شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2019-04-03
 

اسطنبول وأنقرة تهزمان «العثمانية» الجديدة

د. وفيق إبراهيم - البناء

الطموحات العثمانية الاخوانية للرئيس التركي رجب طيب اردوغان في مرحلة اهتزاز عميق، لم يسقط بضربة انتخابية قاضية حتى الآن، لكنه تلقى لكمة لها طابع مستقبلي أصابت جانبي وجهه: العثماني والاخواني الإسلاموي.

فالقراءة الدقيقة لنتائج الانتخابات البلدية في تركيا تكشف بوضوح عن صراع متفاقم بين تيارين كبيرين: الأول قومي تاريخي ديني والثاني يجسد تركيا «الأوروبية» المتأثرة بالاقتصاد والتقسيم الطبقي.

ما هو واضح ولا يمكن نكرانه هو أن حزب العدالة والتنمية الذي يترأسه اردوغان حاز على 51 في المئة من أصوات المقترعين متحالفاً مع حزب الحركة القومية بما مجموعه 9,23 مليون صوت.

فيما نال منافسه الحزب الجمهوري المتحالف مع حزب «الجيد» 4,17 مليون صوت مقابل 10,82 ملايين لأحزاب اخرى.

ما تجب قراءته في هذه النتائج ليس التفوق الواضح في الأصوات فقط، فمن الضروري ربطها بمكانة حزب العدالة والتنمية الذي يحكم تركيا منذ 15 عاماً متواصلاً مسيطراً على 95 في المئة من وسائل الإعلام المتنوّع وقوة الجيش التركي مليون جندي والأمن الداخلي والمخابرات، والإدارات، بالإضافة الى 300 ألف معتقل زجّ بهم اردوغان في السجون بذريعة تأييدهم «للداعية» فتح الله غولن الموجود حالياً في الولايات المتحدة الأميركية، ويتندر الأتراك في هذا الصدد أن اردوغان اعتقل كل المواطنين باستثناء زوجته «أمينة».

لقد بدا واضحاً أن اردوغان صاحب مشروع تاريخي عثماني وقومي تركي واخواني إسلامي باعتبار ان حزبه العدالة والتنمية ينتمي الى فدرالية «الاخوان» في العالمين العربي والإسلامي ويديرها سورية، العراق، مصر، تونس، اليمن، ليبيا، السودان، الجزائر… هذا ما دفعه الى التحالف مع حزب الحركة القومية الذي يجب ان يتناقض «ايديولوجيا» مع الاممية الإسلامية الاخوانية بما يكشف الاصرار الاردوغاني على أممية إسلامية بزعامة عثمانية حصرية يقودها سلطان البر والخافقين الرجب الاردوغاني.

لذلك كان من الطبيعي أن يولي الرئيس التركي الجانب المؤدي الى تظهير عثمانية في التحشيد الداخلي التاريخي والتحرك السياسي والعسكري والديني في المدى العربي والإسلامي المجاور.

فتجسّد هذا الجانب في أدوار تركيا في سورية والعراق لأنهما البلدان المجاوران مباشرة مستعملاً فيهما التحريض الطائفي سنة وشيعة ومسيحيين وعلويين ودعم تنظيمات الإرهاب والاخوان، والاحتلال العسكري المباشر لقسم من أراضيهما.

أما في مصر فحاول بواسطة الاخوان فيها السيطرة على الدولة، وكذلك في اليمن الإصلاح وليبيا وتونس والسودان، اجتاحت تركيا عسكرياً بعض انحاء البلدان المتاخمة لها وبواسطة الاخوان مجمل الدول الأخرى وصولاً الى الصومال وتشاد ونيجيريا.

إن تناقض المشروع الاردوغاني مع المشروع الأميركي الأوروبي الإسرائيلي استولد له عداء خليجياً وحذراً سياسياً واقتصادياً حال دون انتسابها للاتحاد الأوروبي وصولاً الى فرض عقوبات اميركية استهدفت بعض قطاعاتها.

يتبين ان المشروع القومي المختبئ خلف أبعاد دينية وعثمانية تسبب لتركيا تقلصاً في المديين الأوروبي والأميركي الى جانب كثير من الإنفاق التركي على تمويل حركات الاخوان المسلمين والتحركات العسكرية في العالم العربي الإسلامي. وهذا استتبع ضموراً في الواردات انسحب على حركة الإنفاق في الداخل التركي فأصيبت كل الطبقات التركية بتراجع.

واذا كانت الفئات الريفية المنتمية الى أسفل السُلم الطبقي والعمال في المدن تستجيب كحالها في معظم دول العالم للتحشيد الوطني والقومي والديني وتتحمل المصاعب الاقتصادية، فإن الطبقة الوسطى التركية المشابهة لمثيلاتها الأوروبية تمتاز بقدرتها على تجاوز أساليب التحشيد العثماني والقراءة المتعمقة للتراجع الاقتصادي. هذا بالإضافة الى تقليدها للنموذج الأوروبي على المستوى الحياتي الاجتماعي، وبالتالي السياسي وهذا جلي في الفوارق السياسية والايديولوجية بين حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية المتحالفين على أساس الجمع بين التاريخ العثماني والقومية التركية، مقابل حزبي الجمهوري والجيد العاكسين لتركيا من الستينيات حتى مطلع القرن الحادي والعشرين أي الدافعين نحو نظام جمهوري مدني قاعدة الانقسام فيه هي الطبقات الاجتماعية وليس المشروع الديني القومي.

ألا تعكس هذه القراءة نتائج الانتخابات الأخيرة في تركيا؟

وإلا كيف يُمكن تفسير نجاح الحزبين الجمهوري والجيد في مدينتي اسطنبول والعاصمة انقرة، حيث الغلبة فيهما للطبقة الوسطى مقابل استئثار حزب العدالة الاخواني في الأرياف والبلدات الصغيرة، التي يقيم فيها قرويو تركيا وريفيوها؟

هناك نقطة إضافية تتعلق بالفارق بالإمكانات المادية والرسمية بين حزب اردوغان الذي يسيطر على كل مصادر التحشيد في الدولة والأمن والإعلام فيما لا تمتلك القوى الحزبية المنافسة أي إمكانات تأثير رسمية او حتى خاصة وإعلامية.

يتبين بالنتيجة ان خسارة اردوغان للمدن، اكثر من رسالة رفض لمشروعه العثماني الاخواني وإشعار مسبق بانتصار المستقبل التركي على التاريخ العثماني البائد.

فهل يذهب اردوغان نحو التخفيف من حركته الخارجية والتركيز على الداخل التركي؟

يبدو أنه تأخّر ومن المعتقد أن أي استدارة جديدة لن تكسبه المدن التي كشفته بعد عقد ونصف من حكمه وقد تطرده من الأرياف التي أصبحت معتادة على التحشيد، أما لجهة الاخوان المسلمين فهؤلاء ذاهبون نحو عودة سريعة الى عالم الظلام والاختباء في دهاليز التاريخ.


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه