شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2019-10-10 |
ترامب وسورية والأكراد: "تبقى وحيداً... وتندم" |
بين كتابة هذا المقال ووصوله إلكترونياً إلى القارئ، هناك احتمال كبير في أن يكون الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد غيّر رأيه مرّة أخرى في ما يتعلق بسحب القوات الأميركية من الأراضي السورية. فنحن ما زلنا نذكر كيف أنه تراجع عن قرار مماثل اتخذه في آذار الماضي بفعل ضغوط تعرض لها سواء من المؤسسة العسكرية الأميركية أو من الحلفاء الأوروبيين الموجودين في سورية بصورة مخالفة للقانون الدولي. هذا على الرغم من إقدام الأتراك على شن حملة عسكرية في الشمال السوري. لكن دعونا نتناول المسائل التي ركز عليها المعترضون الأميركيون والأوروبيون بعدما فاجأهم ترامب مجدداً بقرار الانسحاب من شمال شرق سورية، وبإعطاء الضوء الأخضر لأنقرة كي تقيم ما تصفه بأنه "منطقة آمنة" بعمق ثلاثين كيلومتراً داخل الأراضي السورية. هذا القرار يعني، بشكل أو بآخر، التخلي عن الجماعات الكردية المتحالفة مع واشنطن، الأمر الذي سيؤدي طبعاً إلى مواجهة مفتوحة بين الأكراد والقوات التركية الغازية. شدّد المعترضون كثيراً على أنه من "المعيب" على إدارة ترامب أن تتخلى عن الذين "قاتلوا إلى جانب الأميركيين" في التصدي لإرهابيي "داعش" والجماعات التكفيرية المشابهة. إذ أنه ليس من "شيم" واشنطن أن تترك حلفاءها لمصيرهم الأسود بعد أن تنتفي الحاجة إلى خدماتهم. ولذلك فإن ترامب يرتكب "خطيئة سياسية وأخلاقية" في قرار الانسحاب من دون وضع ترتيبات تحمي الأكراد إزاء الحملة التركية الهادفة إلى كسر السيطرة الكردية على مناطق واسعة من الشمال والشمال الشرقي في سورية. لكن هل صحيح أن الإدارات الأميركية المتعاقبة، قبل ترامب، كانت تحافظ على الجماعات المحلية المرتبطة بها وتحميها بعد أن تنال واشنطن وطرها في الساحات الخارجية؟ طبعاً لا. وهذا لا ينطبق على الولايات المتحدة الأميركية وحدها، وإنما هو من "شيم" الدول الاستعمارية الكبرى التي غالباً ما كانت تجنّد الأقليات العرقية والطائفية لإحكام سيطرتها على الشعوب المغلوبة. وما أن تتبدل الظروف، حتى تجد هذه الجماعات نفسها منفردة في مهب الريح... اللهم إلا بعض "القادة المحظوظين" الذين يتم نقلهم إلى حياة المنفى الأمين! وعندنا أمثلة ما تزال حية في ذاكرتنا. الهزيمة الساحقة للقوات الأميركية في جنوب شرق آسيا أجبرت واشنطن على الانسحاب غير المنظم من سايغون عاصمة الشطر الجنوبي من فييتنام. ولا يمكن أن ننسى كيف عمد الجنود الأميركيون إلى طرد "حلفائهم" من حرم السفارة، بل ورموا بهم من أعلى سطح المبنى حيث كانت طائرات الهليكوبتر العسكرية تنقل آخر الديبلوماسيين الأميركيين الهاربين من سايغون المحررة. لكن المثال الأكثر انطباقاً على حالة أكراد سورية نجده في الحالة الأفغانية مطلع ثمانينات القرن الماضي، عندما "وظفت" الإدارة الأميركية جماعات الإسلام السياسي من مختلف الدول العربية والإسلامية في معركتها مع القوات السوفياتية المتمركزة في أفغانستان. وما أن انسحب السوفيات من الأراضي الأفغانية بما يشبه الهزيمة، حتى نفضت واشنطن يدها تماماً من "المجاهدين". وقد مهدّت صراعات تلك المرحلة لصعود حركة "طالبان" وتنظيم "القاعدة"... وما جرى بعد ذلك معروف بحذافيره. المسألة الثانية في حجج المعترضين على قرار ترامب أن الجماعات الكردية نجحت في إقامة "إدارة ذاتية ناجحة" في المناطق الشمالية الشرقية، وإن كان ذلك بحماية القوات الأميركية ودعم قوي من الدول الأوروبية. وهذه هي المسألة التي تعنينا وتهمنا من منظور وحدة الأراضي السورية وسيادة الدولة غير المنقوصة. ولا بد من الاعتراف، أولاً، بأن الجماعات الكردية تمكنت من إحكام سيطرتها في خضم الظروف الأمنية القاسية. غير أنها عمدت إلى ذلك تحت مسمى "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) التي ضمت أطرافاً غير كردية، إلا أن الواقع الميداني يشير إلى هيمنة كردية كاملة على "قسد". وتعتقد غالبية المتابعين لما يجري في الشمال الشرقي من سورية أن "الإدارة الذاتية" الناشئة هناك إنما وُجدت بفعل الأمر الواقع بسبب الأحداث الأمنية. وهذا صحيح جزئياً، لكن الصحيح أيضاً أن أطرافاً كردية فاعلة كانت تخطط منذ سنوات، وتأمل في تحقيق نوع من "الحكم الذاتي" بالتوافق مع الحكومة المركزية بدمشق أو حتى إنشاء منطقة آمنة على غرار ما كان عليه الوضع في شمال العراق قبل الغزو الأميركي ـ البريطاني. وعندما سنحت الفرصة المواتية، لم تتردد هذه الجماعات في مد يد التعاون نحو الولايات المتحدة وأوروبا. في أرشيفي الشخصي كتيب بعنوان "القضية الكردية في غربي كردستان ـ كردستان سورية" أصدرته جمعية غربي كردستان والمؤتمر الوطني الكردستاني في لندن سنة 2002. وإذا تركنا جانباً الانتقادات المتنوعة والتحليلات المختلفة، سنرى أنفسنا أمام عبارة ملفتة للنظر وخطيرة أوردها جواد ملا رئيس المؤتمر الوطني الكردستاني آنذاك. فهو يدعو إلى "العمل على وضع غربي كردستان (سورية) تحت الحماية الدولية لتكون منطقة آمنة كالمنطقة الآمنة التي حصل عليها الشعب الكردي في جنوبي كردستان (العراق) منذ العام 1991". وهذا ما تم بالفعل عندما احتلت القوات الأميركية مناطق شرقي الفرات، وتولت تدريب وتسليح وتمويل عناصر "قسد". وأخيراً قرر ترامب الانسحاب من سورية (هذا إذا ظل عند كلمته!)، وأطلت القوات التركية (الأطلسية)، فوجد الأكراد أنفسهم أمام عدو تركي تتناقض مصالحه جذرياً مع مصالحهم. لذلك أخذنا نسمع بعض الأصوات الكردية الداعية إلى "التنسيق" مع الحكومة السورية كخطوة ضرورية لاحتواء تداعيات العملية العسكرية التركية. وهذه خطوة مطلوبة ومرحب بها إذا حدثت، لكن يجب أن لا تكون ظرفية بعامل الحاجة والاضطرار فقط. كما أنه يقع على عاتق السلطة المركزية في دمشق ان تحدد إطار العلاقة مع الأكراد (ومع مجمل الأقليات العرقية والمذهبية) على أساس المواطنة ووحدة الحياة والمصالح العامة. إن الحرب الكارثية التي أنهكت سورية منذ العام 2011 وضعت النسيج الاجتماعي تحت ضغوط داخلية وخارجية هائلة. لذلك لم تعد تنفع الحلول الترقيعية كما كان يحدث في الماضي، بل تحتاج الأمة إلى حلول جذرية مهما كانت صعبة ومؤلمة في مراحلها الأولى. العدو التركي لن يكتفي بالثلاثين كيلومتراً، والأكراد باتوا منفردين بمواجهة آلة الموت الأطلسية، ودمشق هي المعني الأول. المهم أن نأكل العنب... لا أن نقتل الناطور!
|
جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه |