إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

نقض الاتفاقيات والانسحاب من المعاهدات… أسلوب ترامب المفضل للاستهزاء بالقوانين الدولية

نسخة للطباعة  | +  حجم الخط  - 2019-11-05

سانا - قرارات بالجملة اتخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقيات دولية عدة آخرها اتفاقية باريس للمناخ في وقت بدا أنه نهج مدروس كرسه للاستهزاء بالقوانين الدولية والاستخفاف بها أمام الرأي العام الأمريكي والعالمي.

تنصل الولايات المتحدة من معاهدات واتفاقيات دولية أو ثنائية موقعة منذ سنوات طويلة بلغ ذروته في عهد ترامب الذي أعلن منذ توليه الرئاسة في عام 2017 الانسحاب أو هدد بالانسحاب من عدة اتفاقيات دولية ضارباً عرض الحائط بالمواثيق والأعراف الدولية ومتجاهلاً الانتقادات والأصوات المطالبة بالتراجع عن مثل هذه الخطوات المتهورة وأحدثها الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ ما أثار سلسلة من ردود الفعل الأمريكية والدولية تراوحت بين الاستهجان والغضب.

ترامب أثبت من جديد أنه لن يغير سلوكه تجاه التعامل مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية حيث قدمت إدارته إلى الأمم المتحدة الأوراق اللازمة للانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ كأول خطوة رسمية في عملية تستغرق عاماً للخروج من هذا الاتفاق العالمي الذي يهدف لمكافحة التغير المناخي ولتصبح بذلك الولايات المتحدة فور تنفيذ خروجها في الرابع من تشرين الثاني من العام المقبل البلد الوحيد خارج الاتفاقية رغم أنها من أكثر الدول المسببة لانبعاث غازات الاحتباس الحراري.

قرار ترامب الانسحاب من اتفاقية باريس لا يثير الاستغراب وهو الذي ينكر وجود تغير مناخ أصلاً ويصف ذلك بالخدعة ولا يعترف بظاهرة الاحتباس الحراري ضارباً بالحقائق العلمية وتحذيرات الخبراء عرض الحائط كما أنه هو الذي سخر من الناشطة في مجال البيئة غريتا تونبرغ التي ألقت مؤخراً خطاباً حول تغير المناخ أمام الأمم المتحدة ما أثار موجة انتقادات واسعة ضده.

وكعادة مسؤولي إدارة ترامب الذين يسارعون إلى إيجاد اعذار وتبريرات لقرارات رئيسهم المخالفة للقوانين الدولية وللمنطق على حد سواء كما هو الحال في الانسحاب من اتفاقية باريس حاول وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو تخفيف حدة الإدانات والانتقادات الواسعة لهذه الخطوة زاعماً أن اتفاقية المناخ فرضت “أعباء اقتصادية جائرة” على الولايات المتحدة وأن واشنطن “تستخدم كل موارد الطاقة والتكنولوجيا بشكل نظيف وفاعل بما في ذلك الوقود الاحفوري والطاقة النووية والمتجددة”.

تحرك الإدارة الأمريكية لجعل خطوة الانسحاب من اتفاقية باريس رسمياً قوبل بانتقادات فورية حيث أعربت فرنسا عن أسفها لقرار الولايات المتحدة إبلاغ الأمم المتحدة بالانسحاب رسمياً من الاتفاقية.

رد الفعل الروسي جاء على لسان المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديميتري بيسكوف الذي حذر من أن الانسحاب الأمريكي من اتفاقية المناخ يقوضها بشكل خطير كونها البلد الأول من حيث كمية الانبعاثات الملوثة للهواء أما على الصعيد الأمريكي فقد انتقد زعيم الديمقراطيين في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي روبرت مينينديز هذا القرار وقال إن إدارة ترامب “استهزأت مرة جديدة بحلفائها وتجاهلت الوقائع وزادت من تسييس أكبر تحد بيئي يواجهه العالم”.

اتفاقية باريس التي تعد أول اتفاق دولي شامل حول حماية المناخ لن تكون الأولى ولا الأخيرة التي تتملص منها الإدارة الامريكية مع وجود ترامب الذي سبق له أن انسحب من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “يونسكو” متهماً إياها بأنها معادية لـ “إسرائيل” كما أخرج بلاده من “اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي” التي وقعتها 11 دولة عام 2015 من منطقة آسيا والمحيط الهادي وتمثل 40 بالمئة من الاقتصاد العالمي إضافة إلى انسحابه مطلع العام الجاري من معاهدة التخلص من الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى الموقعة عام 1987 بين الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان ورئيس الاتحاد السوفييتي آنذاك ميخائيل غورباتشوف رغم التحذيرات لما سيترتب على هذه الخطوة من تداعيات خطيرة بالنسبة للأمن العالمي.

وتوالت الاتفاقيات التي تملص منها ترامب بما فيها الاتفاق النووي مع إيران الذي بدأ ترامب منذ وصوله إلى البيت الأبيض تقويضه بعد أن توصلت إليه إيران ودول مجموعة خمسة زائد واحد المؤلفة من أمريكا وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا إضافة إلى ألمانيا في تموز عام 2015 في أعقاب سلسلة مفاوضات شاقة استمرت لسنوات.

مواقف ترامب السلبية تجاه الاتفاقيات الدولية وانسحاباته المتكررة من معاهدات تاريخية حملت في مجملها مؤشرات واضحة على أن الولايات المتحدة لا تريد الاستقرار الدولي وأن جل اهتمامها ينحصر في مصالحها بينما يرى مراقبون أن إصرار ترامب على الانسحاب من معاهدات مماثلة يمكن تفسيره على أنه محاولة لتعزيز نهج العزلة الأمريكية الذي اتبعه منذ فوزه بالانتخابات الرئاسية الأمريكية أو أنه محاولة من قبله للسير عكس التيار ومخالفة قرارات نظرائه السابقين في الإدارة الامريكية إرضاء لغروره ونزعاته النرجسية الخاصة.


 
جميع الحقوق محفوظة © 2024