شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2017-07-03 |
عسكرة القرار الأميركي |
لقيت التعيينات التنفيذية الأولى للرئيس الأميركي دونالد ترامب استغراباً شديداً لدى قطاع واسع من المراقبين السياسيين حول العالم. ذلك أنه عمد إلى استقطاب عدد من الجنرالات أو الشخصيات العسكرية المتقاعدة لملء المناصب الأساسية في إدارته الجديدة. والواقع أن ترامب ليس الرئيس الأميركي الوحيد الذي يغرف من خزان المؤسسة العسكرية، لكنه الأكثر اعتماداً على المتقاعدين من ذوي الرتب العليا في القوات المسلحة لوضعهم في مواقع مؤثرة على المستويات العسكرية والأمنية والسياسية معاً. وما كان لهذا الاستغراب أن يجد مكاناً له في التحليلات السياسية لو أننا تذكرنا بعض انتقادات ترامب لممارسات سلفه باراك أوباما، خصوصاً لجهة "التخلي عن الدور الأميركي القوي في العالم". ومن الاتهامات التي ساقها له في خضم حملته الانتخابية أنه ساهم في إضعاف القيادات العسكرية، ومنعها من القيام بالدور المنوط بها دولياً. وقد حملت تلك التصريحات رسالة ضمنية مفادها أن إدارة ترامب الجديدة ستعيد إلى المؤسسة العسكرية فعاليتها وحريتها وقرارها العملي خارج ضغوط ومؤثرات الإدارات البيروقراطية. ولذلك جاءت التعيينات التنفيذية متطابقة مع رؤية ترامب إلى طبيعة السياسة الخارجية التي يرغب في انتهاجها، بإعطاء وجهة النظر العسكرية حيزاً مركزياً في التخطيط الإستراتيجي ومن ثم في تنفيذ الخطط الناشئة عن ذلك. وهكذا نجد (حتى لحظة كتابة هذه الكلمات لأن الأمور مرشحة للتبديل في أية لحظة مع ترامب): الجنرال جيمس ماتيس وزيراً للدفاع، الجنرال جون كيلي وزيراً للأمن الداخلي، الجنرال هربرت ريموند ماكماستر مستشاراً للأمن القومي (الجنرال مايكل فلين إضطر للإستقالة من هذا المنصب بسبب فضيحة التواصل مع الروس)، الجنرال كيث كيلوغ رئيساً لأركان مجلس الأمن القومي، مايك بومبيو خريج كلية وست بوينت العسكرية ـ سلاح المدفعية مديراً لوكالة المخابرات المركزية (سي آي أي)، هيذر ويلسون قائدة سابقة في سلاح الجو وزيرة للقوات الجوية... وآخرون غيرهم في مناصب أدنى. وترافقت هذه التعيينات مع مشروع موازنة قدمته إدارة ترامب يلحظ زيادة 54 مليار دولار إلى موازنة وزارة الدفاع (البنتاغون) التي تقدر بحوالي 600 مليار دولار سنوياً. غير أن الملفت في المشروع المقترح طلب تخفيض حوالي 30 في المائة من موازنة وزارة الخارجية، بل أن التخفيضات تطال كل الدوائر الحكومية باستثناء ما هو مخصص لوزارة الدفاع وللمتقاعدين من القوات المسلحة. وعلى سبيل المقارنة فقط، نشير إلى أن موازنة وزارة الدفاع الأميركية لوحدها تعادل ربع ما ينفقه العالم أجمع على موازنات الدفاع! إننا ندعو إلى إبقاء هذه المعلومات ماثلة أمام أعيننا، ونحن ننتقل إلى متابعة المشاكل الداخلية المعقدة التي يواجهها ترامب وعدد من مساعديه في مسألة "العلاقة مع الروس"، والتي تشعبت عنها مسألة أخرى هي "عرقلة سير العدالة" في تحقيقات يجريها "مكتب التحقيقات الفيدرالي" (أف بي آي). إذ يبدو أن "غيمة الشكوك" المخيّمة على البيت الأبيض لن تنزاح بسهولة وفي القريب العاجل، بل هي مرشحة لمزيد من التصعيد القانوني والسياسي، ما يدفع إلى الاعتقاد بأن اهتمام ترامب ومساعديه سيكون مركزأ في المدى القريب على محاولة دفع الاتهامات وتعزيز مراكز القوة والدعم في الكونغرس الأميركي. هذا الوضع سيشكل فرصة سانحة لإعادة رسم الخريطة الإستراتيجية الأميركية حول العالم، ليس وفق برامج سياسية تعدها وزارة الخارجية بل على قاعدة ترسيخ القوة العسكرية الأميركية في مناطق التماس الحيوية وأبرزها في هذه المرحلة: جنوب شرق آسيا حيث القوة الصينية الصاعدة، والإطلالة الروسية على المحيط الهادئ باتجاه اليابان، وشرقي حوض البحر الأبيض المتوسط ومنطقة الخليج العربي. من دون أن ننسى طبعاً الضغط الأميركي على الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) لزيادة وتيرة الإنفاق العسكري إلى حدود 2 في المائة من الناتج القومي على الأقل. ومع أنه لم تمضِ فترة طويلة على بدء ولاية ترامب، إلا أن المؤشرات تؤكد طغيان الحراك العسكري على أي مبادرات ديبلوماسية أخرى. صحيح أن الولايات المتحدة الأميركية هي الدولة الأكثر استخداماً للقوة العسكرية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، حروباً وتدخلات وانتشاراً عالمياً، لكن الصحيح أيضاً أن هذه القوة العسكرية كانت تسير يداً بيد مع التحرك السياسي على مستوى العالم. أما في ظل الإدارة الحالية، فلا تظهر في الأفق سوى تحركات عسكرية خصوصاً في بؤر التوتر ذات القابلية القصوى للإنفجار في أية لحظة: أسطول حربي كبير إلى شبه الجزيرة الكورية، عشرات الألوف من الجنود الأميركيين والأطلسيين إلى افغانستان، قوات خاصة إلى مناطق الحدود السورية جنوباً وشرقاً وشمالاً، دوريات بحرية مكثفة قرب جزر تعتبرها الصين جزءاً من مجالها الحيوي، نشر قوات وطائرات ومنظومات صاروخية في دول البلطيق المحيطة بروسيا... واللائحة تطول! المشكلة في هذا الانتشار الواسع أن القرار بات في أيدي العسكريين نظراً إلى غياب الرؤية السياسية الواضحة من جهة، وبسبب ضعف مركز ترامب داخلياً من جهة أخرى ما يجبره على تجيير الصلاحيات والقرارات إلى العسكريين الذين يتمتعون بثقته، والذين لا يواجهون في العادة تساؤلات وعقبات من مجلسي النواب والشيوخ في واشنطن. وإذا أردنا أن نحدد معالم خطط السياسة الخارجية التي طلع بها ترامب على العالم حتى اليوم، نجد أن "القمم" التي شارك بها في الرياض اكتفت بمواقف مكررة للعمل على "مواجهة الإرهاب" مع توقيع صفقات بيع أسلحة بمئات المليارات من الدولارات. ولم تستطع قمة الأطلسي في بروكسل أن تبث مشاعر الطمأنينة في قلوب الأعضاء القلقين من ضغوطات ترامب. كما أن قمة الدول السبع الكبرى في جزيرة صقلية الإيطالية إنتهت إلى فشل ذريع، في حين اختتمت زيارته إلى فلسطين المحتلة بكلام إنشائي لا يقدم ولا يؤخر... كل ذلك والقيادات العسكرية في الإدارة الحكومية والقوات المسلحة هي التي تصيغ السياسة العملية يوماً بعد يوم. لقد قيل سابقاً إن الحرب هي السياسة بأدوات عنيفة. ويبدو أن جنرالات ترامب يعتقدون بأن الوقت قد حان لتغيير هذه المعادلة، لتصبح: الحرب هي أداة تنفيذ السياسات العنيفة!
|
جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه |