شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2021-03-16 |
محطّات آذاريّة في حياة سعاده بقلم الأمين المحامي عبد الوهاب بعّاج |
دير الزور هو الأوّل من آذار 1904، اليوم الذي وُلد فيه أنطون سعاده، وهو اليوم الذي نحتفل به كمؤمنين بسعاده ورسالته، ولا بُدّ من مراحل مرّت بحياة سعاده، يعبّر بها عن هذا اليوم، وما يعنيه في حياته. أمّي أمّتي: أول إشارة كتبها في مذكّراته عن هذا اليوم، قال: "وفي هذه الدقائق الأولى، التي تُعيد أول نسماتك، وأوّل أنفاسي أسمع في بلاد غربتي، وسط الليل المخيّم، صوتًا رخيمًا، ما أحلاه يناديني "يا بنيّ، أين أنت". فأرفع رأسي وأنظر في وجه السماء المقنّع، كوجه إيزيس، وأنادي "يا أمي أين أنت". وأعود فأسمع صوتًا آخر يناديني "أين أنت؟" فأعود إلى التحديق في وجه السماء، وأنادي "ويا بلادي أين أنت؟". أمّي وبلادي، ابتداء حياتي، وسيلازمانها إلى الانتهاء. فيا أيّها الإله أعنّي لأكون بارًّا بهما" (أنطون سعاده – ج1 – سليم مجاعص). فقد الوالدة وهو طفل في التاسعة من عمره، ولم يرَ الوالد إلّا فترات متقطّعة، لانشغال الوالد في النشاط الوطنيّ، سياسة، وفكرًا، وهربًا من الملاحقات العثمانيّة، وأخيرًا الهجرة. ليس هذا فقط، فقد تكلّف برعاية الأخوة الأصغر، في ظروف من الجوع والقهر والموت. لم يعد أمامه إلّا الهجرة للقاء الأب والأخوة الكبار، فقاد، وهو في الخامسة عشرة، من هم بين الحادية عشرة والسابعة والخامسة من العمر، في رحلة عبر فرنسا إلى الولايات المتحدة الأميركيّة. وبذلك يكون قد جمع مع فقد الأم باكراً، فقد الوطن لاحقاً. وكان قد جمع في فكره ونفسه تلك المآسي، التي وعاها وهو في العاشرة من عمره، من ويلات الحرب، وقاسى وذاق ما قاسى وذاق مع شعبه. هذا الحرمان كوّن في روحه حبًّا جمع بين الإنسان والأرض، تجسّد في حبه الأوّل "إدفيك" وحبّه الأخير " ضياء" شاملة الفروع. أمّا الأرض، فهي سورية، وكلّ شيء يهون من أجل سورية". " سورية محور حياتي ، وحبّي" . قسم الزعامة: يذكر الرفقاء الأوّل في الحركة القوميّة الاجتماعيّة، مثل هذا اليوم من سنة 1935، وأحدهم الأمين عبد الله قبرصي، أن "جاءوا إليّ مساءً وأنا في المركز الأول للحركة القوميّة الاجتماعيّة، في كوخ قائم خلف بنايته في رأس بيروت، يحملون باقة زهر لمعايدتي، في ذلك المساء، فكان جوابي على معايدتهم، قسمي المثبت في الدستور. هذا القسم الذي لم يكن شرطًا في العقد التجاريّ بيني وبين الاجتماعيّين، لأنّه لم يكن، ولا يوجد بيني وبين الاجتماعيّين عقد تجاريّ كان". قسمي في صميمه أنّي وقفت نفسي على هذه الأمّة، على أن أسعى لرفعها من حضيض الذلّ والاستعباد، إلى الرقيّ والمجد، إلى حياة العز. فلم يكن قسمي شرطاً لقسم القوميين الاجتماعيّين على الولاء للعقيدة والنظام القوميين وللزعيم؛ إذ لم يكن لأحد قطّ شكّ في حقيقتي وعزيمتي، ولم تؤسّس القضية السوريّة القوميّة الاجتماعيّة على الشكّ بل على اليقين". "أقسمت غير شاعرٍ أنّني أقدّم منّة للأمّة، أقسمت شاعرًا أنّي أعطي الأمّة ما يخصّها، كلّ ما فينا من خير وطموح، وعظمة، ليس شيئًا من خصوصيات الأنانيات الصغيرة المحدودة التي لا يمكن أن تبني عظمة، أو تتّسع لعظمة، أو طموح، بل هو من صميم العظمة الواسعة اللامتناهية المستمرة التي هي عظمة المجتمع، عظمة الأمّة السوريّة، التي نحن أبناؤها وموطّدوا حقيقتها وعظمتها. "كلّ ما فينا هو من الأمّة، وكلّ ما فينا هو للأمّة. الدماء التي تجري في عروقنا عينها ليست ملكنا، هي وديعة الأمّة فينا متى طلبتها وجدتها". (الآثار الكاملة – 16-ص 43-44). حفل آذار وضياء: كان الزعيم في الأرجنتين قد تعرّف على عائلة طرابلسيةّ، هاجرت وأقامت، بسبب الحرب وشظف العيش. وقد أثّر بفكره على هذه العائلة، التي انتمى أعضاؤها للحزب ومن بينهم جوليت، التي تعمل في التمريض. إنّ نفس الزعيم المليئة بالحُبّ، لا تستطيع أن تتوقّف في محطة واحدة، فرغم أنّه أحبّ إدفيك، إلّا أنّ شخصية جوليت بدأت تلفت نظره، وأخذ يخصّها بالاجتماعات الرسميّة، وفي البيت عندما يزور العائلة، وكان كمن يبحث عمّا في أعماقها وجوهرها. كان احتفال أول آذار 1940، وكانت جوليت من أعضاء هذه اللجنة، وكان مقيماً في بانسيون، فذهبت اللجنة لعيادته لأنّه كان مريضاً، فأبدى سروره لزيارتها ولنجاح الحفل. لاحظت جولييت حالة التعب البادية على الزعيم، طبعًا مع شعورها بالاهتمام الزائد لها، وأخذت تتابع الاهتمام بصحّته، إلى أن تأكّد قلباهما بالحب. وبينما كان يرافقها إلى طبيب الأسنان، مرّا بمحل جواهر، فاشأر إلى خاتمَين، لبست واحدًا ولبس الآخر، وذهبا إلى البيت طالبين مباركة الأهل. عندما عاد الزعيم إلى لبنان ومعه جولييت وابنتَيه، كانت إدفيك قد عادت من العراق بعد فقد زوجها، ومعها ولدَين. طلب الزعيم زيارتها، فاعتذرت "خشية أن ينتفض الحب ويطالب بحقّه.."، حسب تعبيرها. وهذا دليل على صدق الحب بينهما، ولو لم يكتمل بالزواج، لأنّ "الزواج لا يكمّل الحب، بينما الحب يكمّل الزواج"، حسب قوله. عودة 1947 بين المشاهدة والتمنّي: حطّت الطائرة في مطار بيروت 2 آذار 1947، وكان المطار لا يتّسع للجماهير المكتظّة مِن القوميّين الاجتماعيين، التي حضرت من كلّ أنحاء الوطن تستقبل زعيمها وقائدها، أمل الأمّة، بعد غياب طويل. كانت رؤوس السلطة اللبنانيّة تراقب خائفة.. "لو سارت هذه الجموع نحو السرايا، لأسقطت هذه الحكومة". ولكنّ الزعيم، الذي حاول مستقبلوه في القاهرة منعه من العودة إلى بيروت "خشيةً على حياته" حسب قولهم. ولكن "القضاء على الفوضى، والانحرافات التي كانت آخذة في التفشّي وتهديد مستقبل هذه القضية، القائمة بالإيمان، وآلام ألوف العاملين بإيمان وإخلاص، فلا بدّ من الاعتراف أنّه كان في الدوائر العُليا تفسّخ في الأفكار والروحيّة، وفي النظر إلى الحركة ومراويها". (المحاضرات – ص 6) ولولا الروحيّة، والمناقبيّة القوميّة الاجتماعيّة، لكان الميعان العقدي والنظاميّ، بفعل تلك القيادات المنحرفة. من هنا كان الهَمّ الأوّل للزعيم، القضاء على تلك المجموعة الفاسدة، المنحرفة. أمّا الأمل "لو كانت لنا الوسائل الماديّة اللازمة، لكانت الحالة أفضل ما يكون، لقيامنا بعمل حاسم، وإنقاذ الأمّة من الرجعيّين والإقطاعيّين، ومن جميع أسباب نكبتها وانحطاطها". (الآثار – 8- ص 199). إعداد المفكّرين والقادة: في خطاب 1938 أول آذار، يقول الزعيم: "وضعت قاعدة أساسيّة أتمشى عليها، وهي البحث عن العناصر الجديدة السليمة وتعليمها المبادئ الجديدة، وإفهامها قضيّة الأمة". " لا أريد أن يقول الناس إنّ الزعيم هو كلّ شيء في الحزب، وإنّه إذا غاب زال الحزب". ذكر هذا هشام شرابي (مجلة "اتجاه" رقم 23). ويكمل هشام: "جاء ليعلّمنا كيف نُعيد صنع أنفسنا، كما أعاد صنع نفسه، بوضع المصلحة العامّة فوق كلّ مصلحة". (اتجاه 23). وعبدالله سعادة يقول: "كان يريد صنع قادة، لأنّها "ليست مسؤوليّتي أن أكون الرئيس الإداريّ للحزب، لأنّ هذه المسؤوليّة تأخذ منّي كلّ وقتي". فتعال (مخاطباً عبد الله) تسلّم هذه المسؤولية، ودعوني أنصرف إلى إعطائكم ما عندي، قبل أن أرحل عنكم" (أوراق قومية – ص 42 – عبد الله سعادة). وإنعام رعد يقول: "حين بدأت أكتب، جئت سعاده بمقالتي الأولى فقرأها، ثمّ أبدى لي بعض الملاحظات، فقلت كما يريد الزعيم. فتطلّع إليّ وقال: "في الفكر ليس هناك قرار، أو إرادة، بل هنالك حوار، إذا لم تقتنع بملاحظاتي، ناقشني، أَبدِ رأيك المخالف". (الكلمات الأخيرة – ص 40 إنعام رعد). "وهكذا غيّر سعاده مجرى حياتي، وحياة أفراد كثيرين من الجيل الذي انتميت إليه، لا بكلامه الساحر، وفكره المعبّر، وقوة شخصيّته الكارزماتية وحسب، إنّما وبالدرجة الأولى بحيويّته الخارقة وحضوره الشامل". (هشام شرابي – اتجاه 23). "اكتسبت من سعاده غير الوهرة، والهيبة، بدأت أتعلّم ميزة المفكّر الذي يناقش الآخر، والقدرة على أن تبدي الرأي، وأن تستمع إلى الرأي". (الكلمات الأخيرة – إنعام رعد). وسعاده عبقريّ مبدع، تمكّن من صياغة رؤية متكاملة لحركة تحرير وتحديث لسورية والعالم العربيّ، لا نظير لها في القرن العشرين". (هشام – اتجاه – 23). هذه بعض من محطات حياة سعاده، في مناسبات آذارية، والمحطات الأخرى لا حصر لها.
|
جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه |