شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2023-04-04 |
فلسفة سعاده الدستوية بقلم الأمين الدكتور جهاد العقل |
إنّ فلسفة سعاده تتكشّف عن قضايا ومفاهيم جديدة سامية، وهي تحتاج إلى دراسات عديدة. إنّها تفتح إمكانيات إنتاج فكري جديد، يخطو بالمجتمع خطوة خطيرة، نحو ذروة القوّة وغلبة الموت. "سعاده" محاولة بحثية في فلسفة سعاده الدستورية هــذا هــو دســتـورنـا فكرة واضحة وقــــيادة صالــحـة لعلّ من أبرز التداعيات السلبية الخطرة التي عصفت بكيان الحركة السورية القومية الإجتماعية، بعد استشهاد المؤسس – المشرّع سعاده في الثامن من تمّوز عام 1949، هي تلك التي طرأت على نظامه الدستوري الجديد المبتكر، المركزي التسلسلي الفردي المتكامل، والديمقراطي بامتياز. وحوّلته إلى عرضة لتجاذب عدّة نظريات في الفقه الدستوريّ، أقل ما يقال فيها أنها تقليدية مرتكزة على قاعدة التراكم التمثيلي وما يرافقها من أمراض سياسية وإجتماعية، تُضعف الحزب، وتنهك الأمة وتعطّل فيها فاعلية الحياة والتقدم والتطوّر نحو الأفضل، وتلغي بالتالي فكرة التعبير الصحيح عن إرادة الأمة، في فكرة واضحة وقيادة صالحة، التي هي دستور الأمة الجديد، يقول سعاده: "هذه الفكرة الجديدة، أي "التعبير عن إرادة الشعب" هي الإكتشاف السوري الجديد الذي ستمشي البشرية بموجبه فيما بعد وهو دستورنا الذي سنعمل به دائما كما تريد الأمة "(1). في هذه الدراسة الموجزة-المقدمة لدراسة أشمل في "فلسفة سعاده الدستورية"(2)، سأتناول العناوين الآتية: - خلاصة النظرية الدستورية في معنى ما نصت عليه المادة الخامسة من الدستور، ونصها: "نظام الحزب مركزي تسلسلي حسب الرتب والوظائف التي تنشأ بمراسيم يصدرها الزعيم". - خلاصة بعض النظريات المتعدّدة التي تسرّبت إلى دستور الحزب بعد استشهاد سعاده، سواء عن طريق التعديلات، أو الإقتراحات أو التفسيرات أو الإجتهادات. - خلاصة "إنّ الأمم كلّها تريد الخير والفلاح. ولكن المشكل هو في إيجاد التعبير الصالح عن هذه الإرادة. فالإرادة العامة إذا لم تجد التعبير الصحيح في فكرة واضحة وقيادة صالحة تصبح عرضة لأن تقع فريسة للمطامع والمآرب التمثيلية"(3). في الخلاصة الأولى: أولا: يجب النظر إلى المادة الخامسة من الدستور المذكورة سابقا، على أنها مادة متكاملة غير قابلة التجزئة، أي أنّ النظام المركزي التسلسلي لا يمكن فصله عن الرتب، والوظائف التي أنشأها الزعيم وأصدرها بالمراسيم الدستورية، وفي مقدمة هذه الرتب والوظائف، الرتبة العليا التي تسمى "رتبة الأمانة"(4) التي تحمل المرسوم الدستوري رقم 7. والتي لا يمكن أن تتحقّق آلية النظام المركزي التسلسلي دون الإرتكاز المبدئي عليها، بصفتها الرتبة التعبيرية الأوفى والأكمل والأشمل عن العقيدة والنظام، وعن السلوكية الإيمانية النضالية المعرفية بالحركة. وفي قراءة عميقة لشروط رتبة الأمانة وشهادتها وعلامتها ومهامها، وضرورة احترامها من قبل القوميين الإجتماعيين، إضافة إلى تعرض مستحقيها إلى فقدانها، لمن يخل بشروطها، أو يستخدمها لغير مصلحة الحزب والقضية السورية القومية الإجتماعية. كل ذلك يجعل من هذه الرتبة، مرتكزا أساسيا في النظام المركزي التسلسلي التعبيري الديمقراطي في الحركة السورية القومية الإجتماعية، لا يمكن في أي ظرف من الظروف تعليق هذه الرتبة القيادية المتقدمة في الحزب، أو إبطالها. وهنا يكمن دور المدرسة القومية الإجتماعية في إعداد وإنتاج وتخريج الأمناء وفق المرسوم الدستوري رقم 7. حتى يحافظ النظام على مركزيته التسلسلية الناجحة، وإلا أصاب هذا النظام الفشل الذي هو مظهر من مظاهر الموت المحتم للمؤسسة. ثانيا: في معنى المركزية التسلسلية، وهي تعني بكلّ بساطة وجود مركز قرار أعلى واحد تتركّز فيه السلطات التشريعية والتنفذية والقضائية كافة، ومن الممكن أن يكون هذا المرجع الأعلى فردا أو هيئة، ويتمتع صلاحية قانونية أصلية في اتخاذ القرارات، وفي توجيه المراجع الدنيا في تعديل وإبطال القرارات التي يحقّ لها اتخاذها. ويتميّز هذا النظام بتمركز السلطات كافة في مرجع اعلى، خلافا لنظرية فصل السلطات، التي ليست شكلا واحدا، ولكن هي في جوهرها لا مركزية، متوازية ومتوازنة، وخلافا لنظرية الحكم الفردي المتفلت الإستبدادي، وخلافا لباقي مختلف الأنظمة التي خبرتها مختلف الدول والمنظمات وغيرها. ومن أبرز مواصفات المركزية التسلسلية: - وجود مرجع أعلى ومراجع دنيا، مع إنتفاء المراجع المتوازية أو المتوازنة، لأنّ ذلك ينفي وجود المرجع الأعلى . - وجود مرجع أو مركز أعلى واحد، ووجود مرجع أدنى واحد أو أكثر، غير مستقل في قراره، سواء اقترب أو ابتعد عن المركز، لأنّ استقلاليته تعني قطع التسلسلية المركزية . - ليس شرطا أن يكون المرجع الأعلى فردا أو هيئة، بل يصح أن يكون أحد الإثنين . - تتركّز جميع السلطات في المرجع الأعلى الذي هو صاحب الصلاحية في اتخاذ القرارات، وبإمكانه تفويض صلاحياته في اتخاذ القرارات إلى مرجع أدنى يليه مباشرة، أو أبعد منه، كما يحق لهذا الأخير تفويض صلاحياته إلى مرجع أدنى منه . إنّ تفويض الصلاحية من مرجع أعلى إلى مرجع أدنى لا يعني إنتقال السلطة مع إنتقال الصلاحية، إذ من حقّ المرجع الأعلى استرداد الصلاحية وإلغاء التفويض. - المرجع الأعلى يأخذ القرار والمرجع الأدنى ينفّذه، مع ضمان الحقّ لكلّ عضوّ في الحزب بإبداء الرأي، سواء بالتسلسل أو مباشرة، بالزعيم أو بالمراجع العليا وفق ما نصّت عليه المادة الثامنة من الدستور، وجاء فيها :"لكّل عضوّ في الحزب السوري القومي الإجتماعي الحقّ في إبداء الرأي في الإجتماعات النظامية العامة والخاصة في كلّ ما يتعلّق بغرض الإجتماع، وحين يُباح الكلام، وله حقّ إبداء الرأي لأيّ مرجع أعلى أو للزعيم في كلّ ما يتعلّق بشؤون الحزب الإدارية بشرط أن يأتي إبداء الرأي رسميا بواسطة التسلسل. وله حقّ إبداء الرأي في خطط الحزب السياسية والإقتصادية للمراجع والهيئات المختصة رأساً. وله حقّ الإتصال كتابة أو شخصياً بالمراجع العليا والزعيم" ـــ وتُعطى المراجع الدنيا حقّ اتخاذ القرارات خارج الصلاحيات المفوضة لها في الظروف الطارئة أو الإستثنائية، مع إحتفاظ المراجع العليا بحقّها في الموافقة على هذه القرارات أو تعديلها أو إبطالها . وبناء عليه إنكبّ سعاده على ترتيب "هيكل سلطة الحزب"، الذي ورد في مرجعين رئيسيين في كتابات سعاده، وهما: الأول في رسالته إلى سلمى صائغ، بتارخ 12 تشرين الثاني 1936، وفيها، إشارة واضحة عن تكوين "جذع" الحزب الذي يتألف من عدّة هيئات ومجالس دنيا وعليا، جاء في الرسالة: "يظهر أنّ السجن، مع كل ما يورثه من أذى ومتاعب، ليس عديم الجدوى. فقد تمكنت في الأسبوعين الأخيرين من إكمال العمل الأساسي الذي بدأته. وكانت حياتي في هذه المدّة القصيرة كثيرة الإنتاج، مع كلّ الظروف الصعبة المحيطة بي. وإني أعتبر إنجازي شرح مبادئ الحزب في مدة لا تتجاوز أربعاً وعشرين ساعة أعظم عمل قمت به في حياتي في أقصر وقت. إنّ هذا الشرح الوجيز يحتوي تعاليم الحزب وإيضاح قضيته. وقد أنجزت، مع الشرح المذكور، أهم شغل في بناء الحزب منذ إنشائه، أي تكوين «جذعه»، الذي هو عدة هيئات ومجالس دنيا وعليا. فقبل هذا الإنشاء الجديد كنت أتصوّر الحزب رأساً وأعضاء بدون صدر وأكتاف، أما الآن فهو هيكل حي تام قابل للنمو...."(5) والمرجع الثاني في رسالته الى منفذ عام منفذية مينس: وعنوانها الرئيسي: "ترتيب هيكل الحزب"، هذا الهيكل الذي وضع اساسه في رسالته إلى سلمى صائغ، التي أشرنا إليها سابقا. في هذه الرسالة - الوثيقة، إلى المنفذ العام، حدّد فيها سعاده الكيفية التنظيمية لــ "تدبر الأمور وتطبيق النظام وإدارة الأعمال" في المنظمة القومية الإجتماعية. يقول سعاده: " إنكم تتسلمون الآن وظيفة لم تروا لها سابقة، وليس بيدكم نسخة من الدستور تستندون إليها، ولا سجلات ووثائق تستنيرون بها. ولذلك ستكون مهمتكم في البداية، صعبة. فكل ما ستقومون به سيكون تأسيساً. وهو أمر يتطلب استنباطاً وسهراً وتفكيراً ودقة، فإذا استتب ذلك جاء الأساس متيناً صالحاً. ولكي تتمكنوا من تدبر الأمور وتطبيق النظام وإدارة الأعمال، أعطيكم فيما يلي لمحة عن ترتيب هيكل سلطة الحزب. . 1 ــ السلطة في الدولة السورية القومية واحدة في جميع مراتبها، لأن مرجعها واحد هو الزعيم الذي تتّحد فيه القوتان التشريعية والتنفيذية والسلطتان المدنية والعسكرية. . 2 ــ يأتي بعد الزعيم في مراتب السلطة مجلس العمد، المؤلف من جميع العمد المعينين بمراسيم من الزعيم لإدارة المصالح المتعددة كالداخلية والإذاعة والمالية والتدريب وغيرها. ووظيفة هذا المجلس درس جميع مسائل الحزب السياسية والإدارية ليقررها الزعيم بعد مناقشة المجلس فيها، وإيجاد التعاقب في المناهج العائدة إلى العمدات. 3 ــ العمدات هي الدوائر التنفيذية الرئيسية كالداخلية والمالية وغيرهما. على رأس كل عمدة عميد له حق عضوية مجلس العمد. ويعاونه وكيل عميد للشؤون الإدارية والمكتبية البحتة، ولا حق له في عضوية مجلس العمد لا أصالة ولا نيابة. ولكل عمدة نواميس بحسب الأعمال والحاجة. 4 ــ بعد العمدات، في التدرج الإداري، تأتي المنفذيات التي هي الهيئات المركزية للفروع، على رأس المنفذية المنفّذ العام. ويكمل هيئة المنفذية الناموس العام وناظر الإذاعة وناظر المالية وناظر التدريب، وتشمل صلاحية المنفذية منطقة معيّنة بمرسوم تنقسم إلى مديريات بقرار من الداخلية. 5 ــ أصغر الوحدات الفرعية للحزب هي المديرية، التي تتألف من أعضاء حي مدينة أو أعضاء قرية أو ناحية. على رأس المديرية المدير ويكمل هيئة المديرية الناموس والمذيع والمحصّل (لجباية المال) وملاحظ التدريب، وتنشأ المديريات بقرار من عميد الداخلية، وكذلك تعيين المدير. أما تعيين أعضاء هيئة المديرية فيكون من صلاحية المنفّذ في جلسة رسمية لهيئة المنفذية. 6 ــ يكون المدير مسؤولاً عن هيئة المديرية وأعمال مديريته أمام المنفذ العام، ويكون المنفذ العام مسؤولاً عن هيئة منفذيته وأعمال المنفذية تجاه كل عميد في ما هو عائد إلى شؤون عمدته، والعميد مسؤول عن عمدته وأعمالها تجاه الزعيم . . 7 ــ كيفية العمل والصلاحيات ــ المنفّذ العام وأعضاء هيئة المنفذية، اي النظار، يشكلون وحدة إدارية متضامنة، يكون لهيئة المنفذية اجتماعات إدارية موقوتة رسمية. فيفتتح المنفذ العام الجلسة، والجميع وقوف في موقف تحية، باسم سورية واسم الزعيم. ثم يجلس ويجلس النظار وتدار الوقائع بصورة رسمية نظامية. فيطرح المنفذ العام على الهيئة مواضيع الجلسة موضوعاً بعد موضوع، ويكلف الناموس قراءة ما يلزم. وبعد طرح الموضوع للبحث يتكلم من يشاء من أعضاء الهيئة بعد استئذان المنفّذ العام برفع إصبعه، ويوجه الكلام إلى المنفذ العام دائماً. ولا يجوز أن يوجه ناظر كلامه إلى ناظر آخر، أو يردّ عليه مباشرة، ويجوز بواسطة توجيه الكلام إلى المنفذ العام. والمنفذ العام لا يناقش بل يتدخل في النقاش لشرح نقطة غامضة، أو لفت النظر إلى ناحية جديدة ويصغي كل الإصغاء إلى آراء الناموس والنظار، ثم يعلن أن البحث أصبح كافياً ويقرر هو ما يراه ويدوّن قراره في سجل الوقائع الذي يكون في عهدة الناموس، كما تدوّن فيه مناقشات النظار وآراؤهم. وهذا يعني أن الناموس والنظار يبحثون، برئاسة المنفذ العام كل أمر حزبي يتعلق بمنطقة المنفذية، ولكن التقرير يكون من حق المنفذ العام وحده. . ومتى صدر القرار نهائياً وجزم به المنفذ العام وجب إبطال كل رأي معاكس، وأن يبادر الجميع إلى تنفيذ أحكامه كل واحد ما تعلق به. ويحسن بالمنفذ العام أن يجعل النظار والناموس العام يشعرون باعتماده عليهم في التنفيذ، وأن يفسح لهم المجال لممارسة صلاحياتهم التي هي اتخاذ كل منهم التدابير التي يراها موافقة لتنفيذ ما قرره المنفذ العام أو ما وردت به تعليمات من مرجع أعلى، فيكون على ناظر الإذاعة، مثلاً، أن يقوم بالشؤون الإذاعية اللازمة أو الموافقة لتنفيذ قرار المنفذ العام الذي يصبح، أو طماطمياً، قرار هيئة المنفذية كلها، أو لتسهيل تنفيذه . وهكذا ناظر المالية وناظر التدريب. والتنفيذ يكون بواسطة النظار تحت إشراف المنفّذ العام، الذي له حق الإطلاع على تدابير النظار وكيفية تنفيذها، ويكون على النظار أن يعرض كل منهم التدابير التي قرر اتخاذها لتنفيذ خطة مقررة على هيئة المنفذية في جلسة برئاسة المنفذ العام لدرس إمكانيات تطبيقها، وإيجاد التعاقب مع تدابير النظار الآخرين، وبحصول الموافقة عليها في الجلسة من قِبل المنفذ العام بناءً على درسها في الجلسة. وإذا غاب المنفذ العام عن مركز المنفذية لمدة قصيرة لا تتجاوز عادة 15 يوماً فينوب عنه الناموس العام، في إعطاء التوجيهات اللازمة بناءً على ما هو مقرر من قبله ولا يجوز للناموس العام في حالة نيابته عن المنفّذ العام، إتخاذ قرارات رسمية، ولكن يمكنه إعطاء توجيهات ومعلومات لتسهيل تنفيذ الخطط والأعمال المقرّرة . ويجب على المنفذ العام أن يرفع، كل ثلاثة أشهر، تقريراً شاملاً مفصلاً عن هيئة المنفذية وأعمالها، ما حققته وما هو تحت التحقيق وما تنظر إلى تحقيقه. ويجب أن يشتمل التقرير على إحصاء الأعضاء الجدد والمنشآت الجديدة. وعلى إحصاء الأموال المجباة أو الواردة بطرق أخرى. وجميع الأموال الواردة بطريقة الجباية من الأعضاء أو بغيرها، وكانت بشكل أموال حزبية عامة يجب إرسالها في آخر كل شهر إلى الخزانة العامة بواسطة عمدة المالية مع قائمة مفصلة بها، تبقى نسخة منها في سجلات نظارة المالية في المنفذية. 8 ــ كيفية الجباية ــ الجباية في الأصل هي عملية جباية الضرائب المفروضة على الأعضاء لنفقات الإدارة الحزبية ومساقاتها المقررة بشكل موازنة واعتمادات مفصلة للعمد. وهذه الجباية تكون برسم الخزانة العامة ولا يجوز مسّ بارة منها، لأنها جميعها تدخل في حسابات موازنة الدولة القومية. وعملية الجباية تتم بواسطة دفاتر قوائم رسمية توزعها عمدة المالية على المنفذيات، لكل منفذية عدد من الدفاتر يوازي عدد مديرياتها، لتوزعها المنفذيات بدورها على المديريات فيتسلم كل محصّل دفتراً فيه قوائم مرقمة، كل قائمة أصل ونسختان، فيكتب على القائمة أسماء أعضاء مديريته ويضع أوراق كربون فوق النسختين قبل الكتابة، ثم يكتب اسم الشهر التابعة له القائمة في مكان الأشهر ويضع عدد السنة . . وكل عضو يدفع يضع إمضاءه (الدافع يضع إمضاءه) مقابل إسمه دلالة على أنه دفع المترتب عليه للشهر المذكور، وبهذه الطريقة يتم ضبط الحسابات ولا تبقى حاجة لوصولات أخرى. ومتى فرغ المحصّل من الجباية يعرض المال والقائمة ونسخها على المدير في جلسة لهيئة المديرية شبيهة بجلسة هيئة المنفذية، فيضع المدير إمضاءه في محله ويضع المحصّل إمضاءه، ويرسل المال إلى ناظر المالية في المنفذية مع الأصل ونسخة واحدة، إذ تبقى نسخة في سجلات المديرية . . ومتى اجتمع مال جباية المديريات كلها التابعة للمنفذية مع قوائمها، يعرض الناظر الأمر على المنفذ العام في أول جلسة تعقدها هيئة المنفذية. وبعد فحصها يصادق عليها المنفّذ ويضع إمضاءه في مكانه، ويرسل المال مع القائمة الأصلية إلى عمدة المالية على العنوان المعطى للمنفذية، وتبقى النسخة في سجلات هيئة المنفذية (أرشيفه) التي تنشأ لها شعبة خاصة في دائرة الناموس العام، ويتفقد المنفذ العام مع هيئة منفذيته محتوياتها كل مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر . . ولما كانت أموال الجباية العامة لا تمس من قِبل الفروع، ولما كانت الفروع من منفذيات ومديريات تحتاج إلى نفقات لأعمالها، فقد أنشأ الزعيم الجباية الموضعية التي تخوّل فرض ضرائب إضافية تجبى على حدة لتغطية نفقات إدارة المنفذية ومديرياتها. وهذه النفقات يجب أن تكون مفصلة في موازنة يضعها ناظر المالية، ويناقشها أعضاء هيئة المنفذية، ويصدّقها المنفّذ العام. أما الضرائب لتغطية هذه النفقات فيقررها مجلس المنفذية أو يصدّقها بعد عرضها عليه من قبل هيئة المنفذية . . 9 ــ لما كانت حالة الحزب السوري القومي الحاضرة حالة جهاد لم يكن مستطاعاً للإدارة العليا المركزية ضبط كل شؤون الفروع بنفسها، فقد دعم الزعيم تفكيره في هذا الأمر وفي تجهيز الحزب بدعائم ثابتة إلى إصداره مرسوماً دستورياً بإنشاء لجان المديريات الاستشارية ومجالس المنفذيات الاستشارية ــ التشريعية . لجنة المديرية الإستشارية ــ بعد تأسيس المديرية وتأليف هيئتها الإدارية والتأكد من ثبات أعضائها وصحة عقيدتهم، يعيّن أحد الاجتماعات العامة التي يجب أن تعقد مرة كل 15 يوماً أو كل شهر، على الأقل اجتماعاً مختصاً بانتخاب لجنة المديرية الاستشارية التي تكون مؤلفة من ثلاثة أعضاء، إذا كان عدد أعضاء المديرية لا يزيد على 25 عضواً ولا يقل عن 15 عضواً، ومن خمسة أعضاء إذا زاد العدد على 25 فيجري الانتخاب بالتصويت العام الذي لا يحق إلا للذين سددوا الضرائب أو الاشتراكات المفروضة. وظيفة اللجنة الاستشارية هي ــ الاجتماع كل 15 يوماً لدرس ما تحيله إليها هيئة المديرية لأخذ رأيها فيه. وتبادل الرأي في ما يحسن اقتراحه على المدير لتأخذه على نفسها الهيئة الإدارية. والتدخل في بعض المشاكل الفردية التي يشير عليها المدير بالتدخل فيها لتسويتها بطريقة غير إدارية. واقتراحات هذه اللجنة وآراؤها وقراراتها هي استشارية بحتة، أي أنه يجوز لهيئة المديرية العمل بها أو عدمه، ولكن هيئة المديرية متوجب عليها درس هذه القرارات والاقتراحات والآراء والبتّ بقبولها كما هي أو معدلة أو بتركها. متى تمّ انتخاب أعضاء اللجنة الاستشارية يجتمع هؤلاء وينتخبون رئيساً وناموساً منهم، وليس للجنة غير رئيس وناموس، وتنتخب اللجنة أيضاً مندوباً عنها يمثّلها في مجلس المنفذية حيث له حق إبداء رأي لجنته في حالة مديريته ووضعيتها وممارسة صلاحيات عضوية هذا المجلس. 10 ـــ مجلس المنفذية ـــ هو مجلس استشاري في كل أمر، إلا أمر المالية الموضعية أي الضرائب الموضعية ونفقات المنفذية، ففي هذا الأمر له صفة تشريعية، إذ هو الذي يقرر الضرائب الموضعية، ويوافق على كيفية نفقات المنفذية. وعند انعقاده يؤلف بين أعضائه لجنة مالية من ثلاثة أعضاء لتفتيش دفاتر ناظر المالية ولتتأكد من الحسابات. ولا دخل لهذا المجلس في الجباية العامة. وينعقد هذا المجلس مرة كل ثلاثة أشهر، ومدة عضويته سنة كاملة، وكذلك مدة عضوية كل لجنة استشارية. وفي أول اجتماع يعقده ينتخب رئيسه وناموسه ولجنته المالية وغيرها من اللجان. أما اللجنة المالية فغير دائمة على مدار السنة، بل تنتخب لجنة مالية لكل دورة، أي كل ثلاثة أشهر. كل لجنة استشارية ترفع خلاصة أعمالها وملاحظاتها في تقرير خطي يحمله مندوبها ويقرأه في اجتماع المجلس. وفي ختام كل دورة، يرفع مجلس المنفذية تقريراً بخلاصة أعماله وملاحظاته إلى مجلس العمد. يحضر جميع جلسات مجلس المنفذية المنفّذ العام والناموس العام والنظار، فيُفرد لهم مكان خاص مواجه لأعضاء المجلس أمام كرسي أو منصة الرئاسة، ويجلس المنفّذ العام على موازاة رئيس المجلس وإلى يمينه على بعد قليل. ولا يتدخل المنفّذ أو هيئة المنفذية في إدارة أعمال المجلس، ولكنه والهيئة يكونون مستعدين لتقديم جميع الإيضاحات المفيدة التي لها صفة عمومية ويهمّ المجلس معرفتها . . المجلس الإداري للمنفذية ــــ يدعو المنفّذ العام المديرين كل ثلاثة أشهر إلى عقد مجلس إداري لدرس جميع المسائل الإدارية البحتة، وتقرير تذليل الصعوبات الإدارية وكيفية ضبطها. ويحسن أن ينعقد هذا المجلس في وقت انعقاد مجلس المنفذية. ويجلب المديرون إلى المجلس الإداري تقاريرهم الربعية (عن ثلاثة أشهر)، لتستند إليها هيئة المنفذية في وضع تقريرها الربعي كل ثلاثة أشهر إلى عمدة الداخلية. وتحفظ تقارير المديريات بصورة منظمة ومرقمة في دائرة سجلات المنفذية . 11 ـــ الضرائب العامة للبرازيل تقرر بعد النظر في اقتراحات الهيئات الإدارية هناك، ويحسن مباشرة الجباية على معدل 5 أو 10 (خمسة أو عشرة) ملريس في الشهر، والطريقة العملية المتبعة في الحزب هي أن تكون الضرائب العامة على درجتين مع استثناءات. ويمكن أن يعفى من الاشتراك كل من تقرر هيئة المديرية عدم مقدرته على دفع اشتراك معين. 12 ـــ لجان الإدخال ـــ يعيّن المدير في كل مديرية لجنة إدخال مؤلفة من ثلاثة أعضاء ـــ رئيس وناموس ومسجل مالي. ويصير إدخال المرشح بعد تقرير هيئة المديرية قبوله وإيعازها إلى اللجنة بإدخاله، فيتولى الرئيس سؤاله عن المبادئ والقضية والنظام. ثم يحلّفه اليمين ويحيله على الناموس فيسجل اسمه على البطاقتين، ويأخذ منه ثلاث نسخ من صورته فيضع واحدة على بطاقة خاصة بالمنفذية، وأخرى على بطاقة خاصة بالسجل العام في المركز، وتبقى صورة في المديرية. هذا ما حضرني الآن مما لا بد لكم من معرفته. وليس عندي نسخة من الدستور، وإني أحاول الحصول على نسخة فنعيد طبعه ويوزع منه على المنفذيات والمديريات نسخة لكل منفذية ونسخة لكل مديرية، ولا يوزع على الأعضاء بل يطّلع عليه هؤلاء في المديريات. وإني أنتظر اقتراحاتكم لإكمال التعيينات لهيئة المنفذية. وأتمنى لكم التوفيق في خدمة قضيتنا القومية الحقة. ولتحيى سورية(6). الخلاصة الثانية النظريات التي تسرّبت إلى "نظام الحزب". أستعرض في ما يأتي نماذج من النظريات أو الإجتهادات التي تداول بها بعض القوميين الإجتماعيين في محاولة لتفسير "المركزية التسلسلية"؛ فمنهم من رأى أنّ السلطة في الحزب تتمركز في قيادة فرد واحد، ومنهم من رأى أنّ السلطة في الحزب تتمركز في قيادة هيئة واحدة. نماذج من الإقتراحات لصياغة "قيادة الحزب"، بعد استشهاد سعاده : - أولا: الدكتور رولان سيف في كتابه: "أنطون سعاده زعيم للمستقبل"(7) السلطة في الحزب لــفرد واحد: يرى د. سيف أنّ تاريخ الحزب، بغياب الزعيم في المغتربات، يدلّ بوضوح أنّ وجود مجلس أعلى من 11 شخصا في مركز القيادة لا يكفي للحفاظ على سلامة عقيدة الحزب ونظامه وغايته ووحدته وسلوكيته، وبالتالي على قوّته وفعاليته. ويجد الكاتب الحل في أن تعطى السلطة العليا في الحزب لفرد واحد، ولمدة طويلة حتى بلوغه 65 سنة، يتمتع بكامل مقدراته وصفاته، ويكون مصدر السلطات الثلاث ومرجعيتها العليا (توافقا مع المادة 4 من الدستور ومرسوم إنشاء المحكمة الحزبية)، على أن يؤدي قسم مسؤولية الرئيس مصدر السلطات ويحترمه . ويحدّد د. سيف عملية إنتقاء الرئيس بطريقة التقييم والإمتحان، (يفوز فيه من يحصل على المرتبة الأولى في إمتحان يقيم الإدراك العالي في العقيدة والنظام والعقلية القومية الاجتماعية والقيادة على مستوى دولة) لا بطريقة الإقتراع العددي، وذلك عن طريق لجنة دائمة مختصة من خمسة أعضاء لها صلاحية واحدة، إلى جانب إنتقائه، هي إعفاء الرئيس إذا تنافى أداؤه مع شروط مسؤوليته. وإذ يجد الكاتب أنّ هذا الإقتراح يتوافق مع المادة 11 من الدستور(8)، إلا أنّه يتناقض مع المادة 12(9)، التي يقتضي تعديلها مع الحفاظ على المواد الدستورية الأخرى، والمراسيم المنبثقة عنها بصيغتها عام 1937. ويضع د. سيف لائحة مفصّلة ومحدّدة للصفات التي يجب أن تتوفّر في الرئيس المؤهل لمصدر السلطات الثلاث، وهي: أن يكون عمره بين 40 و60 سنة، تخلى عن النزعة الفردية، ويرفض أي تبعية، له مقدرة على الدرس والتفكير الطويل، وولاء مطلق للحزب بتعاليمه ونظامه كما وضعها المؤسس الزعيم، طموح يؤمن بالعمل لتحقيق ما هو ممكن وضروري، وله مقدرة على المجابهة والصمود وتخطي المصاعب، ومقدرة على استيعاب الأمور بتعقيداتها وتشعباتها، يؤمن بالإحتراف والثقافة والعلم، له مقدرة على أخذ المبادرة، متفائل مؤمن بحتمية إنتصار الحزب، منظّم عقلاني إداري عملي، صادق عادل، قويّ الشخصيّة، صاحب نخوة، مستعدّ للتضحية حتى بدمائه، شجاع جريء مقدام، محترف موضوعي منفتح، لديه روح الأبوة والمسؤولية، لديه رؤيا وبرنامج عمل، نزيه متجرّد نبيل، محبّ وفيّ مخلص، له مقدرة على الإستماع والحوار والأخذ بأراء الاخرين، وتقبل الإنتقاد وتوسيع المعرفة، له المقدرة على العمل الكثيف، والعمل مع الآخرين، لديه ثقافة واسعة وحبّ الإطلاع، ويتفادى الخلط بين الحماسة والمقدرة . يتولى الرئيس تنشيط الحزب وتركيز قوته وفعاليته، يضبط الخصومات والمماحكات والإنقسامات داخل صفوفه وتفعيل جميع إمكانياته. يعاون الرئيس فعلياً في قيادة المؤسسات جميع الأمناء في الحزب. يلغي الرئيس مبدأ الإقتراع لإنتقاء القيادة، ومبدأ الإقتراع لإتخاذ القرارات ضمن مؤسسات الحزب الناشئة عن المواد الدستورية 6 و10(10) وعن المراسيم الدستورية 1و2و3(11) ويلخّص د. سيف واجبات الرئيس الإدارية بالعناوين الآتية: - التأكيد على أنّ اللجان والمجالس الناشئة باقتراع عام في المناطق، بموجب المرسوم الدستوري عدد4، هي مؤسسات إستشارية إلا في مسألة الضرائب المحلية كما أراد الزعيم. - يفرض طابع الإحتراف والحداثة على العمل الحزبي. - يطبّق جميع المراسيم الدستورية الصادرة عن الزعيم. - يمنع الإنحراف عن غاية الحزب والمبادئ والنظام والسلوكية القومية الإجتماعية . - ينشّط تدريس المبادئ والنظام . - ينشئ رتبة مؤهل لتسلّم المسؤوليات في المناطق . - يرفع الضرائب الحزبية لتنشيط الرعاية الإجتماعية والمؤسسات الإقتصادية التابعة للحزب. - يوقف التناحر بين مجلسي الأعلى والعمد. يخلص رولان سيف في نظريته المشار إليها إلى النتيجة الآتية: إنّ النظام المتبع حاليا في الحزب هو نظام مختلط غير متناسق، متعثر، حيث السلطة فردية في مجلس العمد وهيئات المنفذيات والمديريات وجماعية في المجلس الأعلى الذي ينتخب فقط من بين الأمناء بالإقتراع العددي التمثيلي ويتخذ القرارات بالأكثرية. يختلط في هذا النظام التمثيل مع التعبير، والسلطة الجماعية مع السلطة الفردية، وفصل السلطات مع جمعها. إنّ توجه سعاده نحو جعل القيادة جماعية، ديمقراطية، بعد غيابه(12)، يشترط ضمنا أن يكون الحزب والشعب قد انتقلا من حالة الفساد والتخلف إلى حالة الأخلاق والنشاط، ولم كان هذا الإنتقال لم يحصل بعد ولا تزال الظروف بعد غير مؤاتية لقيادة حزبية جماعية مجلسية والحاجة ماسة إلى قيادة فردية مركزية ثابتة مؤهلة ومخلصة محاطة بمؤهلين مخلصين تستطيع إحداث التغيير في الحزب والمجتمع على أن تتمتع هذه القيادة بالصلاحيات الدستورية التي يحتاج إليها الرئيس القائد، إذ إنّ النظام الحالي المتبع داخل الحزب اليوم لا يسمح حتى للرئيس بتنشيط الحزب، لأنّ صلاحياته النظامية محدودة، وهو خاضع لمجلس أعلى متعدّد الخطط، والأهداف والإتجاهات وطرق التقييم، لأنّ أعضاءه يتنافسون، وصلاحياتهم الدستورية متعادلة، كلّ بوجهة نظر، وهذا طبيعي، مع أنّ إيمانهم واحد. هذا هو خلل القيادة الجماعية المجلسية الخاضعة لاعتبارات الإنتخابات الدورية التمثيلية بالإقتراع العددي والتي تتخذ القرارات بالأكثرية، إنّ غياب سلطة واحدة فردية ثابتة فوق المجلس الأعلى مهمتها توجيه الإتجاه، هو الذي يسمح بالتفكّك والشقاق داخل الحزب، من القيادة حتى أصغر المديريات. إنّ الفرد الذي سيدفع اليوم مسيرة الحزب إلى الأمام بحاجة، مهما كانت عبقريته ونبل أخلاقه إلى حصانة وصلاحيات وضمانات دستورية لتأدية مهمته بنجاح . إنّ إعطاء السلطات، طوعا، لفرد واحد عقلاني شعبي نهضوي عادل مؤهل مخلص طموح جريء متجرّد ومبدع يعاونه مؤهلون مخلصون، هو النظام الجديد الذي دعا إليه سعاده، وهو الذي مكّن الحزب من تحقيق أول إنتصاراته. إنّ هذا النظام هو أرقى مظاهر الديمقراطية المعبّرة عن إرادة المجموع في سعيه الفعلي لرفع مستوى أدائه . إنّ النظام الذي يجمع بفرد واحد مسؤوليتي إقرار برنامج العمل والإشراف على تنفيذه هو نظام أسهل، وله فعالية أكبر من الأنظمة التي تفصل المسؤوليات العليا، وتوزعها على مجالس. سلطة الزعامة: وحدها سلطات الزعامة المعطاة نظامياً لسعاده منذ التأسيس هي التي سمحت للمؤسس وصاحب الدعوة بالحفاظ على وحدة الحزب وسلامة مبادئه ونظامه ومسلكيته وأهدافه وغايته . إنّ الظروف الإجتماعية التي دفعت أنطون سعاده لابتكار مسؤولية الزعامة الفردية جامعة كلّ السلطات، ضمن تعاقد ثنائي بين الزعيم والمنتمي وتحت شروط قسم الزعامة، لا تزال قائمة اليوم، والدعوة موجهة إلى ملء هذا الفراغ القيادي. تتجاوز الزعامة، ونجاحها، عند سعاده كلّ الأنظمة الملكية والديكتاتورية في العالم لأنها مبنية على قواعد جديدة.. ص.235 في حين أنّ فشل هذه الأنظمة لا يعود إلى ممارسة السلطة الفردية بل إلى القواعد التي بنيت عليها هذه السلطة .. ص 234 . لقد وضع سعاده، فكرا وعملا، حدّا فاصلا بين السلطة الفردية والتسلط الفردي، وبين السلطة الفردية والتفرّد بالسلطة، ص. 236 و 237، كما تجاوزت زعامة سعاده كلّ الأنظمة التمثيلية في العالم، ص237، كما أنّ سلطة الزعامة المبنية على القواعد الجديدة التي أوجدها سعاده، ووضعها في الفكر السياسي العالمي هي الضمان الوحيد لسلامة الحزب، والسبيل الوحيد لدفع مسيرته ومسيرة البلاد إلى الأمام . إنّ الزعامة عند سعاده، المؤسسة على تعاقد طوعي بين الزعيم وأي فرد من أبناء الشعب، بموجب الإرادة الحرّة المبنية على المعرفة والإقتناع، وتحت شروط الإخلاص والتفاني لرفع مستوى حياة الشعب من قبل طرفي التعاقد، هو إبتكار أصيل وحيد من نوعه في العالم، وهو أصح تعبير عن الديمقراطية . - ثانيا: فوزي نجد في كتابه "تعثر القيادات"، إنتخاب الرئيس من الصف: ينطلق فوزي نجد في نظريته من الإشارة إلى إنبثاق السطة من أقدم ديمقراطية في التاريخ (ديمقراطية إبلا السورية)، حيث كان الملك يُنتخب مباشرة من الشعب، ويتربع على قمّة هرم من البيروقراطيين، تعاونه على إدارة شؤون المملكة، وتفاديا للظلم والإستبداد والتعسف، تولت مجموعة من الشيوخ الحقّ في إقالة الملك، ودعوة الشعب إلى إنتخاب ملك جديد. ويُطالب في المقابل باعتماد المرجعية الشعبية أساساً لانبثاق السلطة في الحزب، مع بقاء المجلس الأعلى المرجعية العليا لكبح جماح الأكثرية المطلقة، حيث أنّ مرجعية الشيوخ في "إبلا" تقابلها في الحزب مرجعية "المجلس الأعلى"، الذي له سلطة إقالة رئيس الحزب، وانتخاب رئيس جديد، من أبناء الصف، وليس من القلّة في المجلس الأعلى الغارقة في سلبياتها ومصالحها الخاصة، مع التشديد على أن يمرّ المرشح المؤهل لتولي رئاسة الحزب في مصاف خمس إلزامية ومتدرجة، وفقا لشروط محدّدة . من جهة أخرى يُطالب الكاتب الإدارة الحزبية بإيجاد حلّ لــ "رتبة الأمانة"، يُنهي الجدل الدائر بين فريقين من القوميين الإجتماعيين؛ الأول يريد الإبقاء على نظام إنبثاق السلطة من الأمناء، باعتبار أنّ الصفّ غير مؤهل وغير مستعد لتقبل النظام الديمقراطي القومي. والثاني يؤيد إلغاء دور الأمناء، لأنهم، وبناء على التجارب، غير مؤهلين لاختيار قيادة الحزب السوري القومي الإجتماعي. ولا بدّ، من أجل إيضاح، ما ذهب إليه الكاتب، من إيراد النصوص الخاصة بطرح نظريته؛ أ- ديمقراطية أبلا السورية: عن أقدم ديمقراطية عرفها التاريخ يذكر نجد: " إنّ أقدم ديمقراطية عرفت في تاريخ البشرية هي الديمقراطية السورية التي اعتمدها نظام الحكم في مملكة أبلا السورية منذ ستة آلاف سنة (أربعة آلاف سنة قبل المسيح)، والتي اكتشفتها مجموعة التنقيب الطليانية بين العامين أربعة وسبعين وستة وسبعين، أبلا المدينة الواقعة على بعد حوالي سبعين كيلو مترا جنوب مدينة حلب. وحسب النصوص المسمارية التي وجدت في مكتبة الملك، والتي يقارب عددها العشرين ألف لوحة، كان الشعب في تلك المملكة ينتخب ملكا من عامة الشعب، لفترة سبع سنوات، وكان الملك المنتخب يتربع على قمّة هرم من البيروقراطية، يقارب سبعة آلاف وخمس مائة موظف يعاونونه على إدارة شؤون المملكة. وكي لا يكون هذا النظام الديمقراطي السوري أداة للظلم والإستبداد والتعسف، كان لا بدّ من مرجعية أخرى لكبح جماح الأكثرية المطلقة، فكانت مجموعة من الشيوخ تتمتع بحقّ إقالة الملك إن لم يكن الشخص المناسب لهذا المنصب، ودعوة الشعب لانتخاب ملك جديد" ص.102 يعلّق فوزي نجد، في كتابه "تعثر القيادات"، على هذه الديمقراطية العريقة بالقول: "إنّ مرجعية الشيوخ في نظام الحكم السوري في أبلا تقابله مرجعية المجلس الأعلى في الحزب السوري القومي الإجتماعي، الذي له سلطة إقالة رئيس الحزب عندما تتوفّر الأسباب والشروط لذلك، والدعوة لانتخاب رئيس جديد، من أبناء الصف وليس من القلّة الغارقة في سلبياتها ومصالحها الخاصة. فإذا اعتمدنا المرجعية الشعبية أساسا لانبثاق السلطة التشريعية العليا في الحزب، فلا بأس إذا بقي المجلس الأعلى المرجعية العليا لكبح جماح الأكثرية المطلقة إذا توفّرت الشروط والأسباب لذلك فتكون بالفعل مرجعية عليا لمرجعية الصف". ص. 102 و105 ب- المصافي الخمس وعن المصافي الخمس التي يجب أن يمر بها المرشح المؤهل لتولي رئاسة الحزب، يقترح فوزي نجد الآلية الآتية: "إذا اعتمدنا المرجعية الشعبية (الديمقراطية) كنظام لانبثاق السلطة العليا في الحزب، نكون بالفعل قد بدأنا من جديد بممارسة الديمقراطية السورية، والذي ينطبق عليها المرسوم الدستوري الرابع والقاضي بانتخاب لجان المديريات ومجالس المديريات من الصف ولا بدّ من تتويج هذا المرسوم بتشريع يقضي بانتخاب المجلس التشريعي الأعلى من أعضاء مجالس المنفذيات. وإلى جانب انتخاب الهيئة الإدارية له، يتمتع هذا المجلس بحق انتخاب رئيس السلطة التنفذية، أيضا. ويكون هذا الرئيس المنتخب قد مرّ فعلا في المصافي الخمس قبل أن يصل إلى سدّة الرئاسة، وذلك لأنّ الشروط الدستورية اللازمة قد توفّرت فيه، والمصافي الخمس، هي كما يلي: المصفاة الأولى: يمرّ فيها المواطن عند انتمائه إلى الحزب. المصفاة الثانية: يمر فيها العضو عندما يرشح أو يترشح لعضوية لجنة المديرية. المصفاة الثالثة: يمر فيها المرشح إلى عضوية مجلس المنفذية . المصفاة الرابعة: يمر فيه المرشح لعضوية المجلس الأعلى أو المجلس التشريعي الأعلى . المصفاة الخامسة: يمر فيها المرشح لرئاسة الحزب أو لرئاسة المجلس الأعلى . ويضع فوزي نجد مجموعة من الشروط التي يجب أن تتوفّر في المرشح للمصفاة الثانية، أي لعضوية لجنة المديرية، تدرسها لجنة مختصة بأمور الترشيح والإنتخاب وهي: أولا: درجة التحصيل العلمي . ثانياً: مدّة إنتساب المرشح إلى صفوف الحزب . ثالثاً: إنضباطية المرشح وكفاءته العقائدية. رابعاً: سلوكية المرشح وممارسته وإتمام واجباته الحزبية . خامساً: قدرة المرشح على تمثيل الحزب في كافة الأوساط والهيئات الإجتماعية والسياسية وعزمه على بناء المجتمع السوري القومي الإجتماعي الجديد ص. 105و106 . ج- الخلاف حول موقع الأمناء كما يطرح الكاتب إشكالية "الخلاف" بين القوميين الإجتماعيين حول موقع الأمناء من انبثاق السلطة ودور المسؤولين في إيجاد حلّ لهذه الإشكالية المزمنة، يقول: "هنالك أقلية من القوميين الإجتماعيين تريد الإبقاء على نظام إنبثاق السلطة من الأمناء، مبرّرة ذلك بالقول أنّ الصف القومي الإجتماعي غير مؤهل وغير مستعد لتقبل النظام الديمقراطي القومي وفقا للمرسوم الرابع، والقاضي بانتخاب لجان المديريات ومجالس المنفذيات، ومن ثمّ المجلس التشريعي الأعلى، ويساورهم الخوف أيضا من أن يصل إلى هذه المراكز العالية، أشخاص غير متعلّمين، وليسوا من أهل الكفاءة. وفي المقابل نرى الكثيرين من القوميين الإجتماعيين، يريدون إلغاء دور الأمناء، لأنّهم ليسوا مؤهلين لقيادة النهضة السورية القومية الإجتماعية، ولهم في نتائج الخمسين سنة الماضية براهين كثيرة على ذلك، ومنها فشل الأمناء في المحافظة على وحدة الحزب، وإلى ما هنالك من وقائع وتفاصيل...وإذا كان الصف غير مؤهل لانتخاب قيادة ديمقراطية واعية فاعلة، فإنّ ذلك يعود إلى إهمال الأمناء لأبسط واجباتهم، وهي تثقيف القوميين الإجتماعيين تثقيفاً عقائدياً صحيحاً، بدل تثقيفهم على المزايدات التقسيمية والإقتتال والتشرذم. ويرى: أنّه من البديهي أن يأخذ المسؤولون هذين الشقين بعين الإعتبار، وأن لا يتركوا هذه المشكلة المزمنة على حالها. بل يجب الوقوف على المشكلة، وتحديدها ووضع الحلول لها، ثمّ دراسة نتائج كلّ حلّ على حدّة، وينتقي أفضل حلّين أو ثلاثة من مجمل المعروضة، ويصار إلى إختيار أفضل حلّ من الحلول الثلاثة، ويوضع موضع التنفيذ، حتى ننهي عهد المراوحة، والتفلت الإنقسام. وهذه هي الطريقة العلمية لحلّ المشاكل التي تتعرض لها المنظمات والدول الصغيرة والكبيرة أيضا". ص. 128 - ثالثا: المحامي جوزف السبعلي في كتابه "مشروع الإصلاح الدستوري الديمقراطي للحزب السوري القومي الاجتماعي"(18) القيادة لـ"المجلس الأعلى": يرى الأمين جوزف السبعلي أنّ المراسيم الدستورية والقوانين التي وضعت بعد استشهاد سعاده شذّت كلّها عن مبادئ النظام المركزي الذي وضعه. ويستدرك بأنّ هذه المراسيم والقوانين وإن انحرفت إلا أنّها احتوت في العديد من موادها على خلاصة تجارب إدارات الحزب المتعاقبة. إلا أنّه يقرّ ويعترف بأنّها تضمنت حصيلة خبرات تنظيمية يجب الإفادة منها في وضع أي مراسيم جديدة، وهي جزء من تراث الحزب التنظيمي والدستوري. ويشدّد في هذا السياق على الأمور الآتية إلغاء القوانين الدستورية التي صدرت بعد استشهاد سعاده، واعتماد دستور الحزب والمراسيم الدستورية، التي وضعها الزعيم وصنّفت عام 1937، نظرا لصحتها ودقتها وانسجامها الكلّي مع النظرية المركزية التسلسلية وإضافة مراسيم جديدة تعتمد نظرية المركزية التسلسلية الديمقراطية وتستند إلى خبرات الحزب وتجارب إداراته المتعاقبة. ويرى الكاتب أنّ الحلّ كان يقتضي بعد استشهاد سعاده أن تعود للمجلس الأعلى الصلاحيات التي كانت له أثناء سفر الزعيم، أي كافة الصلاحيات، وذلك طيلة مدّة إنعقاد المؤتمر (أي المرجع الأعلى في الحزب) أن يترأس رئيس الحزب المجلس الأعلى ومجلس العمد، ويحلّ محلّه نائب رئيس الحزب بنفس الصلاحيات ص100. وكان يُفترض ايضا، حسب رأيه: أنّه بعد استشهاد سعاده، أن تنشأ مؤسسة المؤتمر (المجلس العام) وأن يأخذ المجلس الأعلى جميع الصلاحيات طيلة مدّة عدم انعقاد المؤتمر، أمّا مجلس العمد فينفذ قرارات مجلس العمد والمؤتمر. وهذه هي المركزية التسلسلية الديمقراطية. أمّا الذي حصل بعد الإستشهاد، فهو عكس ذلك تماما، إذ طمست إرادة القوميين، ولم تنشأ مؤسسة المؤتمر، ووضع المجلس الأعلى في مواجهة السلطة التنفذية التي تتألف من الرئيس ومعاونيه على طريقة النظام الرئاسي، ومنذ ذلك التاريخ دخل الحزب في نفق مظلم، ولم يخرج منه حتى الآن . ص100 ويُحدّد الكاتب في الفصل الثالث من كتابه، وعنوانه "المركزية والديمقراطية" إقتراحه في ألية إنبثاق السلطة التي تتمثّل قيادتها العليا في مؤسسة "المجلس الأعلى" المنتخب أعضاؤه من القاعدة، ويتوزعون المسؤوليات القيادية التنفذية والتشريعية في الحزب. ص39 "إنّ سعاده لم يطبق في حياته النظام المركزي الديمقراطي، بل طبّق النظام المركزي بحكم فردي... وأرسى هذا الحكم على أساس تعاقد بينه وبين المقبلين على الدعوة الذين قبلوا به بملء إرادتهم وحريتهم زعيما مدى الحياة، وأيدوه تأييدا مطلقا في كلّ تشريعاته وإدارته الدستورية...وإذ مارس الزعيم الحكم الفردي في حياته، فقد رسم الإتجاه الديمقراطي في المواد الدستورية الأربع عشر ليكون الحزب بعده ديمقراطيا: لقد رسم الزعيم الإتجاه الديمقراطي في المادتين 10و11 من الدستور، بإنشائه مؤسسة المجلس الأعلى كقيادة جماعية، وجعل منها عند غيابه القسري أو من بعده مرجعا قياديا اعلى في الحزب، تتمركز فيها كافة الصلاحيات التشريعية والتنفذية وانتخاب رئيس الحزب . وعن إنتخاب قيادة الحزب من أسفل إلى أعلى، يقول: "حدّد الزعيم في المادة 13 من الدستور أنّ مدّة الرئيس المنتخب وطريقة انتخابه وطريقة انتقاء أعضاء المجلس الأعلى تحدّد في ما بعد بمرسوم. ولم يضع الزعيم هذا المرسوم طيلة حياته. ولكن من هذا الإتجاه الذي رسمه في المواد الدستورية ال 14، ومن الإطلاع على قانون الطوارئ في الحزب وعلى المرسوم الدستوري عدد4، تتضح الصورة الديمقراطية التي أرادها سعاده للحزب من بعده... وطالما اعتبر الزعيم أنّ الحكم الفردي هو امتياز فقط لصاحب الرسالة. فكان يقتضي بعد استشهاده أن يتمّ الإتجاه الديمقراطي الذي رسمه، بان ينتخب ممثلو مجالس المنفذيات السلطة العليا في الحزب، سواء أكان اسمها مؤتمرا أم مجلسا قوميا أم مجلس مندوبين. وهذه السلطة العليا تكون سلطة القرار الأولى في الحزب. وهذه السلطة العليا تنتخب بدورها أعضاء المجلس الأعلى كسلطة قيادة عليا في الحزب، ويتوزّع أعضاء المجلس الأعلى المنتخبون من القاعدة المسؤوليات القيادية التنفذية والتشريعية في الحزب. وينبثق عن المجلس الأعلى، ومبدئيا منه، أعضاء مجلس العمد، الذين يشكّلون مؤسسة مجلس العمد، ويتنكّبون مسؤولية تنفيذ قرارات المجلس الأعلى والمؤتمر العام، وبذلك يطبّق النظام المركزي الديمقراطي بكامله. ص38و39 . هذا النظام الذي انحرف عنه الحزب إثر استشهاد سعاده، باتجاه نظام فصل السلطات خلافا لعقيدة الحزب وفكره، وبما يتناقض مع نظامه المركزي ص17 بسبب وجود مراكز قرار مستقلة تشريعية وتنفذية وقضائية، مع حدود مرسومة بينها تحدّد الإختصاصات وتمنع التدخل في الصلاحيات. أضف إليه أنّ المراجع أو السلطات المركزية في هذا النظام متوازية ومتوازنة وليست متسلسلة، كما في النظام المركزي التسلسلي . * يُعرّف د إدمون رباط نظام فصل السلطات كما يأتي: " لقد احتلّ نظام فصل السلطات حيّزا واسعا في القانون الدستوري العام، وتطبّقه اليوم معظم الدول، ولكن بأشكال مختلفة، وعلى سبيل المثال، ما أورده إدمون رباط عن النموذجين البريطاني والأميركاني في معنى الفصل بين السلطات الثلاث: "تلعب كلّ من هذه السلطات دور الوازع، أو الحاجز، إزاء السلطتين الأخريين، ليقوم بين السلطات الثلاث، نوع من التوازن وهي الطريقة الموصوفة في القانون الدستوري البريطاني بالحواجز والموازنات. وهذا المبدأ لا يعني الإنفصال التام بين السلطات في بريطانيا، بخلاف ما حرص على تحقيقه دستور الولايات المتحدة، حيث جهد أصحابه، لأسباب خاصة بالاتحاد الأميركي، على جعل السلطات الثلاث منفصلة بل متفرقة ومستقلة، بعضها عن بعض. فالمبدأ لا يعني في القانون الدستوري البريطاني إنّ السلطات الثلاث هي مستقلة، بل إنّها منفصلة ومختلفة بهيئاتها، ومتعاونة في ممارسة وظائفها واختصاصاتها"(15) . هذه نماذج عن بعض النظريات المفسّرة لـ"النظام المركزي التسلسلي"، وإن اختلفت فيها وجهات النظر، من حيث مركزية السلطة والقرار، فهي تتقاطع عند مفصل رئيسي ألا وهو أنّ القوميين الإجتماعيين، هم "مصدر" السلطات الحزبية، وإن كان هذا التعبير أي "المصدر"، يجب أن يحصر إستعماله بــالزعيم فقط، أي أن "الزعيم هو مصدر السلطات،" على أن يستعاض بهذا التعبير، مصطلح آخر، وأقترح أن يكون "إنّ القوميين الإجتماعيين هم المرجع الأول في انبثاق السلطات". ولا بدّ من الإشارة، إلى أنّ هذه النماذج من التفسيرات قد تعرّضت إلى النقد، وعلى سبيل المثال لا الحصر، ردّ الباحث في الشؤون الدستورية طه غدار، في كتابه "قراءة في دستور سعاده وتعديلاته"، على مقالتي الأمينين مروان فارس وجوزف السبعلي، المنشورتين في جريدة "الدّيار"، بتاريخ 18و19 تشرين الأول 2006. ومّما جاء في الردّ المذكور: إنّ هذه الأقوال غريبة وبعيدة عن الفكر الدستوريّ القوميّ الإجتماعيّ، وهي مخالفة ومناقضة لهذا الفكر(16) تطبيق النظام التسلسلي المركزي في حياة سعاده ولا بدّ، وفي هذا السياق، من الإضاءة على المراحل الأربعة، التي طُبق فيها النظام المركزي التسلسلي الديمقراطي في حياة سعاده بين عامي 1934و1949. المرحلة الأولى: تمتدّ من العام 1934، عندما وضع سعاده دستور الحركة، حتى مغادرته أرض الوطن في 10 حزيران 1938، إلى المغتربات، وذلك من أجل تنظيم العمل القومي فيها. في تلك الفترة كان سعاده هو زعيم الحزب وقائد قواته الأعلى ومصدر السلطتين التشريعية والتنفذية، ومن ضمنهما السلطة القضائية. فالزعيم في هذه المرحلة هو "المرجع الأعلى"، وهو مركز القرار الأعلى، وفيه تتركّز كلّ السلطات في الحزب. وإذ جعل سعاده هذا النظام فردياً في الدرجة الأولى مركزياً تسلسلياً، فذلك من أجل منع الفوضى في داخله، واتقاء من نشؤ المنافسات والخصومات والتحزبات والمماحكات وغير ذلك من الأمراض السياسية والإجتماعية، وتسهيلا لتنمية فضائل النظام والواجب(17) أمّا من حيث استخدام سعاده للفظة الفردية في توصيفه لنظام الحزب المركزي التسلسلي، فهذا التعبير لا يماثل أبدا، وبشكلّ قطعي، مفاهيم الأنظمة الفردية الدكتاتورية المطلقة، وإنّما قصد به سعاده، "مؤسسة الزعامة الديمقراطية"، الواضحة أسسها في "قسم الزعامة"(17)، وفي هذا المعنى يقول سعاده: "إنّ زعامة الحزب السوري القومي الإجتماعي هي أصحّ تعبير عن الديمكراتية، إنّ هذه العقود الثنائية بين صاحب الدعوة إلى القومية السورية وبين المقبلين عليها وتكريسها بالقسم الحزبي الواضح الصريح لهي الدليل العلمي الملموس للديمكراتية بمفهومها العلمي المختص. ما هي الديمكراتية؟ أليست هي ممارسة الإختيار بموجب الإرادة الحرّة المطلقة بين القبول أو الرفض، لأمر من الأمور؟ أليس قبول الألاف لهذه الزعامة على هذه الأسس من الذين أصبحوا أعضاء في هذا الحزب هو أكبر استفتاء شعبي يشهد على ممارستهم الأصول الديمكراتية في الإختيار؟ هل جمع الزعيم هؤلاء الألاف من السوريين القوميين الإجتماعيين بسلطان تعسفي أو بطريقة كيفية، وفرض نفسه عليهم زعيما مطلق الصلاحيات؟ أم أنّه طرح عليهم قضية واضحة لا تقبل التآويل فارتبطوا معه بعقد واضح أيضا. إنّ الإنتماء إلى الحزب السوري القومي الإجتماعي هو أعظم دليل على ممارسة الديمكراتية، والزعيم ليس دكتاتورا، بل هو زعيم أكبر وأعظم مؤسسة شيدت على التطوّع الحرّ الناتج عن عميق الإقتناع الشخصي ونضوج الوعي والإدراك"(18). إنّ مؤسسة الزعامة، هي مؤسسة مقدسة، هي جوهر الحركة القومية الإجتماعية، هي تعبير عن الأمة مصغّرة في الحركة القومية الإجتماعية في استمراريتها، وبعد استشهاد سعاده، إنتقلت مؤسسة الزعامة، بمفهومها العقائدي والدستوري إلى القوميين الإجتماعيين المتعاقدين مع سعاده - الزعيم، على أساس "التطوّع الحرّ الناتج عن عميق الإقتناع الشخصي ونضوج الوعي والإدراك"، وصاروا بالتالي مصدر السلطات عبر مجالسهم المنتخبة بالطريقة الديمقراطية التعبيرية القومية الإجتماعية، وسنوضح هذه الفكرة في سياق هذه الدراسة. يقول سعاده: "إنّ أنطون سعاده لا يريد منزلة أعلى من منزلة أي فرد سوري حرّ، ولكنّ الزعيم ليس مجرّد شخص أنطون سعاده، إنّه يمثّل جميع القوميين الإجتاعيين وكرامتهم.إنّه يمثّل ويعبّر عن أشواق الأمة ومثلها العليا وإرادتها ومقدرتها، وهذه أشياء مقدسة تُوجب أشدّ الإحترام وأعظم الدقّة(19) . المرحلة الثانية: تُغطي فترة غياب سعاده القسرية (1938-1947)، وفيها فوّض كامل صلاحياته الدستورية إلى "المجلس الأعلى" في الحزب وهو الذي يشكّل المرجع الثاني بعده، إلا أنّ سعاده احتفظ لنفسه بلقب الزعيم الذي نصّت عليه مقدمة الدستور التي هي من ثوابت الحركة القومية الإجتماعية، قضية قومية ودستور دولة. إنّ في تفويض سعاده لصلاحياته، أثناء غيابه، لـ "المجلس الأعلى" هو تأكيد لممارسة النظرية الدستورية المركزية التسلسلية والعمل بموجب قواعدها القانونية الديمقراطية: المرجع الأعلى (الزعيم)، يفوّض كامل صلاحياته، أو بعضها، إلى المرجع الأدنى منه تسلسليا (المجلس الأعلى) الذي قام بممارسة هذه الصلاحيات، وكان هذا المجلس هو الذي يُعيّن العمد ووكلاءهم والمنفذين العامين (راجع قرارات المجلس الأعلى في عدّدي نشرة عمدة الإذاعة، تاريخ 10 ديسمبرو أول أكتوبر 1944). المرحلة الثالثة: وهي عندما استرجع سعاده صلاحياته من "المجلس الأعلى"، وذلك بعد عودته إلى الوطن في الثاني من مارس 1947، ومارس مهماته الدستورية كاملة بصفته "المرجع الأعلى"، حتى استشهاده فجر الثامن من تموز 1949. المرحلة الرابعة: يوم أوعز سعاده إلى الإدارة الحزبية المختصة، عمدة الداخلية، بتطبيق المرسوم عدد 4، الخاص بانتخاب مؤسسات لجان المديريات ومجالس المنفذيات، تمهيدا لانتخاب "المجلس العام"(20)، وقد تمّت عملية الإنتخاب، الأولية إلى مجالس المنفذيات، وتوقفت عند هذا الحدّ، إذ أنّ الحوادث السياسية طغت على الحزب بدءا من حادثة الجميزة، وانتقال الحزب كلّه تمهيدا لانتخاب "المجلس العام"، وقد تمّت عملية الإنتخاب، الأولية إلى مجالس المنفذيات، وتوقفت عند هذا الحدّ، إذ أنّ الحوادث السياسية طغت على الحزب بدءا من حادثة الجميزة، وانتقال الحزب كلّه إلى ميدان المعركة، أي إلى الثورة القومية الاجتماعية الأولى في حزيران 1949(21). وعن المراحل التي مرّت بها تلك "العملية الإنتخابية"، يقول سعاده في خطابه في الأول من آذار عام 1948: "بعد زوال هذه المشاكل الملحة، تمكّنت من العودة إلى الإهتمام بأهم عمل أساسي بعد تأسيس القضية القومية ، ألا وهو إيجاد المؤسسات الصالحة لحمل مبادئ الحياة الجديدة، وحفظ مطالبها العليا وخططها الأساسية، فأعدت المؤسسات التي أنشأتها قبل انكشاف أمر الحزب، وزدت عليها مؤسسات لجان المديريات الإستشارية، ومجالس المنفذيات، والمكتب السياسي وشعبه السياسية . وفسحت بهذا العمل المجال أمام الكفاءت السورية القومية للقيام بالأعمال المؤهلة لها بصورة نظامية، وهنالك طائفة من المؤسسات الصغرى الإذاعية والثقافية هي الآن في دور التأسيس، ومتى استكملت تأسيسها كانت جهازا دقيقا عظيم الفاعلية. ويتابع سعاده: إنّ إنشاء المؤسسات ووضع التشريع هو أعظم أعمالي بعد تأسيس القضية القومية، لانّ المؤسسات هي التي تحفظ وحدة الإتجاه ووحدة العمل، وهي الضامن الوحيد لاستمرار السياسة والإستفادة من الإختبارات. وبواسطة مؤسساتنا الحزبية المنظّمة تمكّنا من القضاء على الفوضى وترقية خططنا وأساليبنا. ولولا مؤسساتنا القومية، ونظامها المتين لكانت العوامل الشخصية الأنانية التي برزت في بعض الظروف تمكنت من تسخير جهاد ألوف السوريين والسوريات لمطامعها. وبالعناية عينها التي أسّست الحزب وأنشأت مؤسساته، أسهر عليه وعلى هذه المؤسسات لتعطي النتيجة التي أنشئت لها . ويُذكر أنّ سعاده كان قد استكمل بناء هيكلية الحزب بإنشاء "مؤسسة لجان المديريات ومجالس المنفذيات"، بموجب "مرسوم الطوارئ"، الصادر في 20 تمّوز 1936، الذي منح بموجبه مناطق الحزب (عن المنفذيات والمديريات المستقلة) صلاحيات "هيئة الإدارة العليا" في الحزب، ومنها إنتخاب هيئة إدارية جديدة، وهي التي أطلق عليها سعاده إسم "المجلس العام"، الذي يتألف من مندوبي مجالس المنفذيات، وفق ما ورد في مسودة المرسوم تاريخ 12 أيلول 1936، الذي صادرته المحكمة المختلطة بعد الإعتقال الثاني لحضرة الزعيم(22) . بناء على ما تقدّم، أصبح القوميون الإجتماعيون، وبموجب التعاقد الحرّ القائم بينهم وبين الشارع صاحب الدعوة - سعاده. وبناء على الإيمان المتبادل بين الجانبين(23)، هم "مصدر السلطات"، بعد استشهاد سعاده، يمارسون هذا الحقّ الدستوري عبر عملية إنتخابية ديمقراطية تعبيرية موقوتة . * الخلاصة الثالثة "إنّ الأمم كلّها تريد الخير والفلاح. ولكن المشكل هو في إيجاد التعبير الصالح عن هذه الإرادة. فالإرادة العامة إذا لم تجد "التعبير" الصحيح في فكرة واضحة وقيادة صالحة تصبح عرضة لأن تقع فريسة للمطامع والمآرب "التمثيلية"(24). الإرادة العامة التي تجد التعبير الصحيح الصالح عنها في فكرة واضحة وقيادة صالحة. هذه هي القاعدة الذهبية في النظام القومي الإجتماعي، الديمقراطي التعبيري بامتياز، هذه القاعدة التي هي في أساس دستور الحزب الجديد، بل في دستور الأمة الناهضة بالتعاليم القومية الإجتماعية: فكرة واضحة وقيادة صالحة، نظام دستوري وعقيدة قومية صحيحة"، الأعمال(25) . في الفكرة الواضحة، يعلّمنا سعاده: " إنّ إرادة الأمة بتكوين عقيدتها القومية كانت الخطوة الفاصلة التي قاد سعاده الشعب السوري إليها. ومنذ تلك الساعة التاريخية أصبح يصحّ القول إنّه قد صار لسورية قضية قومية حقيقية، لها عقيدة واضحة وغاية عامة وطريق مستقيمة . من هذا الحادث الخطير – حادث ظهور الحزب السوري القومي الإجتماعي، وإعلان مبادئ سعاده، تولّدت فكرة السيادة القومية على أساس عقيدة قومية صحيحة. وعلى هذه الفكرة تستقرّ قضية سيادة سورية واستقلالها عند السوريين القوميين الإجتماعيين والموالين، وعند أحزاب سورية أخرى تعمل اليوم بالمبادئ السورية السورية القومية تحت أشكال مختلفة، عملا بأنانية أصحابها وعلى هذه الفكرة وحدها يجب أن تستقرّ قضية سيادة سورية واستقلالها عند الشعب السوري كلّه، لأنّها الفكرة الوحيدة الشعبية، التي نشأت من صميم الشعب السوري، وجمعت المصالح الداخلية والخارجية للشعب السوري"(26) . " في سورية فقط ابتدأت نهضة قومية صحيحة تقول بوجوب إنهاض الشعب السوري وتحريره من الإقطاع وتعليمه مبادئ الحقوق المدنية، ووضع قواعد نظام جديد يقيم العدل الإجتماعي والإقتصادي، وتأسيس الدولة السورية القومية على هذا النظام ومن ثمّ الاتجاه بالقوة السورية العظيمة المتولدة من هذه الحركة المباركة نحو الأقطار العربية لمساعدتها على النهوض القومي مثلها..."(27). " إنّ المنظمة السورية القومية التي هي المنظمة السورية الوحيدة التي لها العقيدة القومية الصحيحة والأهلية المناقبية والكفاءة التكنكية للدخول في المخابرات والمفاوضات السياسية وتحصيل الضمانات الحقوقية والشرعية الإنترناسيونية للسيادة والإستقلال القوميين... إن الدخول في السياسة الإنترناسيونية ليس له غير طريق واحدة هي: تنظيم القضية القومية داخليا، ووضعها على قواعد عقائدية متينة، وإيجاد منظمة تقوم بأعباء العقيدة والقضية، وهذا هو الشيء الذي أوجده سعاده بإيجاد الحزب السوري القومي"(28). * ممّا تقدم نستخلص المبادئ الأساسية الآتية في أهداف النهضة القومية الصحيحة – الفكرة الواضحة في البناء الدستوري الذي وضع أسسه سعاده: 1- إنهاض الشعب 2- تحرير الشعب من الإقطاع 3- تعليم الشعب مبادئ الحقوق المدنية 4- وضع قواعد نظام جديد 5- تأسيس الدولة السورية القومية 6- مساعدة الأقطار العربية للنهوض القومي 7- جعل المنظمة السورية الجهة الوحيدة المعبّرة عن إرادة الأمة وسيادتها، وصاحبة الأهلية المطلقة في الدخول في المفاوضات الأنترناسيونية لضمان الحقوق والشرعية للسيادة والإستقلال القوميين. * أمّا في معنى القيادة الصالحة، يُعلّمنا سعاده: إنّ ظهور القيادة في الاتجاه السوري الحديث هو اعظم خطوة الى الامام خطتها سورية في تاريخها الحديث. فقد إعتبر سعاده أنّ القيادة هي من بين العوامل الفاصلة- في الإتجاه السوري الحديث بواسطة الحركة السورية القومية هو وجود الغاية الواضحة التي أنقذت الشعب السوري من فوضى المعتقدات والأفكار التي لم تعيّن غاية أخيرة واضحة تطمئن لها النفس السورية- ومن مزايا، القيادة، هذا العامل الفاصل المزايا الأساسية الآتية: الهداية الثابتة المستمرة، توحيد الجهود، حشد القوى على خطة واحدة، التخطيط وتعيين الأهداف التي يجب أن ترمي إليها الجهود والقوى المحشودة مع اجتماع عناصر القضية. وأضاف الزعيم إنّ أهمية القيادة تفوق، من الوجهة الفعلية، أهمية أي عامل آخر. وظهور القيادة في الاتجاه السوري الحديث هو أعظم خطوة إلى الأمام خطتها سورية في تاريخها الحديث. فهي دليل إدراك عالٍ لخطورة القضية القومية ومتطلباتها الروحية والفكرية والتكنيكية. وقد ضرب الزعيم مثلاً قيادة الجيوش في ساحات الحرب، وأوضح الفرق بين جيش له قائد وجيش عديم القيادة، متخذاً مثلاً له ما كان من أمر الصدام الدامي بين فرق من الحزب السوري القومي وحملة الجند المسيّرة عليها في بكفيا.... وقال الزعيم ليس أضل من شعب عديم القيادة في جهاده لنيل حريته وحفظ حقوقه ومصالحه."(29) . * التعبير عن إرادة الشعب هذه هي القاعدة الجوهرية، في فلسفة سعاده الدستورية، التي لا بدّ من توضيحها ومناقشتها، واستخلاص الدروس الأساسية منها، من أجل إصلاح الوضع التنظيمي، الذي تتخبّط فيه المؤسسات الحزبية، منذ استشهاد سعاده في الثامن من تموز من العام 1949 . في توضيح فكرة التعبير عن إرادة الشعب سنعتمد على النصوص التي أوردها سعاده، كي نتجنّب مخاطر الإجتهاد، ونبتعد عن السقوط في متاهات التفسيرات التي تزيد البلبلة الفكرية والتفسخ الروحي .. أولا يقول سعاده: "إنّ سورية القومية تضع أمام العالم اليوم فكرة "التعبير عن الإرادة العامة"، بدلا من فكرة تمثيل الإرادة العامة" التي لم تعد تصلح للأعمال الأساسية لحياة جديدة" نستخلص من هذا المعطى الأول، وبما لا يقبل الشك، أنّ فكرة تمثيل الإرادة العامة، التي كانت سائدة لزمن طويل، في شرائع العالم وأنظمته لم تعد صالحة اليوم للأعمال الأساسية للحياة الجديدة للعالم بأسره، ويعني هذا بالتالي أنّ هذه الفكرة، قد أسقطها سعاده بشكل نهائي من قاموس فلسفته الدستورية، وأحلّ مكانها فكرة جديدة هي التعبير عن الإرادة العامة، التي هي الإكتشاف السوري الجديد، الذي يضاف إلى مآثر الأمة الثقافية الكبرى، هذا الإكتشاف الجديد الذي ستمشي البشرية بموجبه فيما بعد، كما مشت من قبل على ضؤ منائر أعظم الثورات الثقافية التي شعّت من سورية على العالم، وعلى أساسها وضع سعاده المبدأ الأساسي السابع "تستمدّ النهضة السورية القومية الإجتماعية روحها من مواهب الأمة السورية وتاريخها الثقافي السياسي القومي"، حيث يعتقد سعاده أنّه لا يمكن توليد نهضة سورية إلا بعامل نفسية سورية أصلية مستقلة، ظاهرة معالمها في نتاج رجالها الفكري والعملي خصوصا في إنشاء الشرائع التمدنية الأولى، وتأسيٍس الدول والامبراطوريات التاريخية...(30) وفي العودة إلى فكرة تمثيل الإرادة العامة، يعدّد أو يستعرض سعاده مجموعة من عيوب هذه الفكرة، ومنها : إن هذا التفكير الحاضر دخل في طور الشيخوخة في العالم كلّه، والبشرية بأسرها تنتظر تفكير جديدا تنال به سعادتها وراحتها وحريتها، إنّ الديمقراطية الحاضرة قد استغنت بالشكل (شكل ظاهري جامد) عن الأساس، فتحولت إلى نوع من الفوضى لدرجة أنّ الشعب ذاته أخذ يئن من شلل الأشكال التي أخذت على نفسها "تمثيل" الإرادة العامة، وصار ينتظر إنقلابا جديدا، وهذه الفوضى لا يمكن أن تحارب وتهزم إلا بنظام جديد، وبأسس ديمقراطية جديدة . هذا النظام الجديد، وهذه الأسس الديمقراطية الجديدة، يجدان قواعدهما في دقّة المفاهيم ووضوحها وصحتها، ومن هنا، فقد عمد سعاده، إلى تحديد بعض التعابير المستخدمة بشكل فوضوي، ومن هذه التعابير، أفكار التمثيل والتعبير والتصويت- الإقتراع، والنظام والتنظيم . التمثيل هو دائما أهون من التعبير، لأنّ التمثيل شيّ جامد يتعلّق بما قد حصل، أما الــتــعــبــيــر فغرضه الإنشاء وإدراك شيء جديد. التعبير هذه البضاعة الجديدة سيخرج أكثرها وأفضلها من سورية بلاد العبقرية والنبوغ. هذا الإنقلاب الجديد هو ما تجيء به الفلسفة السورية القومية القائلة بالعودة إلى الأساس والتعويل على التعبير بدلا من التمثيل. إنّ الأمم كلّها تريد الخير والفلاح. ولكن المشكل هو في إيجاد التعبير الصالح عن هذه الإرادة. فالإرادة العامة إذا لم تجد "التعبير" الصحيح في فكرة واضحة وقيادة صالحة تصبح عرضة لأنّ تقع فريسة للمطامع والمآرب التمثيلية، فالتمثيل هو دائما أهون من التعبير... هذا هو الخلل الإجتماعي الذي يريد التفكير السوري الحديث أن يصلحه تفهّم إرادة الشعب وإعطاؤها وسائل التنفيذ الموافقة. التفكير السوري القومي الجديد هو إيجاد طريقة جديدة إسمها "التعبير عن إرادة الشعب، وقد يكون هذا التعبير بواسطة الفرد (الزعامة)...أو بواسطة الجماعة حسبما يتفق أن يوجد. يقول سعاده: "هذه الفكرة الجديدة، أي "التعبير عن إرادة الشعب" / هي الإكتشاف السوري الجديد/ الذي ستمشي البشرية بموجبه فيما بعد/ وهو دستورنا الذي سنعمل به دائما/ كما تريد الأمة"(31) ومن عيوب هذا النظام، أيضا، التصويت التمثيلي، في المقالة الآتية يوضح سعاده الفرق بين التصويت التعبيري والآخر التمثيلي: "اليوم هو اليوم المفروض أن يقف فيه عضو الدولة اللبنانية أمام صندوق الانتخاب ليتمتع بحريته الانتخابية ويمارس حقوقه المدنية، فيشترك في إعطاء الرجال الذين يجمع عليهم الرأي القوة الأساسية لرعاية مصلحة الشعب. اليوم يقف عضو الدولة اللبنانية أمام صندوق الاقتراع! التصويت الموقوت هو أحد الحقوق الأساسية التي يمارس الشعب بواسطتها سيادته في الدولة البرلمانية الانتخابية. وهذا الحق هو في الحقيقة تكميلي لحق طويل عريض يبتدىء في الحريات الأساسية التي يقوم عليها المجتمع الحر المتضامن. وبدون هذه الحريات الأساسية يكون التصويت تشبيهاً لممارسة السيادة(32). جريدة النهضة، عدد 10، 24-10-1937 * يشتمل هذا النص على مقارنة واضحة بين مفهومي التصويت "التعبيري" والآخر "التمثيلي" في مبادئ التصويت "التعبيري": - في المفهوم: التصويت الموقوت هو أحد الحقوق الأساسية التي يمارس الشعب بواسطتها سيادته في الدولة البرلمانية الإنتخابية وهذا الحقّ هو في الحقيقة تكميلي لحق طويل عريض يبتدئ في الحريات الأساسية التي يقوم عليها المجتمع الحرّ المتضامن وهو مشابه لممارسة السيادة . - وإنّ من ضروريات ممارسة السيادة، بواسطة التصويت الشعبي العام أن يكون المجتمع حاصلاً على تربية قومية صحيحة توجه الفرد نحو النظر في مصلحة المجموع دائماً، وتضع في ضميره مبادىء أساسية لا يحيد عنها، وتكون هي هدفه الأخير. في مبادئ التصويت التمثيلي فهل هذا هو الواقع في تصويت المعدود اللبناني؟ المعدود اللبناني ينتخب على أساس المنفعة الفردية أو العائلية أو الطائفية. وفي انتصار فريق من المرشحين على فريق آخر لا تنتصر مبادىء ونظريات على مبادىء ونظريات، بل تظفر غايات خاصة بغايات خاصة فتتحول منافع الإدارة العامة إلى فريق من أبناء البلاد دون فريق آخر، فالنزاع أبداً قائم على هذا الشكل وقد طال أمر هذا النزاع والناس يتذمرون منه ومن فداحة تكاليفه. أما التصويت فليست له قيمة ديموقراطية على الإطلاق لعدم استكمال شروطه، فالناخب اللبناني عادة لا يحوز من مؤهلات الانتخاب سوى مقدرته على السير إلى صندوق الانتخاب وتقديم الورقة إلى رئيس قلم الاقتراع، فهو لا يرى في المرشحين هل هم قوميون أو غير قوميين؟ أم هل هم من مدرسة اقتصادية معينة أو من حزب واضح الأهداف؟ أم هل هم خاضعون لمنظمات ومؤسسات أدوا فيها الاختبار اللازم لأخلاقهم وعقائدهم وتصرفاتهم، أو غير ذلك؟ كلا. لا شيء من ذلك. وإنما هو ينظر: هل إذا ناصرت فلاناً للوصول إلى كرسي النيابة يردّ لي هذه المناصرة خدمات مهما كان نوعها، كأن ينتشلني من تحت حكم كان يجب أن تصدره ضدي المحكمة بجنح أو جرائم اقترفتها، أو كأن يتوسط لي في أمر، أو يعينني على بلوغ وظيفة أو أرب خاص؟ أم أنّ فلاناً الآخر يؤمن لي من هذه المصالح نصيباً أوفر ؟؟ إنّ هذا الأساس للتصويت فاسد. وفساده وما يجر من قضايا ومشاكل قد جعل الكثيرين يتجهون في تفكيرهم اتجاهاً جديداً. ولا شك أنّ في الشعب رجالاً مستعدين دائماً لاستغلال أي اتجاه شعبي، فما إن شعروا بتبرم الناس بالحال حتى تصدى بعضهم لحمل رغائب الشعب، وقام فريق يروج لبعض الناس الآخرين. فتغيرت الأساليب ولكن الأساس بقي واحداً. لا مشاحة في أنّ الأساليب الديمقراطية البرلمانية، في مثل هذه الحالة، تكون نكبة للشعب العامل بها. لأن المنافع الخصوصية المستعجلة لا يمكن أن تكون اساسً للسيادة القومية وحفظ المصالح العامة. حتى الأمم العريقة في الديموقراطية كثيراً ما تكون فريسة في كثير من المصالح للشعوذات التي يقوم بها مهرة متخصصون في استخدام المبادئ العامة. ولكن قضية الشعب عندنا ليست فقط في الأساليب، بل في ألأساس. في العقائد الأساسية ومعتقديها. فلا يكفي أن يقال إنّ الشعب قد سئم الشعوذات المسيَّرة في البلاد باسم الديمقراطية. ويجب ألا يعني مثل هذا القول أنه قد صار من الضروري أن يرتمي الشعب في أحضان الترويجات الاستغلالية. إنّ الشعب بحاجة إلى من يهديه على نور المبادىء الصحيحة الضامنة مصلحته العامة ويوجد له المؤسسات الجديدة الصالحة لإيجاد رابطة قومية أفضل. هذه حاجة الشعب وسدّ هذه الحاجة الماسة هو النهضة القومية الصحيحة...". التي أرست في مثلها العليا الحرية، الواجب، النظام والقوة معالم الآفاق الجديدة لحياة الأمة في التقدم والتطوّر، والثبات في معارك الحياة الكبرى، والدور الطليعي في قيادة الأمم الأخرى نحو مبادئ السلام والخير العام وقد احتلت فكرة "النظام" في سلم هذا البناء القيمي موقعا متقدما، من حيث إرتكازه على القضية القومية الإجتماعية التي وجد لخدمتها، إذ: "إنّ النظام بلا قضية يخدمها لا يفيد شيئاً ذا قيمة في الحياة عموماً وفي الحياة القومية خصوصاً" كما إنّ النظام هو أحد المحاور الرئيسية التي يتمحور حولها الفكر الدستوري عند سعاده، والنظام هو غير التنظيم، فإذا كان النظام هو الجوهر، فالتنظيم هو المظهر، هو الأشكال التي تتغيّر وتتبدّل وتتطوّر: "فالنظام (Discipline) أُوجد ليعطي الحزب وحدة عملية قوية وسريعة. والتنظيم (Organisation) فقد أُوجد ليعطي التوافق والتعاون وليوثق المصالح القومية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. إنّ النظام يوجد طريقة العمل الموحَّد المثلى لبلوغ الهدف، أما التنظيم فيشمل المصالح الداخلية على إطلاقها ويوحدها في مصلحة الأمة التي هي أساس كل نظام وتنظيم. وخدمة مصلحة الأمة هي التي تجعل للنظام والتنظيم قيمة". ونظرا لأهمية هذا المعطى في دراستنا هذه، نثبت في ما يأتي مقالة "النظام": "علمت، والحزب السوري القومي في محنته الثانية، أنّ أحد أراخنة السياسة في لبنان (راجع مقدمة المقال، هامش رقم33) خطّأني في تعيين قومية الحزب وفي مرمى الحزب الأخير الذي جمع الأمة السورية في دولة واحدة. وقال إنه لولا فكرة الحزب القومية والسياسية لكان ينجح في لبنان نجاحاً كبيراً، لأنه الحزب الذي أوجد التنظيم. والتنظيم في عرف صاحبي الأرخون، هو كل الإبداع الذي جاء به الحزب السوري القومي. وكنت قد أجلت نظري في الحركات السياسية التي أتتها الفئات العاملة في السياسة في الوطن فوجدت أنها هي أيضاً لم تدرك من حيوية الحزب السوري القومي ونهضته القومية سوى فكرة التنظيم ـ التنظيم الظاهر في الصفوف والقمصان والرتب. وعلى فكرة "التنظيم" الذي هو بدعة الحزب السوري القومي في الشرق الأدنى، نشأت حديثاً كل الأحزاب والمنظمات اللبنانية، فالنظام هدفها والنظام قوّتها. وبواسطة فكرة التنظيم عملت الفئات السياسية غير المنظمة، في كل سورية، على إنقاذ موقفها وسد عجزها. الحقيقة أنّ النظام هو ركن أساسي في عمل الحزب السوري القومي وحياته، ومورد من موارد قوّته الكبرى. هو أحد رموز زوبعة الحزب السوري القومي الحمراء الأربعة: الحرية، الواجب، النظام، القوة. ولكنه ليس هدف الحزب، بل وسيلة من أقوى وسائله. ولو كان النظام هو ما يرمي إليه الحزب السوري القومي لما كان السوريون القوميون يعلّقون كل هذه الآمال الكبار على نهضتهم ومستقبل حزبهم . . إنّ النظام بلا قضية يخدمها لا يفيد شيئاً ذا قيمة في الحياة عموماً وفي الحياة القومية خصوصاً. والذين يظنون أنّ النهضة هي عبارة عن صفوف مجموعة في ساحة من الساحات مبتهجة بألوان قمصانها وشارات رتبها يخطئون كثيراً في فهم حياة الأمة وحاجة المجتمع، ويضلّون الطريق إلى الحياة القومية الصحيحة. ولذلك في كل الصفوف التي تجمع هنا وهناك، كما يجمع قطيع من الغنم، وتلون بقمصان معينة ما يصح أن يسمى نهضة تكون خطراً على الحزب السوري القومي . . إنّ الحزب السوري القومي قد أوجد النظام والتنظيم، ولكن شأن الحزب السوري القومي ليس محصوراً في هذه الناحية، كما يظن الذين يتناولون قضايا الأمة بنفس الخفة التي يتناولون بها موضوع جدل سفسطائي. إنّ إبداع الحزب السوري القومي لم يكن في إنشاء النظام أعظم منه في تأسيس الفكرة القومية وإيضاح شخصية الأمة ومصالحها ووضع المبادئ التي تخدم مصلحة الأمة وترقي حياتها. ومما لا شك عندي فيه أنّ عظمة الحزب السوري القومي التي لا عظمة بعدها هي في إيجاد الوجدان القومي وإظهار شخصية أمة عظيمة كانت مهملة وإيجاد أسس نهضة تحقق وصول الأمة إلى مرتبة الحياة المثلى اللائقة. . لم يتغلب الحزب السوري القومي على جميع الاضطهادات التي وُجِّهت إليه بمجرّد النظام، بل إنّ تغلُّب الحزب على الصعوبات التي وضعت في طريقه يعود إلى سر المحافظة على النظام والتقيّد به. وهذا السرّ ليس في النظام نفسه بل في العقيدة التي وراءه وفي الهدف الذي أمامه. فقد تفكك نظام الحزب في بعض الأوقات ثم لم يلبث أن عاد الاتصال إلى النظام. ليست فكرة التنظيم هي التي تقود الحزب السوري القومي، بل فكرة الحزب هي التي بعثت النظام وهي التي تقود النظام وتفعل التنظيم. إنّ انتصار الحزب السوري القومي وتقدمه، على الرغم من الحملة الشديدة التي وجّهتها إليه الرجعة، ليس عائداً إلى نظامه بقدر ما هو عائد إلى غايته. وليس يدل على مجرّد تفوّق النظام بل على تفوّق الوجدان القومي والعقيدة القومية. إنّ في ثبات الحزب السوري القومي لدليلاً على حاجة الأمة إلى عقيدته ومبادئه التي توحد مصالح الأمة وتوجد الوجدان القومي وترفع الأمة إلى مستوى ثقافي عالٍ . وبعد فإن فكرة الحزب السوري القومي في النظام وما وُجد له وفي التنظيم والغرض منه تختلف معنىً عن فكرة الأراخنة الذين ليسوا من النهضة الحديثة وعن فكرة مقلّدي النهضة في مظاهرها، فالنظام (Discipline) أُوجد ليعطي الحزب وحدة عملية قوية وسريعة. والتنظيم (Organisation) فقد أُوجد ليعطي التوافق والتعاون وليوثق المصالح القومية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ... إنّ النظام يوجد طريقة العمل الموحَّد المثلى لبلوغ الهدف. أما التنظيم فيشمل المصالح الداخلية على إطلاقها ويوحدها في مصلحة الأمة التي هي أساس كل نظام وتنظيم. وخدمة مصلحة الأمة هي التي تجعل للنظام والتنظيم قيمة. وفهم مصلحة الأمة وخدمتها هما القوة العظيمة القائمة وراء نظام الحزب السوري القومي وتنظيمه... إنّ النظام هامّ بقدر ما هو ضروري لحاجة الحياة. وبقدر ما يكون النظام مضاداً لحاجة الحياة ومصالح المجتمع يكون غاية حقيرة ومحاولة سقيمة. إنّ سرّ النجاح ليس في النظام بل في القوة التي تحرك النظام(33). هذه القوّة التي تستمدّ فعاليتها من صميم شأن عقلي- روحي- سلوكي هو الأخلاق، التي هي في صميم كل نظام يمكن أن يكتب له أن يبقى. وعن موقع الأخلاق في البناء العقائدي القومي الإجتماعي، فقد ورد في غاية الحزب وشرحه، ما يأتي: جاء في النصّ الأساسي لغاية الحزب: "إنّ غاية الحزب السوري القومي الإجتماعي هي قضية شاملة تتناول الحياة القومية من أساسها ومن جميع وجوهها. إنّها غاية تشمل جميع قضايا المجمتع القومي، الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والروحية والمناقبية واغراض الحياة الكبرى. فهي تحيط بالمثل العليا القومية والغرض من الإستقلال وبإنشاء مجتمع قومي صحيح. وينطوي تحت ذلك تأسيس عقلية أخلاقية جديدة ووضع أساس مناقبي جديد وهو ما تشتمل عليه مبادئ الحزب السوري القومي الإجتماعي الأساسية والإصلاحية، التي تكوّن قضية ونظرة إلى الحياة كاملة، أي فلسفة كاملة(34) . وورد في شرح غاية الحزب: "إنّ من أهم مسائل النهوض القومي بعد تأسيس فكرة الأمة وبعد تعيين المقاصد الكبرى، هي مسألة الأخلاق. هي مسألة العقلية الأخلاقية. هي مسألة الروحية الحقة التي يمكن أن تفعل في الجماعة، في المجتمع. كل خطة سياسية وكل خطة حربية مهما كانت بديعة ومهما كانت كاملة لا يمكن تحقيقها إلا بأخلاق قادرة على حمل تلك الخطة بأخلاق متينة، فيها صلابة العزيمة وشدة الإيمان وقوة الإرادة واعتبار المبادئ أهم من الحياة نفسها. لأن الحياة الإنسانية بلا مبادئ إنسانية يتمسك بها الإنسان ويبني بها شخصه ومعنى ووجوده، هي باطلة، هي شيء يساوي حياة العجماوات. في كل ناحية من نواحي أعمالنا القومية والسياسية في بلادنا، في كل فئة أو بيئة لم تتخذ عقلية أخلاقية أساساً يضطلع بالأغراض والأعمال نجد التشويش والفشل والخيبة. كل نظام يحتاج إلى الأخلاق. بل إنّ الأخلاق هي في صميم كل نظام يمكن أن يكتب له أن يبقى. في المعارك الدائرة اليوم في سورية ـ في المعارك السياسية، في لبنان والشام والعراق، في كل مظهر من مظاهر أعمالنا الفكرية والسياسية والاجتماعية، نجد كم هو ضروري العامل الأخلاقي، وكم ينقص مجتمعنا تأسيس عقلية أخلاقية جديدة لأن العقلية الأخلاقية الجديدة هي شيء أساسي جداً، وفي رسالات وخطب ومحاضرات عديدة وجّهتها إلى القوميين الاجتماعيين أظهرت كم هو أساسي وضروري فهم العقلية الأخلاقية الجديدة التي تؤسسها تعاليم الحزب السوري القومي الاجتماعي. في نظام غير نظامنا نجد حالات أليمة. يتجه الفرد الذكي في بلادنا أو ما يتجه إلى ناحية السياسة. نحن أكثر أمة في العالم اشتغالاً في السياسة. والسياسة هي أساس العقلية الأخلاقية القديمة في هذه البلاد. تكاد لا تخاطب واحداً ذكياً في هذه البلاد إلا وتحس أنه يخاطبك بمهارة سياسية فائقة. تحس كأنه دبلوماسي جاء من بلاد الإنكليز، وتحس أنّ السياسة تبعده عنك بقدر ما هو بعيد الإنكليزي عنك . مفقود من بيننا التصارح الفكري الخالي من السياسة، مفقود من بيننا الشعور بأنه يجب حين يخاطب واحد منا الآخر أن يضع السياسة في خزانة ويقفل عليها بالمفتاح، لأنه حين نبتدئ نخاطب بعضنا بعضاً فقد قطعنا من بيننا الروابط القومية الصحيحة. لا يجوز في الإخاء القومي الصحيح أن نتكلم في السياسة. السياسة يجب أن تترك للمتخصصين في السياسة، أما القومي فيجب أن يكون قومياً صحيحاً مجرّداً من السياسة في كل مجتمع وفي كل حديث مع كل مواطن من أمته. بدون الوصول إلى حياة من هذا النوع يظل واحدنا لا يدري. أليس يسمع من مواطن بجالسه عبارات ثناء أو مديح أو إطراء؟ هل هذا المديح صريحاً مخلصاً صادراً عن الوجدان بأنّ هذه هي الحقيقة؟ يظل الواحد يخاف من جاره، يخشى أن يكون متلاعباً بضميره، بشعوره بمهارته الدبلوماسية السياسية. العقلية الأخلاقية الجديدة التي نؤسسها لحياتنا بمبادئنا هي أثمن ما يقدمه الحزب السوري القومي الاجتماعي للأمة، لمقاصدها ولأعمالها ولاتجاهها. لماذا هذه النهضة برهان واضح قاطع على أهلية سورية لقيادة العالم العربي؟ لأن هذه النهضة، بتعاليمها، بمثلها، بالنظام الذي أوجدته في داخلها والذي ترمي إلى تحقيقه في الأمة كلها، هو شيء وحيد في شرقي البحر المتوسط وله خصائص وميزات يمتاز بها بالنسبة إلى كل مجتمع حر في العالم كله. في كل أمر من أمور المجتمع الإنساني، في النظر إلى الفرد، إلى المجتمع، في قيمة الإنسان، في قيم الحياة للإنسان، في غرض الوجود الإنساني، في كل هدف من هذه الأهداف العظيمة التي وضعها الحزب السوري القومي الاجتماعي ويسعى لتحقيقها، يظهر أنه قد تحققت في هذه البلاد وثبة كبيرة من وثبات الفكر الإنساني(35). * ختاما لقد حسم سعاده، في فلسفته الجديدة المبتكرة الشاملة، التي تتكشّف عن قضايا ومفاهيم جديدة سامية، موضوع إنبثاق السلطة، على أنّها التعبير الواعي عن إلإرادة العامة، التي هي في الحزب، مجموع القوميين الإجتماعين، وفي الأمة هو الشعب المدرك لقضيته القومية الإجتماعية، هذا هو إكتشاف سعاده الجديد، المستمد من روحية الأمة، وتاريخها الثقافي القومي، هذا هو جوهر دستور سعاده الذي سنعمل به دائما، مهما اختلفت الأساليب، لأنّه هو إرادة الأمة التي لا ترد . "إنّ تأسيس الحزب السوري القومي الإجتماعي، هو تأسيس دولة الشعب السوري المستقلة، و... إنشاء الدولة السورية القومية يعني التحرّر من كلّ سلطة أجنبية"(36) . "هذه الفكرة الجديدة أي التعبير عن إرادة الشعب هي الإكتشاف السوري الجديد، الذي ستمشي البشرية بموجبه فيما بعد وهو دستورنا الذي سنعمل به دائما كما تريد الأمة" سعاده * الهوامش *عناوين الحلقات السابقة: الأولى: لغة المفاهيم الجديدة عند سعاده الثانية: الوجدان القومي الإجتماعي. الثالثة: مبدأ السيادة القومية وتداعياته. منشورة على التوالي في "الكتاب القومي" في الأعداد 7 و 8 و9 (1) سعاده، الأعمال الكاملة، ج4، ص38 (2) تصدر في مطلع العام القادم (3) سعاده، الأعمال الكاملة، ج 4، ص38 (4) رتبة الأمانة مرسوم عدد 7: رتبة الأمانة إنّ زعيم الحزب السوري القومي بناءً على المواد الأولى والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة من الدستور يسنّ القانون التالي: مادة أولى: تنشأ في الحزب السوري القومي رتبة عليا تسمى رتبة الأمانة. مادة ثانية: يمنح الزعيم رتبة الأمانة لمن يستحقها وتتوفر فيه الشروط التالية: 1 ـ أن يكون قد مر خمس سنوات على اعتناقه العقيدة القومية ونظام الحزب السوري القومي وانخراطه في سلكه. 2 ـ أن يكون قد أظهر في مدة وجوده في الحزب السوري القومي فهماً صحيحاً للعقيدة القومية، وإيماناً بها وبمنشئها الزعيم، وعملاً نزيهاً خالصاً لها وللقضية الناشئة عنها، وحافظ على سلامتها وسلامة الحركة المنبثقة عنها ونظامها تحت كل الظروف. 3 ـ أن يكون مناضلاً ممتازاً بالفكر والفعل في سبيل القضية السورية القومية، مجاهراً بمبادئها، وأن يكون قد قام بأفعال وتضحيات غير اعتيادية في سبيل العقيدة والنظام. 4 ـ أن يكون، في جميع الظروف السهلة والصعبة، مثالاً في الإيمان بالزعيم والعقيدة والنظام، وفي الأمانة الكلية في القيام بالأعمال والمسؤوليات والمهمات التي أسندت إليه. 5 ـ ان يكون أظهر تفوقاً جلياً في الايمان القومي، وفي الإدراك العالي للعقيدة القومية، وفي الشجاعة والإقدام والحنكة في سبيل العقيدة وأهدافها. مادة ثالثة: يعطى حائز رتبة الأمانة شهادة برتبته ممضاة من الزعيم ويحمل علامتها. مادة رابعة: علامة رتبة الأمانة: شريطة من حرير بالألوان الثلاثة: الأحمر والأبيض والأسود، من فوق إلى تحت، وزوبعة من الذهب. مادة خامسة: يؤتمن حاملوا رتبة الأمانة على الأسرار الخطيرة في المهمات، ويُنتدبون للأعمال التي تقتضي صفات ممتازة. مادة سادسة: على القوميين واجب الاحترام التام للأمناء فيقفون لتحيّتهم في المجتمعات والمجالس، ولهم التقدم على المنفّذين العامّين ونواميس العمدات في مراكز التشريفات في الاجتماعات والاحتفالات. مادة سابعة: يتعرض لفقد الرتبة كلُّ من يُخِلُّ بشروطها، أو يستخدمها لغير مصلحة الحزب والقضية السورية القومية. في 20 يناير: كانون الثاني 1937 الزعيم "التوقيع" (5) سعاده ،الأعمال الكاملة، ج9، الرسائل، ص18 (6) المرجع السابق، ص312 (7) رولان سيف، أنطون سعاده زعيم للمستقبل، طباعة منيمنة وعموري، ط1، تموز 1999 (8) المادة 11: يجتمع المجلس الأعلى بناء على دعوة من رئيسه في مدّة خمسة عشر يوما من تاريخ حيلولة أي مانع طبيعي دائم دون ممارسة الزعيم سلطاته لانتخاب خلف له . (9) المادة 12: يكون للرئيس المنتخب السلطة التنفذية فقط، وتحصر السلطة التشريعية من دستورية وغير دستورية بالمجلس الأعلى . (10) المادة 6 و7: المادة السادسة: يُنشئ الزعيم إدارات تنفذية ومجالس إستشارية تشريعية وتنفذية وهيئات إقتصادية لمعاونته فيإدارة الحزب وخدمة القضية القومية الإجتماعية التي من أجلها نشأ الحزب السوري القومي الإجتماعي . المادة السابعة: كلّ مراسيم الزعيم وقرارته وتشاريعه خطية وتنفّذ بطريقة التسلسل . (11) المراسيم الدستورية 1و2و3: مؤسسة العمد ومجلسهم. مؤسسة المنفذيات ومؤسسات المديريات .3 (12) سعاده، الأعمال الكاملة، ج10، الرسائل، ص147: "إنّ امتياز الحكم الفردي في الحزب، هو فقط لصاحب الرسالة ومؤسس القضية وليس نظاما أساسيا دائما. والإتجاه الديمقراطي في نظامه صريح، ولا يرفضه عقل صحيح..." (13) فوزي نجد، تعثر القيادات، مجموعة مقالات ورسائل . (14) جوزف السبعلي، مشروع الإصلاح الدستوري الديمقراطي للحزب السوري القومي الإجتماعي، ط1، تمّوز 2002، مركز الطباعة الحديثة . (15) إدمون رباط، الوسيط في القانون الدستوري العام، ص168 . (16) مكرّر - طه غدّار، قراءة في دستور سعاده وتعديلاته، مكتب الدراسات العلمية، ط1، 2010، ص 18 وما بعدها . (17) سعاده، الأعمال الكاملة، ج2، ص 9-11. (18) سعاده، الأعمال الكاملة، ج2، ص 1 . قسم الزعامة "أنا أنطون سعاده، أقسم بشرفي وحقيقتي ومعتقدي، على أني أقف نفسي على أمتي السورية ووطني سورية، عاملاً لحياتهما ورقيّهما، وعلى أن أكون أميناً للمبادئ التي وضعتها وأصبحت تكوّن قضية الحزب السوري القومي، ولغاية الحزب وأهدافه، وأن أتولى زعامة الحزب السوري القومي وأستعمل سلطة الزعامة وقوّتها وصلاحياتها في سبيل فلاح الحزب وتحقيق قضيته، وأن لا أستعمل سلطة الزعامة إلا من أجل القضية القومية ومصلحة الأمة، على كل هذا أقسم أنا أنطون سعاده".. (19) سعاده، راجع جبران جريج، من الجعبة، المجلد الثالث، ص 360 . (20) سعاده، الأعمال الكاملة، ج10، ص288 . (21) المجلس العام: ينشأ في الحزب السوري القومي مجلس عام يتألف من مندوبين من مجالس المنفذيات . راجع المرسوم الخاص بلجان المديريات ومجالس المنفذيات الصادر في 13 أيلول 1936. (22) جبران جريج، مع أنطون سعاده، ج4، ص153 . (23) جان داية، محاكمة أنطون سعاده، فجر النهضة، ط1، 2002. (24) سعاده، الأعمال الكاملة، رسالة الزعيم الثانية للقوميين الإجتماعيين، 10 كانون الثاني 1947، ج7، ص 178. (25) سعاده، راجع هامش رقم 3 . (26) سعاده، الأعمال الكاملة،ج4، ص269 . (27) سعاده، المرجع السابق، ص266 . (28) سعاده، م. س. ص260 . (29) سعاده،م.س. ص 268 . (30) سعاده، م.س. ص 210 . (31) سعاده، المحاضرات العشر، راجع المحاضرة السادسة . (32) سعاده، الأعمال الكاملة، ج4، ص38. (33) سعاده، الأعمال الكاملة، ج2، ص139. (34) سعاده، النظام، م.س. ص 65. مقدمة المقالة: (كان المرحوم ميشال زكور، الذي توفي وهو وزير الداخلية في حكومة لبنان بعد إعادة الدستور على أثر ظهور الحزب السوري القومي، أحد الذين أعجبوا الإعجاب كله بحركة الحزب السوري القومي ونظامه وأخذتهم روعته، حتى أنه، قبل أن يصل إلى الوزارة، فتح صفحات مجلته المعرض للكتّاب القوميين واصدر عدداً خاصاً منها في شهر فبراير/ شباط ـ مارس/ آذار 1936 وقفه على أقلام القوميين وأخبار حركة الحزب. ولكنه كان متمسكاً بفكرة الانفصال اللبناني كأفضل حل لمسألة المسيحيين في سورية فلم يقدّر قيمة العقيدة السورية القومية حق قدرها. وكانت مبادىء هذه العقيدة لا تزال غير مشروحة الشرح العلمي البديع الذي وضعه لها الزعيم. فلما سجن الزعيم المرة الثانية وتولى التحقيق معه القضاء اللبناني طلب الأستاذ زكور من النيابة العامة السماح له بمقابلة الزعيم فأجابت طلبه وقبل الزعيم بمقابلته. فجرت المقابلة في غرفة المدعي العام المركزي حينئذٍ الأستاذ وجيه الخوري وكان مع الأستاذ زكور شخص آخر. فعرض على الزعيم تعديل عقيدة الحزب وجعلها لبنانية فتجري مساعٍ لرفع الضغط عنه وعن الحزب وللاعتراف بالحزب رسمياً كحزب لبناني. وأبدى المرحوم زكور رأيه أنّ عقيدة الحزب ليست الشيء الأهم فيه وأن أهم ما جاء به الحزب هو فكرة النظام. فردّ الزعيم على رأي الأستاذ زكور وأوضح له فساد فكرة الدولة اللبنانية وصحة العقيدة السورية القومية. ورفض الزعيم التزحزح عن العقيدة قيد شعرة مهما يكن من أمر ضغط السلطة الانتدابية وربيبتها الحكومة اللبنانية. . ولما خرج الزعيم من السجن بعد خمسة أشهر، وكانت محادثة الأستاذ زكور لا تزال باقية في ذهنه، كتب هذا المقال في النظام ونشره في جريدة الجمهور في عددها الممتاز المختص بعيد الميلاد ورأس السنة 1937. (35) سعاده، كتاب التعاليم السورية القومية الإجتماعية، غاية الحزب.. (36) سعاده، المحاضرات العشر، المحاضرة العاشرة (37) سعاده، الأعمال الكاملة، ج
|
جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه |