شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2019-08-27
 

أردوغان ــ بوتين: سياسة حافة الهاوية

محمد نور الدين - الاخبار

الزيارة العاجلة التي سيقوم بها، اليوم، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لروسيا، للقاء الرئيس فلاديمير بوتين، بعدما كان مقرّراً أن تكون ثلاثية مع الرئيس الإيراني حسن روحاني في منتصف أيلول المقبل، تؤكّد أن العلاقات التركية – الروسية تمرّ بوضع دقيق يحتاج إلى تفاهمات جديدة، إن استطاع بوتين وأردوغان إلى ذلك سبيلاً. فما بين بدء مسار أستانا في مطلع 2017، وتفاهم سوتشي الأخير في 17 أيلول من العام الماضي وحتى اليوم، جرت مياه كثيرة بين تركيا وروسيا. وجاءت بعض التطورات في الفترة الأخيرة لتضع هذه العلاقات أمام امتحان جديد وتحدّ واضح، لم يعد معه ممكناً لهذه «الشراكة» الطارئة أن تستمر كما هي، بل بات عليها أن تبحث عن مسارب جديدة تحول دون احتقان المياه وانفجارها. التأزم المستجد في العلاقات التركية – الروسية له عنوانان رئيسان: الوضع في شبه جزيرة القرم، واتفاق «المنطقة الآمنة» بين تركيا والولايات المتحدة، لتكون إدلب الترجمة المباشرة لهذا التأزم.

«الاحتلال» الروسي للقرم

خلال المؤتمر الصحافي المشترك مع نظيره الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، في أنقرة في السابع من آب، وصف أردوغان الوجود الروسي في شبه جزيرة القرم بأنه «احتلال»، داعياً إلى انسحاب الروس من هناك وإعادة القرم إلى أوكرانيا. ولم يمرّ هذا التصريح مرور الكرام حول قضية استراتيجية وحيوية جداً بالنسبة إلى روسيا، التي لم تقر في الموقف التركي، عدم حيادية فقط، بل عداءً. وقد أشار الكاتب الروسي، إيليا بولونسكي، في موقع «فويونوي أوبوزرونيا»، إلى أن التصريح التركي أظهر أن المصالح الاستراتيجية بين البلدين متباعدة جداً، وأن تركيا لم تنسَ بعد خسارتها لمنطقة البحر الأسود لمصلحة روسيا القيصرية، وأنه كان على أردوغان، إذا كان حريصاً على العلاقات مع روسيا، أن يعكس استقلالية عن الموقف الأميركي والأوروبي، قائلاً إن أردوغان يريد القرم أن تكون تابعة لبلد ضعيف مثل أوكرانيا ينسجم مع تطلعات تركيا. وأشار الكاتب إلى أن تركيا تؤوي وتحمي قادة متطرفين للمعارضة الروسية، مشيراً إلى أن عليها أن تحسم تموضعها في السياسة الدولية، وأنه إذا أرادت ألّا تكون دولة تابعة وعميلة للولايات المتحدة، فعليها أن تتخلى عن خطابها المعادي لروسيا، داعياً إلى الرد على موقف أردوغان.

«المنطقة الآمنة»

في السابع من آب الجاري، أبرمت أنقرة اتفاقاً طال انتظاره مع واشنطن على إقامة «منطقة آمنة» في شرقيّ الفرات. وكان رهان روسيا على أن «تشتري» موقفاً تركياً مغايراً لموقف واشنطن في سوريا، عندما أعطت الضوء الأخضر لأنقرة للقيام بعملية «درع الفرات» و«غصن الزيتون» والمزيد من التوسع والتمركز في إدلب عبر ما يسمى «نقاط المراقبة»، باعتبار العمليتين الأوليين إضعافاً للقوى الكردية والدور الأميركي المحتضن لها. لكن تركيا، في اتفاقها مع الولايات المتحدة حول «المنطقة الآمنة»، أعادت خلط الأوراق بما يصبّ في مصلحتها. فإلى النفوذ في مناطق جرابلس وعفرين وإدلب، أصبح بإمكان تركيا توسيع حضورها ونفوذها في سوريا بالوجود العسكري بالاشتراك مع الأميركيين في شرقيّ الفرات. وهذا لم يرُق روسيا التي ترى اليوم في عودة التنسيق التركي مع أميركا ورقة ضغط وابتزاز ضدها، خصوصاً أن تركيا اعتمدت سياسة المماطلة في تطبيق اتفاق سوتشي العام الماضي حول إدلب، ولم تطبّق بنداً واحداً منه، بل أمعنت في سياسة دعم المسلحين من خلال إرسال تعزيزات إليهم عشية معارك خان شيخون.

*تركيا في اتفاقها مع واشنطن حول «المنطقة الآمنة» أعادت خلط الأوراق*

الرد الروسي لم يتأخر، ولا سيما أنه ينسجم، هذه المرة، مع الامتعاض السوري من التطورات، خصوصاً في إدلب، والشعور العام في دمشق (التي بأي حال ليست طرفاً في تفاهمات تتعلق بها) بأن موسكو تساير أردوغان أكثر من اللازم ومن دون أي نتائج لمصلحة الدولة والسيادة السوريتين. يقول الكاتب التركي، فهيم طاشتكين، في صحيفة «غازيتيه دوار»، إن روسيا غضت النظر عن احتلال أردوغان لإدلب بمئة ألف «جهادي» مقابل صفقة صواريخ «أس 400». لكن اتفاق «المنطقة الآمنة» من الخطوات التي لا يمكن بوتين أن «يبتلعها»، فكان الرد في إدلب وإطلاق حملة عسكرية واسعة انتهت باستعادة خان شيخون، وإرسال رسالة بالنار إلى تركيا عندما قصفت الطائرات السورية والروسية قافلة عسكرية تركية كانت تتقدم لدعم المسلحين، وعندما وضعت نقطة المراقبة التركية رقم 9 في مورك تحت الحصار. واستغرب طاشتكين هذا الاحتضان التركي للجماعات المسلحة التي تسبب لتركيا الأضرار المتواصلة، واصفاً إدلب بأنها «لعنة» سقطت على رأس تركيا بسبب سياسات أردوغان «الاتحادية» (نسبة إلى قادة «الاتحاد والترقي» خلال الحرب العالمية الأولى الذين أنتجوا سياسات مغامرة انتهت إلى انهيار الدولة العثمانية وتفككها).

أما باريش دوستر، فيدعو في صحيفة «جمهورييت»، أردوغان، إلى العودة لسياسات أتاتورك الحيادية، فيما يرى سادات أرغين في صحيفة «حرييت» أن القصف الروسي - السوري للقافلة التركية كان اللحظة الأكثر هشاشة في سياسة تركيا تجاه سوريا، علماً أن الكاتب مراد يتكين كشف، في موقعه الإلكتروني، عن تفصيل في غاية الأهمية، وهو أن الطائرة التي قصفت القافلة التركية كانت روسية من طراز «سوخوي 22» ويقودها طيار روسي، وأن أحد القتلى الثلاثة «المدنيين» في القصف لم يكن سوى حسين قاسم من قادة «فيلق الشام».

إضافة إلى الرد الروسي في إدلب على مسألتَي القرم و«المنطقة الآمنة»، فإن الرد قد يتوسع ليشمل، على ما أشاعت أوساط روسية، إجراء لقاءات مع قادة حزب «العمال الكردستاني» الذي تعتبره تركيا منظمة إرهابية وانفصالية. مع ذلك، عشية زيارته لموسكو، وفي إطار لعبة شد الحبال، أرسل أردوغان رسالتَي تحدٍّ إلى روسيا: الأولى بالقول إن نقطة المراقبة رقم 9 ستبقى في مكانها، والثانية إعلان وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار، السبت الماضي، أن الدوريات المشتركة الجوية بين تركيا وأميركا بدأت فوق «المنطقة الآمنة»، وأن غرفة العمليات المشتركة شرعت في عملها «بأقصى طاقتها»، أي لا تراجع عن الاتفاق. في هذا الوقت، تطرّقت مستشارة الرئيس السوري بشار الأسد، بثينة شعبان، إلى مسألة استمرار تفاهمات أستانا وسوتشي، بالقول إن العمليات العسكرية في خان شيخون ومنطقة إدلب قد تجاوزت تلك التفاهمات التي «باتت وراءنا».

من مجمل المقاربة الروسية للعلاقات مع تركيا، لا يبدو أن قراراً روسياً قد اتُّخذ بتفجير تلك العلاقات. وسيستمع بوتين إلى أردوغان، الذي لن يتخلّى بدوره عن «عادته» بالسعي إلى التوافق على إجراءات تفصيلية جديدة ترمّم اتفاق سوتشي بطريقة أو بأخرى، على أمل التملّص منه لاحقاً. فهل سينجح أردوغان في تسكين بوتين؟ ومقابل أي ثمن؟ أم سيكون أمام الحقيقة عارية هذه المرة؟

------------------------------------------

موسكو: التصعيد في إدلب «لا يخرق الاتفاقات»

قبيل استقبال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نظيره التركي رجب طيب أردوغان، اليوم، في موسكو، أكد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أمس، أن العمليات الجارية في ادلب وخان شيخون تسير «من دون خروقات»، مشدداً على أن تحرير الجيش السوري لأراضيه «لا يُعدّ خرقاً لأي تفاهمات، بما فيها أستانا وسوتشي». وأضاف لافروف، خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الأنغولي في موسكو أمس، أن «دعم القوات الجوية الروسية لعمليات الجيش السوري في خان شيخون لا ينتهك الاتفاقات مع تركيا»، مشيراً إلى «(أننا) لم نتمكن من تسيير دوريات رقابة مشتركة روسية - تركية في منطقة خفض التصعيد في إدلب». ووصف وجود القوات الأميركية شرقي الفرات بأنه «خرق للقوانين الدولية واعتداء على سيادة سوريا»، معتبراً تهديد الولايات المتحدة المشاركين في معرض دمشق الدولي بالعقوبات «غير مقبول». وكان المتحدث باسم الكرملن، ديمتري بيسكوف، أعلن أن «المستجدات في سوريا ستكون أحد المحاور الرئيسة» في لقاء بوتين - أردوغان، لافتاً في تصريحات صحافية إلى أن «بوتين قال مراراً إنه يتفهّم هواجس تركيا في ما يخصّ إدلب، لكنه ما زال يشعر بالقلق من أنشطة العناصر الإرهابيين».


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه