شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2023-06-14 |
ســـعـــاده وفـــلـــســـفـــة الـــتـــاريـــخ بقلم الأمين د. جهاد نصري العقل -الجزء الاول |
"ان فلسفة سعاده تتكشّف عن قضايا ومفاهيم جديدة سامية وهي تحتاج إلى دراسات عديدة. إنّها إنتاج فكري جديد، يخطو بالمجتمع خطوة خطيرة نحو ذروة القوّة وغلبة الموت". سعاده (راجع نظرة سعاده إلى الإنسان). "التاريخ هو سجل مجرى حياة الأمة، وخطورته هي في القومية في روحية الأمة ووجدانها، لا في الأمة بعينها، فإنّ ذكريات ما قامت به الأمة، وما عانته تقوي الوجدان القومي. ووحدة الأمة هي التي تعيّن التاريخ القومي". سعاده، نشؤ الأمم، الفصل السابع. "التاريخ ليس إلا عبارة عن صورة ثابتة لحوادث سابقة لا تعلل عن شيء فيما يختص بفلسفة تلك الحوادث". سعاده: الأعمال الكاملة، من مقالة الحرية وأم الحرية، م 1، ص 46 . "عقد مؤتمر عام يقوم بمهمة التحقيق في مؤلفات التاريخ المعمول عليها في التدريس عند جميع الأمم وتوحيد علم التاريخ العام ونشر المعلومات التي تبطل تأثير التواريخ الخارجة عن دائرة العلم ". "نظريتي في أنّ الفلسفة المتغرضة كانت ولا تزال آفة التاريخ والعقبة التي تعترض سبيل التفاهم البشري". سعاده الأعمال الكاملة، مقالة "علم التاريخ وسلام العالم ". ج1، ص 245 . * المحتويات أولا: مقالة "علم التاريخ وسلام العالم" ص 3ــــ11 ثانيا: محاضرة "الإتحاد العملي في حياة الأمم" ص 11ـــــــ16 ثالثا: خلاصة الفصل الثالث من كتاب "نشؤ الأمم": البيئة وتاريخ الجماعة، ص 16-18 . نماذج أخرى: الأولى: مقالة: الحرية وأمّ الحرية، تأملات في الثورة الفرنسية، ص 18-27 . الثانية: معركة ميسلون ص27-38 . الثالثة: الحروب الفينقية، ص 38- 46 . • فلسفة نقد الروايات التاريخية ص46-54 . • فلسفة التاريخ عند سعاده، ص56-70 • الخاتمة ص70 . • دراسة د. كورية ص71 • إقتراح تشكيل لجنة متخصصة لتدوين تاريخ الحزب بين عامي (1932-1949). ص 80 • الهوامش ص81 . مـــلـــحـــق: محاضرة "الإتحاد العملي في حياة الأمم" ص86 هل تضمّنت نظرة سعاده الفلسفية الشاملة للحياة والكون والفن، بحثاً نظرياً مستقلاً، لـ فلسفته التاريخية؟ وضع سعاده مبكرا، في مطلع الثلاثينيات أسس نظريته القومية الإجتماعية في فلسفة التاريخ، موزّعة في العديد من كتاباته، من بينها: مقالة: "علم التاريخ وسلام العالم"، ومحاضرة: "الإتحاد العملي في حياة الأمم"، وفي خلاصة الفصل الثالث من نشؤ الأمم: "الأرض وجغرافيتها". إضافة إلى كتابات أخرى متفرّقة، من بينها: تأملات في الثورة الفرنسية، معركة ميسلون والحروب الفينقية. في هذه الدراسة المبدئية، نحاول، بعد التحليل، إستخلاص الخطوط العامة المؤسسة لنظرية سعاده في "فلسفة التاريخ". أولا: مقالة "علم التاريخ وسلام العالم"، سعاده أولى، من خلال نظرته الفلسفية الشاملة إلى الحياة والكون والفن، علم التاريخ وفلسفته، اهتماما بالغا ومبكرا، إذ تعود أولى مقالاته "علم التاريخ وسلام العالم" إلى العام 1931(1) . رأى سعاده في هذه المقالة أنّ "التاريخ المملوء بالنزعات القومية والعنصرية والإقليمية" هو "العقبة الكأداء" التي تعترض سبيل "الجهود العظيمة التي تبذل لتحقيق فكرة الطمأنينة والسلام العالميين والمساواة البشرية في الأغراض الإنسانية السامية". وعزا نصف ويلات البشرية إلى سيطرة هذه النزعات على التواريخ الموضوعة بين أيدي الناس، إلى جانب حشو التواريخ بالفلسفات المغرضة والشروح الموضوعة عمدا لمقاصد معينة. واعتقد "أنّ شقّة البعد بين الشرق والغرب قد وسعّها كثيرا خلو الشرق من التواريخ المشبعة بالنزعات المشار إليها". ووجد سعاده أنّ الحلّ لهذه المشكلة التي يعاني منها العالم هو في تجريد التاريخ من هذه النزعات، منتقدا السياسيين المتكسّبين، فكتب:"أريد في هذه المناسبة أن أذهب مذهبا جريئا قد يخفّف عن الإقتصاديين بعض ما يعانون، ولا يتفق بوجه من الوجوه مع حلول السياسيين المكتسبين، وهو أنّ تجريد التاريخ من النزعات والفلسفات المملوء بها يغني عن ألف مؤتمر لتحديد السلاح، وألف ألف معاهدة لمنع الحرب". توصل سعاده إلى هذا المذهب الجديد، المشار إليه، عن طريق الإستقصاءات العديدة والبحث في أمرين هامين؛ الأول هو في أساليب إعداد التاريخ للمدارس وطرق تعليمه، والثاني هو التواريخ الموضوعة للرأي العام. وكشف سعاده أنّ "الروح المنغرضة" في التأريخ وفلسفته لم تقتصر على عداء المؤرخين الغربيين لكلّ ما هو شرقيّ، بل تجاوز الأمر إلى تشويه الحقائق، فيما ما بين الدول الغربية - الأوروبية نفسها، كما انتقلت هذه العدوى إلى الأميركيتين: "ولم يقف الكثيرون من مؤرخي الغرب عند هذا الحدّ من تشويه الحقائق، بل قاموا بتشويه الحقائق التي ليس لها علاقة بالشرق"، وعلى أساس هذه المقولة يذكّر سعاده بالعديد من هذه الأمثلة، ومنها عدم الثقة والركون إلى التواريخ التي دوّنها المؤرخون الالمان عن الفرنسيين، والعكس هو الصحيح: "إذ ليس باستطاعتك، مثلا، أن تثق بتاريخ وضعه مؤرخ فرنسي عن إلمانيا، أو بتاريخ وضعه إلماني عن فرنسا، بل ليس من الحكمة في شيء أن تثق بكل ما يقوله مؤرخ غربي عن بلاده"(2). ومن بين الأمثلة التي يوردها سعاده، عن تشويه التاريخ المتبادل بالروح المنغرضة الحاقدة بين فرنسا وإلمانيا، ما أرّخه بعض العلماء، فقد: ".. ظلّ الإعتقاد بالسلالة القومية وسيلة للإستغلال حتى في الكتب العلمية، فإنّ بين الذين علّلوا أسباب الحرب بين فرنسا وإلمانيا، عددا من السياسيين والعلماء البارزين، قالوا بإنّ النزاع إنّما هو خصومة طبيعية بين السلالة الجلالقية أو اللاتينية العالية والسلالة الجرمانية الوضيعة. وإنّ من بين الكتب المدرسية الموضوعة بعد الحرب الكبرى (1914-1918) كتابا الّفه عالمان بنفسية الأحداث بلجيان، أحدهما مــركــه (Mirket )، وهو رئيس مدرسة، والآخر برغميني (Pergameni)، وهو أستاذ جامعة تجد فيه: "يظهر أنّ الحرب قد برهنت على أنّ للإلمان جميعا ميلا إلى الشرّ ناشئا عن غرائز سلالية شاذة، كاستعمال القوّة العضلية، الخبث الفطري، القسوة وغريزة السرقة والسلب والقتل ، وإنكار الجميل مهما كان شريفا، نسيان المعروف، عصبية طائشة مسببة عن حسدهم الأمم الأخرى وكرههم لها، طمع متوارث غير طبيعي إلى التفوّق العالمي، خلو تام من كرم الأخلاق، العجز عن تقدير بطولات أضدادهم وإنكارهم أنفسهم .فإنّهم قد جاؤوا ببرهان قاطع على أنّ من خلال سلالتهم الرياء والعبودية والمكر، وأنّ من غرائزهم التي لا سبيل إلى كبح جماحها القسوة والشرّ، وأنّه ليس لهم غرائز إنسانية، لا فكرة عن الحقّ والعدل، ولا فهم للشرف ولا شعور بالفكاهة، وقد حاز هذا الكتاب سنة 1920 جائزة من المجمع العلمي البلجي (البلجيكي) الملوكي" (2مكرر). الكتاب المذكور ليس كتابا عاديا للإستهلاك المؤقت، العابر، بل هو كتاب مدرسي، مخصّص لتثقيف الأجيال الجديدة وتوجيهها وصياغة "مثلها العليا" في الحياة. والمؤلف ليس كاتبا عاديا، بل "مؤرخان" متخصصان في التربية والتأريخ، وهما رئيس مدرسة وأستاذ جامعي. أضف إليه أنّ الكتاب طّبع خمس مرات متتالية وحاز على جائزة من أعلى مرجع علمي في البلاد، وهذا دليل على توسيع دائرة انتشاره وتعميمه، وحيازته على الموافقة الرسمية من أعلى مرجع علمي. وخطورته هو في نزعته العنصرية، التي تجرّد شعبا بكامله من إنسانيته: "يظهر أنّ الحرب قد برهنت على أنّ للالمان جميعا ميلا إلى الشرّ ناشئا عن غرائز سلالية شاذة... وأنّه ليس لهم غرائز إنسانية، لا فكرة عن الحقّ والعدل، ولا فهم للشرف ولا شعور بالفكاهة" . سعاده الذي دعا إلى تجريد التاريخ من الفلسفات المغرضة، المشوّهة الحاقدة، أرسى في المقابل نظريته الإصلاحية في فلسفة التاريخ، يقول سعاده: "نظريتي في أنّ الفلسفة المتغرضة كانت ولا تزال آفة التاريخ والعقبة التي تعترض سبيل التفاهم البشري". وتعطّل فكرة الطمأنينة والسلام العالميين والمساواة البشرية في الأغراض الإنسانية السامية . وكثيرة هي الأمثلة التي تؤكد ما ذهب إليه سعاده في نظريته: "من ذلك تاريخ كلّ صدام بين الغرب والشرق بأنّه صدام بين المدنية والهمجية، وتعريف الأمم الآسيوية بانّها منحطة متوحشة ..." من جهّة أخرى سعاده استغرب بشدّة أن يجد "نفس الروح المنغرضة في التواريخ الأوروبية قد هاجرت إلى الأميركيتين"، وبنفس الأسلوب الأوروبي العتيق الذي يظهر أحيانا بصورة أكثر سماجة منه، وهو: "لا يصلح لإعداد سلام العالم ومستقبل سعادة البشرية". حيث أنّه لم يتحرّر "من عبودية الأغراض الضيقة النطاق والمستعدة لإقرار الحقائق العلمية كما هي بدون تشويهها بفلسسفة النزعات المتضاربة ". ويضرب سعاده مثلا، عمّا تقدم، ما تشهده البرازيل، التي وصلها للمرّة الأولى في مطلع شباط من العام 1921، حيث تشاء الصدف أن تدعوه "دائرة المعارف القومية البرازيلية " وتنتخبه "لعضوية بعض اللجان الإختصاصية الفاحصة"، حيث اطلع من خلال مهمته على بعض الكتب المخصصة لتدريس التاريخ العام، الذي أطلق سعاده على أسلوبه التعليمي لقب: "الأسلوب المسمّم العقول"، وعليه يورد سعاده، مثلا، عن إحدى تلك الكتب التعليمية لمادة التاريخ العام، ناقدا مضمونه وأسلوبه العدائي الاعلمي، مبينا فساده من الناحيتين الفلسفية والمنطقية . يتوقف سعاده عند إحدى كتب تدريس التاريخ العام وهو الذي اطلع على العديد منها أثناء قيامه بمهمته في "دائرة المعارف القومية البرازيلية"، ويخلص إلى القول في توصيفه للكتاب الذي لم يذكر إسمه ولا إسم مؤلفه: "بين كتب التاريخ العام المدرسية، في البرازيل، نال واضعه شهرة واسعة في تلك البلاد المترامية الأطراف، وحاز مكانة عالية بين كبار مؤرخي البرازيل، وأدبائها، والكتاب المذكور هو أحد الكتب المعمول عليها في التدريس". مع الملاحظة أنّ هذا الكتاب طُبع للمرّة الخامسة عام 1925. وهذا دليل واضح على أهمية هذا الكتاب في مضمونه التعليمي لتعبئة الأجيال الجديدة في البرازيل بــ "الأسلوب المسمّم للعقول" . لم يتطرق سعاده في عرضه لمحتويات الكتاب ونقده لبعض آرائه، ما ذهب إليه الباحث من شروح إضافية للحقائق التاريخية الواردة فيه، لفسادها من الوجهتين الفلسفية والمنطقية. واكتفى بإيراد "شاهدين يعزّز الواحد منهما الآخر تعزيزا كبيرا" الأول، وهو الأهم، يتعلق بما ورد في الكتاب عن حروب قرطجنة ورومية، وجاء فيه: "في المقدمة الإضافية لحروب قرطجنة ورومية وظهور هانيبال وأسدروبال، القائدين الحربيين الفينقيين الخالدين، تجد فقرة هذه ترجمتها الحرفية: حين أعلنت الحرب بين قرطجنة ورومية كانت الأولى أكبر وأغنى من رومية في تماثيلها ومراكبها وكنوزها، بيد أنّ شعبها الذي هو من عنصر أسيوي سامي كان أحط في التمدن من الرومانيين الذين تثقّفوا في جوار اليونانيين وعرفوا فنونهم وثقافتهم، محسنين الفيلق الحربي بتقسيمه فيالق وشراذم". يعلّق سعاده على هذه الفقرة: "يجد الباحث في هذه الفقرة الصغيرة نوعا من أنواع الفلسفة المتغرضة تظهر فيه روح رديئة سيئة القصد، فضلا عن أنّ الرأي الذي تضمنّه لا علاقة له بالتاريخ من حيث هو علم. فالرأي ما كان قطّ علما. والمفهوم من كلام المؤرخ المتقدم أنّ القارة (آسيا)، والعنصر(السامي) هما الفارق في الإرتقاء المدني، وإنّ كلّ شعب آسيوي سامي هو، طبعا أحطّ من كلّ شعب آخر أوروبي هندي آري، وأنّ تقسيم الفيلق الحربي البري هو مقياس الرقيّ الوحيد. ونحن إذا سلّمنا جدلا بهذه النظرية، فإنّنا لا بدّ نحار في تعليل كيف أنّ الرومانيين انكسروا شرّ كسرة في أرقى مظاهرهم المدنية (الجيش) أمام قوات هنيبال. وإذا كان السرّ في القارة والعنصر فلماذا كان النبوغ الفينيقي أعظم من كلّ نبوغ روماني، في ذلك العهد؟ ولماذا ينسى المؤرخ المشار إليه أنّ الخوف من النبوغ الفينيقي الآسيوي حمل الرومانيين على حرق قرطجنة بعد الخطب الرنانة التي كان (كاتون) يلقيها في مجلس شيوخ رومية؟" أفتح "أنا" الآن مزدوجين، وأسأل لماذا لم يدخل هانيبال روما؟ وما السبب الأساسي في خسارته الحرب؟. على السؤال الأول أجيب: أنّ هانيبال كان قادرا على احتلال روما، ولكنه تراجع عن ذلك، خوفا من قيام جيشه، ومعظمه من المرتزقة، على تدمير المدينة وتخريب تراثها التاريخي – الحضاري. أمّا عن خسارته الحرب فتعود، بشكل أساسي، إلى موقف مجلس شيوخ قرطاجة، الذي تمنّع من إرسال المدد إليه، خوفا من انتصاره، وعودته قويا إلى بلاده، وتجريد "اسياد" قرطاجة وتجارها من مراكزهم ونفوذهم وامتيازاتهم . ينهي سعاده مقالته "علم التاريخ وسلام العالم"، باستنتاج يليه "خلاصة واقتراح" لما ورد فيها؛ يستنتج سعاده من نقده لهذا الكتاب: بأنّه يظهر للمطالع له، بكلّ جلأ، نتيجة وجود النزعات في التاريخ، فالتلاميذ الذين يتعلمون التاريخ العام في المؤلف المذكور يخرجون إلى الحياة العملية رجالا ونساء حاملين في قلوبهم الكره والإحتقار للشعوب الأسيوية إجمالا وللعنصر السامي والفينقيين والعرب بوجه خاص، والغريب في الأمر أنّ التاريخ الذي استشهدت به وضع لشعب يترك فيه السوريين فيه ذرية كبيرة قد أصبحت من صلبه، والسوريون هم خلفاء الفينقيين وشركاء العرب ". ويؤكد سعاده أنّ الشروح التاريخية التي وردت في الكتاب المذكور ليست حقائق علميّة، وهذا يفضح عظم الجريمة التي يرتكبها المؤرخون، بقصد أو بغير قصد، بتشويه علم التاريخ بما يحشونه من نظريات فلسفية، ليست في الأكثر، في جانب الخير العام وسلام العالم ولا في جانب الحقيقة والحقّ . ينهي سعاده هذا المقالة بــ خلاصة واقتراح؛ أمّا الخلاصة فيشدّد فيها على رفضه أن "نمزج الفلسفة التاريخية بالتاريخ ونطلق على هذا لقب علم ثابت خالص دون أن نعرّض معارفنا للتشويش الذي يحول دون بلوغنا الغاية التي نتوخاها". فضلا عن أنّ ذلك الأمر، أي مزج الفلسفة التاريخية بالتاريخ، له نتائج خطيرة مدمّرة على صعيد الكيانين العلمي والإنساني، وعلى المساعي التي يضحي من أجلها المفكرون لصيانة السلام العالمي، في هذا السياق يقول سعاده: "إنّنا أمام تجاه قضية خطيرة تهدّد كياننا العلمي بالفشل، فضلا عن أنّها تهدّد كياننا الإنساني بالبغض والنفور وايغار الصدور وسائر العوامل التي تحمل أخيرا على إثارة الحروب وصدّ المساعي والجهود التي يبذلها المفكرون الإنسانيون في سبيل تحقيق السلام العام". ويختم سعاده مقالة "علم التاريخ وسلام العالم" بدعوة المعاهد السورية المتخصصة إلى عقد مؤتمر عام، مهمته توحيد علم التاريخ العام المجرّد من تأثيرات التواريخ اللاعلمية، ويعتبر ذلك أكثر فائدة من جميع النظريات والمؤتمرات والمعاهدات التي تعلن من أجل انقاذ العالم من الحروب وويلاتها. ويبني سعاده دعوته بالاقتراح الآتي: "أقترح على المعاهد العلميّة السورية إرسال نداء حار إلى معاهد العلم في العالم كلّها تدعوها فيه إلى عقد مؤتمر عام يقوم بمهمة التحقيق في مؤلفات التاريخ المعمول عليها في التدريس عند جميع الأمم، وتوحيد علم التاريخ العام، ونشر المعلومات التي تبطل تأثير التواريخ الخارجة عن دائرة العلم . إنّ تجريد التاريخ من النزعات والنظريات الفلسفية يأتي بفائدة لا تأتي بها جميع المؤتمرات التي عقدت، والتي ستعقد لتحديد السلاح . ولا جميع المعاهدات التي تعلن إبطال الحرب". ويؤكد سعاده: "يقينا أنّ سلام العالم يتوقف على تنزيه معارفنا في ما يتعلق بأنفسنا وجيراننا والبعيدين عنّا كثيرا، مما يتوقف على المؤتمرات والمعاهدات السياسية". تؤكد هذه المقالة، التي كتبها سعاده قبل تسعين عاما، عن اهتمامه المبكر بالمشاكل والأزمات والحروب التي تعاني منها البشرية، وتسبّب لها الويلات والمآسي والخراب والدمار، والتي في معظمها نتيجة النظريات الفلسفية التاريخية المغرضة، وهذا ما يجعل من سعاده رائدا من رواد المدرسة العلمية المتخصصة في إعادة قراءة التاريخ وفلسفته، ونقده، وإعادة صناعته بما يتلاءم ومبادئ الحقّ والخير والسلام للإنسانية قاطبة. فـ سعاده في هذه المقالة هو العالم الفيلسوف الباحث المتبحر في العلوم من أجل خدمة السلام الإنساني . ثانيا: محاضرة "الإتحاد العملي في حياة الأمم" . ألقى سعاده هذه المحاضرة في الحفلة الإفتتاحية للنادي الفلسطيني في بيروت عام 1933. ونشرت في جريدة "النهضة"(3). نقتبس من هذه المحاضرة القيمة، ما اختص بدراستنا "سعاده وفلسفة التاريخ": وفيها يشدّد سعاده على مذهب التاريخ المستقل للأمم الذي هو الأساس في استقلالها واحترامها وعنوان مجدها وفخرها وبدء تاريخها، رافضا بشكل قاطع العبارة الرومانية "هنيئا للأمة التي لا تاريخ لها"، طارحا على جمهور الحاضرين السؤال: ماذا فعلنا من أجل تاريخنا العام؟ من أجل تاريخي وتاريخكم؟ ماذا فعلنا؟ في الإجابة، أوضح سعاده: أنّ الأمة التي لا تاريخ لها، هي أمّة لا منزلة محترمة وحقوق معترف بها عند الأمم الأخرى. وكلّ أمة تستند إلى تاريخ غير تاريخها تفشل في اكتساب حقوق مستمدة من ذلك التاريخ. فلا يحق لأمة أن تطالب إلا بنتيجة عملها هي نفسها، وعلى ذلك يورد المثالين عن الحية والأفعى، وخلاصتهما: لا تستطيع الأمة إلا أن تفاخر إلا بتاريخ صنعته بإرادتها. وفي ما يأتي ما ورد في تلك المحاضرة، مع المثلين المشار إليهما: "فالتاريخ المستقل هو أساس الاستقلال لكل. الأمم. وإذا كنا نطمح إلى الاستقلال في تدبير حياتنا كما نريد فالواجب يدعونا إلى الاستقلال بتاريخنا، وإذا كنا نريد أن يكون لنا كيان محترم بين الأمم وجب علينا نحن دون سوانا أن نقوم بتنفيذ هذه الإرادة وتحقيق هذا الكيان. لا تستطيع أمّة أن تفاخر إلا بتاريخها، وهذا هو بدء التاريخ ..." إذا لم نقم بشأن تاريخنا فلا شأن لنا في التاريخ. والأمة التي لا شأن لها في التاريخ لا شأن لها بين الأمم.. " من جهة أخرى رفض سعاده العبارة الرومانية: «هنيئاً للأمة التي لا تاريخ لها».. لأنّها تفتقد إلى أبسط قواعد الحقوق القومية والسيادة الوطنية والإستقلال الحقيقي: "إنّ الذين درسوا تاريخ الدولة الرومانية، وآخرين غيرهم، يذكرون العبارة الشهيرة «هنيئاً للأمة التي لا تاريخ لها»، ولكن ما أبعد هذا القول عن الحقيقة. فليس لأمة لا تاريخ لها منزلة محترمة وحقوق معترف بها عند الأمم الأخرى. ولا تتوهموا أنّ أمة ما تستند إلى تاريخ غير تاريخها وتنجح في اكتساب حقوق مستمدة من ذلك التاريخ. فلا يحق لأمة أن تطالب إلا بنتيجة عملها هي نفسه. وفي ما يأتي ما أورده سعاده، في هذه المقالة، عن مثلي الحية والأفعى: المثل الأول: يورد سعاده في هذا المثل قصّة الحيّة للكاتب قاسم أمين، ومفادها أنّ حيّة خرجت من جحرها وهاجمت عاملين، فرّ الأول، أما الثاني فهجم عليها، يضربها بمعوله، ولما قضى عليها، أقبل العامل الأول وادعى قتلها . وهدف سعاده من هذا المثل أن يعطي درسا في الثقة بالنفس والإعتماد على الذات، دون الإتكال على الآخر، في القيام بالمسؤولية، التي تؤدي في هذه الحالة إلى النجاح، والنصر. "من مرويات الاديب الكبير الذكر قاسم أمين حكاية نجد فيها مثلاً ينطبق كل الانطباق على القول الآنف. والحكاية أنّ قاسم أمين كان يتنزه وبعض أصدقائه فمروا ببستان أو حقل يشتغل فيه عاملان، وإذا بحية تخرج من حائط قريب وتنساب قرب العاملين. فلما رآها أحدهما طرح معوله من يده وفرّ هارباً، أما الثاني فأقبل عليها وما انفك يضربها بمعوله حتى أجهز عليها. حينئذٍ عاد العامل الأول الذي كان قد وقف بعيداً ينتظر نتيجة المعركة، واقترب من الحية ببطء وحذر حتى إذا تأكد له موتها تناول خشبة كانت ملقاة على الأرض ورفع الحية عليها وطفق ينادي «هاي! هاي! قتلناها! قتلناها!» ويمكنكم، أيها السادة، أن تتصوروا استهزاء المشاهدين بهذا العامل الذي ادّعى لنفسه نصيباً في تاريخ رفيقه وحول أيهام الناس أنّ له حقاً في مشاطرة العامل الآخر الفخر بقتل الأفعى. وبقدر ما في موقف هذا العامل من دواعي الهزء والسخرية، يوجد في موقف العامل الثاني من دواعي احترام النفس التي تولد احترام الآخرين. إنّ العامل الثاني لم ينتظر مساعدة رفيقه ولم يقل «ماذا أفعل منفرداً؟»، بل تناول معوله وأقدم بعزيمة صادقة وثقة تامة بالنفس كان الفوز نصيبه". المثل الثاني: في المثل السابق أشار سعاده إلى قصة الحيّة المتعدية، ذات الرأس الواحد، وموقف العاملين الإثنين منها، وتداعياته على العامل الأول الذي خاف وهرب مدعيا لنفسه نصيبا من تاريخ زميله، وعلى موقف العامل الثاني الشجاع الذي قام بواجبه في مواجهة الحية وقتلها. أمّا في المثل الثاني، فقد دعا سعاده الأمة لمواجهة الأفعى ذات المئة رأس، التي تهدّد حياة الأمة وكيانها وعمرانها على مساحة الوطن، ودعا الشعب إلى الإعتماد على نفسه والقيام بمسؤوليته، لمواجهة هذه الأفعى الخطيرة وقتلها، وانقاذ الأمة من خطرها: "ونحن الآن في حالة أشد خطورة من حالة ذلك العامل الشجاع تجاه الأفعى. إننا واقفون أمام الأفعى ذات المئة رأس. فأي المثلين نتخذ، أمثل العامل العديم الثقة بالنفس الهارب من وجه الأخطار والصعاب، أم مثل العامل الشجاع الشديد الثقة بنفسه الذي لا يتردد في استخدام مواهبه في ما يعرض له من شؤون الحياة وصعابها غير معوِّل في كل ذلك إلا على نفسه أولاً. أقول إننا الآن أمام الأفعى ذات المئة رأس، لأن الأخطار التي تهدد كياننا وعمراننا من الشمال والجنوب والغرب والشرق كثيرة وعظيمة ويترتب علينا الآن وفي هذه الساعة، أن نقرر الموقف الذي نريد أن نتخذه، واختيارنا لن يكون إلا بين موقفين فقط: إما موقف من لا يريد أن يتحمل مسؤولية تقرير مصيره فهو يجبن أمام كل حادث وأمر، وإما موقف من يريد الاحتفاظ بحق تقرير مصيره لنفسه فهو يصمد لكل حالة ويقوم بأعباء مسؤولياته غير راغب في مشاركة غيره إياه هذه المسؤوليات، لأنه يعلم أنّ مشاطرة المسؤوليات تؤدي حتماً إلى مشاطرة الحقوق ومشاطرة الحقوق تنفي الاستقلال وتنفي الحرية. كثيرون غيري يقولون لي ولكم «أنظروا! إنّ الأفعي الهائلة قد مدّت رؤوسها العديدة إلى كرومنا وحقولنا، فلنستغث أو فلنهددها بمجيء جيوش عديدة من بعيد تسحق رؤوسها، أو فلنهرب من وجهها لأن «العين لا تقاوم المخرز». ما أحقر هذه الروح التي لا ثقة لها بنفسها، وما أحقر هذه الأقوال التي لا تجدر بقوم يطمحون إلى مثل الحياة العليا. ما أحقر هذه الجماعة التي لا ترى فرصة إلا انتهزتها لتثبت لي ولكم أننا جميعاً لا نصلح للقيام بأعباء تاريخنا. ليست صفوف هذه الجماعة هي الصفوف التي يفتخر المرء بالانضمام إليها، وإذا استسلمت الأمة إلى أقوال هؤلاء الجماعة فجدير بها أن يأتي غيرها للدفاع عن وطنها ويحصل على حقوق التصرف به وتقرير مصيره، وأن تقنع هي بموقف العامل الذي وقف وسط هزؤ العالم وسخريته منادياً «هاي! هاي! قتلناها! قتلناها!» هذه هي الأخلاق العالية والهمم الشماء التي يريد فريق من هذه الأمة أن نتحلى بها. لو شئت تحليل هذه الروح السقيمة لما وجدت صعوبة كبيرة في تتبع آثار الروح اليهودية القديمة فيها. فهذه النغمة التي يرددونها على مسامعنا كل صباح ومساء هي ذات النغمة التي كان يرددها أنبياء اليهود عند كل خطر وفي كل نكبة". من هذين المثلين السابقين نستخلص العبر التالية، إنّ مذهب التاريخ المستقل تصنعه الشعوب العظيمة المجاهدة بنفسها من أجل تاريخها، حتى يكون لها شأن في التاريخ بين الأمم الحرّة. إنّ الواجب القومي يدعونا إلى الإستقلال بتاريخنا بإرادتنا نحن، بقوتنا نحن، حتى نحقّق كياننا الحرّ السيّد المستقل، فالتاريخ المستقل هو أساس الإستقلال الحقيقي، بل هو بدء التاريخ الحقيقي لأمة تريد الحياة الحرّة الكريمة، لأمة تستبدل مقولة الذلّ والخنوع والإستسلام: "هنيئا للأمة التي لا تاريخ لها"، بفلسفة جديدة عنوانها: هنيئا للأمة التي لها تاريخ تفتخر به بين الأمم الحرّة، أمّة حرّة، قائدة وهادية للأمم الحرّة، لا أمّة مستعبدة، خانعة، مستسلمة، حريات الأمم عار عليها. ثالثا: خلاصة الفصل الثالث من نشؤ الأمم: "البيئة وتاريخ الجماعة". يعالج سعاده في الفصل الثالث من كتاب "نشؤ الأمم"، تحت عنوان "الأرض وجغرافيتها"، المواضيع الآتية " 1- أهمية الأرض للحياة. 2- أهمية البيئة للإنسان. 3- البيئة والجماعة. 4- البيئة وشخصية الجماعة، 5- البيئة وتاريخ الجماعة وينهي سعاده هذا الفصل بالتأكيد على العلاقة التفاعلية بين البيئة والبشر والتاريخ": "... ومن هنا نستنتج أنّ الطبيعة والجغرافية هما الطبقة الداخلية في حياة الإنسان . فمع أنّهما يميزان الجماعة تمييزا واضحا فإنّهما، فيما يختصّ بتاريخ الجماعة، لا تقدمان الإضطراريات، إلا نادرا وفي حالات استثنائية، ولكنهما تقدمان الإمكانيات. إنّ التاريخ غير مكتوب في طبيعة الأرض، مع أنّ الأرض هي إحدى الإفتراضات التي لا بدّ منها لنشؤ التاريخ والعوامل الفاصلة في حياة البشر وتطورها هي العوامل النفسية والفردية، التي مع أنّها تتأثر كثيرا بعامل البيئة، أمّا أن تستفيد من القاعدة الطبيعية ، شأن الجماعات الراقية، وإما أن تهملها، على حسب استعدادها وإرادتها". وإذا عدنا هنا إلى ما أثبتناه في بداية هذا الفصل، فالقاعدة التي يمكننا أن نستخرجها من هذا البحث هي: لا بـــــشـــــر حـــــيـــــث لا أرض، ولا جـــــمـــــاعـــــة حـــــيـــــث لا بـــــيـــــئة، ولا تـــــاريـــــخ حـــــيـــــث لا جـــــمـــــاعـــــة"(4). يتضح من النص المتقدم أنّ العملية التاريخية عند سعاده تتمحور حول حتمية التفاعل الثابت والمستمر والمتطوّر بين العناصر الحياتية الثلاث: الإنسان والأرض والعمل، وهذا التصوّر التفاعلي الحتمي يلغي فكرة اختزالية التفسير الأحادي الذي يحيل التاريخ كلّه إلى الروح (الفكر) وحدها، أو المادة بمفردها، ويضعنا أمام مفهوم جديد، أطلق عليه سعاده مصطلح "المدرحية"، للدلالة على تلازم العوامل المادية والنفسية وتفاعلها في العملية التاريخية، فالتطوّر الإجتماعي عند سعاده هو دائما على نسبة التطوّر الإقتصادي. كما أنّ القوة المادية هي دليل قوّة نفسية راقية . ينهي سعاده الفصل الثالث من نشؤ الأمم، بقاعدة حتمية التفاعل بين الجماعة والبيئة، التي لا بدّ منها، أو الضرورية، لنشأة التاريخ . فــ"لا بـــــشـــــر حـــــيـــــث لا أرض، ولا جـــــمـــــاعـــــة حـــــيـــــث لا بـــــيـــــئة، ولا تـــــاريـــــخ حـــــيـــــث لا جـــــمـــــاعـــــة ". * استكمالا إلى ما تقدم، فإن الكتابات التي تطرق فيها سعاده إلى نقد الروايات التاريخية وفلسفتها هي متعدّدة، ولعلّ أبرزها ما ورد في المقالات الثلاثة الآتية: الأولى: الحرية وأم الحرية ــ تأملات في الثورة الفرنسية(5) . شرح سعاده منتقدا في مقدمة هذه المقالة، التي كتبها في ذكرى الثورة الفرنسية الـ 134 بتاريخ 14-7-1923 . "عقيدة تأليه فرنسا" بأقلام عدّد من الكتّاب والمؤرخين، وختم بالقول: "لقد أصبحت فرنسة بفضل هؤلاء الكتّاب والتاريخ في مصاف الآلهة المبدعة التي تُنزل الآيات البينات وتُهبط الموحيات الخالدات لتهدى الإنسانية إلى السلام والسعادة وتنير لها طريق الحرية والمحبة. لذلك أحب كثير من الناس فرنسة حباً بلغ درجة العبادة. وإني إذا كنت قد قلت لك أن تسجد لفرنسة على سبيل المجاز، فإن من الناس من يسجد لها متمماً هذا القول بالحرف. إنتقل سعاده بعد المقدمة إلى تتبع المراحل التي مرّت بها فرنسا بعد ثورتها معتمدا أسلوبا تهكميا بــ "تأكيد الذّم بما يشبه المدح"، فرأى أنّ: «عار الإنسانية، ذل البشرية، شقاء الشعوب، كل هذه قد محتها الثورة الفرنسية وغسلتها بالدم». هذا ما يهتف به الكتّاب والخطباء في الرابع عشر من يوليو/تموز، وفي كل زمن يجيء فيه ذكر الحرية والعبودية أو إسم فرنسة، في حين أنّ عار الإنسانية وذل البشرية وشقاء الشعوب كلها أمور لا تزال منطبعة على جبهة الإنسانية، وهي تزداد وضوحاً كلما ازداد النوع البشري ارتقاء. ولم تكن تلك الثورة الهائلة التي يعدّها الكثيرون من أمجد صفحات الإنسانية وأشرف ما تفاخر به فرنسة، إلا أكبر لطخة عار وسمت بها جبهة الإنسانية وأشد ظلاماً من كل ما عرف من تاريخ فرنسة المظلم. ودعا سعاده إلى النظر للثورة، يجب أن يكون من الوجهة الحقيقية للتاريخ، أي من الوجهة الفلسفية، من حيث أسباب هذه الثورة ونتائجها وليس من منظار التاريخ فحسب. "وكأني بأولئك الكتّاب والخطباء السائرين في موكب الهتاف لم ينظروا إلى الثورة الفرنسية إلا من الوجهة التي نظر إليها التاريخ، أي إلى حوادث الثورة ومدارها نفسها من حيث المكان والزمان لا من الوجهة الحقيقية الجديرة بالنظر وهي أسباب ونتائج تلك الثورة". ويستدرك سعاده متسائلا: "ولكن كيف ينتظر العالم منهم كتابة ما لم يُسطِّره التاريخ وهم قد استقوا مادتهم من التاريخ وقصَّروا مصادرهم على التاريخ، كأنهم لا يدركون أنّ هنالك ما هو قبل التاريخ وأهم من التاريخ، وهو الحقيقة الفلسفية التي تبحث في مسببات الأمور ونتائجها وتحكم بخيرها للإنسانية أو شرها ونفعها أو ضرّها. لذلك كانوا كلما كتبوا شيئاً عن تلك الثورة كرروا على مسامعنا عبارات «هو ذا التاريخ أمامكم اسألوا التاريخ". فكان التاريخ شاهدهم الوحيد في كل ما يكتبون أو يقولون. لو كانت مسألة الثورة الفرنسية مسألة تاريخ فقط، لم يكن هنالك بد من الإيمان بالثورة الفرنسية وتقديس ذكرها عند سائر الشعوب التي تنشد الحرية وتكره العبودية والاستبداد. ولكن المسألة على خلاف ذلك، والحكم في أمر الثورة الفرنسية ليس عائداً إلى التاريخ، بل إنّ البتّ في حقيقة أمر تلك الثورة يقتضي له أبحاث طويلة وتفكير عميق في علوم الحياة والنفس ودرس طبائع الشعب الفرنسي وغرائزه وطبائع الشعوب الأخرى وغرائزها». ويتساءل سعاده عن دور التاريخ وفلسفته في الإفادة من منافع تلك الثورة ومضارها، وعن تبرير أعمالها، وتأثيرها بالجنس البشري: " ماذا يمكن التاريخ إفادتنا عن تلك الثورة المريعة من حيث نفعها للإنسانية أو ضرّها؟ وكيف يمكن التاريخ تبرير عمل تلك الثورة؟ والتاريخ ليس إلا عبارة عن صورة ثابتة لحوادث سابقة لا تعلل عن شيء فيما يختص بفلسفة تلك الحوادث. وهل أنّ سبق تلك الحوادث يفيد أنها هي الفاعلة في الارتقاء الإنساني وأنها هي التي أوصلته إلى الموقف الحالي، أم أنّ مجرد قولنا إنّ تلك الثورة دكّت عرشاً وخلعت ملكاً يصح أن يعبّر عن أنّ دك ذلك العرش وخلع هذا الملك كانا عملاً مفيداً للإنسانية وعاملاً عظيماً في تحرير البشرية من قيود العبودية والسير بها إلى مرتع الحرية؟ ويؤكد سعاده في الإجابة عن الاسئلة المتقدمة أن الإستدلال بالتاريخ عن الماضي، والتعليل عن الثورة الفرنسية من الوجهة التاريخية فقط خطأ وقع فيه معظم المؤرخين وهو مخالف لاعتقادهم، أنّ فرنسة حاملة لواء الحرية وفي مقدمة الأمم التي تعتبر حقوق الإنسان الطبيعية وتحترمها: "إذا كنا نستدل بالتاريخ على الماضي، فإنما نفعل ذلك لنعيد إلى ذاكرتنا الحادثات والاختبارات التي مرت بالنوع البشري في الأزمنة التي سبقت زماننا. أما الحكم بنفع تلك الحادثات والاختبارات أو ضرّها وما هو مبلغ تأثيرها في أحوال النوع البشري برمته وكيفية فعلها فيه، فغير مختص بالتاريخ. لذلك كان التعليل عن الثورة الفرنسية من الوجهة التاريخية فقط خطأ تمشى عليه أكثر الذين يعتبرون الثورة الفرنسية منقذة البشرية من هوة العبودية، ويعتقدون أنّ فرنسة حاملة لواء الحرية وفي مقدمة الأمم التي تعتبر حقوق الإنسان الطبيعية وتحترمها". وانتقد سعاده تعليل المظهر التاريخي للثورة، الذي أكسبها صفتها السامية، واعتبر ذلك نظرية فاسدة، وتمنى عودة كتّاب فرنسا الأحرار إلى الحياة ليشاهدوا النتائج المريعة لتلك الثورة، مشبها الأمم بالأشجار التي تنمو وتورق وتعطي ثماراً من نوعها: "إنّ المظهر التاريخي الذي ظهرت فيه الثورة الفرنسية والزمان والمكان اللذين حدثت هذه الثورة فيهما أكسبتها صفة سامية، ولكي لا يلتبس فهم هذا التعليل على المُطالع، يحسن بي أن أوضحه على صورة تلم بالنظرية العامة القائلة بأن الثورة الفرنسية من أكبر العوامل في ارتقاء الحرية وإبادة العبودية، وأنّ فرنسة أُمّ الحرية وحاملة لوائها . بيد أنّ هذه النظرية نظرية فاسدة إذا قرأناها بفلسفة أعمق وبحث أدق وأوسع، وعلّلناها تعليلاً أعمّ وأكمل. ليت جان جاك روسو وفلوتير وسائر الكتّاب الأحرار يعودون ليبصروا بأعينهم ويسمعوا بآذانهم ويلمسوا بأيديهم النتيجة المحزنة لتلك الثورة المريعة. وما أحراني في مثل هذا الموقف بتشبيه الأمم بالأشجار التي تنمو وتورق وتعطي ثماراً من نوعها. فكما أنّ إعطاء أثمار الشجرة الواحدة أسماء جديدة غير التي كانت لها لا يغيّر شيئاً من طبيعتها، كذلك إعطاء رجال الأمة الواحدة ألقاباً جديدة غير التي كانت لهم لا يغيّر شيئاً من طبيعتهم. فإذا رأينا بين رجال الأمة الفرنسية وزعمائها الذين عقبوا الثورة الفرنسية حتى اليوم من هم أكثر استبداداً وأبعد مطامحاً إلى السيادة والسلطة من الملوك الذين تقدموا الثورة، فلأن ذلك عائد إلى الطبيعة الاستبدادية المتأصلة في الأمة الفرنسية التي يظهر أنّ تغيير حكومتها من الملكية إلى الجمهورية لم يُحدث في طبيعتها تغييراً ما. أما الإنسانية؟ ماذا استفادت الإنسانية من تلك الثورة؟ على هذا السؤال تسمع زمجرة الهاتفين وصياحهم قائلين «التاريخ. الحرية. الإخاء. المساواة. المبادىء الفرنسية. لا تنكروا ما لفرنسة». يبحث بعض الكتّاب في مبادئ الحرية والإخاء والمساواة ذاهبين إلى أنها مبادئ أوحتها فرنسة إلى العالم بواسطة ثورتها الكبرى. وبناءً على هذه النظرية تكون فرنسة عند دعاة الديموقراطية أُمّ الديموقراطية ومبدعة هذه المبادئ السامية. بيد أنّ التوفيق بين هذه المبادئ والسياسة الفرنسية الحديثة والقديمة هو الدافع الذي حدا بي إلى التساؤل عما إذا كان هذا الزعم في محله. ولقد استخلصت بعد إعمال الفكر في ما آلت إليه فرنسة بعد الثورة أنّ مبادئ الحرية والإخاء والمساواة ليست بالمبادئ الراسخة في روح الشعب الفرنسي، بل إنّ هذه المبادئ كانت حين إعلانها في فرنسة أشبه شيء بسحابة مرت على أرض رملية وأمطرتها فلم يفد المطر شيئاً وما كادت تلك السحابة تزول، حتى عاد الرمل إلى ما كان عليه". انتقد سعاده "نتائج الثورة الفرنسية"، التي جرّت الكوارث على فرنسا نفسها وعلى أوروبا بوجه الخصوص، وعلى العالم برمته، من خلال مغامرة نابليون الجنونية، وتنازع الجمهوريين من بعده على السلطة والشعب "تنازع الرعاة على الغنم". ولم يسلم روسو(6) من نقد سعاده اللاذع والموضوعي له على طروحاته عن ارستقراطية الحكم في بريطانيا، واعتبرها أفضل بكثير من ديمقراطية فرنسا على وجه الخصوص: "ما كادت الثورة الفرنسية تضع أوزارها، حتى رأى الفرنسيون أنفسهم منقادين إلى إرادة رجل ضرب بهم في طول مجاهل أوروبة وعرضها، وساق أشداءهم إلى صحارى روسية البيضاء حيث زجهم بين لهيبين من حريق ودنق ورمى بهم إلى أنياب المشقة والجوع لأن البلدان الأخرى لم تكفِ لسد مطامحه الحربية. ثم جاءهم بعد ذلك الجمهوريون الذين كانوا ولا يزالون يتنازعون السيادة عليهم تنازع الرعاة على قطيع من الغنم، متذرعين للوصول إلى هذه السيادة بالشعب نفسه ومتسلحين بإرادة الأمة. وكم من مرة أدَّى ذلك إلى انقسامات كادت تجر على فرنسة الخراب والدمار؟ قال روسو في كتابه «كونترا سوسيال» عن الإنكليز وحريتهم ما يأتي «يعتقد الإنكليز في أنفسهم أنهم أحرار. إنهم يخدعون أنفسهم. إنهم أحرار في الوقت الذي ينتخبون فيه أعضاء البرلمان فقط، أما بعد انتخاب هؤلاء الأعضاء فإنهم يكونون عبيداً. هم لا شيء». فروسو هزأ بالحرية الإنكليزية وعدّها حرية وهمية ليس لها من صفات الحرية إلا حرية انتقاء الاسياد أو المستعبدين لأن الحكومة في إنكلترة ليست ديموقراطية. والحقيقة أنه وإن كان لا يزال لأرستوقراطية الحسب حقوقها في إنكلترة، نرى أنّ أرستوقراطيــي إنكلترة أكثر اهتماماً بشؤون أمتهم وأشد إخلاصاً وأمانة في خدمتها بما يوافق روحها وينطبق على راحتها وسعادتها من كثير غيرهم من ديموقراطيــي الأمم الأخرى وفي عدادهم ديموقراطيــي فرنسة. وهذا عائد إلى أمرين جوهريين: أولهما ارتقاء الشعب الإنكليزي إجمالاً إرتقاءً متيناً راسخاً، و ثانيهما تبادل الثقة بين الشعب والأمة بتبادل الحقوق والواجبات. في إنكلترة يؤدي الأشراف الأمة حقوقها، أما في فرنسة فالأمة تتنازع حقوقها تنازعاً الأرستوقراطية الإنكليزية أرستوقراطية في الظاهر ديموقراطية في الباطن أو هي الأرستوقراطية الحقة التي تمثل الأفضلية بأبهى معانيها. أما الديموقراطية الفرنسية فديموقراطية في الظاهر، أوتوقراطية في الباطن وهي في مثل هذه الحال أسوأ أنواع الحكومات. فواضح مما تقدم أنّ العِبرة ليست في دك العروش وقصل أعناق الملوك وإبادة الأرستوقراطيين ولا في نوع الحكومة. ولعل الخطأ الكبير الذي ارتكبه روسو في كتابه المشار إليه هو حسبانه أنّ الحرية لا يمكن أن تكون إلا مع الديموقراطية. ولمّا كان هذا المقام ليس مقام انتقاد مطول لفلسفة روسو، فإني أكتفي بالكلام عليه عند هذا الحد". في الخلاصة - يخلص سعاده مما تقدّم إلى اعتبار إنّ المبادئ التي نادت بها الثورة (مبادىء الحرية والإخاء والمساواة) هي نقيض طبائع الشعب الفرنسي المتمثلة بحب السيطرة والإستعباد والإستعمار، معتبرا أنّ هذه المبادئ ليست فرنسية الأصل، إنّما هي في الأساس تعود إلى فلسفة الديانة المسيحية، مؤكدا أنّ الثورة لم تضرم تأييدا للمبادئ السامية التي اقتبستها لترقية الحرية وتأييد الحقوق الإنسانية، مضيفا أنّ الثورة الفرنسية أعظم مجزرة عرفها التاريخ وأكبر خدعة خُدع بها العالم إلى اليوم، وأنّ الصفة الحقيقية الوحيدة الواضحة في تلك الثورة وضوحاً تاماً هي صفة المجزرة الدموية فقط: يقول سعاده: "وقد استخلصت أيضاً من الحقائق المتقدمة: أنّ المبادئ المتقدم ذكرها لا يمكن أن تكون مبادئ فرنسية لأنها وطبائع الشعب الفرنسي على طرفي نقيض. أما المناداة بها في الثورة الفرنسية فاقتباس عن الثورة الأميركية، وهو ما ثبت لدى الكثيرين من أهل النظر على الرغم من محاولة الفرنسيس نسبتها إلى روسو في الأصل. والحقيقة أنّ أصل هذه المبادئ يعود إلى ما قبل الثورتين الأميركية والفرنسية بأزمنة، فهي مبادئ مسيحية في الأصل. وكل من قرأ العهد الجديد من الكتاب المقدس يجدها متجلية في كثير من العبارات الفلسفية الخالدة التي فاه بها ذلك الناصري السامي. فالنصرانية هي التي أعطت العالم هذه المبادئ. ـــــ ومهما يكن من الأمر، فإنه لا يوجد في كل تاريخ فرنسة ما يثبت أنّ الثورة الفرنسية أضرمت تأييداً للمبادئ المتقدمة. وكل ما يمكن إثباته هو أنّ الثورة الفرنسية أضرمت للتخلص من استبداد وقتي بدليل أنّ الفرنسيين ما كادوا ينتقضون على استبداد ضعيف، حتى استسلموا إلى استبداد قوي. ولا أظن أنّ نكبة فرنسة والعالم بالملكية الفرنسية كانت أشد من نكبتها بالامبراطورية النابوليونية التي كلفت فرنسة والعالم دماءً وأموالاً كثيرة، وبدليل سياسة الدهاء والخداع التي يجري عليها جمهوريو فرنسة الآن وفي كل زمان. ـــــ إنّ السياسة الفرنسية التي عقبت الثورة الفرنسية، والتي لا تزال فرنسة جارية عليها، لم تبرهن قط على أنّ فرنسة رمت من وراء إضرام ثورتها خدمة الإنسانية وتأييد مبادئ الحرية والإخاء والمساواة. كما وأنها فشلت في أن تظهر فرنسة دولة تكره الظلم والجور وتبغض الاستبداد والاستعباد. وها نحن نراها الآن بعد أن خرجت من هذه الحرب الضروس دولة تسعى إلى الاستعمار والاستعباد جهد طاقتها، وتأتي في سبيل ذلك من ضروب الظلم والاستبداد ما لا يجوز صدوره عن أمة فيها مقدار حبة خردل من الكرامة الإنسانية، فكيف بأمة تعدُّ نفسها في مقدمة الأمم الراقية وتدّعي أنها أُمُّ الحرية ومبدعة المبادئ الإنسانية السامية؟ ــــ القول بأن الثورة الفرنسية أضرمت لترقية الحرية وتأييد الحقوق الإنسانية قول مؤوّل تأويلاً لا ينطبق على الحقيقة والفلسفة والواقع كما يتضح مما تقدم. ومهما يكن من أمر إعلان ما سموه حقوق الإنسان، فإن ذلك الإعلان الذي لا يختلف كثيراً في نتائجه عن إعلان حرية الشعوب الصغيرة أثناء الحرب، لم يُبح للفرنسيين إلا حرية الانغماس في حمأة الشهوات والرذائل التي تصرفهم عن سائر الشؤون وتجعلهم سهلي الانقياد. وهذه هي الحرية الوحيدة التي يتمتع بها الفرنسيون بكل ما في كلمة الحرية من المعنى. ــــــ لقد أكثر البشر الذين تعودوا أن ينتقضوا على كل قديم ويحبذوا كل جديد ويعرضوا عن الحقائق ويتعلقوا بأذيال الخيال، من الإطناب بالثورة الفرنسية وفرنسة إلى حد كادوا عنده يقطعون على أنفسهم كل مجال للتفكر في ماهية ما يطنبون به. والحقيقة أنه لو لم تكن الثورة الفرنسية خالية من المبادئ السامية المنسوبة إليها لما انتهت بمثل هذا الإفلاس الذي لا نظير له في العالم. وعندي أنّ الثورة الفرنسية أعظم مجزرة عرفها التاريخ وأكبر خدعة خُدع بها العالم إلى اليوم، لأنها وما ترتب عليها من الحروب والمجازر الأخرى في العالم لم تهب العالم الحرية والإخاء والمساواة، ولكن أفقدته كثيراً من زهرة رجاله وكبّدته خسائر حسية ومعنوية كبيرة. ـــــ لا أريد بما تقدم أن أقول إنه كان يجب على الفرنسيين أن يبقوا خاضعين لاستبداد حكامهم ويستمروا في حال العبودية التي كانوا عليها. ولكني أقول إنّ مبادئ الحرية والإخاء والمساواة ليست مبادئ ابتدعتها الثورة الفرنسية لأنها مبادئ مسيحية، وإنّ الفرنسيين بعد أن أضرموا الثورة وتخلصوا من عبوديتهم عادوا فاستسلموا إلى عبودية أخرى من نوع آخر، ولم يكتفوا بذلك فقط بل هم يوافقون على استعباد الغير أيضاً. فيرى مما تقدم كل ذي بصيرة وفهم أنه ليس هنالك ولا وجه واحد حقيقي للاعتقاد بصحة ما ينسبونه إلى الثورة الفرنسية من الصفات الإنسانية السامية والمبادئ العالية، وأنّ الصفة الحقيقية الوحيدة الواضحة في تلك الثورة وضوحاً تاماً هي صفة المجزرة الدموية فقط. لا تعجب يا عزيزي المطالع من هذه النتيجة المناقضة لكل ما سمعته عن محاسن فرنسة والثورة الفرنسية، لأن الأمة التي معظمها سكير متهوس محب لسفك الدم والاستعمار والاستعباد، لهي إلهة لا يمكن أن تكون أُمّ الحرية، ولا أن تكون ثوراتها مبعثاً للمبادئ السامية، ولا يرجى منها ولا من ثوراتها إلا ما يرجى من كل سكير متهوس محب لسفك الدم والاستعباد وثوراته! لقد خدعت فرنسة بثورتها العالم كله بعض الوقت ولكنها لن تستطيع خداعه كل الوقت، وإنّ الذين كانوا يحسنون الظن بفرنسة قد ابتدأوا الآن يغيّرون اعتقادهم". الثانية: معركة ميسلون استتبع سعاده نقد الروايات التاريخية الفرنسية المشوهة للحقيقة السورية، خصوصا ما ورد في أحداث معركة ميسلون وتداعياتها، التي تأتي في السياق التاريخي بعد معاهدة سايكس ــ بيكو ووعد بلفور ولواحقهما من أبرز تداعيات الثورة الفرنسية الكارثية على أمتنا. يقول سعادة: "لا تعجب يا عزيزي المطالع من هذه النتيجة المناقضة لكل ما سمعته عن محاسن فرنسة والثورة الفرنسية، لأن الأمة التي معظمها سكير متهوس محب لسفك الدم والاستعمار والاستعباد، لهي إلهة لا يمكن أن تكون أُمّ الحرية، ولا أن تكون ثوراتها مبعثاً للمبادئ السامية، ولا يرجى منها ولا من ثوراتها إلا ما يرجى من كل سكير متهوس محب لسفك الدم والاستعباد وثوراته! لقد خدعت فرنسة بثورتها العالم كله بعض الوقت ولكنها لن تستطيع خداعه كل الوقت، وإنّ الذين كانوا يحسنون الظن بفرنسة قد ابتدأوا الآن يغيّرون اعتقادهم". ونستتبع بالقول أنّ معركة ميسلون دليل آخر على خداع فرنسا للعالم كلّه بالثورة الفرنسية وشعاراتها الكاذبة .
بداية، من المفيد جدا، بل من الضروري، التذكير الدائم، بالمحطات التاريخية المشرّفة التي صنعها شعبنا بتصميمه وقوته وإرادته، ومن تلك المحطات المضيئة في تاريخ أمتنا "معركة ميسلون"، التي قال عنها سعاده: "إنّها بدء تاريخ الأمة السورية الحديث لا نهايته"، والذي اعتبر يوسف العظمة الثاوي في ميسلون من بين القادة والمحاربين الخالدين في تاريخ سورية. منتقدا بذلك الروايات التاريخية المشوهة لحقيقة معركة ميسلون وتداعياتها، وسنتطرق إلى ذلك في سياق هذه الدراسة. معركة ميسلون: يوم بدأت قوات الجيش الإلماني تتراجع عن العاصمة الفرنسية، باريس، في نهاية الحرب العالمية الأولى، كان كليمنصو رئيس الوزارة الفرنسية والملقب زورا "بأبو النصر"، يؤكد للشعب الفرنسي: "أنّ العصر الذهبي أخذ في البزوغ وأنّهم عمّا قليل يستثمرون ما يقع في أيديهم من الأراضي الشرقية الخيرات الكثيرة ويسوقون القطعان البشرية فيها بعصا من حديد" !!. أجل، بعصا كليمنصو، لا بمبادئ الثوررة الفرنسية، ساق الحلفاء "المنتصرون" في الحرب الشعوب المغلوبة على أمرها، ومن بينها الأمة السورية، إلى "مؤتمر الصلح"، حيث فرضوا عليها الإستسلام لشرائع الإستعمار والإستعباد والعبودية المغلفة بمبادئ السلام والحرية، وتحت شعار "الإنتداب" الذي هو استعمار جديد للشعوب المغلوبة على أمرها. وفي عصبة الأمم، وكر الجاسوسية اليهودية، تمّت أكبر عملية سطو، على الحقوق القومية، في تاريخ القرصنة الدولية، حيث استولى اليهود على خريطة الوطن السوري، ودفعوا بها إلى جزاري الطبّ السياسي، سايكس وبيكو، ومساعديهم اليهود، حيث أجريت أبشع جراحة سياسية، في جسم الأمة السورية الضعيف الخارج من بين أنياب استعمار عثماني دام أربعة قرون (1516-1916)، لتقع بين براثن استعمار جديد، أطلق عليه إسم الإنتداب، فكان احتلالا فرنسيا- بريطانيا على كيانات سياسية مفتعلة مفككة، مشوهة الهوية القومية الواحدة، متضاربة السيادات، متعدّدة الولاءات الخارجية، مرتبطة بالإرادات الغربية الغريبة عن مصلحتها القومية. ولم يكتف الحلفاء بهذه الشنيعة التي ارتكبوها في معاهدة سايكس – بيكو الباطلة حقوقيا، بل حملوا خريطة الوطن الجريح الضعيف المشلع إلى لندنن وأغمدوا في قلبها خنجرا ساما دعوه "وعد بلفور"، الوعد اللاحقوقي المشؤوم، الذي قال عنه كليمنت إثلي، أحد رؤساء الحكومة البريطانية السابقين: "إن وعد بلفور أعظم خطأ تاريخي اقترفته بريطانيا في تاريخ سياستها الخارجية، إذ وضعته بدون تفكير، إنّها لتجربة هوجاء" . الشعب الذي غدر به الحلفاء، من خلال وعوده الكاذبة له بالإستقلال والحرية والسيادة، ثار على المحتلين الجدد، ورفض إجراءتهم العدوانية، وطالب عبر "المؤتمر السوري العام"، بوحدة الأمة السورية أرضا وشعبا.. وجاء الردّ سريعا من المحتلين، إذ سارعوا إلى عقد "مجلسهم الأعلى" في مدينة "سان ريمو"، حيث وزعوا الإنتداب - الإحتلال على سورية بين فرنسا وبريطانيا، ملتزمين بتنفيذ "وعد بلفور"، واقتسام النفط في سورية بين ميلران الفرنسي ولويد جورج البريطاني، صاحب الوعد المشؤوم. إنّ فرض الإنتداب بالقوة الغاشمة على شعب رفضه وتصدى له، كان تحديا للمستعمر والشعب معا، فالمستعمر قرّر تنفيذ المقررات الدولية السابقة الباطلة، بالعدوان والحرب، والشعب قرّر التصدي واختار المقاومة والحرب غير المتكافئة، حفاظا على حريته وكرامته . إنفجرت الثورة السورية، وتشكّلت وزارة الأتاسي في دمشق، وكان من أبرز أعضائها وزير الدفاع يوسف العظمة، واتخذت في جلستها الأولى قرارا بفرض التجنيد الإجباري من أجل تعبئة الشعب في جبهة واحدة للتصدي للعدوان الفرنسي وتثبيت حقّ الأمة بقوتها. ويُذكر أنّ المؤتمرين المتآمرين في "سان ريمو" كلّفوا الجنرال الفرنسي غورو، المعروف بعدائه للسوريين، بتطبيق الإنتداب على بلادنا بالقوّة. فراح غورو يحشد قواته العسكرية على حدود المنطقة الشمالية، استعدادا للإجهاز على "المملكة العربية السورية"، التي أعلنت في الثامن من آذار عام 1920، ليفرض إحتلالا جديدا، جاء في بشاعته أشدّ هولا وأكثر ظلما من الإستعمار العثماني الذي دام أربعة قرون متواصلة . وردّا على قرار المؤتمر السوري العام في تموز 1919، القاضي بمقاومة أيّ حقّ تدعيه فرنسا في سورية، ورفض أي مساعدة تتقدم بها، باسم الإنتداب، وجّه غورو في 9 تموز الإنذار الأول إلى الحكومة في دمشق يطلب منها: - وضع سكّة حديد رياق – حلب تحت تصرف الجيش الفرنسسي . - إلغاء التجنيد الإجباري الذي أقرته الحكومة لمقاومة الغزو الفرنسي . - قبول الأوراق النقدية الفرنسية التي أُجبر البنك السوري على إصدارها . - معاقبة الوطنيين الذين نعتهم غورو بالمجرمين الذين استرسلوا في معاداة فرنسا . وأرفق غورو إنذاره برسالة شفوية إلى الملك فيصل يمنعه من السفر إلى أوروبا، قبل أن يوافق على شروط الإنذار . وقفت الحكومة في دمشق موقفا صلبا في وجه هذه الوقاحة الواضحة، وطلبت بإحالة هذه المسألة إلى هيئة "التحكيم الدولي"، كما أصدرت بيانا تعلن فيه استعدادها وتصميمها على الدفاع عن شرف البلاد في وجه الغدر الفرنسي . في 14 تموز، ذكرى الثورة الفرنسية، هذه "الثورة" التي كان من أعظم نتائجها الكارثية حروبا أوروبية وعالمية، ودماء بريئة ودمار، واعتداء موصوف على حريات الأمم، في ذكرى هذه الثورة، وجه غورو إنذاره الرسمي الأخير إلى الملك فيصل مذكرا فيه بالسياسة المعادية التي تنتهجها سورية ضد الفرنسيين، وكأنّ جيوش سورية على أبواب باريس، محدّدا مهلة إنتهاء الإنذار بأربعة أيام . كانت ردّة الفعل الشعبية والرسمية على إنذار غورو غير ما كان يتوقعه هذا المجرم، إذ رفض الشعب الإنذار، ونظّم المظاهرات، وأعلن الإضرابات، ولكنّ الحكومة فاجأت الشعب بقبولها تنفيذ بنود الإنذار... فثار الشعب في وجهها مطالبا بإسقاطها، متهما فيصل بالخيانة. ولكنّ غورو الذي قرّر فرض الإنتداب عن طريق إذلال الشعب، لم يأبه لموافقة الحكومة على تنفيذ إنذاره، بل أمر جيشه بالزحف على دمشق عن طريق شتوره – مجدل عنجر، بعد انسحاب الجيش السوري المسرّح منه، بناء لإنذاره. أمام هذا الواقع الجديد، تراجع فيصل عن سياسته الإنهزامية الإستسلامية، وانتشرت فكرة مواجهة الجيش الفرنسي في جميع أنحاء بلاد الشام، وأذيع قرار الدفاع عن شرف البلاد ضد الغزاة الجدد. يوم ميسلون: لم يشهد العالم حروبا ومعارك كالتي شهدها تاريخ الأمة السورية، وذلك بسبب موقعها الإستراتيجي وأهميتها الإقتصادية، وقد اتخذت التعديات الأجنبية على الأمة منحى جديدا وخطيرا وهو استغلال اليهود للأحداث من أجل تنفيذ مشروعهم الإغتصابي – الإستيطاني، تمهيدا لإقامة دولتهم الباطلة "من النيل إلى الفرات". وما ميسلون إلا الحلقة الأمتن في سلسلة المؤامرة اليهودية – الغربية على أمتنا، ومن جهة أخرى فهي المعركة النظامية الأولى في تاريخ سورية الحديث، يقوم بها جيش سوري، بقيادة قائد سوري، من أجل حرّية سورية . ما كاد "قرار الدفاع" ينتشر بين الشعب حتى هبّ أبناؤه للدفاع عن كرامة الوطن وشرفه، وتمكن القائد يوسف العظمة من جمع بعض فرق الجيش المسرّح إلى جانب المتوطعين وسار بهم إلى هضاب ميسلون لمواجهة أقوى جيش انتصر في الحرب العالمية الأولى . في المقابل، فقد نشطت عصابات الخونة، في الخطوط الخلفية للجبهة، تبث الدعايات الكاذبة وتخدر النفوس الثائرة تمهيدا لاستقبال الجيش الفرنسي المعتدي. وقبل نشوب معركة ميسلون، تصدى الثوار السوريون في مناطق مختلفة للجيش الفرنسي، في يحفوف وحلب، كما أقدموا على تفجير القطار العسكري الفرنسي قرب ناحية الصفير.. إلا أنّ ذلك لم يمنع إحدى فرق الجيش المعتدي من احتلال الشهباء، كما احتلت فرقة أخرى بقيادة غوابيه خان ميسلون، في 23 تموز، وهو موعد انتهاء إنذار غورو، لتنفجر في صبيحة اليوم، التالي 24 تموز 1920، معركة ميسلون غير المتكافئة بين شعب يدافع عن كرامة بلاده ومحتل يريد اخضاعها بالقوّة . بدأ الجيش السوري، المؤلف من ثلاث فرق شكّلها يوسف العظمة، الهجوم، ودارت رحى المعركة بين الجانبين، وراحت المدفعية الفرنسية المعادية، تصبّ نار حقدها على الثوار المهاجمين، وكانت القوات المدافعة تردّ بامكانياتها المحدودة، بعدها تدخّل الطيران الحربي الفرنسي وراح يمطر المتطوعين بقنابل "الأم الحنون"، وبدأت قوات غورو تتقدم نحو الأمام، وفي طليعتها الدبابات الثقيلة المتطوّرة التي حسمت المعركة الأخيرة في الحرب العالمية الأولى. أما في الجانب الآخر، فكان السوريون يسجلون، في ساحة المعركة أروع البطولات، يتقدمهم يوسف العظمة، ينظّم أمور الدفاع، ويشرف بنفسه على تنفيذ الخطط، متنقلا بين أبطال ميسلون وهو ينادي: يـــجـــب أن نـــمــوت شـــرفــاء. وبالفعل فقد سقط أبطال ميسلون شهداء شرفاء في أرض المعركة، وفي مقدمتهم القائد التاريخي يوسف العظمة، الذي لقن الأعداء درسا، مفاده: "لقد شهد أجدادنا الفاتحين ومشوا على بقاياهم، أما نحن فسنضع حدّا للفتوحات"، سعاده. أمّا فرنسا في ميسلون فقد سقطت من عالم الإنسانية الأدبي، وظهرت فيها نفسية الحقد والتشفي بأجلى المظاهر. فرنسا وداء التشفي لقد أظهرت فرنسا خلال تاريخها، أنّها مصابة بداء التشفي من أعدائها، خلافا لمبادئها المزورة في "الحرية والإخاء والمساواة"، وخلافا لأبسط قواعد علم التأريخ وفلسفته وآدابه في الموضوعية وطلب الحقيقة كم هي والإبتعاد عن الهوى والتنزه عن التزوير والترفع عن الأغراض السياسية الوضيعة. والأمثلة على ذلك كثيرة، وأبرزها بالنسبة لتاريخنا: معركة ميسلون وتداعياتها التي كشفت حقيقة النفسية الفرنسية المنغمسة في حبّ الإستعمار والإستعباد والتنكر لحقوق الإنسان والتمرّد على المواثيق الضامنة حقوق الشعوب وحريتها وسيادتها. وها هو مجرم ميسلون السفاح الجنرال الفرنسي غورو، وبروح مشبعة بالحقد وروح التشفي يوجّه في 14 تمّوز 1920 إلى الملك فيصل إنذاره الشهير بالإستسلام. أمّا لماذا اختار غورو هذا التاريخ ؟ لأنّه اليوم الذي تحتفل فيه فرنسا بذكرى الثورة الفرنسية 1789، وهو حفيدها، الذي أرسله القدر لإخضاع سورية، بإسم مبادئها الملطخة بالدماء، وبحلم رئيس وزرائها، السيء الذكر، كليمنصو، الذي رأى:" إنّ العهد الذهبي للفرنسيين أخذ في البزوغ ، وإنّنا عمّا قليل نستثمر ما يقع في أيدينا من الأراضي الشرقية الكثيرة الخيرات، ونسوق القطعان البشرية بعصا من حديد" . وها هو سعاده، بعد ربع قرن، يردّ الإعتبار إلى شعبنا ويصحح تاريخه، صارخا في وجه كليمنصو وأمثاله من العابثين بالقيم وحقوق الشعوب وكرامتها: "منذ الساعة التي أخذت فيها عقيدتنا القومية الإجتماعية تجمع بين الأفكار والعواطف وتلمّ شمل قوات الشباب المعرضة للتفرقة بين عوامل الفوضى القومية والسياسة المنتشرة في طول بيئتنا وعرضها، وتكوّن من هذا الجمع وهذا اللمّ نظاما جديدا ذا أساليب جديدة يستمدّ حياته من القومية الجديدة هو نظام الحزب السوري القومي الإجتماعي، منذ تلك الساعة إنبثق الفجر من الليل، وخرجت الحركة من الجمود، وانطلقت من وراء الفوضى قوّة النظام، وأصبحنا أمّة بعد أن كنّا قطعانا بشرية، وغدونا دولة تقوم على أربع دعائم :الحرية، الواجب، النظام والقوّة، التي ترمز إليها أربعة أطراف الزوبعة القومية الإجتماعية، الممثلة في علم الحزب السوري القومي الإجتماعي. منذ تلك الساعة نقضنا بالفعل حكم التاريخ وابتدأنا تاريخنا الصحيح، تاريخ الحرية والواجب والنظام والقوة، تاريخ الحزب السوري القومي الإجتماعي، تاريخ الأمة السورية الحقيقي"(7). هي ليست المرّة الأولى، ولن تكون الأخيرة، التي تظهر فيها نفسية التشفي عند الفرنسيين، إذ أنّ هذه الظاهرة متأصلة في تلك النفسية، وظهرت بوضوح عند انهزام إلمانيا في الحرب العالمية الأولى عام 1918، فقد أصرّ يومها الفرنسيون أن يُفتتح مؤتمر باريس في 18 كانون الثاني 1919، أي في نفس اليوم والشهر الذي أعلنت فيه الأمبراطورية الإلمانية، قبل 84 عاما، في 18 كانون الثاني 1871، وفي نفس المكان، في قاعة المرايا في قصر فرساي القريب من باريس، وذلك على أثر إنتصار البروسيين على الفرنسيين ، في إحدى معارك توحيد إلمانيا.. مما دفع بهتلر، إلى معاملة الفرنسيين بالمثل، يوم سقطت الجبهة الغربية في 21 حزيران 1940، إذ أجبر هتلر الفرنسيين على توقيع الهدنة في كمبيين (Compiegne)- الفرنسية وفي نفس عربة السكّة الحديدية وفي نفس البقعة اللتين كان الإلمان قد وقعوا فيهما في ذلّة وامتهان صكّ الهدنة مع الحلفاء في نوفمبر 1918 ! وبعد "انتصار" غورو في ميسلون، سار مباشرة إلى قبر صلاح الدّين الأيوبي في دمشق، ووقف أمامه، وقال مخاطبا الأيوبي: يا صلاح الدين أنت قلت لنا، في أبان حروبنا الصليبية أنّكم خرجتم من الشرق ولن تعودوا البتة، ها أنّنا قد عدنا، فانهض لترانا هنا، وقد ظفرنا باحتلال سوريا(8) أمّا الجنرال غوبيه، الذي رافق غورو في حملته الإجرامية، فقد ختم مذكراته بهذه العبارة: "أليست العدالة العليا هي التي سمحت لحفيد أسير الحروب الصليبية، أن يدخل المدينة المقدسة، ظافرا منصور"؟! نتائج معركة ميسلون: ترتّب على "انتصار" غورو في ميسلون: سقوط الملكة العربية السورية، وإجبار الملك فيصل على التخلي عن العرش. إخضاع كياني سايكس وبيكو "سوريا (الشام) و لبنان "للإنتداب الفرنسي، وإعلان الأحكام العرفية. وبداية "التاريخ السياسي" للكيانات المفتعلة، وإعلان "دولة لبنان الكبير" بشطحة قلم على حدّ تعبير حفيدة الشاعر الفرنسي لآمارتين. يقول سعاده: "لقد ظنّ المجرم غورو أنّه بانتهاء معركة ميسلون انتهت القضية السورية وأصبحت سورية تحت سيطرة فرنسا بلا معارض. والحقيقة أنّه ما كادت معركة ميسلون ، حتى ابتدأت المسألة السورية في دخول دور خطير. فبدل أن يخضع السوريون لـغورو وطدوا العزم على مناصرته العداء لاسترجاع الحرية التي سلبهم إياها والحقوق التي لم يحفل بها والاستقلال الذي لم يحترمه. لم يكن السوريين عازمين على مقاومة الفرنسيين قبل معركة ميسلون، لأنّهم كانوا في شكّ من نيّة فرنسا نحوهم، ولكن معركة ميسلون أزالت كلّ شكّ. وأماطت عن نوايا فرنسا وجشع فرنسا وغدر فرنسا، التي كانوا يظنونها إنّما جاءت لتحررهم وتمنحهم الإستقلال. أمّا وقد كشفت معركة ميسلون القناع عن حقيقة موقف فرنسا نحو الأمة التي استشهد نصفها جوعا في سبيلها، فلم يعد في وسع السوريين إلا القيام بثورة دموية في جميع أنحاء سورية لاسترجاع حريتهم واستقلالهم الذي سلبهم إياه رجال فرنسا"(9). لقد مهّدت معركة ميسلون لعدّة ثورات توجتها الثورة السورية الكبرى ولم يهدأ الشعب ولم يهادن المحتل حتى كان الاستقلال والجلاء الإنتدابي بكامله. سعاده انتقد الروايات التاريخية المعادية التي تتحدث عن معركة ميسلون وتداعياتها، خصوصا في الثورة السورية الكبرى، وتعتبرها إنتصارا تاريخيا لقوّة فرنسا ومبادئها السامية، وإنّ معركة ميسلون هي نهاية تاريخ الأمة السورية، انتقد سعاده هذه الروايات المضللة مؤكدا أنّ معركة ميسلون هي: "بدء تاريخ الأمة السورية الحديث، لا نهايته". وإن معركة ميسلون هي أعظم وأمجد المعارك التي شهدتها هذه البلاد في التاريخ الحديث، لأنّها تمثّل روح أمّة حيّة ترمز إلى مثله العليا. وأنّها أول معركة نظامية يقوم بها في التاريخ الحديث جيش سوري بقيادة قائد سوري من أجل حريّة سورية. وإنّها تمثّل مبدأ جديدا في حياة سورية جديدة المتنبهة، مبدأ العمل الجديد لا مبدأ الهرب من المسؤوليات، ثمّ ادعاء النصيب في ثمرة الجهاد. وإنّها الدليل القاطع على أنّ سورية قد صممت أن تكوّن تاريخها بنفسها وأن تحصد ما تزرع وتجني ما تغرس. وإنّها أعظم دليل على أنّ سورية تتمكن من صيانة كيانها والدفاع عن أرضها. وإنّها قوّة سحرية مخزونة، ولكنّها قوة فاصلة في حياة الأمم، هي قوة الإرادة العجيبة هي قوّة إرادة أمّة حيّة. وإنها تمثّل جزءا يسيرا جدا ممّا تستطيع الأمة السورية عمله مجتمعة. وإنّ قوّة الأمة كلها ومبلغ حنكتها وأساليبها لم تكن ممثلة تمثيلا صحيحا في ميسلون، فميسلون لم تكن سوى اختبار ضروري لتحسين أساليب عمل الأمّة. إنّ ميسلون هي بدء تاريخ الأمة السورية الحديث، لا نهايته، والذين لا يفهمون هذه الحقيقة لا يفهمون شيئا من حياة الأمم وموتها، ولا يفهمون شيئا من معاني التاريخ(10). وعلى أساس القاعدة المتقدمة: في أنّ ميسلون هي بدء تاريخ الأمة السورية الحديث، لا نهايته، والذين لا يفهمون هذه الحقيقة لا يفهمون شيئا من حياة الأمم وموتها، ولا يفهمون شيئا من معاني التاريخ . على أساس هذه القاعدة، توجّه سعاده بالنقد الشديد اللاذع لما أورده جبران مسوح في روايته التاريخية عن معركة ميسلون، في كتابه "المسيحي والمسلم"(12) . "وفي كتاب "المسيحي والمسلم" غير هذه السخافات سخافات أخرى تُظهر كم كان يجهل مسوح من أوليات الاجتماع والعمران كقوله: "والسياسة لوحدها شيء لازم للبشر، هي توجد الوطنية الحقة وتسنّ الشرائع بحسب مقتضى الحال، الخ". فتعريف السياسة بأنها "توجد الوطنية الصحيحة وتسّن الشرائع" يمكن أن يسخر منه تلامذة المدارس الابتدائية. فضلاً عن تلامذة المدارس الثانوية ومن فوقهم. أما شرحه، في دفاعه عن فرنسة، كيف استولت تلك الدولة على سورية مغتصبة إياها بالسيف من يد الأتراك، فدرسٌ عال في التاريخ القومي يعجز عنه أكبر مؤرخي العالم. جميع التواريخ التي تقول إن الجيش البريطاني هو الذي افتتح سورية بمساعدة الجيش العربي وشرذمات قليلة لا أهمية حربية لها من الجيش الفرنسي هي تواريخ كاذبة، ومثلها التواريخ التي تقول إنه أعلن استقلال الشام وتوّج الأمير فيصل الحسيني ملكاً عليها، واعترفت بعض الدول بهذا الاستقلال. وإنّ الجيش الفرنسي زحف بقيادة الجنرال غورو من لبنان لاحتلال الشام واغتصاب القسم الحر من سورية من أهاليها، وإنّ معركة دامية نشبت في ميسلون بين الجيش السوري المدافع عن سيادة أمته بقيادة الخالد الذكر الشهيد يوسف العظيم والجيش الفرنسي المعتدي. "هذا كله كذب" هكذا يقول المؤرخ العظيم جبران مسوح ويضيف: "والحقيقة أنها أخذتها من يد الأتراك بالسيف"(13). الثالثة: الحروب الفينقية الحروب الفينيقية هي مثل آخر عن تشويه الحقيقة السورية من خلال المدارس التاريخية المعادية وأتباعها من المؤرخين والباحثين والتشكيلات السياسية والطائفية من أبناء شعبنا المضللين، متجاهلين دور المدرسة السورية للتاريخ التي أنجبت المؤرخين والثقات الموثوقين في تدوين تاريخ الشعوب والدول في زمنهم. لقد انتقد سعاده بروح علمية، وبإيراد الحقائق التاريخية المثبتة، هذه الفلسفة التاريخية المغرضة التي تعمدت تشنيع كلّ صفة للشعب السوري وتحقير انجازاته الحضارية . يقول سعاده: "إذا ما قلت أنّ سورية هي التي نشرت الطابع العمراني في البحر المتوسط الذي صار أساس للتمدن الغربي الحديث، فإنّي أقول ذلك بأدلة وثيقة حتى من التاريخ الذي كتبه مؤرخون هم من تلامذة المدرسة الإقريكية - الرومانية بعد انقراض المدرسة السورية للتاريخ، وعندما أقول تلامذة المدرسة الإقريكية – الرومانية للتاريخ، أعني مدرسة التاريخ التي رمت إلى تشنيع كلّ صفّة للشعب السوري بعامل العداوة بين السوريين والإقريك أو بين السوريين والرومان أخيرا. ففي الصراع العنيف على السيادة البحرية في المتوسط بين السوريين والإقريك أولا، ثمّ بين السوريين والرومان، نشأ صراع قويّ جدا بين أدب الإقريك والسوريين، وبين أدب السوريين وأدب الرومانيين. وقد أثبتت في حديثي الماضي عن كيفية تشويه الحقائق التاريخية، مثلا ما رواه "النبع" المصدر التاريخي للحروب الفينقية المعروفة بالتسمية (بونك) تحريف الفينقية عن الإقريك. فوليبو هو المصدر الأساسي لكلّ من يريد أن يكتب في تاريخ الحروب الفينيقية الثلاثة التي نشبت بين قرطاجة ورمية. ففي رواية فوليبيو عن كيفية قطع هاني بعل لجبال الألب والبيرانيز قصد تشويه هذه الحملة التي لم يسبق لها مثيل ولم تصل إلى عظمتها أيّة محاولة شبيهة بها من قبلها أو بعدها. قال مخطئا الذين يرون في هذا القطع لأعظم جبال في أوروبا عملا عظيما، قال: إنّه سبق لجماعات بشرية أن قطعت جبال الألب، وعنى بالذين عبروا تلك الجبال جماعات متوحشة من الجلالقة أوغيرهم، وأراد أن يقرن بين انتشار جماعات متوحشة بغير قصد تدفعها في ارتحالها عوامل عمياء أو اضطرار قاهر، وبين حملة عسكرية مرتبة منظمة في الدماغ من قبل، مهيأة بترتيب ومجهزة بقصد واضح وترتيب للقيام بها مع تقدير لكلّ خطورتها وبقصد، ليس فقط اجتياز هذه الجبال، بل إخضاع العدوّ. إنّ تصميما عظيما من هذا النوع لا يمكن أن يمثّل بجماعات متوحشة يمكن أن تصعد وتنزل في الجبال، إنّ فرقا عظيما بين هذين. مع ذلك فلم يجد فوليبيو أي فرق ولم يرد أن يجد أي فرق لأنّه قصد من روايته أن يُحقّر كلّ عمل قام من الناحية السورية . هذا مثل واحد، وهنالك أمثال عديدة من هذا النوع تدلّ على كيفية رمي المدرسة الإقريكية – الرومانية التاريخية إلى تشويه الحقيقة السورية وعدم الإعتراف بأي فضل لها ولا بأيّة قيمة . كانت الغاية عند سعاده من نقد فلسفة الروايات التاريخية المعادية والمجحفة بحقّ تراثنا وحضارتنا، هو إنصاف التاريخ السوري، من خلال كشف الحقائق التاريخية وتثبيتها على قواعد علمية، لا تقبل الشك، وعلى أساسها تستمدّ النهضة السورية القومية الإجتماعية روحها من مواهب الأمة السورية وتاريخها الثقافي القومي . يقول سعاده: "هل يضيرنا أن يكون منا الفينيقيون، وهم كانوا أفعل عامل في ترقية المدنية الحديثة بما نشروا من معارف وصناعات وكتابة. وهم الذين حفظوا البحار وحافظوا على سلامة المواصلات البحرية، ومنهم خرج محاربون بحريون من الطراز الأول، ومنهم خرج أعظم نابغة حربي في كل العصور وفي كل الأمم وصار حجة ضد القائلين إنه ليس بين الساميين نبوغ بالمعنى الصحيح، هو هني بعل أو هنيبال الذي ابتكر خططاً حربية لا تزال مثالاً ينسج على منواله قواد الحروب الحديثة، وصار اسمه مثالاً للشجاعة والبطولة كما كان شبحاً يرعب رومة في إبان صولتها، حتى صار القول «هني بعل على الأبواب!» مثلاً يضرب لكل خطر مداهم . (أو: ليس هني بعل على الأبواب لكلّ خطر مستبعد). ففي خطاب ألقاه موسوليني منذ بضعة سنين في المجلس الإيطالي جواباً على مناورات فرنسة ويوغوسلافية قال: «إنّ إيطالية لن تخاف شيئاً فــ هاني بعل ليس على أبواب روما». والحقيقة التي يذكرها المؤرخون هي أنّ خطط هني بعل في معركة كاني الشهيرة التي سحق فيها أعظم جيش أرسلته رومة لمحاربته، هي التي عوّل عليها أركان حرب الجيش الألماني في وضع خططه الباهرة في الحرب العظمى(14). المدارس التاريخية المعادية ولما كان لم يسلم من حريق قرطاجة بعد فتح سيبيو، كتب عن التاريخ السوري، أصبح التاريخ السوري وتأويل التاريخ ورواية التاريخ، وقفا على اتجاه المدرسة الإقريكية- الرومانية التي بخست السوريين حقهم في الإنشاء والإبداع والعمران"(15) المرجع: محاضرة الزعيم السادسة . المدرسة السورية القديمة للتاريخ هي تلك التي سبقت الفتوحات الأجنبية الكبرى، الفارسية والإغريقية والرومانية، حيث كان مؤرخو سورية يُعتمدون ثقات ومعلمين للذين يريدون تدوين التاريخ أممهم. الأقريك والرومان اعتمدوا على مؤرخين كنعانيين (فينيقيين) قديما ليؤرخوا عن بلادهم. وقد شهد بهذه الحقيقة المؤرخ الإيطالي المشهور شيزر كنتو في مؤلفه "التاريخ العالمي"(16) المحاضرة 3 و4 . بعد الفتوحات الخارجية الكبرى التي تعرّضت لها الأمة السورية على يدّ الفارسيين والإغريق، دوّن مؤرخو تلك الدول تاريخ الأمة السورية، بروح عدائية، تعمّدت تشنيع وتحقير وتزوير التاريخ السوري. "ومنذ انهار بعامل الفتح الروماني النظام السوري السياسي والإجتماعي والحربيّ الذي تطوّرت الحياة السورية نحوه منذ القدم وتجلى في الدولة السورية السلوقية التي صارت أمبراطورية عظيمة بعد توحدات سياسية سابقة أقلّ متانة وأسرع عطبا، تعرّض مصير سورية لتقلبات كثيرة في أجيال عديدة كان الفاعل الأقوى فيها دائما إرادة الفاتح الجديدة وسياسته، فجزئت البلاد ثم وحدت، ثمّ جزئت حتى ضاعت حقيقتها، وخرجت دورة حياتها عن محورها، وتراكمت على مخلفاتها طبقات الأرض .."(17). ودوّن مؤرخو تلك الدول تاريخ الأمة السورية بروح عدائية، ركّزت بصورة خاصة على تشويه الهوية السورية عبر إطلاق تسميات سياسية جزئية على شخصيتها الواحدة، يقول سعاده: "بعد تلك الفتوحات سقطت جميع شعوب سورية ودولها وخضعت للأجنبي، وصارت الدول الأجنبية هي التي تسيطر، والمؤرخون الأجانب الذين استقوا منا قديما هم الذين أصبحوا يعرّفون سورية وحقيقتها على الأشكال التي تقرّرها تلك الدول الأجنبية وبالإسماء التي تقرّرها هي لها"(18).. "إنّ تاريخ سورية بعد الفتوحات الأجنبية الكبرى، خصوصا فتوحات الفرس والإقريك والرومان، كان يُكتب دائما من أجانب. تعريف البلاد، تعريف حقيقتها، كان يُعين دائما من قبل مؤرخي المدرسة الإقريكية الرومانية للتاريخ الذين كتبوا بروح العداء لسورية والسوريين، وبعدم إنصاف للحضارة والثقافة السوريتين"(19). "التواريخ الأجنبية والمؤرخون الأجانب لم ينظروا إلى سورية من وجهة حقيقة الأمة وحقيقة الوطن، بل من وجهة النظر السياسية بلا تحقيق للوضع الطبيعي والإجتماعي. والمصدران اليوناني والروماني هما عدوان تاريخيان للأمة السورية ولاتجاهها التاريخي. ولذلك لا يمكن لهذين المصدرين الأوليين للتاريخ أن ينصفا السوريين في حقيقة نفسيتهم، في حقيقة وجودهم في العالم"(20) ولما كان لم يسلم من حريق قرطاجة بعد فتح سيبيو، كتب عن التاريخ السوري، أصبح التاريخ السوري وتأويل التاريخ ورواية التاريخ، وقفا على اتجاه المدرسة الإقريكية - الرومانية التي بخست السوريين حقهم في الإنشاء والإبداع والعمران"(21). * مجاراة التواربخ الأجنبية جارى معظم المؤرخين والباحثين والتشكيلات السياسية والطائفية من شعبنا، في تدوين تاريخ سورية، المراجع الأجنبية المعادية، ونسجوا على منوالهم، فكادت من جراء ذلك تضيع هويتنا القومية، إلى أن انبثقت أنوار النهضة السورية القومية الإجتماعية. (راجع ما كتبه سعاده في مقالتي: "صناعة العقائد المزيفة" و"مثالب الذل والخداع") "منذ تلك الساعة نقضنا بالفعل حكم التاريخ وابتدأنا تاريخنا الصحيح، تاريخ الحرية والواجب والنظام والقوة، تاريخ الحزب السوري القومي الإجتماعي، تاريخ الأمة السورية الحقيقي"(22) . في الشرح يقول سعاده: منذ تلك الساعة نقضنا بالفعل حكم التاريخ يعني أنّنا بارتباطنا في وحدة العقيدة قد عكسنا قول التاريخ فينا، أنّنا جماعة لا تربطها رابطة، لا تكوّن شخصية، لا تكون مجتمعا موحد الحياة، بل جماعة أو جماعات من البشر متنافرة متباينة متعايشة، ليس لها إرادة، لا تعمل ما تريدن بل ما يفرض عليها من المجتمعات الخارجية الفاهمة التي تستخدم مجموعنا وسيلة لبلوغ أغراضها وغاياتها هي" "أعود فأقول إنّ هذا القوة النظامية ستغير وجه التاريخ في الشرق الأدنى. وقد شاهد أجدادنا الفاتحين ومشوا على بقاياهم، أما نحن فسنضع حدّا للفتوحات"(23). ورأى سعاده أنّ الأمة التي تحقّق فيها الوعي للحقائق الأساسية، هي وحدها القادرة على تكوين خطط الإتجاه التاريخي، وقد وضع نظام الحزب السوري القومي الإجتماعي لصون النهضة القومية الإجتماعية التي ستغيّر وجه التاريخ، يوضح سعاده ذلك في المحاضرة الثانية: فـــ"...الامة هي هيئة تحقّق فيها الوعي وحصلت النظرة الفاهمة الواضحة الصريحة الى الحياة والكون والفنّ، فحيث لا توجد هذه الأسس تظلّ الأمة موجودة في حالة امكانية فقط ولا تصير حقيقة إلا بعد ان يحصل الوعي للحقائق الأساسية التي تكوّن وحدة الاتجاه وخطط الإتجاه التاريخي. وإنّنا لا نجد هذه الأسس في سورية الطبيعية كلّها إلا في الحزب السوري القومي الإجتماعي"(24) الذي من خلال نظامه سيغيّر وجه التارخ، هذا النظام الجديد "الذي لا بدّ منه لتكييف حياتنا القومية الجديدة، ولصون هذه النهضة العجيبة التي ستغيّر وجه التاريخ في الشرق الأدنى ، من تدخل العوامل الرجعية التي لا يؤمن جانبها والتي قد تكون خطرا عظيما يهدّد كلّ حركة تجديدية بالفساد في ظلّ النظام البرلماني التقليدي الذي لا سلطة له في التكييف"(25) . هوامش 1) جريدة المعرض، عدد32، تاريخ 30- 5- 1931 . 2) (2 مكرّر): سعاده: نشؤ الأمم، الفصل الثاني: السلائل البشرية . 3) سعاده: ألقى سعاده هذه المحاضرة في الحفلة الإفتتاحية للنادي الفلسطيني في بيروت عام 1933. ونشرت في جريدة "النهضة" في العددين 64 و65، تاريخ 30/12/1937 و31/12/1937. راجع: الاعمال الكاملة، م1، ص398 . 4) سعاده: نشؤ الأمم، راجع الفصل الثالث: الأرض وجغرافيتها. 5) سعاده: الحرية وأم الحرية، تأملات في الثورة الفرنسية، الأعمال الكاملة، م1، ص46 . 6) روسو: جان جاك روسو (1712-1778)، فيلسوف سويسري كبير، كتب نظرية "العقد الإجتماعي" 7) سعاده: المحاضرة الثانية، خطاب الزعيم التوجيهي الأول 1935 . 8) صلاح الدين الأيوبي: (1137-1193)، أسس الدولة الأيوبية، ووحّد مصر وبلاد الشام والحجاز وتهامة واليمن في ظلّ الراية العباسية، بعد أن قضى على الخلافة الفاطمية التي استمرت 262 سنة، قاد أكثر من 15 حملة عسكرية، وانتصر على الصليبيين في معركة حطين عام 1187، وحرّر مدينة القدس . 9) سعاده : مقالة: الإتحاد العملي في حياة الأمم 10) سعاده: الأعمال الكاملة، م 1، ص402 11 و12): سعاده : المرجع نفسه، ص 109 . 13) سعاده: الأعمال الكاملة،م7، ص109 14) سعاده: الأعمال م1، ص398 . 15) سعاده: راجع المحاضرة السادسة. 16) سعاده: المحاضرة الثالثة والرابعة . 17) سعاده: مقدمة كتاب التعاليم السورية القومية الإجتماعية ، طبعة آذار 1947 18) و19) و20) سعاده: المحاضرة الرابعة . 21) و22) و23) و24) و25) سعاده :راجع المحاضرة الثانية .
|
جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه |