شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2017-08-16 |
اربعة اشهر ونصف في سجن الرمل |
اوردنا في النبذة تحت عنوان "الرفيقان سمير صيقلي ووليد عبد الخالق" عن الاعتقالات التي حصلت على دفعتين: في 19 و25 نيسان عام 1967. توجهت بعد الاعتقالات التي طالت الرفقاء في 19 نيسان، الى منزل رئيس اللجنة المركزية الامين عبدالله محسن، الذي كان تفاجأ بحصولها، فقد كان يقوم منذ اشهر طوال باتصالات مكوكية مع مختلف المراجع والقوى في لبنان، ويطلعنا عليها في جلسات اللجنة المركزية. لذا لم يكن متوقعاً حصول اعتقالات، بعد ما كانت تلك الاتصالات قد بلغت نتائج ايجابية لجهة صدور قانون عفو عام عن مجلس النواب. - شو رأيك؟ كان الامين عبدالله محسن يسأل معاونيه في الجلسات، وخارجها، يستأنس بآرائهم، يفكر ملياً، ثم يتخذ قراره، ودائماً يستلهم مصلحة الحزب. اجبته: رأيي ان نتابع العمل الحزبي، لنعطهم الحزب مسبحة كاملة، كي لا يأخذوننا حبة حبة. سيغصّون بالمسبحة. وافقني الامين عبدالله، رحتُ اتصل بالرفقاء المسؤولين وابلغهم قرار التحدي. جميعهم كانوا مستعدين، لا زلت اذكر لحظة وقفتُ على مقربة من محطة محروقات للرفيق سمير ضومط(1) في انطلياس، أبلغه قرار مواصلة العمل. اليد مرفوعة: تحيا سورية. ومثل جميع الرفقاء المسؤولين والطلبة، تابع تحركه الحزبي غير آبه من اي اعتقال قد يصيبه. وحصلت الدفعة الثانية من الاعتقالات يوم الثلثاء 25 نيسان. رئيس اللجنة المركزية الامين عبد الله محسن، رئيس مكتب الطلبة الرفيق لبيب ناصيف، الرفيق بهيج ابو غانم والرفيق الراحل غانم خنيصر (من ضهور الشوير وكان نشيطاً جداً ومتفانياً في عمله الحزبي). هذه المرة لم يتدخل الوزير فؤاد بطرس (مراجعة النبذة بعنوان "الرفيقان سمير صيقلي و وليد عبد الخالق"). اقتادونا الى ثكنة الامير بشير لننضم الى الرفقاء الذين كانوا اعتقلوا في 19 نيسان. لم يصبني الذعر، وانا ادخل القاووش (رقم 2) في البناية الثانية المخصصة للموقوفين. اذ كنت دخلت في المرة السابقة الى القاووش نفسه، ثم ان الرفيق جان نادر كان سبقني إليه، * بعد الافراج عنا بكفالات مالية، رحنا نحضر جلسات المحاكمات في المحكمة العسكرية، الاولى في 5 نيسان 1968 ثم في 10 تموز، ففي 11 ايلول من العام نفسه. في تلك الجلسات كنا ندخل الى القفص في قاعة المحكمة العسكرية، نبلّغ قرار تأجيل الجلسة، فنعود الى منازلنا. في 5 تشرين اول 1968 دخلنا القفص، انما لم نخرج منه الى منازلنا، بل الى سجن الرمل فقد صدرت الاحكام: آلامين عبدالله محسن والرفيق لبيب ناصيف. سنتان. الرفقاء انطون حتي، جان نادر، نقولا نصر، سهيل عبد الملك، وبهيج ابو غانم: سنة ونصف السنة. غانم خنيصر، جميل عساف، محمد السعدي: سنة واحدة. كمال نادر: 4 اشهر التفتنا الى الوراء حيث كانت مقاعد المحكمة العسكرية مكتظة بالرفقاء والمواطنين الطلبة. رفعنا اليد اليمنى، رفعوا بدورهم السواعد، يبتسمون مثلنا ويلوّحون فيما نحن نساق الى نظارة المحكمة العسكرية. كما خرج الرفقاء الآخرون المتهمون، الذين حضروا معنا جلسة المحكمة العسكرية الى منازلهم. - يلّا وسرنا، مقيّدين . - اطلعوا وصعدنا الى الشاحنة العسكرية . - شرّفوا شرفنا الى السجن. * وقفت والامين عبدالله محسن فور دخولنا الى القاووش، في حالة ذهول. فالقاووش في بناية المحكومين غيره في بناية الموقوفين. فالموقوف ربما يكون بريئاً. لذلك يُعامل الموقوفون عكس من يكون صدرت الاحكام في حقهم. في اليوم التالي، جمعونا في القاووش الرقم 4 في البناية الثانية المخصصة للموقوفين، ترى هل افلَحت الوساطات في الخارج، ام ان ادارة السجن اختارت "الحجر الانساني" علينا فتتقي شرّ نشرنا تعاليم الحزب بين المسجونين. * صحيح ان القاووش كان ضيقاً بالنسبة لـ 11 سجيناً، انما ونحن وحدنا، كنا نشعر كأننا في مكان اوسع من قصر. يكفي اننا وحدنا. - لازم تختاروا شاويش(المسؤول عن القاووش) للغرفة. اختارني الامين عبدالله محسن. * صحيح اني عرفت الامين عبدالله محسن قبل الاعتقال، وترددت كثيراً الى منزله في الحدث، وشدّتني إليه والى كل عائلته محبة كبيرة، وتقدير اكبر. السجن عادة، يفضح ويكشف، ولا يستطيع اي سجين ان يخفي عيوبه. لذلك انكشف لنا الامين عبد الله محسن. انما انكشفت قمة من المناقب والاخلاق والتعاطي الراقي. كان لنا اباً اكثر مما هو رئيساً سابقاً للحزب وواحداً من رجاله التاريخيين، نرجع إليه بطمأنينة، ودائما يجيب بسوية متقدمة من الفهم العقائدي، والدستوري. هو كنز من معلومات تصب في تاريخ الحزب. يا ليت امكن للآذان ان تسجلّ، لكنّا حفظنا لتاريخ الحزب، معلومات هائلة كان يفضي بها الامين محسن في تلك الاشهر من العام 1968. هذه ضاعت، فخسر الحزب جزءاً واسعاً من تاريخ عظيم كان رافقه الامين عبدالله محسن، خطوة خطوة: رفيقاً ومديراً ومنفذاً، وعميداً وعضو مجلس اعلى، فرئيساً له، وللحزب. * لم تحصل على مدى اربعة اشهر ونصف اي حالة سلبية بين رفيق وآخر، بالرغم من فارق السن والثقافة. كنا جميعاً قوميون اجتماعيون. كنا "رفيقاً واحداً". الدفاتر المالية(2) في حوزة الشاويش، هو يسجل على الدفتر الخاص للرفيق ما تحتاج إليه الغرفة. ولا احد يعترض. المأكولات التي ترسلها عائلات الرفقاء الاسرى، لا يحتفظ بها الرفيق لنفسه ويتمتع بما له. كلها توضع على الشرشف وسط الغرفة، والجميع يتناولون طعامهم الواحد. ولا احد يعترض. لم يُسجل على اي رفيق انه "زعل" من رفيقه، او توجّه إليه بكلمة، او... او... فلقد كنا، جميعنا، تحت عباءة الامين محسن، وكنا، جميعنا، نجمع على حبه وعلى احترامه. فضلاً، اننا في عملنا في اوساط الطلبة، كنا نشدد على السلوكية، والاخلاق، والمثالية القومية الاجتماعية. * امور يصح ان نحكي عنها: 1. اختارت ادارة السجن الرفيق بهيج ابو غانم للعمل في مكتبة السجن، فكنا، بواسطته، نحصل على الكثير من الكتب. 2. كنا ننظم احتفالاً في المناسبات. 16 تشرين الثاني.. رأس السنة، اول آذار. كلمات واطباق من "سلطة الفواكه" من اعداد الامينة هيام محسن. 3. شاعر الغرفة الرفيق بهيج ابو غانم. قصيدة في كل امر، ونضحك. كنت ارسلها الى خارج السجن، فتحتفظ بها الوالدة. عندما خرجت، وجدتها كلها. 4. مخفوراً، سيق الرفيق بهيج ابو غانم الى كلية الحقوق ليقدم فحصه الجامعي، استقبله الطلاب، رفقاء ومواطنون، استقبال الابطال واحاطوا به، ومعه ساروا الى داخل كلية الحقوق والعلوم السياسية (الجامعة اللبنانية، الصنائع). 5. بدأت موهبة الخطابة تنمو مع الامين كمال نادر في ذلك القاووش في سجن الرمل، كان في السادسة عشر من عمره، واستمر ينمو ذكياً، خطيباً، مثقفاً، وقومياً اجتماعياً حتى اعماق شرايينه. * في ذلك القاووش الرقم 4، لم نكن سجناء. كنا قوميين اجتماعيين. ولاننا كذلك، فرضنا حضورنا على عناصر الامن، الذين تعاطوا معنا بكل احترام. عند صدور العفو في 19 شباط 1969 لم أجد ما ارتديه وقد تجاوز وزني المئة كيلوغرام، لولا ان استعنت ببذلة صهري الرفيق ميشال صباغة. والا كان علي، والاقتراح لاحد رفقاء القاووش، ان اخرج من سجن الرمل على دفعتين. * اليك يا امين عبدالله محسن ارفع التحية ولك اعترف كم كنتَ كبيراً. والى ارواح الرفقاء الراحلين: سهيل عبد الملك، محمد السعدي، غانم خنيصر، والى جميع الرفقاء الذين عرفهم القاووش الرقم4: كنتم مميّزين كرفقاء في كل تصرف، وكل تعاط. بكم، بأمثالكم، يفخر حزبنا، ويفرح سعاده. * نأمل من الرفقاء والاصدقاء المقيمين في الوطن، او الذين غادروا عبر الحدود، وكانوا يفدون الى المحكمة العسكرية لحضور الجلسات، ان يكتبوا لنا معلوماتهم عن تلك الفترة. * هوامش: (1) سمير ضومط: كان تولى مسؤولية العمل الطلابي في القسم الساحلي من المتن الشمالي. فيما تولى القسم العالي الرفيق سعيد عطايا. كان الرفيق سمير نشيطاً وملبياً. غادر الى الكويت لسنوات، وبعد ان عاد الى لبنان بفترة قصيرة، وافته المنيّة. (2) كانت ادارة السجن فور دخول السجين، تنزع عنه القشاط، كل آلة حادة، كل شريط، وتأخذ المبلغ المالي الذي كان في حوزته فتسجله على الدفتر الخاص الذي يحتفظ به السجين. فكان اذا رغب شراء حاجاته من دكان السجن، يُسجلّ المبلغ الخارج على الدفتر، كما يُسجّل كل مبلغ يودعه اهله. كان "الشاويش" يحتفظ بكل الدفاتر، ويوّزع مبالغ "المصروف" على الدفاتر تبعاً للرصيد المالي المسجّل للرفيق في دفتره، وبناء لمعرفة الشاويش بالواقع المالي لهذا الرفيق. فاذا سجل 25 ليرة على دفتر الرفيق X يسجل 5 ليرات على دفتر الرفيق Y . |
جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه |