|
||||||||||||
|
||||||||||||
إتصل بنا | مختارات صحفية | تقارير | اعرف عدوك | ابحاث ودراسات اصدارات |
لثورة قضائية تطيح بالمرتكبين | ||
| ||
رغم وجود أكثر من وجهة نظر حول طبيعة وأهداف الحراك الذي يشهده الشارع اللبناني، فإنّ أحداً لا يمكنه التغاضي عن أحقية العديد من المطالب التي يرفع رايتها الموجوعون، وهي مطالب يؤدّي تحقيقها إلى إحداث صدمة إيجابية لدى المواطنين. غير أنّ دون تحقيقها عقبات كأداء، أهمّها أنّ الجهة المخوّلة قانوناً إقرارها، هي نفسها الجهة التي تحول دون ذلك. فكيف نطلب من السلطة السياسية مثلاً أن تقرّ قانون إعادة الأموال المنهوبة؟ ومعظم رجال هذه السلطة وأفراد عائلاتهم هم الناهبون! أم كيف نطلب منها رفع الحصانة عن أفرادها؟ ومعظم هؤلاء وأزلامهم هم من ارتكبوا الموبقات بالمال العام! وكيف ستأذن بمحاكمة الفاسدين؟ أوَليسوا هم وزبانيتهم من عاث فساداً وإفساداً؟! ثمّ كيف نطلب منهم إعادة الأملاك البحرية والنهرية والبرية؟ وهم الذين وضعوا أيديهم وأيدي بلطجيتهم على هذه الأملاك! أوَليسوا هم أنفسهم المقاولون والسماسرة والمستثمرون والمنتفعون؟! أم كيف نطلب من المصرف المركزي إلغاء الهندسات المالية؟ واستعادة الأموال من المصارف؟ أوَليس هذا المصرف وهذه المصارف هم من استفاد من أموال الهندسات؟! هل رأيتم فاسداً يشير إلى فاسد؟ الكلّ بيوتهم من زجاج، فكيف يتراشقون؟! والواقع أن لا سبيل إلى كبح جماح الفساد المستشري بين معظم الطبقة السياسية إلا من خلال القضاء. هكذا هو الحال في الدول المتقدّمة، وهكذا يجب أن يكون في لبنان. كان أنطونيو دو بيترو قبل العام 1992 قاضياً عادياً في إيطاليا، يراقب بأسى تجاوزات رجال المافيات وارتكاباتهم. ولم يكن هناك ما ينمّ عن إمكانية الخلاص من براثنهم، إلى أن استيقظ المارد في صدر دو بيترو معلناً نفسه مخلّصاً لمواطنيه من الطغمة التي روّعت بلاده. ومع إصداره أول مذكّرة توقيف، وكانت بحقّ «السياسي الكبير» ماركو شييزا، دبّت النخوة في صدور عدد من القضاة الآخرين الذين أطلِق عليهم تسمية «الأيادي النظيفة»، فنفضوا الغبار عن ملفّات النافذين، وامتنعوا عن تلقّي «اتّصالات الشفعاء». فكانت النتيجة اعتقال وتوقيف الآلاف ممّن خضعوا للتحقيق من كبار رجال السياسة والمال والأعمال. وكلّما قرأ اللبناني عن نخوة الايطالي دو بيترو يمّم خياله نحو «العدلية»، منتظراً بشوق «خروج» أحد المجلّلين بالأسوَد ممتشقاً سيف العدل صارخاً: أعيدوا مال الدولة للدولة وإلاّ.. فما عاد يمكن الرهان إلا على القضاء، ورغم كلّ ما يُقال عن تسييس أو تبعيّة القضاء، وما يُنسب من فساد إلى بعض القضاة، يبقى القضاء هو شعلة الضوء الوحيدة التي يمكن الشخوص إليها في نفق الأزمة… فيا قضاة لبنان إنّ الشعب المنهك يطالبكم بالنهوض، وقلب الطاولة على رؤوس الجميع، بإعلانكم «ثورة قضائية وقانونية» تعطّلون من خلالها القوانين التي سنّتها طبقة المنتفعين والتي مكّنتها من الإثراء بموجب القانون. إذ لا سبيل اليوم للقول إنّ ما قام به فلان أو فلان ينطبق على نصوص القانون فلا يمكن محاسبته، بل يجب تعطيل هذه النصوص والعودة إلى القواعد القانونية العامّة لمعرفة ما إذا كانت الأفعال المشكو منها منسجمة مع هذه القواعد أم لا. يطالبكم الشعب بالتمرّد على منطق الحصانات، فلا تستجدونها من المسؤولين. قرِّروا وقف العمل بها، واستدعوا الجميع إلى قاعات المحاكم العادية، فلا يمكن منح المرتكبين امتيازات محاكمات غير عادية في محكمة فوق العادية كالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء الذي لن تكون مهمّته إلا الامتناع عن اتّهام أيّ من المسؤولين، فضلاً عن الحكم عليه. فالبريء من الارتكابات لا يخشى المثول أمام أيّ سلطة قضائية، ومن يخشى مثوله ليس سوى المرتكب، ولا يجوز منح المرتكب امتيازات وتمكينه من الإحتماء بحصانات. يا قضاة لبنان، إنّ الناس تطالبكم بالمبادرة إلى: ـ اعتبار كلّ من تولى سلطة عامّة متّهماً إلى أن تثبت براءته، وليس بريئاً إلى أن تثبت إدانته. وتطالبكم بإلقاء الحجز على حسابات وأموال وعقارات السياسيين وأفراد عائلاتهم وأزلامهم، والمتعهّدين والنافذين، ومنعهم من مغادرة البلاد، وإعطاء هؤلاء مهلة أيام لإثبات أن لا شُبهة على ما يملكون، فإن لم يُثبت ذلك صادروا أملاكه لمصلحة الخزينة التي أفرغوها. ـ التدخل بصياغة مشروع قانون استعادة الأموال المنهوبة المودعة في الخارج لضمان تنفيذه، كون الشك يحيط بكلّ قانون تصدره هذه السلطة لأنه سيكون مشوباً بالغموض الذي يعيق استرجاع هذه الأموال نظراً لكونها مودعة بأسمائهم. ـ إلغاء مفاعيل الهندسات المالية، واسترجاع الأموال التي استفادت منها المصارف والمتموّلين. ـ استعادة الأملاك البحرية والبرية والنهرية، وإلزام المخالفين بدفع ما جنوه من أرباح باستثمارهم لها، وعدم الاكتفاء بتضمينهم رسوم وغرامات. فلا تسويات مع المعتدين. ـ محاسبة كلّ من استغلّ منصبه الرسمي، واستعادة ما قبضوه من تنفيعات ورشاوى وسمسرات استفادوا منها عبر الهبات والقروض أو صرف النفوذ. ـ إلزام الجمعيات الوهمية بإعادة الأموال التي حصلت عليها من الدولة، ومراقبة كيفية صرف الجمعيات القائمة فعلاً للأموال التي تمنح لها. ـ وضع أعمال مؤسسة كهرباء لبنان وشركتي الخليوي والمؤسسات العامّة تحت المجهر… ـ ملاحقة كلّ نافذ يتيح المجال لأزلامه العبث بالأمن الاجتماعي. وملاحقة كلّ من يثبت أنه حمّل الدولة أعباء كان يمكن تفاديها. أيها القضاة، آن لكم أن تبادروا إلى نجدة وطنكم المقهور واستعادة أموال دولتكم المفلسة وشعبها المستضعف، لا تقبلوا أن يقول المواطن عنكم أنّكم اكتفيتم من مهامكم بتوقيف لص عادي! أو موظف صغير! أو بتوقيف معسر لم يتمكن من تسديد قيمة شيك! أيها القضاة، داخل كلّ منكم «دو بيترو» متحفّز، آن لكم أن تطلقوا له العنان، أغلقوا هواتفكم واعتكفوا في قصور العدل رهباناً، حتى نفخر بلبنان ونفخر بكم، ولا تخشوا على أنفسكم فستجدون الناس دروعاً بشرية تحميكم… قوموا… وأعلنوها «ثورة»… |
||
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه |