الحزب في مصارف بيروت

الامين لبيب ناصيف

كان للحزب حضوره الواسع في مصارف العاصمة بحيث يكاد لا يخلو مصرف دون وجود رفقاء و او اصدقاء فيه. وقد اسفر ذلك عن انتخاب الرفيق رفعت عسيران عضواً في نقابة موظفي المصارف، حتى اذا غادر الى لندن للتخصص في حقل المصارف، حلّ محلّه في النقابة الرفيق مأمون منصور.

بتاريخ 16/02/2018 كنت عممت نبذة عن حضورنا الحزبي في المصارف وانتخاب الرفيق رفعت عسيران عضواً في مجلس النقابة،

أعيد نشرها، كما انشر النبذة التي تضيء على العضو الآخر في النقابة، الرفيق مأمون منصور.

*

بداية الحضور القومي الاجتماعي في نقابة المصارف

بطاقة عضوية الرفيق رفعت عسيران في نقابة موظفي المصارف

كان الرفيق رفعت عسيران(1) بعد أن توظف في بنك "بيروت والبلاد العربية" بمساعدة قريبه رئيس مجلس النواب في حينه عادل عسيران، انتقل بعد اشهر الى البنك الشرقي المحدود "EASTERN BANK LTD" وكانت مكاتبه تقع في باب ادريس في شقة كانت سابقاً مكاتب لمصلحة مياه بيروت، قبل أن ينتقل البنك الى شارع المصارف ويتحوّل لاحقاً الى CHARTERED BANK “ " .

في العام 1959 اتصل به عميد العمل الأمين عمر ابو زلام راغباً اليه السعي لتمثيل الحزب في نقابة المصارف التي كانت في حينه من اقوى النقابات، ويرأسها كبريال خوري الذي بدوره كان يرأس الاتحاد العمالي العام.

لم يحصل ان خاض القوميون الاجتماعيون الذين بدأوا ينتشرون بكثافة في معظم المصارف الاجنبية والوطنية(2) غمار الانتخابات النقابية فيها. تحدث الرفيق رفعت الى الرفيق سليم بتلوني(3) الموظف في بنك سوريا ولبنان ، ثم الى الرفيق نقولا طراد(4) وبتوجيه من الأمين عمر ابو زلام اتصل بالأمين عبدالله قبرصي الذي سعى لتأمين موعد له مع النائب ادوار حنين(5).

تمّ ذلك ، واتصل النائب حنين بالنقابي كبريال خوري الذي كان ينتمي لحزب الكتلة الوطنية:

"يهمّنا ألا تقتصر عضوية النقابة على مسيحيين . انما أن ينخرط محمديون فيها. وأشاد بالرفيق رفعت ، فهو كقومي اجتماعي لا يفرّق بين مسيحي أو محمدي".

بناء على هذا الاتصال قام الرفيق رفعت بزيارة كبريال خوري، وكان بينهما حديث صادق انتهى بأن أُدرج اسم الرفيق رفعت على لائحة كبريال خوري، وبالتالي بات عضواً في مجلس النقابة، اذ كان كبريال خوري الأقوى نقابياً في تلك المرحلة، وكان يكفي أن تدعو نقابة المصارف الى الاضراب، حتى تتوقف عجلة العمل في كل المؤسسات.

قبل الثورة الانقلابية بفترة شهر تقريباً، اتصل رئيس الحزب الأمين عبدالله سعادة بالرفيق رفعت طالباً إليه التنسيق مع الرفيق نقولا طراد من أجل دعوة كبريال خوري وأعضاء نقابة المصارف الى لقاء معه. يوضح الرفيق رفعت "ان كبريال خوري استلم دعوة الرفيق نقولا طراد بكل ترحاب لما للرفيق نقولا طراد من افضال خاصة عند تأسيس نقابة موظفي المصارف في اوائل خطواتها(6).

" فقد اخبرنا كبريال خوري عن تلك المرحلة، اذ كان اصحاب المصارف يعارضون تأسيس اية نقابة عمالية، فقد كانت أكثرية المصارف اللبنانية بعد الحرب العالمية الثانية مصارف عائلية، فأرسلوا الى اجتماعات التفاوض احد ابناء مؤسسي بنك طراد، اعني نقولا طراد، الذي تأمل منه عمه كبريال طراد (المعروف بإسم البريزيدان) ان يكون متشدداً تجاه العمال (في تلك الفترة لم يكن نقولا قد انتمى لصفوف الحزب) .

يضيف الرفيق رفعت نقلاً عن كبريال خوري: "ما ان علمنا بأن جمعية المصارف ارسلت نقولا طراد للتفاوض بإسمها حتى انتظرنا مفاوضات صعبة جداً، ولكن حدث ما لم يكن بالحسبان. فبعد تقديم مطالبنا العمالية ومناقشتها مع وفد نقابة موظفي المصارف حتى صُعقنا من ردود فعل ذلك الانسان النبيل نقولا طراد حيث خبط بكفه على الطاولة وقال لهم:هيدا بس !! وشرح لهم ان تلك المطالب عادية جداً في بلاد الغرب، ولا يصحّ ان يكتفوا بها! صعقنا كعمال عندما سمعنا ما قاله نقولا . لأول وهلة لم نصدق ما سمعنا الى ان اخذ نقولا طراد ورقة المطالب ووقع وسرعان ما وقعنا معه وكان ان تأسست نقابة عمال المصارف، والفضل كان لذلك الانسان المنفتح والذي اصبح بعد ذلك وريثاً للمصرف ورفيقاً قومياً اجتماعياً عزّ نظيره".

عام 1964 غادر الرفيق رفعت عسيران الى لندن ، للتخصص في العمل المصرفي. فتمّ انتخاب الرفيق مأمون منصور عضواً في مجلس النقابة.

*

الرفيقان مأمون منصور وسمير جواد

الرفيق مأمون منصور

عندما توليتُ مسؤولية بيروت الكبرى(7) عضواً في مفوضية لبنان مع الرفيق (الشهيد لاحقاً) جوزف رزق الله، كان الرفيق مأمون منصور من أوائل الرفقاء الذين انضموا الى العمل، اسوة بالرفيق (الأمين لاحقاً) عبد المسيح طرزي. كنا ثلاثتنا نتعاون في ترتيب العمل الحزبي بعد أشهر من حصول الثورة الانقلابية.

منذ ذلك الوقت استمرت علاقتي جيدة مع الرفيق مأمون، وبالتالي مع أشقائه الرفقاء: امين، وابراهيم واسامة، ومع الرفقاء من أنسبائه أخص بالذكر الرفقاء نظير، نبيل، ومحمد مهدي، حسن فخر الدين.

كان للرفيق مأمون حضوره المتقدم في بنك بيروت الرياض وعلى صعيد نقابة المصارف وفي كل عمل يقوم به، يساعده في ذلك تمتعه بدماثة الأخلاق وحسن تعاطيه، ونجاحه في العلاقات العامة.

استمر الرفيق مأمون في حضوره الجيد، متجاوباً مع كل واجب حزبي، في بلدة مشغرة، كما في بيروت، الى ان وقع فريسة الداء البشع الذي راح يقتات من عافيته الى أن تمكن منه، فخسرناه، حزباً وبلدة ومصرفاً، اذ كان الرفيق مأمون، بحق، القلب النابض في محيطه، وصاحب الحركة الدائمة.

*

بعض من سيرة:

- ولد الرفيق مأمون منصور عام 1941، والده محمد كان من أوائل رفقائنا في مشغرة، اشقاؤه الرفقاء: المرحوم أمين، ابراهيم، اسامة، والمواطنان علي ورابح.

- المعروف ان سعاده عندما زار مشغرة اجتمع بالرفقاء في منزل الرفيق محمد أمين منصور الكائن في الحارة التحتا، حي الساحة. لا يزال هذا المنزل قائماً وفيه غرفةمعروفة لدى الرفقاء وأهالي مشغرة المقرّبين باسم "غرفة الزعيم" .

- اقترن من السيدة سميرة العكاري، انما لم يرزقا اولاداً.

- وافته المنية في 24/6/1997 بعد ان جابه المرض الخبيث بجرأة نادرة، فشيّع في بلدته مشغرة وسط حشد فاق بعظمته المأتم الذي أقيم للوزير والنائب حسين منصور، كما يروي ابناء مشغرة.

الرفيق سمير جواد:

كان من النادر ان نتحدث عن الرفيق مأمون منصور، فلا نذكر معه الرفيقين نظير مهدي وسمير جواد، المتلازمين بلدة وحزباً ومصرفاً.

عرفت الرفيق سمير منذ الستينات، كان رفيقاً رائعاً، صدقاً ووفاء وتفانياً ووعياً، وعرفت اشقاءه، ومن بينهم الرفيق محمد(8)، والرفيق الشهيد محسن.

كان مسؤولاً عن قسم الحسابات الجارية في بنك بيروت الرياض. اشتهر بذاكرته القوية. اذ فيما كان يحتاج موظفو هذا القسم الى مراجعة نماذج تواقيع specimen الزبائن مودعي الأموال، عن صحة التوقيع على أي من الشيكات قبل صرف قيمته، كان الرفيق سمير يكتفي بالنظر الى توقيع الزبون، من بين آلاف التواقيع، ليضع اشارته على الشيك ويحيله الى الصندوق لصرف المبلغ.

كنت على تواصل مستمر معه، ارتاح الى نفسيته والى ما يتمتع به من فضائل الالتزام القومي الاجتماعي، لذا عندما رغب الي الأمين عصام محايري أن اتوجه الى دمشق، وكان أصبح رئيساً مؤقتاً للحزب فيما كنت رئيساً لمكتب الطلبة، عضواً في اللجنة المركزية برئاسة الامين عبدالله محسن، لم أجد افضل من الرفيق سمير جواد دليلاً الى مدينة لم أكن قد توجهت إليها من قبل، فكيف الوصول الى منزل الأمين عصام محايري، وفي أوضاع أمنية شاذة بالنسبة للحزب في تلك الفترة من أواسط الستينات.

بعد انتهاء زيارتي للامين عصام، انتقلت والرفيق سمير الى منزل احد اقربائه في دمشق لتمضية الليل، فالعودة الى بيروت في اليوم التالي.

كان الرفيق سمير، لتمتعه بأخلاق النهضة، محط ثقة لدي، لذا عندما توليت مسؤولية رئيس مكتب عبر الحدود بعد العفو عام 1969، كان عنوان الرفيق سمير في المصرف، من بين العناوين التي استفدنا منها لتلقي الرسائل الواردة من فروع ورفقاء عبر الحدود(9).

*

عن الرفيق سمير جواد:

- والده ابراهيم قاسم جواد

- اقترن من السيدة امل مولى ورزق منها، طارق، رائد، وتمارا.

- قضى نحبه بتاريخ 5/8/1984.

هذا الرفيق الرائع أصيب بالداء الخبيث، أو ربما هكذا خيّل له بعد زيارات الى أطباء. لم يحتمل أن يتعذب، كما زميله وصديقه ورفيقه مأمون منصور أو يعذب عقيلته وأهله، فوضع ذات ليلة حداً لآلامه، والتحق بشقيقه محسن، الضابط الجمركي الذي كان خُطف وصفيّ في ذلك اليوم الاسود.

*

هوامش:

(1) رفعت عسيران: نشط حزبياً بدءاً من الخمسينات. في الستينات تولى مسؤوليات الى جانب الرفيق جوزف رزق الله، واستمر عاملاً متفانياً، باقياً على ايمانه القومي الاجتماعي.

(2) اذكر منهم الرفقاء: سليم بتلوني ونديم صالح ( بنك سوريا ولبنان) – جورج بشور والأمين جميل مكارم ( بنك مصر لبنان) – رشيد حداد (البنك العربي) – ايلي حلاق (شير منهاتن بنك) – وليد عكاوي ( البنك البريطاني) – ايلي شديد (البنك الهولندي)- يوسف عبدالصمد ، عواد ابو اسماعيل وعارف عبدالصمد (بنك بيروت والبلاد العربية) ثم إنضم لاحقاً الرفيق جان مهنا وتولى مسؤوليات قيادية في البقاع ثم في المركز الرئيسي– جوزف شكر وفضل الله صوايا (بنك التوفير)- نعيم نوار (البنك البرازيلي) – أمين ومأمون منصور، نظير مهدي، سمير جواد( بنك بيروت الرياض) – عصام قاسم (المصرف التجاري السوري)_ الأمين حسن جمال (البنك الأهلي السعودي) – نبيل زيدان وعاد حاتم ( THE CHARTERED BANK)، سامي الصايغ ( بنك الريف)، عبداللطيف غلاييني، صباح قبرصي، ابراهيم زين، عصام مغربي وحوالي ثمانية رفقاء آخرين في بنك طراد، وكنتُ موظفاً في "بنكو دي روما"، ثم انضمت الرفيقة جيزيل رزق الله اليه.

يذكر الرفيق رفعت انه في اول انتخابات جرت للنقابة عرّفه رفقاء على الموظف في البنك السعودي خضر علاء الدين (شوشو)(10) على انه قومي اجتماعي وقد تحرّك انتخابياً على هذا الاساس.

(3) سليم بتلوني: من اوائل الرفقاء في المصيطبة، وكان سبقه الى الانتماء شقيقه الرفيق جميل.

(4) نقولا طراد: كان واحداً من اصحاب بنك جورج طراد، ومديراً له. مراجعة النبذة عنه في مكان آخر.

(5) ادوار حنين: كان من اركان حزب الكتلة الوطنية ، نائباً عن منطقة بعبدا، فوزيراً . كان أديباً، وعُرف بضلوعه في اللغة العربية. له عدة محاضرات في الندوة اللبنانية وأكثر من مؤلف.

(6) تمّ اللقاء في دارة الرفيق طراد الذي أولم للمدعوين، وحضر، الى رئيس الحزب الأمين سعادة على ما يذكر، الأمينان: عمر ابو زلام واميل رعد. تحدث الأمين سعادة عن الواقع العام في لبنان والمنطقة، وتحديد مساوئ الحكم، وشرح ما يرغب الحزب تحقيقه عبر مبادئه الاصلاحية.

(7) حصل ذلك بعد فترة قصيرة من حصول الثورة الانقلابية، فيما كانت اجهزة الشعبة الثانية تلاحق القوميين الاجتماعيين، لاعتقالهم والتنكيل بهم. امتدت "بيروت الكبرى" من "ضبيه" الى "برج البراجنة"، صعوداً الى "الحازمية" و "الفياضية" و "اللويزة".

(8) محمد جواد: شارك في الثورة الانقلابية وسجن بعد خروجه من الاسر غادر الى سدني وما زال مقيماً فيها.

(9) اعتمدت في السنوات التي أعقبت خروج رفقائنا من الاسر، وفيما كنت توليت مسؤولية رئيس مكتب عبر الحدود عناوين رفقاء في شركات ومصارف وجامعات لتوجيه البريد الحزبي من فروع عبر الحدود الى عدد منها تلافياً لوقوع اي من الرسائل الحزبية في قبضة اجهزة الشعبة الثانية، لم يحصل اي خطأ طيلة تلك السنوات.

(10) المعروف ان "شوشو" كان اقترن من ابنة الكاتب المسرحي محمد شامل الذي كان انتمى الى الحزب في الثلاثينات وله قصيدة عن الزعيم ألقاها في مناسبة حزبية في بيروت. مراجعة النبذة عنه على الموقع المذكور آنفاً. لا معلومات لدينا ان " شوشو" كان انتمى الى الحزب.