شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2018-12-29
 

الجيش السوري.. طريق منبج إلى عفرين

نظام مارديني - البناء

ثمَّة أسئلة ستراود صُنّاع القرار على الصعيدين الإقليمي والدولي، التي أُصيبت بذهول وصدمة كبيرين، بعدما حطّم الجيش السوري أحلام أردوغان، بدخوله مدينة منبج.

فما يُميّز منبج الشاهدة عن غيرها من المدن السورية، أن التاريخ فيها مقيم على الدوام في الحاضر مثلما تجد خطوطه المميّزة في تقاطيع المستقبل، لأن المدن التي بلا تاريخ تذوي وتموت، ولكن منبج التي كان يُراد لها أن تُستَشْهَد تأبى إلا أن تحيا الحاضر بروح المستقبل.

ولعل انتصارات الجيش السوري حشرت داعمي الإرهاب في زاوية ميتة.. ومثال ذلك إرهابيو إدلب، بعدما عادت وحدات الحماية الكردية لتغيّر بوصلتها استباقاً لعدم تكرار تجربة عفرين التي احتلّت من قبل الجيش التركي، وهي المدينة التي دخلت على الملف السوري المزدحم أساساً ذلك الوقت، بجملة من الأزمات عنوة من قِبل الفخّ الأميركي بإنشاء جيش مكوّن من أغلبية كرديّة لإنشاء كانتون كردي، يمتدّ من شمال شرق سورية وحتى تخوم إدلب!

تعرف «وحدات حماية الشعب الكردية» أنها لا تستطيع المراهنة على أوهام مواجهة العدوان التركي وحدها، فهي ليست معركتها فقط، بل هي من المفترض أن تكون معركة السوريّين جميعاً في مواجهة الجيش التركي وعملائه، ولذلك ليس أمام «وحدات الحماية» الآن غير متابعة التنسيق مع الجيش السوري وإعادة مؤسسات الدولة لممارسة مهامّها في تلك المنطقة، فهي الغطاء الشرعي الوحيد لكافّة الأراضي السورية، وذلك استعداداً ليكون طريق منبج منفذاً لاستعادة عفرين وقراها الخضراء الثلاثمئة، وهو الطريق لعودة شرق الفرات والى سيطرة الدولة ومؤسساتها.

ولكن هذا الانتصار ـ التحوّل للجيش السوري، ليس مُراده تعزيز مفهوم السلطة فقط بعد استعادة كامل الأرض السورية، بقدر ما هو تكريس لمفهوم الدولة الوطنية المركزية في وجه قوى العدوان والطغيان ومرتزقتهم، في حرب نفسية سخّروا لها أضخم أجهزة الإعلام، وآخر ما توصل إليه علم النفس لتدمير معنويات شعبنا وجيشه الباسل، وتفتيت سورية إلى دويلات متحاربة، وإجهاض عملية البناء، وتبديد الطاقات في الاقتتال الطائفي والعرقي، بدلاً من توظيف تلك الأموال للنهضة والبناء والإعمار والازدهار الاقتصادي.

لقد بيّنت الانتصارات التي حققها الجيش السوري في استعادة مناطق واسعة من أرياف دمشق والقنيطرة ودرعا وحمص وحماة واللاذقية وحلب، أن المعادلة القائمة في جبهات القتال هي التي تفرض معطياتها على خريطة الحرب التي لن تنتصر فيها المجموعات الإرهابية، حتى لو توسّعت في مناطق سورية عديدة، لسبب بسيط يتعلق بافتقادها للقضية التي تخوض من أجلها الحرب العدوانية عدا قضية حوريات الجنة في حين يمتلك الجيش السوري روح القضية بالعنفوان المطلوب لتحقيق النصر المتكامل.. وإذا كانت تركيا وقطر تبحثان عن انتصار وهمي عبر الإعلام.. فإن السوريين يصنعون انتصارهم الحقيقي في ساحة النزال بدمائهم وأرواحهم المبذولة دفاعاً عن وطن وأرض وكرامة وسيادة، وليس من أجل المال. فالنصر لا يمكن شراؤه بالمال، وهنا تكمن المفارقة وبديهيات المقارنة ووجوهها لمن يبحث عما خفي من تفاصيل انتصارات الجيش السوري ودخوله منبج وتقهقر قوى العدوان.

ما نريد تأكيده هنا أن ما للقيادة العليا في الجيش السوري مع جسم «وحدات حماية الشعب» لهو أكبر وأقوى مما للولايات المتحدة وعملائها بينهم، ولطالما كان الواقع حليف الحقيقة بعد كشف زيف وخبث العلاقة مع أميركا التي كانت تعتبر بعض أكراد سورية أداة لتكريس وجودها في مناطق سيطرتها شرق الفرات الغنية بالغاز والنفط والمياه والأراضي الزراعية. وهي لذلك لم تتوانَ عن إعطاء تركيا الضوء الأخضر لشن عملياتها العسكرية سابقاً لاحتلال عفرين.. كما لاحتلال منبج، وهو ما أدركته وحدات الحماية الكردية التي استدعت الجيش السوري الى منبج لصدّ أي عدوان تركي محتمل. لعلنا نتذكر كيف اقترحت واشنطن على تركيا إنشاء منطقة آمنة بعمق 30 كم في الأراضي السورية بعد احتلال عفرين!

لاحظوا كيف تغيّر وجه أردوغان حين وصلت وحدات الجيش السوري إلى منبج ورفع الأهالي العلم الوطني على أسطح منازلهم، وكان عليه منذ البداية أن يدرك أن سورية، سورية كلها، خط أحمر.. لن يكون باستطاعة جيش أردوغان ومرتزقته أن يقيموا ولايات على أرضها حتى المتوسط.

ولكن بعيداً عن تحليلات بعض السياسيين الذين لا يفرقون «بين الخيار الاستراتيجي والخيار باللبن» على حد قول الشاعر محمد الماغوط، «يبدو أن ديناميكية الميدان السوري ومستجدّاته العسكرية ستسير بوتيرة أسرع مما مضى، ولهذا فإن «السلطان العثماني».. سيزداد هذيانه، بعدما بات الجيش السوري قاب قوسين أو أدنى من إنهاء حلمه في شمال سورية.


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه