهر" تُعرف بأنها لعبة حظ، يحتل فيها "الزهر" دوراً أساسياً في تقرير فوز اللاعب مع خصمه، إذا كان المتباري على معرفة جيدة بفن تحريك حجارة الطاولة. وقد شارك بعض رجال درك السجن وزوارنا من الرهبان التلاميذ في جامعة الكسليك بالمهرجان المذكور، فأعجبوا بنشاطاتنا وتنظيمها وبما ألقي في ذلك الاحتفال من كلمات حملت في مضمونها توجهاً قومياً لافتاً، كما أعد ناظر التدريب، الرفيق عادل الطبري زمراً من الرفقاء الأسرى لتلقّي محاضرات في حرب العصابات، كان يلقيها عليهم الرفيق النقيب شوقي خيرالله، في مواعيد اسبوعية ثابتة، لإنماء ثقافتهم في هذا المجال، الذي يمكنه أن يكون في المستقبل أسلوب القتال الوحيد الناجع، ضد عدو يتفوق على جيوشنا بنوعية السلاح وبالجندي المعقدن بفكر توراتي عنصري، لاغٍ للآخرين. كما عرفت صفحات ملحق جريدة "النهار" كتابات ثورية ـــــ عقائدية ـــــ سياسية هامة باسم "سبع بولس حميدان"، "عبدالله فرح" و"قيس الجردي"، للأمناء اسد الأشقر، عبدالله سعاده وانعام رعد، فكان لكتاباتهم تلك صدى واسع في أوساط المثقفين اللبنانيين. * النظام فوق الجميع في أحد الأيام، أرسل الرفيق شوقي خيرالله رسالة الى منفذ عام منفذية سجن القلعة الأمين جبران جريج، يطلب فيها السماح له بالانتقال من غرفة القيادة الى غرفة مستقلة موجودة قرب مطبخ السجن، لأنه يريد أن يتفرغ للكتابة في أمور لها علاقة باختصاصه العسكري قد يستفيد منها الحزب مستقبلاً. وبعد دراسة الرسالة في جلسة رسمية لهيئة المنفذية، اتخذ قرار بالموافقة على طلبه. نقل الرفيق شوقي أمتعته من غرفة القيادة الحزبية السابقة، وسكن تلك الغرفة، وقد لاحظنا أن الأمين عبدالله سعادة، اتخذ موقفاً من هذا المظهر "الانفصالي" للرفيق خيرالله، فقاطعه ولم يعد يتحدث اليه، وحين عرفنا بهذا الأمر، طرحنا على المنفذ العام استدعاء الأمين سعادة الى جلسة مع هيئة المنفذية من أجل تنبيهه الى خطأ مقاطعة الرفيق خيرالله. تهيّب المنفذ العام هذا الأمر في البداية، وبسبب إصرار جميع أعضاء هيئة المنفذية على حسم هذا الاشكال اللانظامي، استُدعي الدكتور عبدالله الى جلسة مع الهيئة، وبعد مناقشته في خطأ موقفه من الرفيق شوقي، أدى التحية الحزبية، بكل انضباط، ثم ذهب على الفور وصالح الرفيق خيرالله. وهكذا، انتهى هذا الاشكال الفردي، بالخضوع المثالي للنظام. ولإظهار أهميته في حياتنا الحزبية الداخلية. * هوامش (1) رضا خطار: من باتر (الشوف) تولى مسؤوليات عديدة، منها منفذ عام وعميد للداخلية. غادر الى الامارات العربية المتحدة وفيها وافته المنية. عرف بالتزامه النضالي واخلاصه الحزبي وتفانيه. (2) حنا قيصر: ذكرناه في أكثر من مناسبة. مراجعة قسم "من تاريخنا" على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info (3) عادل الطبري: من الجنوب السوري. عرف المسؤوليات الحزبية في كل من الشام ولبنان. بعد خروجه من الأسر تابع نشاطه الحزبي وتوليه للمسؤوليات في كل من دمشق وبيروت. منح رتبة الامانة وانتخب عضواً في هيئة منح الرتبة. مقيم حالياً في دمشق. (4) ادمون كنعان: من كفرشيما. ومن مؤسسي العمل الحزبي فيها. منح رتبة الأمانة. تولى مسؤوليات عديدة أبرزها عمدة المالية. غادر الى أفريقيا مؤسساً أعمالاً ناجحة في نيجيريا. ثم انتقل الى باريس حيث يقيم حالياً. (5) كنت رئيساً لمكتب الطلبة عندما تابعت موضوع حصول الرفقاء على شهادات معترف بها. والفضل في ذلك يعود الى صاحب "معهد لبنان" الاستاذ سامي الصيقلي. مراجعة النبذة بعنوان "الرفيقان سمير صيقلي ووليد عبدالخالق" على الموقع المذكور آنفاً. |
جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه |