شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2019-01-10 |
وجعُ «الهويّات».. مشاريع «التقسيم الناعم»! |
في كل يوم تكشف الحروب في الجغرافيا أنها باتت أعقد من أن تحلّ عبر ترقيعات تسووية تُوقّع في الغرف الضيّقة، أو من خلال وساطات محلية بل عبر وساطات مصالحية، إقليمية ودولية تقارب الأزمة، عبر روايات الجماعات والأقليات المتنازعة. إن مصطلح «وجع الهويات» قد يكون هو العبارة القادرة على تفسير حالة الاستعصاء السياسي الهوياتي القائمة اليوم في العراق وسورية ولبنان والأردن، ذلك أنّ حدّة الأزمات فيهما تأخذ شكلاً تصاعدياً. ومن المفارقات أنّ التسويات الترقيعية كافة تبنى على مفهوم المحاصصات والترضيات، في حين أنّ الإشكال بات إشكالاً هوياتياً ثقافياً سياسيّاً لا يحتاج إلى إعادة إعمار العمران، وإنما يحتاج إلى إعادة إعمار الإنسان والأوطان. ذلك أنّ المشاكل الحقيقية التي تتكشّف اليوم تحتاج إلى إعادة تأصيل حقيقي لمفهوم المواطنة ولمصالحة بين الوطن والمواطن. إنّ حالة الاستعصاء القائمة الآن في كل من العراق وسورية ولبنان والأردن تعود إلى انبعاث «هويات» ما قبل الدولة وإحياء أطروحات ما بعد الدولة «فكرة التقسيم الناعم على وقع الفيدرالية التي بدأت مع الحرب اللبنانية الداخلية»، حتى أن الباحث الغربي البارز في معهد واشنطن مايكل نايتس، أكد لنا أن رؤية أميركا تجاه حربها على الإرهاب رؤية قاصرة ومحدودة، مطالباً إياها بالاستعداد للحروب المقبلة بعد هزيمة التنظيمات الارهابية، حتى يتسنّى لها درء النزاعات المقبلة في الشرق الأوسط، أو الحد منها، أو الانتصار فيها، وهو يشير بذلك إلى «الأكراد» و»السنة» والشيعة. ولعل ما كشف في السنوات الماضية من اتفاقات «وهمية» في دعم إقامة دويلة كردية في العراق وسورية، تؤكده المعلومات التي تشير إلى دور أميركي في دعم هذا التوجه وإلباس هذه الدويلات ثوباً عرقياً أو ثوباً طائفياً في مسعى لتحقيق هدف الولايات المتحدة المنشود الرامي إلى تقسيم العراق وسورية وتشكيل «الأقاليم العرقية الطائفية»، وعلى أن تكون «الدويلات» الشيعية والسنية والكردية بديل «داعش والنصرة» اللذين تساقطت أوراقهما في العراق وسورية، ولكن بقاء هاتين الدولتين موحدتين سيبقى العقبة الرئيسية التي تحول دون إتمام المشروع الأميركي الشرق أوسطي. لا شك في أن تعدّد المشاريع المطروحة لإنهاء وحدة كل من العراق وسورية ووضع حد لكابوس «الدولة القومية» يتزايد، بيْدَ أن مشاريع الحلول كافة اصطدمت باستعصاء هوياتي خلاصته أن الهويات المتمردة ثارت ضد السياسات الإلغائية المعتمَدة من الدولة الرسمية، وبالتالي فإنّ حالة من المكاسرة بين «الهوية» و»الدولة الموحّدة» أو بين «قومية صغرى» و»قومية كبرى»، لا تنتهي بمجرّد التوقيع على نصوص مشاريع التسوية، فيتبدى بذلك استلاب الهوية في أبشع صوره، وتنتصر الهوية العرقية والمذهبية الضيقة القاتلة، كما سماها أمين معلوف على الهوية الجامعة الموحدة. أوهام هذه الجماعات العرقية والمذهبية، التي باعت هويتها الموحدة واستبدلت بها هوية ضيقة، منحها الخريف العربي مساحة ودعمًا دوليًا لتبرز وتعلن عن انفصال هويتها، ولا يتضمن هذا التوجه بوجود هوية وطنية. وعلى العكس، فان وجود هذا التنوع في النسيج المجتمعي، يُغني الهوية الوطنية في كل من، العراق وسورية ولبنان والأردن، ويجعلها أكثر تسامحاً، لأنَّ الاعتراف بالتنوع يغني المجتمع في تلك الدول، ويفسح المجال لحل إشكالات «الهوية» الواضحة. ندرك أن نصوص التسويات تؤسس لحلول محدودة في الزمان والمكان «الزمكان»، في حين أنّ المواطنة وحدَها تعيد بناء الإنسان وتشفي مجتمعنا من «وجع هوياتي يقسم ولا يوحّد». |
جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه |